عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:06 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (بسم الله الرّحمن الرّحيم
{والفجر * وليالٍ عشرٍ * والشّفع والوتر * واللّيل إذا يسر * هل في ذلك قسمٌ لذي حجرٍ * ألم تر كيف فعل ربّك بعادٍ * إرم ذات العماد * الّتي لم يخلق مثلها في البلاد * وثمود الّذين جابوا الصّخر بالواد * وفرعون ذي الأوتاد * الّذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصبّ عليهم ربّك سوط عذابٍ * إنّ ربّك لبالمرصاد}.
أمّا الفجر فمعروفٌ، وهو الصّبح. قاله عليٌّ وابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وعكرمة والسّدّيّ.
وعن مسروقٍ ومحمّد بن كعبٍ: المراد به فجر يوم النحر خاصّةً، وهو خاتمة الليالي العشر.
وقيل: المراد بذلك الصلاة التي تفعل عنده. كما قاله عكرمة.
وقيل: المراد به جميع النهار. وهو روايةٌ عن ابن عبّاسٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 390]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (واللّيالي العشر المراد بها عشر ذي الحجّة، كما قاله ابن عبّاسٍ وابن الزّبير ومجاهدٌ وغير واحدٍ من السّلف والخلف.
وقد ثبت في صحيح البخاريّ عن ابن عبّاسٍ مرفوعاً: ((ما من أيّامٍ العمل الصّالح أحبّ إلى الله فيهنّ من هذه الأيّام)). يعني: عشر ذي الحجّة. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلاّ رجلاً خرج بنفسه وماله ثمّ لم يرجع من ذلك بشيءٍ)).
وقيل: المراد بذلك العشر الأول من المحرّم. حكاه أبو جعفر بن جريرٍ، ولم يعزه إلى أحدٍ.
وقد روى أبو كدينة، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وليالٍ عشرٍ} قال: هو العشر الأول من رمضان.
والصّحيح هو القول الأوّل؛ قال الإمام أحمد:
حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثنا عيّاش بن عقبة، حدّثني خير بن نعيمٍ، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشّفع يوم النّحر».
ورواه النّسائيّ، عن محمد بن رافعٍ وعبدة بن عبد الله، وكلٌّ منهما عن زيد بن الحباب به، ورواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ من حديث زيد بن الحباب به، وهذا إسنادٌ رجاله لا بأس بهم، وعندي أنّ المتن في رفعه نكارةٌ. والله أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 390-391]

تفسير قوله تعالى: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {والشّفع والوتر} قد تقدّم في هذا الحديث أنّ الوتر يوم عرفة؛ لكونه التّاسع، وأنّ الشّفع يوم النّحر؛ لكونه العاشر. وقاله ابن عبّاسٍ وعكرمة والضّحّاك أيضاً.
قولٌ ثانٍ: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثني عقبة بن خالدٍ، عن واصل بن السّائب، قال: سألت عطاءً عن قوله: {والشّفع والوتر} قلت: صلاتنا وترنا هذا؟ قال: لا، ولكن الشّفع يوم عرفة، والوتر ليلة الأضحى.
قولٌ ثالثٌ: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمد بن عامر بن إبراهيم الأصبهانيّ، حدّثني أبي، عن النّعمان - يعني: ابن عبد السلام - عن أبي سعيد بن عوفٍ، حدّثني بمكّة، قال: سمعت عبد الله بن الزّبير يخطب الناس، فقام إليه رجلٌ فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن الشفع والوتر. فقال: الشفع قول الله عزّ وجلّ: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه}، والوتر قوله: {ومن تأخّر فلا إثم عليه}.
وقال ابن جريجٍ: أخبرني محمد بن المرتفع، أنه سمع ابن الزّبير يقول: الشفع: أوسط أيام التشريق، والوتر: آخر أيام التشريق.
رواه ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ من طريق ابن جريجٍ. ثمّ قال ابن جريرٍ: وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خبرٌ يؤيّد القول الذي ذكرناه عن ابن الزبير.
حدّثني عبد الله بن أبي زيادٍ القطوانيّ، حدّثنا زيد بن الحباب، أخبرني عيّاش بن عقبة، حدّثني خير بن نعيمٍ، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الشّفع اليومان، والوتر الثّالث».
