عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 11:26 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ألم يأتكم} الآية. هذا من التذكير بأيام الله في النقم من الأمم الكافرة، وقوله: {لا يعلمهم إلا الله} من نحو قوله: {وقرونا بين ذلك كثيرا}، وفي مثل هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذب النسابون من فوق عدنان"، وروي عن ابن عباس أنه قال: "كان بين زمن موسى وبين زمن نوح قرون ثلاثون لا يعلمهم إلا الله"، وحكى عنه المهدوي أنه قال: "كان بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا الوقوف على عدتهم بعيد، ونفي العلم بها جملة أصح، وهو لفظ القرآن.
واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: {فردوا أيديهم في أفواههم} بحسب
[المحرر الوجيز: 5/226]
احتمال اللفظ، و"الأيدي" في هذه الآية قد تتأول بمعنى الجوارح، وقد تتأول بمعنى أيدي النعم فيما ذكر، على أن "الأيدي" هي الجوارح أن يكون المعنى: ردوا أيدي أنفسهم في أفواه أنفسهم عضا عليها من الغيظ على الرسل، ومبالغة في التكذيب، هذا قول ابن مسعود، وابن زيد، وقال ابن عباس: عجبوا ففعلوا ذلك، والعض من الغيظ مشهور، وفي كتاب الله عز وجل: {عضوا عليكم الأنامل من الغيظ}، وقال الشاعر:
قد أفنى أنامله أزمة ... فأضحى يعض علي الوظيفا
وقال الآخر:
لو أن سلمى أبصرت تخددي ... ودقة في عظم ساقي ويدي
وبعد أهلي وجفاء عودي ... عضت من الوجد بأطراف اليد
ومما ذكر أن يكون المعنى: وردوا أيدي أنفسهم في أفواه الرسل تسكينا لهم، ودفعا في صدر قولهم، قاله الحسن، وهذا أشنع في الرد وأذهب في الاستطالة على الرسل والنيل منهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتحتمل الألفاظ معنى رابعا، وهو أن يتجوز في لفظ الأيدي، أي إنهم ردوا أقوالهم ومكافحتهم ومدافعتهم فيما قالوه بأفواههم من التكذيب، فكأن المعنى: ردوا
[المحرر الوجيز: 5/227]
جميع مدافعتهم في أفواههم، أي في أقوالهم، وعبر عن جميع المدافعة بالأيدي إذ الأيدي موضع لشد المدافعة والمرادة، وحكى المهدوي قولا ضعيفا، وهو أن المعنى: أخذوا أيدي الرسل فجعلوها في أفواه الرسل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا عندي لا وجه له.
ومما ذكر على أن "الأيدي" أيادي النعم ما ذكره الزجاج، وذلك أنهم ردوا من الرسل في الإنذار والتبليغ بأفواههم، أي بأقوالهم، فوصل الفعل بـ "في" عوض وصوله بـ "الباء"، وروي نحوه عن مجاهد، وقتادة. والمشهور جمع "يد" النعمة على "أياد"، ولا يجمع على "أيد"، إلا أن جمعه على "أيد" لا يكسر بابا ولا ينقض أصلا وبحسبنا أن الزجاج قدره وتأول عليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل اللفظ -على هذا- معنى ثانيا، أن يكون المقصود: ردوا إنعام الرسل في أفواه الرسل، أي لم يقبلوه، كما تقول لمن لا يعجبك كلامه: أمسك يا فلان كلامك في فيك، ومن حيث كانت أيدي الرسل أقوالا ساغ هذا فيها، كما تقول: كسرت كلام فلان في فمه، أي: رددته عليه وقطعته بقلة القبول وبالرد، وحكى المهدوي عن مجاهد أنه قال: معناه: ردوا نعم الرسل في أفواه أنفسهم بالتكذيب والنجه.
وقوله تعالى: {لفي شك مما تدعوننا إليه مريب} يقتضي أنهم شكوا في صدق نبوتهم وأقوالهم أو كذبوها، وتوقفوا في إمضاء أحد المعتقدين، ثم ارتابوا بالمعتقد
[المحرر الوجيز: 5/228]
الواحد في صدق نبوته، فجاءهم شك مؤكد بارتياب، وقرأ طلحة بن مصرف: " مما تدعونا " بنون واحدة مشددة). [المحرر الوجيز: 5/229]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون}
قوله: {أفي الله} مقدر فيه ضمير، تقديره عند كثير من النحويين: أفي إلاهيته شك؟ وقال أبو علي الفارسي: أفي وحدانيته شك؟
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وزعم بعض الناس أن أبا علي إنما فزع إلى هذه العبارة حفظا للاعتزال، وزوالا عما تحتمله لفظة "الإلاهية" من الصفات بحسب عمومها، ولفظة الوحدانية مخلصة من ذلك الاحتمال.
