عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 09:40 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة إذ قال له قومه لا تفرح إنّ اللّه لا يحبّ الفرحين (76) وابتغ فيما آتاك اللّه الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدّنيا وأحسن كما أحسن اللّه إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إنّ اللّه لا يحبّ المفسدين (77)}.
قال الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: {إنّ قارون كان من قوم موسى}، قال: كان ابن عمّه. وهكذا قال إبراهيم النّخعي، وعبد اللّه بن الحارث بن نوفلٍ، وسماك بن حربٍ، وقتادة، ومالك بن دينارٍ، وابن جريج، وغيرهم: أنّه كان ابن عمّ موسى، عليه السّلام.
قال ابن جريج: هو قارون بن يصهر بن قاهث، وموسى بن عمران بن قاهث.
وزعم محمّد بن إسحاق بن يسار: أنّ قارون كان عمّ موسى، عليه السّلام.
قال ابن جريرٍ: وأكثر أهل العلم على أنّه كان ابن عمّه، واللّه أعلم. وقال قتادة بن دعامة: كنّا نحدّث أنّه كان ابن عمّ موسى، وكان يسمّى المنوّر لحسن صوته بالتّوراة، ولكنّ عدوّ اللّه نافق كما نافق السّامريّ، فأهلكه البغي لكثرة ماله.
وقال شهر بن حوشب: زاد في ثيابه شبرًا طولًا ترفّعًا على قومه.
وقوله: {وآتيناه من الكنوز} أي: [من] الأموال {ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة} أي: ليثقل حملها الفئام من النّاس لكثرتها.
قال الأعمش، عن خيثمة: كانت مفاتيح كنوز قارون من جلودٍ، كلّ مفتاحٍ مثل الأصبع، كلّ مفتاحٍ على خزانةٍ على حدّته، فإذا ركب حملت على ستّين بغلًا أغرّ محجّلًا. وقيل: غير ذلك، واللّه أعلم.
وقوله: {إذ قال له قومه لا تفرح إنّ اللّه لا يحبّ الفرحين} أي: وعظه فيما هو فيه صالح قومه، فقالوا على سبيل النّصح والإرشاد: لا تفرح بما أنت فيه، يعنون: لا تبطر بما أنت فيه من الأموال {إنّ اللّه لا يحبّ الفرحين} قال ابن عبّاسٍ: يعني المرحين. وقال مجاهدٌ: يعني الأشرين البطرين، الّذين لا يشكرون اللّه على ما أعطاهم). [تفسير ابن كثير: 6/ 252-253]

تفسير قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وابتغ فيما آتاك اللّه الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدّنيا} أي: استعمل ما وهبك اللّه من هذا المال الجزيل والنّعمة الطّائلة، في طاعة ربّك والتّقرّب إليه بأنواع القربات، الّتي يحصل لك بها الثّواب في الدار الآخرة. {ولا تنس نصيبك من الدّنيا} أي: ممّا أباح اللّه فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح، فإنّ لربّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، ولزورك عليك حقًّا، فآت كلّ ذي حقّ حقّه.
{وأحسن كما أحسن اللّه إليك} أي: أحسن إلى خلقه كما أحسن هو إليك {ولا تبغ الفساد في الأرض} أي: لا تكن همّتك بما أنت فيه أن تفسد به الأرض، وتسيء إلى خلق اللّه {إنّ اللّه لا يحبّ المفسدين}). [تفسير ابن كثير: 6/ 253-254]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال إنّما أوتيته على علمٍ عندي أولم يعلم أنّ اللّه قد أهلك من قبله من القرون من هو أشدّ منه قوّةً وأكثر جمعًا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون (78)}.
يقول تعالى مخبرًا عن جواب قارون لقومه، حين نصحوه وأرشدوه إلى الخير {قال إنّما أوتيته على علمٍ عندي} أي: أنا لا أفتقر إلى ما تقولون، فإنّ اللّه تعالى إنّما أعطاني هذا المال لعلمه بأنّي أستحقّه، ولمحبّته لي فتقديره: إنّما أعطيته لعلم اللّه فيّ أنّي أهلٌ له، وهذا كقوله تعالى: {فإذا مسّ الإنسان ضرٌّ دعانا ثمّ إذا خوّلناه نعمةً منّا قال إنّما أوتيته على علمٍ} [الزّمر: 49] أي: على علمٍ من اللّه بي، وكقوله تعالى: {ولئن أذقناه رحمةً منّا من بعد ضرّاء مسّته ليقولنّ هذا لي} [فصّلت: 50] أي: هذا أستحقّه.