هكذا ورد هذا الخبر بهذا اللفظ، وهو مخالفٌ لما تقدّم من اللّفظ في رواية أحمد والنّسائيّ وابن أبي حاتمٍ، وما رواه هو أيضاً.والله أعلم.
وفي الصحيحين من رواية أبي هريرة، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله تسعاً وتسعين اسماً، مائةً إلاّ واحداً، من أحصاها دخل الجنّة، وهو وترٌ يحبّ الوتر».
قولٌ رابعٌ: قال الحسن البصريّ وزيد بن أسلم: الخلق كلّهم شفعٌ ووترٌ، أقسم تعالى بخلقه.وهو روايةٌ عن مجاهدٍ، والمشهور عنه الأول.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: {والشّفع والوتر} قال: الله وترٌ واحدٌ وأنتم شفعٌ. ويقال: الشفع: صلاة الغداة، والوتر: صلاة المغرب.
قولٌ خامسٌ: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ: {والشّفع والوتر} قال: الشّفع: الزّوج، والوتر: الله عزّ وجلّ.
وقال أبو عبد الله، عن مجاهدٍ: الله الوتر، وخلقه الشفع؛ الذكر والأنثى.
وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {والشّفع والوتر}: كلّ شيءٍ خلقه الله شفعٌ، السماء والأرض، والبرّ والبحر، والجنّ والإنس، والشمس والقمر، ونحو هذا.
ونحا مجاهدٌ في هذا ما ذكروه في قوله تعالى: {ومن كلّ شيءٍ خلقنا زوجين لعلّكم تذكّرون} أي: لتعلموا أنّ خالق الأزواج واحدٌ.
قولٌ سادسٌ: قال قتادة، عن الحسن: {والشّفع والوتر} هو العدد؛ منه شفعٌ ومنه وترٌ.
قولٌ سابعٌ في الآية الكريمة:
قال أبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ وغيرهما: هي الصلاة؛ منها شفعٌ كالرّباعيّة والثّنائيّة، ومنها وترٌ كالمغرب؛ فإنها ثلاثٌ، وهي وتر النهار. وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجّد من الليل.
وقد قال عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، عن عمران بن حصينٍ: {والشّفع والوتر} قال: هي الصلاة المكتوبة؛ منها شفعٌ ومنها وترٌ. وهذا منقطعٌ وموقوفٌ، ولفظه خاصٌّ بالمكتوبة. وقد روي متّصلاً مرفوعاً إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولفظه عامٌّ؛ قال الإمام أحمد:
حدّثنا أبو داود - هو الطّيالسيّ - حدّثنا همّامٌ، عن قتادة، عن عمران بن عصامٍ، أنّ شيخاً حدّثه من أهل البصرة، عن عمران بن حصينٍ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن الشفع والوتر فقال: «هي الصّلاة؛ بعضها شفعٌ وبعضها وترٌ».
هكذا وقع في المسند، وكذا رواه ابن جريرٍ، عن بندارٍ، عن عفّان، وعن أبي كريبٍ، عن عبيد الله بن موسى، كلاهما عن همّامٍ - وهو ابن يحيى - عن قتادة، عن عمران بن عصامٍ، عن شيخٍ، عن عمران بن حصينٍ، وكذا رواه أبو عيسى التّرمذيّ، عن عمرو بن عليٍّ، عن ابن مهديٍّ وأبي داود، كلاهما عن همّامٍ، عن قتادة، عن عمران بن عصامٍ، عن رجلٍ من أهل البصرة، عن عمران بن حصينٍ به، ثمّ قال: غريبٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث قتادة، وقد رواه خالد بن قيسٍ أيضاً عن قتادة. وقد روي عن عمران بن عصامٍ، عن عمران نفسه. والله أعلم.
قلت: ورواه ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا همّامٌ، عن قتادة، عن عمران بن عصامٍ الضّبعيّ - شيخٍ من أهل البصرة - عن عمران بن حصينٍ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فذكره. هكذا رأيته في تفسيره، فجعل الشيخ البصريّ هو عمران بن عصامٍ.
وهكذا رواه ابن جريرٍ: حدّثنا نصر بن عليٍّ، حدّثني أبي، حدّثني خالد بن قيسٍ، عن قتادة، عن عمران بن عصامٍ، عن عمران بن حصينٍ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الشفع والوتر، قال: «هي الصّلاة؛ منها شفعٌ ومنها وترٌ».