و "الفاطر": المخترع المبتدئ، وسوق هذه الصفة احتجاج على الشاكين، أي الشك فيمن هذه صفته، فساق الصفة التي هي منصوبة لرفع الشك، وقوله: {من ذنوبكم}، ذهب بعض النحاة إلى أنها زائدة، وسيبويه يأبى أن تكون زائدة، ويراها للتبعيض، وهو معنى صحيح، وذلك أن الوعد وقع بغفران الشرك وما معه من المعاصي، وبقي ما يستأنفه أحدهم بعد إيمانه من المعاصي مسكوتا عنه ليبقى معه في مشيئة الله تعالى، فالغفران إنما يقدمه الوعد في البعض، فصح معنى "من".
[المحرر الوجيز: 5/229]
وقوله: {ويؤخركم إلى أجل مسمى}، قد تقدم القول فيه في سورة الأعراف في قوله تعالى: {ولكل أمة أجل} الآية، وجلبت هذه هناك بسبب ما يظهر بين الآيتين من التعارض، ويليق هنا أن نذكر مسألة المقتول: هل قطع أجله أم ذلك هو أجله المحتوم عليه؟ فالأول هو قول المعتزلة، والثاني قول أهل السنة، فتقول المعتزلة: "إنه لو لم يقتله لعاش، وهذا سبب القود"، وقالت فرقة من أهل السنة: "لو لم يقتله لمات حتف أنفه"، قال أبو المعالي: "وهذا كله تخبط، وإنما هو أجله الذي سبق في القضاء أنه يموت فيه على تلك الصفة، فمحال أن يقع غير ذلك، فإن فرضنا أنه لو لم يقتله، وفرضنا مع ذلك أن علم الله تعالى سبق بأنه لا يقتله بقي أمره في حيز الجواز في أن يعيش أو يقتل أو كيف ما كان علم الله تعالى يسبق فيه.
وقول الكفرة: إن أنتم إلا بشر مثلنا فيه استبعاد لبعثة البشر، وقال بعض الناس: بل أرادوا إحالته، وذهبوا مذهب البراهمة أو من يقول من الفلاسفة: إن الأجناس لا يقع فيها هذا التباين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وظاهر كلامهم لا يقتضي أنهم أغمضوا هذا الإغماض، ويدل على ما ذكرت أنهم طلبوا منهم الإتيان بآية وسلطان مبين، ولو كانت بعثتهم عندهم محالا لما طلبوا منهم حجة، ويحتمل أن طلبهم منهم السلطان إنما هو على جهة التعجيز، أي: بعثتكم محال وإلا فأتوا بسلطان مبين، أي: إنكم لا تفعلون ذلك أبدا، فيتقوى بهذا الاحتمال منحاهم إلى مذهب الفلاسفة). [المحرر الوجيز: 5/230]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم، المعنى: صدقتم في قولكم: "إنا بشر" في الأشخاص والخلقة، لكن تباينا بفضل الله تعالى ومنه الذي
[المحرر الوجيز: 5/230]
يختص به من يشاء، ففارقوهم بالمعنى، بخلاف قوله تعالى: {كأنهم حمر مستنفرة} فإن ذلك في المعنى لا في الهيئة.
وقوله: {وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله}، هذه العبارة إذا قالها الإنسان من نفسه، أو قيلت له فيما يقع تحت مقدوره فمعناها النهي والحظر، وإن كان ذلك فيما لا قدرة له عليه فمعناها نفي ذلك الأمر جملة، وكذلك هذه الآية. وقال المهدوي: لفظها لفظ الحظر ومعناها النفي. واللام في قوله: "فليتوكل" لام الأمر، وقرأها الجمهور ساكنة، وقرأها الحسن مكسورة، وتحريكها بالكسر هو أصلها، وتسكينها طلب للتخفيف، ولكثرة استعمالها، وللفرق بينها وبين لام كي التي ألزمت الحركة إجماعا). [المحرر الوجيز: 5/231]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {وما لنا ألا نتوكل على الله} الآية، وقفهم الرسل على جهة التوبيخ على تعليل في أن لا يتوكلوا على الله وهو قد أنعم عليهم، وهداهم طريق النجاة، وفضلهم على خلقه، ثم أقسموا أن يقع منهم الصبر على الإذاية في ذات الله تعالى. و"ما" في قوله: {ما آذيتمونا} مصدرية، وهي حرف عند سيبويه بانفرادها، إلا أنها اسم مع ما اتصل بها من المصدر، وقال بعض النحويين: "ما" المصدرية بانفرادها اسم، ويحتمل أن تكون "ما" في هذا الموضع بمعنى الذي، فيكون في "آذيتمونا" ضمير عائد تقديره: آذيتموناه، ولا يجوز أن يضم به بسبب إضمار حرف الجر، هذا مذهب سيبويه، والأخفش يجوز ذلك). [المحرر الوجيز: 5/231]

رد مع اقتباس