عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 11:46 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "يشهدون" في هذه الآية ظاهر معناها: يشاهدون ويحضرون. و"الزور": كل باطل زور وزخرف، فأعظمه الشرك، وبه فسر الضحاك، وابن زيد، ومنه الغناء، وبه فسر مجاهد، ومنه الكذب، وبه فسر ابن جريج، وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ومحمد بن علي: المعنى: لا يشهدون الزور، فهي من الشهادة لا من المشاهدة، و"الزور": الكذب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والشاهد بالزور -حاضره ومؤديه- فجرة، فالمعنى الأول أعم، لكن المعنى الثاني أغرق في المعاصي وأنكى.
و "اللغو": كل سقط من فعل أو قول، ويدخل فيه الغناء واللهو وغير ذلك مما قاربه، ويدخل في ذلك سفه المشركين وأذاهم للمؤمنين، وذكر النساء وغير ذلك من
[المحرر الوجيز: 6/462]
المنكر، و"كراما" معناه: معرضين مستخفين يتجافون عن ذلك، ويصبرون على الإيذاء منه، وروي أن عبد الله بن مسعود سمع غناء فأسرع في مشيه وذهب، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لقد أصبح ابن أم عبد كريما، وقرأ الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأما إذا مر المسلم بمنكر فكرمه أن يغيره، وحدود التغيير معروفة). [المحرر الوجيز: 6/463]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم}، يريد: ذكروا بالقرآن آخرتهم ومعادهم، وقوله: {لم يخروا عليها صما وعميانا} يحتمل تأويلين: أحدهما أن المعنى: لم يكن خروجهم بهذه الصفة بل يكون خروجهم سجدا وبكيا، وهذا كما تقول: لم يخرج زيد للحرب جزعا، أي: إنما خرج جريئا مقدما، أو كأن الذي يخر أصم أعمى هو المنافق أو الشاك، والتأويل الثاني، وإليه ذهب الطبري، وهو أن يخروا عليها صما وعميانا هي صفة للكفار، وهي عبارة عن إعراضهم وجهدهم في ذلك، وقرن ذلك بقولك، قعد فلان يشتمني، وقام فلان يبكي، وأنت لم تقصد الإخبار بقعود ولا قيام، وإنما هي توطئات في الكلام والعبارة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وكأن المستمع للذكر قائم القناة قويم الأمر، فإذا أعرض وضل كان ذلك خرورا، وهو السقوط على غير نظام وترتيب، وإن كان قد شبه به الذي يخر ساجدا، ولكن أصله أنه على غير ترتيب). [المحرر الوجيز: 6/463]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم مدح المؤمنين حال الدعاء إليه في أن يقر العيون بالأهل والذرية. و"قرة العين" يحتمل أن تكون من القرار، ويحتمل أن تكون من القر، وهو الأشهر؛ لأن دمع السرور بارد ودمع الحزن سخن، فمن هذا يقال: أقر الله عينك وأسخن الله عين العدو، وقرة العين في الأزواج والذرية أن يراهم الإنسان مطيعين لله تبارك وتعالى، قاله ابن عباس،
[المحرر الوجيز: 6/463]
والحسن، وحضرمي، وبين المقداد بن الأسود الوجه من ذلك بأنهم كانوا في أول الإسلام يهتدي الابن، والأب كافر، والزوج، والزوجة كافرة، فكانت قرة عيونهم في إيمان أحبابهم. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والحسن: "وذرياتنا"، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وطلحة، وعيسى: "وذريتنا" بالإفراد.
وقوله تعالى: {للمتقين إماما} قيل: هو جمع "آم"، مثل قائم وقيام، وقيل: هو مفرد اسم جنس، أي: اجعلنا يأتم بنا المتقون، وهذا لا يكون إلا أن يكون الداعي متقيا قدوة، وهذا هو قصد الداعي، قال إبراهيم النخعي: لم يطلبوا الرياسة، بل أن يكونوا قدوة في الدين، وهذا حسن أن يطلب ويسعى له). [المحرر الوجيز: 6/464]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما}
قرأ أبي بن كعب: "يجازون" بألف، و"الغرفة" من منازل الجنة، وهي الغرف فوق الغرف، وهي اسم جنس، كما قال:
ولولا الحبة السمرا ء لم أحلل بواديكم
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: "ويلقون" بضم الياء وفتح اللام وشد القاف، وهي قراءة أبي جعفر، وشيبة، والحسن، وقرأ حمزة، والكسائي، وابن عامر، وعاصم، وطلحة، ومحمد اليماني، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ويلقون" بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف، واختلف عن عاصم). [المحرر الوجيز: 6/464]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي} الآية. أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يخاطب بذلك، و"ما" تحتمل النفي، وتحتمل التقرير، والكلام في نفسه يحتمل تأويلات: أحدها أن تكون الآية إلى قوله: {لولا دعاؤكم} خطابا لجميع الناس، فكأنه قال لقريش منهم:
[المحرر الوجيز: 6/464]
ما يبالي الله بكم، ولا ينظر إليكم لولا عبادتكم إياه أن لو كانت، وذلك الذي يعبأ بالبشر من أجله، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}. وقال النقاش: المعنى: لولا استغاثتكم إليه في الشدائد، ونحو ذلك، فهو عرف الناس المرعي فيهم. وقرأ ابن الزبير وغيره: "فقد كذب الكافرون"، وهذا يؤيد أن الخطاب بـ ما يعبأ بكم هو لجميع الناس، ثم يقول لقريش: فأنتم قد كذبتم ولم تعبدوه، فسوف يكون العذاب أو يكون التكذيب الذي هو سبب العذاب- لزاما.
والثاني أن يكون الخطاب بالآيتين لقريش خاصة، أي: ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم الأصنام دونه، فإن ذلك يوجب تعذيبكم.
والثالث وهو قول مجاهد: ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم إلى شرعه، فوقع منكم الكفر والإعراض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والمصدر في هذا التأويل مضاف إلى المفعول، وفي الأولين مضاف إلى الفاعل، و"يعبأ" مشتق من العبء وهو من الثقل الذي يعبأ ويرتب كما يعبأ الجيش. قال ابن جني: قرأ ابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهما: "فقد كذب الكافرون"، قال الزهراوي: وهي قراءة ابن مسعود، قال: وهي على التفسير.
وأكثر الناس على أن اللزام المشار إليه في هذا الموضع هو يوم بدر، وهو قول أبي بن كعب، وابن مسعود، والمعنى: فسوف يكون جزاء التكذيب. وقالت فرقة: هو توعد بعذاب الآخرة. وقال ابن مسعود: اللزام هو التكذيب نفسه، أي: لا يعطون توبة، ذكره الزهراوي، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضا: اللزام الموت، وهذا نحو القول ببدر، وإن أراد به متأول الموت المعتاد في الناس عرفا فهو ضعيف، وقرأ جمهور الناس: "لزاما" بكسر اللام، من لوزم، وأنشد أبو عبيدة لصخر الغي:
[المحرر الوجيز: 6/465]
فإما ينجوا من حتف أرض ... فقد لقيا حتوفهما لزاما
وقرأ أبو السمال: "لزاما" بفتح اللام، من لزم، والله أعلم). [المحرر الوجيز: 6/466]

رد مع اقتباس