عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 1 ربيع الأول 1440هـ/9-11-2018م, 08:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولقد خلقنا السماوات والأرض} الآية ... خبر مضمنه الرد على اليهود الذين قالوا: إن الله خلق الأشياء كلها في ستة أيام ثم استراح يوم السبت، فنزلت: {وما مسنا من لغوب}، واللغوب: الإعياء والنصب والسأم، يقال: لغب الرجل يلغب إذا أعيا، وقرأ السلمي، وطلحة: "لغوب" بفتح اللام.
وتظاهرت الأحاديث بأن بدء خلق الأشياء كان يوم الأحد، وفي كتاب مسلم، وفي الدلائل لثابت حديث مضمنه أن ذلك كان يوم السبت، وعلى كل قول فأجمعوا على أن آدم عليه السلام خلق يوم الجمعة، فمن قال إن البداءة يوم السبت جعل خلق آدم عليه السلام كخلق بنيه لا يعد مع الجملة الأولى، وجعل اليوم الذي كملت المخلوقات عنده يوم الجمعة). [المحرر الوجيز: 8/ 56-57]

تفسير قوله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {فاصبر على ما يقولون} قال بعض المفسرين: المراد أهل الكتاب لقولهم: ثم استراح يوم السبت، وهذه المقالة من أهل الكتاب كانت بمكة قبل الهجرة.
وقال النظار من المفسرين: قوله تعالى: {فاصبر على ما يقولون} يراد به أهل الكتاب وغيرهم من الكفرة، وعم بذلك جميع الأقوال الزائفة من قريش وغيرهم، وعلى هذا التأويل يجيء قول من قال الآية منسوخة بآية السيف، و"سبح" معناه: صل بإجماع من المتأولين. وقوله تعالى: "بحمد ربك" الباء للاقتران، أي: سبح سبحة يكون معها حمد، ومثله: "تنبت بالدهن" على بعض الأقوال فيها، و"قبل طلوع الشمس" هي الصبح "وقبل الغروب" هي العصر، قاله قتادة، وابن زيد، والناس، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "قبل الغروب" الظهر والعصر، و"من الليل" هي صلاة العشاءين، وقال ابن زيد: هي العشاء فقط، وقال مجاهد: هي صلاة الليل وقوله تعالى: "وأدبار السجود"، قال عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، والحسن، والشعبي، وإبراهيم، ومجاهد، والأوزاعي: هي الركعتان بعد المغرب، وأسنده الطبري، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه روعي إدبار صلاة النهار كما روعي إدبار النجوم في صلاة الليل فقيل: هي الركعتان مع الفجر، وروي عن ابن عباس أن "أدبار السجود" الوتر، حكاه الثعلبي، وقال ابن زيد، وابن عباس أيضا ومجاهد: هي النوافل إثر الصلوات، وهذا جار مع لفظ الآية، وقال بعض العارفين: هي صلاة الليل، قال الثعلبي: وقال بعض العلماء في قوله: {قبل طلوع الشمس} ركعتا الفجر، "وقبل الغروب" الركعتان قبل المغرب، وقال بعض التابعين: رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يهبون إليها كما يهبون إلى المكتوبة، وقال قتادة: ما أدركت أحدا يصلي الركعتين قبل المغرب إلا أنسا وأبا برزة. وقرأ ابن عباس، وابن كثير، ونافع، وحمزة، وأبو جعفر، وشيبة، وعيسى، وشبل، وطلحة، والأعمش:"وإدبار" بكسر الألف، وهو مصدر أضيف إليه وقت ثم حذف الوقت، كما قالوا: جئتك مقدم الحج وخفوق النجم ونحوه، وقرأ الباقون، والحسن، والأعرج: "وأدبار" بفتح الهمزة، وهو جمع دبر كطنب وأطناب، أي: وفي أدبار السجود، أي في أعقابه، قال أوس بن حجر:
على دبر الشهر الحرام فأرضنا ... وما حولها جدب سنين تلمع).[المحرر الوجيز: 8/ 57-58]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب * يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج * إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير * يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير * نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}
قوله تعالى: "واستمع" هو بمنزلة، "وانتظر"، وذلك أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بأن يستمع في يوم النداء لأن كل من فيه يستمع، وإنما الآية في معنى الوعيد للكفار، وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم تحسس وتسمع هذا اليوم وارتقبه فإن فيه تبيين صحة ما قلته، وهذا كما تقول لمن تعده بورود فتح: استمع كذا وكذا، أي كن منتظرا له مستمعا، فعلى هذا فنصب "يوم" إنما هو على المفعول الصريح. وقرأ ابن كثير "المنادي" بالياء وصلا ووقفا على الأصل الذي هو ثبوتها; إذا الكلام غير تام، وإنما الحذف أبدا في الفواصل وفى الكلام التام تشبيها بالفواصل، وقرأ أبو عمرو، ونافع بالوقف بغير ياء لأن الوقف موضع تغيير، ألا ترى أنها تبدل من التاء فيه الهاء في نحو " طلحة " و" حمزة "، ويبدل من التنوين الألف، ويضعف فيه الحرف كقولك: هذا فوج، ويحذف فيه الحرف في القوافي. وقرأ الباقون، وطلحة، والأعمش، وعيسى بحذف الياء وصلا ووقفا، اتباعا لخط المصحف، وأيضا فإن الياء تحذف مع التنوين، فوجب أن تحذف مع معاقب التنوين، وهما الألف واللام.
قوله تعالى: {من مكان قريب}، قيل وصفه بالقرب من حيث يسمع جميع الخلائق، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن ملكا ينادي من السماء: أيتها الأجسام الهامدة، والعظام البالية، والرمم الواهية، هلم إلى الحشر والوقوف بين يدي الله تعالى. وقال كعب الأحبار، وقتادة، وغيرهما: المكان صخرة بيت المقدس، واختلفوا في معنى صفته بالقرب، فقال قوم: وصفها بذلك لقربها من النبي صلى الله عليه وسلم أي: من مكة، وقال كعب الأحبار: وصفها بالقرب من السماء، وروي أنها أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا، وهذا الخبر إن كان بوحي، وإلا فلا سبيل للوقوف على صحته). [المحرر الوجيز: 8/ 58-59]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "الصيحة" هي صيحة المنادي، و"الخروج" هو من القبور، و: "يومه" هو يوم القيامة، و"يوم الخروج" في الدنيا هو يوم العيد، قال حسان بن ثابت:
ولأنت أحسن إذ برزت لنا ... يوم الخروج بساحة القصر
من درة أغلى بها ملك ... مما تربب حائر البحر). [المحرر الوجيز: 8/ 59]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: "يوم تشقق"، العامل في "يوم" هو "المصير". وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر بتشديد الشين، والباقون خففوها. و"سراعا" حال، قال بعض النحويين: هي من الضمير في قوله تعالى: "عنهم"، والعامل في الحال "تشقق"، وقال بعضهم التقدير: يوم تشقق الأرض عنهم يخرجون سراعا، فالحال من الضمير في "يخرجون"، والعامل "يخرجون"، وقوله تعالى: {ذلك حشر علينا يسير} معادل لقول الكفرة: {ذلك رجع بعيد}). [المحرر الوجيز: 8/ 59-60]