فأسقط ذكر الشيخ المبهم، وتفرّد به عمران بن عصامٍ الضّبعيّ أبو عمارة البصريّ إمام مسجد بني ضبيعة، وهو والد أبي جمرة نصر بن عمران الضّبعيّ، روى عنه قتادة وابنه أبو جمرة، والمثنّى بن سعيدٍ، وأبو التّيّاح يزيد بن حميدٍ، وذكره ابن حبّان في كتاب الثّقات.
وذكره خليفة بن خيّاطٍ في التابعين من أهل البصرة، وكان شريفاً نبيلاً حظيًّا عند الحجّاج بن يوسف، ثمّ قتله يوم الزاوية سنة ثلاثٍ وثمانين؛ لخروجه مع ابن الأشعث. وليس له عند التّرمذيّ سوى هذا الحديث الواحد، وعندي أن وقفه على عمران بن حصينٍ أشبه.والله أعلم.
ولم يجزم ابن جريرٍ بشيءٍ من هذه الأقوال في الشفع والوتر). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 391-393]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {واللّيل إذا يسر} قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: أي: إذا ذهب.
وقال عبد الله بن الزّبير: {واللّيل إذا يسر} حتى يذهب بعضه بعضاً.
وقال مجاهدٌ وأبو العالية وقتادة ومالكٌ، عن زيد بن أسلم وابن زيدٍ: {واللّيل إذا يسر}: إذا سار.وهذا يمكن على حمله على ما قال ابن عبّاسٍ، أي: ذهب. ويحتمل أن يكون المراد: إذا سار، أي: أقبل، وقد يقال: إن هذا أنسب؛ لأنه في مقابلة قوله: {والفجر}؛ فإنّ الفجر هو إقبال النهار وإدبار الليل، فإذا حمل قوله: {واللّيل إذا يسر} على إقباله كان قسماً بإقبال الليل وإدبار النهار، وبالعكس: {واللّيل إذا عسعس * والصّبح إذا تنفّس}.
وكذا قال الضّحّاك: {واللّيل إذا يسر} أي: يجري.
وقال عكرمة: {واللّيل إذا يسر} يعني: ليلة جمعٍ. رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ، ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أحمد بن عصامٍ، حدّثنا أبو عامرٍ، حدّثنا كثير بن عبد الله بن عمرٍو، قال: سمعت محمد بن كعبٍ القرظيّ يقول في قوله: {واللّيل إذا يسر} قال: اسر يا سار، ولا تبيتنّ إلاّ بجمعٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 393-394]

تفسير قوله تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {هل في ذلك قسمٌ لذي حجرٍ} أي: لذي عقلٍ ولبٍّ وحجاً.
وإنما سمّي العقل حجراً؛ لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال والأقوال، ومنه حجر البيت؛ لأنه يمنع الطائف من اللّصوق بجداره الشاميّ، ومنه حجر اليمامة، وحجر الحاكم على فلانٍ إذا منعه التصرّف، {ويقولون حجراً محجوراً}، كلّ هذا من قبيلٍ واحدٍ ومعنًى متقاربٍ، وهذا القسم هو بأوقات العبادة وبنفس العبادة من حجٍّ وصلاةٍ، وغير ذلك من أنواع القرب التي يتقرّب بها إليه عباده المتّقون، المطيعون له، الخائفون منه، المتواضعون لديه، الخاشعون لوجهه الكريم). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 394]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولمّا ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده: {ألم تر كيف فعل ربّك بعادٍ} وهؤلاء كانوا متمرّدين عتاةً جبّارين، خارجين عن طاعته، مكذّبين لرسله، جاحدين لكتبه، فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمّرهم وجعلهم أحاديث وعبراً.
فقال: {ألم تر كيف فعل ربّك بعادٍ * إرم ذات العماد}.
وهؤلاء عادٌ الأولى، وهم أولاد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوحٍ. قاله ابن إسحاق، وهم الذي بعث فيهم رسوله هوداً عليه السلام، فكذّبوه وخالفوه، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم، وأهلكهم {بريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيّامٍ حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ فهل ترى لهم من باقيةٍ}. وقد ذكر الله قصّتهم في القرآن في غير ما موضعٍ؛ ليعتبر بمصرعهم المؤمنون.