وقد روي عن بعضهم أنّه أراد: {إنّما أوتيته على علمٍ عندي} أي: إنّه كان يعاني علم الكيمياء: وهذا القول ضعيفٌ؛ لأنّ علم الكيمياء في نفسه علمٌ باطلٌ؛ لأنّ قلب الأعيان لا يقدر أحدٌ عليها إلّا اللّه عزّ وجلّ، قال اللّه: {يا أيّها النّاس ضرب مثلٌ فاستمعوا له إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له} [الحجّ: 73]، وفي الصّحيح عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "يقول اللّه تعالى: ومن أظلم ممّن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرّةً، فليخلقوا شعيرةً". وهذا ورد في المصوّرين الّذين يشبّهون بخلق اللّه في مجرّد الصّورة الظّاهرة أو الشّكل، فكيف بمن يدّعي أنّه يحيل ماهيّة هذه الذّات إلى ماهيّة ذاتٍ أخرى، هذا زورٌ ومحالٌ، وجهلٌ وضلالٌ. وإنّما يقدرون على الصّبغ في الصّورة الظّاهرة، وهو كذبٌ وزغلٌ وتمويهٌ، وترويجٌ أنّه صحيحٌ في نفس الأمر، وليس كذلك قطعًا لا محالة، ولم يثبت بطريقٍ شرعيٍّ أنّه صحّ مع أحدٍ من النّاس من هذه الطّريقة الّتي يتعاناها هؤلاء الجهلة الفسقة الأفّاكون فأمّا ما يجريه اللّه تعالى من خرق العوائد على يدي بعض الأولياء من قلب بعض الأعيان ذهبًا أو فضّةً أو نحو ذلك، فهذا أمرٌ لا ينكره مسلمٌ، ولا يردّه مؤمنٌ، ولكنّ هذا ليس من قبيل الصّناعات وإنّما هذا عن مشيئة ربّ الأرض والسّموات، واختياره وفعله، كما روي عن حيوة بن شريح المصريّ، رحمه اللّه، أنّه سأله سائلٌ، فلم يكن عنده ما يعطيه، ورأى ضرورته، فأخذ حصاةً من الأرض فأجالها في كفّه، ثمّ ألقاها إلى ذلك السّائل فإذا هي ذهبٌ أحمر. والأحاديث والآثار [في هذا] كثيرةٌ جدًّا يطول ذكرها.
وقال بعضهم: إنّ قارون كان يعلم الاسم الأعظم، فدعا اللّه به، فتموّل بسببه. والصّحيح المعنى الأوّل؛ ولهذا قال اللّه تعالى -رادًّا عليه فيما ادّعاه من اعتناء اللّه به فيما أعطاه من المال {أولم يعلم أنّ اللّه قد أهلك من قبله من القرون من هو أشدّ منه قوّةً وأكثر جمعًا} أي: قد كان من هو أكثر منه مالًا وما كان ذلك عن محبّةٍ منّا له، وقد أهلكهم اللّه مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم؛ ولهذا قال: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} أي: لكثرة ذنوبهم.
قال قتادة: {على علمٍ عندي}: على خيرٍ عندي.
وقال السّدّيّ: على علمٍ أنّي أهلٌ لذلك.
وقد أجاد في تفسير هذه الآية الإمام عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، فإنّه قال في قوله: {قال إنّما أوتيته على علمٍ عندي} قال: لولا رضا اللّه عنّي، ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال، وقرأ {أولم يعلم أنّ اللّه قد أهلك من قبله من القرون من هو أشدّ منه قوّةً وأكثر جمعًا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} [وهكذا يقول من قلّ علمه إذا رأى من وسّع اللّه عليه يقول: لولا أنّه يستحقّ ذلك لما أعطي]).[تفسير ابن كثير: 6/ 254-255]

رد مع اقتباس