تفسير قوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {نحن أعلم بما يقولون} وعيد محض للكفرة، واختلف الناس في قوله تعالى: {وما أنت عليهم بجبار} فقال قتادة: نهى الله تعالى عن التجبر، وتقدم فيه، فمعناه: وما أنت عليهم بمتعظم، من الجبروت، وقال الطبري وغيره: معناه: وما أنت عليهم بمسلط تجبرهم على الإيمان، ويقال: جبرته على كذا، أي قسرته، فـ "جبار" مبالغة من جبر، وأنشد المفضل:
عصينا عزمة الجبار حتى ... صحبنا الخوف إلفا معلمينا
قال: أراد بالجبار النعمان بن المنذر لولايته، ويحتمل أن نصب "عزمة" على المصدر وأراد: عصينا مقدمين عزمة جبار، فمدح نفسه وقومه بالعتو والاستعلاء، أخلاق الجاهلية والحياة الدنيا، وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن المؤمنين قالوا: يا رسول الله، لو خوفتنا، فنزلت: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولو لم يكن هذا سببا فإنه لما أعلمه أنه ليس بمسلط على جبرهم أمره بالاقتصار على تذكير الخائفين من المؤمنين.
كمل تفسير سورة ق). [المحرر الوجيز: 8/ 60]

رد مع اقتباس