فقوله: {بعادٍ * إرم ذات العماد} عطف بيانٍ؛ زيادة تعريفٍ بهم.
وقوله: {ذات العماد}؛ لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشّعر التي ترفع بالأعمدة الشّداد، وقد كانوا أشدّ الناس في زمانهم خلقةً وأقواهم بطشاً، ولهذا ذكّرهم هودٌ بتلك النعمة، وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربّهم الذي خلقهم، فقال: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ وزادكم في الخلق بسطةً فاذكروا آلاء الله} {ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
وقال تعالى: {فأمّا عادٌ فاستكبروا في الأرض بغير الحقّ وقالوا من أشدّ منّا قوّةً أولم يروا أنّ الله الّذي خلقهم هو أشدّ منهم قوّةً}، وقال ههنا: {الّتي لم يخلق مثلها في البلاد} أي: القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم؛ لقوّتهم وشدّتهم وعظم تركيبهم.
قال مجاهدٌ: إرم أمّةٌ قديمةٌ. يعني: عاداً الأولى.
قال قتادة بن دعامة والسّدّيّ: إنّ إرم بيت مملكة عادٍ. وهذا قولٌ حسنٌ جيّدٌ قويٌّ.
وقال مجاهدٌ وقتادة والكلبيّ في قوله: {ذات العماد}: كانوا أهل عمودٍ، لا يقيمون.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: إنما قيل لهم: {ذات العماد} لطولهم. واختار الأوّل ابن جريرٍ، وردّ الثاني فأصاب.
وقوله: {الّتي لم يخلق مثلها في البلاد} أعاد ابن زيدٍ الضمير على العماد؛ لارتفاعها، وقال: بنوا عمداً بالأحقاف لم يخلق مثلها في البلاد.
أمّا قتادة وابن جريرٍ فأعاد الضمير على القبيلة؛ أي: لم يخلق مثل تلك القبيلة في البلاد، يعني: في زمانهم. وهذا القول هو الصواب. وقول ابن زيدٍ ومن ذهب مذهبه ضعيفٌ؛ لأنه لو كان أراد ذلك لقال: التي لم يعمل مثلها في البلاد، وإنما قال: {لم يخلق مثلها في البلاد}.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عمّن حدّثه، عن المقدام، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنه ذكر إرم ذات العماد فقال: «كان الرّجل منهم يأتي على الصّخرة فيحملها على الحيّ فيهلكهم».
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا أبو الطاهر، حدّثنا أنس بن عياضٍ، عن ثور بن زيدٍ الدّيليّ، قال: قرأت كتاباً - قد سمّى حيث قرأه -: أنا شدّاد بن عادٍ، وأنا الذي رفعت العماد، وأنا الذي شددت بذراعي نظر واحدٍ، وأنا الذي كنزت كنزاً على سبعة أذرعٍ، لا يخرجه إلا أمّة محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم.
قلت: فعلى كلّ قولٍ، سواءٌ كانت العماد أبنيةً بنوها، أو أعمدة بيوتهم للبدو، أو سلاحاً يقاتلون به، أو طول الواحد منهم - فهم قبيلةٌ وأمّةٌ من الأمم، وهم المذكورون في القرآن في غير ما موضعٍ، المقرونون بثمود، كما ههنا. والله أعلم.
ومن زعم أنّ المراد بقوله: {إرم ذات العماد} مدينةٌ إما دمشق، كما روي عن سعيد بن المسيّب وعكرمة، أو إسكندريّة كما روي عن القرظيّ، أو غيرهما - ففيه نظرٌ؛ فإنه كيف يلتئم الكلام على هذا: {ألم تر كيف فعل ربّك بعادٍ * إرم ذات العماد} إن جعل ذلك بدلاً أو عطف بيانٍ؛ فإنه لا يتّسق الكلام حينئذٍ، ثمّ المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعادٍ، وما أحلّ الله بهم من بأسه الذي لا يردّ، لا أنّ المراد الإخبار عن مدينةٍ أو إقليمٍ.
