عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:38 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولمّا ذكر تعالى ما فرّج به عن هؤلاء الثّلاثة من الضّيق والكرب، من هجر المسلمين إيّاهم نحوًا من خمسين ليلةً بأيّامها، وضاقت عليهم أنفسهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، أي: مع سعتها، فسدّدت عليهم المسالك والمذاهب، فلا يهتدون ما يصنعون، فصبروا لأمر اللّه، واستكانوا لأمر اللّه، وثبتوا حتّى فرّج اللّه عنهم بسبب صدقهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في تخلّفهم، وأنّه كان عن غير عذرٍ، فعوقبوا على ذلك هذه المدّة، ثمّ تاب اللّه عليهم، فكان عاقبة صدقهم خيرًا لهم وتوبةً عليهم؛ ولهذا قال: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين} أي: اصدقوا والزموا الصّدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجًا من أموركم، ومخرجًا، وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش عن شقيقٍ؛ عن عبد اللّه، هو ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عليكم بالصّدق؛ فإنّ الصّدق يهدي إلى البرّ وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وما يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند اللّه صدّيقًا، وإيّاكم والكذب، فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب، حتى يكتب عند اللّه كذّابًا".
أخرجاه في الصّحيحين.
وقال شعبة، عن عمرو بن مرّة، سمع أبا عبيدة يحدّث عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، أنّه قال: [إنّ] الكذب لا يصلح منه جدٌّ ولا هزلٌ، اقرءوا إن شئتم: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا من الصّادقين} -هكذا قرأها -ثمّ قال: فهل تجدون لأحدٍ فيه رخصةً.
وعن عبد اللّه بن عمر: {اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين} مع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه.
وقال الضّحّاك: مع أبي بكرٍ وعمر وأصحابهما.
وقال الحسن البصريّ: إن أردت أن تكون مع الصّادقين، فعليك بالزّهد في الدّنيا، والكفّ عن أهل الملّة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 233-234]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصبٌ ولا مخمصةٌ في سبيل اللّه ولا يطئون موطئًا يغيظ الكفّار ولا ينالون من عدوٍّ نيلا إلا كتب لهم به عملٌ صالحٌ إنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين (120)}
يعاتب تعالى المتخلّفين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب، ورغبتهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل من المشقّة، فإنّهم نقصوا أنفسهم من الأجر؛ لأنّهم {لا يصيبهم ظمأٌ} وهو: العطش {ولا نصبٌ} وهو: التّعب {ولا مخمصةٌ} وهي: المجاعة {ولا يطئون موطئًا يغيظ الكفّار} أي: ينزلون منزلًا يرهب عدوّهم {ولا ينالون} منه ظفرًا وغلبةً عليه إلّا كتب اللّه لهم بهذه الأعمال الّتي ليست داخلةً تحت قدرتهم، وإنّما هي ناشئةٌ عن أفعالهم، أعمالًا صالحةً وثوابًا جزيلًا {إنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين} كما قال تعالى: {إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا} [الكهف: 30] ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 234]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا ينفقون نفقةً صغيرةً ولا كبيرةً ولا يقطعون واديًا إلا كتب لهم ليجزيهم اللّه أحسن ما كانوا يعملون (121)}
يقول تعالى: ولا ينفق هؤلاء الغزاة في سبيل اللّه {نفقةً صغيرةً ولا كبيرةً} أي: قليلا ولا كثيرا {ولا يقطعون واديًا} أي: في السّير إلى الأعداء {إلا كتب لهم} ولم يقل ها هنا "به" لأنّ هذه أفعالٌ صادرةٌ عنهم؛ ولهذا قال: {ليجزيهم اللّه أحسن ما كانوا يعملون}.
وقد حصل لأمير المؤمنين عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه، من هذه الآية الكريمة حظٌّ وافرٌ، ونصيبٌ عظيمٌ، وذلك أنّه أنفق في هذه الغزوة النّفقات الجليلة، والأموال الجزيلة، كما قال عبد اللّه بن الإمام أحمد:
حدّثنا أبو موسى العنزيّ، حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، حدّثني سكن بن المغيرة، حدّثني الوليد بن أبي هاشمٍ، عن فرقدٍ أبي طلحة، عن عبد الرّحمن بن خبّاب السّلميّ قال: خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فحثّ على جيش العسرة، فقال عثمان بن عفان، رضي الله عنه: عليّ مائة بعيرٍ بأحلاسها وأقتابها. قال: ثمّ حثّ، فقال عثمان: عليّ مائةٌ أخرى بأحلاسها وأقتابها. قال: ثمّ نزل مرقاة من المنبر ثمّ حثّ، فقال عثمان بن عفّان: علىّ مائةٌ أخرى بأحلاسها وأقتابها. قال: فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول بيده هكذا -يحرّكها. وأخرج عبد الصّمد يده كالمتعجّب: "ما على عثمان ما عمل بعد هذا".
وقال عبد اللّه أيضًا: حدّثنا هارون بن معروفٍ، حدّثنا ضمرة، حدّثنا عبد اللّه بن شوذب، عن عبد اللّه بن القاسم، عن كثيرٍ مولى عبد الرّحمن بن سمرة، عن عبد الرّحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بألف دينارٍ في ثوبه حين جهّز النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جيش العسرة قال: فصبّها في حجر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فجعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقلّبها بيده ويقول: "ما ضرّ ابن عفّان ما عمل بعد اليوم". يردّدها مرارًا.
وقال قتادة في قوله تعالى: {ولا يقطعون واديًا إلا كتب لهم} الآية: ما ازداد قومٌ من أهليهم في سبيل اللّه بعدًا إلّا ازدادوا من اللّه قربًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 234-235]


رد مع اقتباس