وإنما نبّهت على هذا لئلا يغترّ بكثيرٍ ممّا ذكره جماعةٌ من المفسّرين عند هذه الآية من ذكر مدينةٍ يقال لها: إرم ذات العماد مبنيةٌ بلبن الذهب والفضّة، قصورها ودورها وبساتينها، وأن حصباءها لآلئ وجواهر، وترابها بنادق المسك، وأنهارها سارحةٌ، وثمارها ساقطةٌ، ودورها لا أنيس بها، وسورها وأبوابها تصفر، ليس بها داعٍ ولا مجيبٌ، وأنّها تنتقل؛ فتارةً تكون بأرض الشام، وتارةً باليمن، وتارةً بالعراق، وتارةً بغير ذلك من البلاد.
فإنّ هذا كلّه من خرافات الإسرائيليّين من وضع بعض زنادقتهم؛ ليختبروا بذلك القول عقول الجهلة من الناس إن صدّقهم في جميع ذلك.
وذكر الثّعلبيّ وغيره أنّ رجلاً من الأعراب - وهو عبد الله بن قلابة - في زمان معاوية ذهب في طلب أباعر له شردت، فبينما هو يتيه في ابتغائها إذ اطّلع على مدينةٍ عظيمةٍ، لها سورٌ وأبوابٌ، فدخلها فوجد فيها قريباً ممّا ذكرناه من صفات المدينة الذهبيّة التي تقدّم ذكرها، وأنه رجع فأخبر الناس، فذهبوا معه إلى المكان الذي قال: فلم يروا شيئاً.
وقد ذكر ابن أبي حاتمٍ قصّة إرم ذات العماد ههنا مطوّلةً جدًّا، فهذه الحكاية ليس يصحّ إسنادها، ولو صحّ إلى ذلك الأعرابيّ فقد يكون اختلق ذلك، أو أنه أصابه نوعٌ من الهوس والخبال، فاعتقد أن ذلك له حقيقةٌ في الخارج، وليس كذلك، وهذا مما يقطع بعدم صحّته.
وهذا قريبٌ ممّا يخبر به كثيرٌ من الجهلة والطامعين و المتحيّلين من وجود مطالب تحت الأرض، فيها قناطير الذهب والفضّة، وألوان الجواهر واليواقيت واللآلئ والإكسير الكبير، لكن عليها موانع تمنع من الوصول إليها والأخذ منها، فيحتالون على أموال الأغنياء والضّعفة والسّفهاء، فيأكلونها بالباطل في صرفها في بخاخير وعقاقير ونحو ذلك من الهذيانات، ويطنزون بهم.
والذي يجزم به أن في الأرض دفائن جاهليّةً وإسلاميةً، وكنوزاً كثيرةً، من ظفر بشيءٍ منها أمكنه تحويلها، فأمّا على الصفة التي زعموها فكذبٌ وافتراءٌ وبهتٌ، ولم يصحّ في ذلك شيءٌ ممّا يقولون إلاّ عن نقلهم، أو نقل من أخذ عنهم. والله سبحانه وتعالى الهادي للصواب.
وقول ابن جريرٍ: يحتمل أن يكون المراد بقوله: {إرم} قبيلةً أو بلدةً كانت عادٌ تسكنها فذلك لم تصرف - فيه نظرٌ؛ لأنّ المراد من السّياق إنما هو الإخبار عن القبيلة، ولهذا قال بعده: {وثمود الّذين جابوا الصّخر بالواد} يعني: يقطّعون الصخر بالوادي.
قال ابن عبّاسٍ: ينحتونها ويخرقونها، وكذا قال مجاهدٌ وقتادة والضحّاك وابن زيدٍ، ومنه يقال: (مجتابي النّمار) إذا خرقوها، واجتاب الثوب إذا فتحه، ومنه الجيب أيضاً، وقال الله تعالى: {وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين}.وأنشد ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ ههنا قول الشاعر:
ألا كلّ شيءٍ ما خلا الله بائد.......كما باد حيٌّ من شنيفٍ ومارد
هم ضربوا في كلّ صمّاء صعدةً.......بأيدٍ شدادٍ أيّدات السّواعد

وقال ابن إسحاق: كانوا عرباً، وكان منزلهم بوادي القرى. وقد ذكرنا قصّته مستقصاةً في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 394-397]

تفسير قوله تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وفرعون ذي الأوتاد} قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: الأوتاد: الجنود الذين يشدّون له أمره. ويقال: كان فرعون يوتّد أيديهم وأرجلهم في أوتادٍ من حديدٍ، يعلّقهم بها. وكذا قال مجاهدٌ: كان يوتّد الناس بالأوتاد. وهكذا قال سعيد بن جبيرٍ والحسن والسّدّيّ.
قال السدّيّ: كان يربط الرّجل في كلّ قائمةٍ من قوائمه في وتدٍ، ثمّ يرسل عليه صخرةً عظيمةً فتشدخه.
وقال قتادة: بلغنا أنه كان له مطالّ وملاعب يلعب له تحتها من أوتادٍ وحبالٍ.
وقال ثابتٌ البنانيّ، عن أبي رافعٍ: قيل لفرعون: {ذي الأوتاد}؛ لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتادٍ، ثمّ جعل على ظهرها رحًى عظيمةً حتى ماتت). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 397]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {الّذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد} أي: تمرّدوا وعتوا وعاثوا في الأرض بالإفساد والأذيّة للناس). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 397]

تفسير قوله تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فصبّ عليهم ربّك سوط عذابٍ} أي: أنزل عليهم رجزاً من السماء، وأحلّ بهم عقوبةً لا يردّها عن القوم المجرمين). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 397]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّ ربّك لبالمرصاد} قال ابن عبّاسٍ: يسمع ويرى، يعني: يرصد خلقه فيما يعملون، ويجازي كلاًّ بسعيه في الدنيا والأخرى، وسيعرض الخلائق كلّهم عليه فيحكم فيهم بعدله، ويقابل كلاًّ بما يستحقّه، وهو المنزّه عن الظّلم والجور.
وقد ذكر ابن أبي حاتمٍ ههنا حديثاً غريباً جدًّا، وفي إسناده نظرٌ، وفي صحّته، فقال: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن أبي الحواريّ، حدّثنا يونس الحذّاء، عن أبي حمزة البيسانيّ، عن معاذ بن جبلٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معاذ، إنّ المؤمن لدى الحقّ أسيرٌ. يا معاذ، إنّ المؤمن لا يسكن روعه، ولا يأمن اضطرابه حتّى يخلّف جسر جهنّم خلف ظهره. يا معاذ، إنّ المؤمن قيّده القرآن عن كثيرٍ من شهواته، وعن أن يهلك فيها هو بإذن الله عزّ وجلّ، فالقرآن دليله، والخوف محجّته، والشّوق مطيّته، والصّلاة كهفه، والصّوم جنّته، والصّدقة فكاكه، والصّدق أميره، والحياء وزيره، وربّه عزّ وجلّ من وراء ذلك كلّه بالمرصاد».
قال ابن أبي حاتمٍ: يونس الحذّاء، وأبو حمزة مجهولان، وأبو حمزة عن معاذٍ مرسلٌ، ولو كان عن أبي حمزة لكان حسناً. أي: لو كان من كلامه لكان حسناً.
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا صفوان بن صالحٍ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن صفوان بن عمرٍو، عن أيفع بن عبدٍ الكلاعيّ، أنه سمعه وهو يعظ الناس يقول: إنّ لجهنّم سبع قناطر. قال: والصّراط عليهنّ. قال: فيحبس الخلائق عند القنطرة الأولى، فيقول: {قفوهم إنّهم مسؤولون}.
قال: فيحاسبون على الصلاة، ويسألون عنها. قال: فيهلك فيها من هلك، وينجو من نجا، فإذا بلغوا القنطرة الثانية حوسبوا على الأمانة كيف أدّوها؟ وكيف خانوها؟ قال: فيهلك من هلك وينجو من نجا، فإذا بلغوا القنطرة الثالثة سئلوا عن الرّحم كيف وصلوها؟ وكيف قطعوها؟ قال: فيهلك من هلك وينجو من نجا. قال: والرحم يومئذٍ متدلّيةٌ إلى الهويّ في جهنّم، تقول: اللّهمّ من وصلني فصله، ومن قطعني فاقطعه. قال: وهي التي يقول الله عزّ وجلّ: {إنّ ربّك لبالمرصاد}.
هكذا أورد هذا الأثر، ولم يذكر تمامه). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 397-398]


رد مع اقتباس