الموضوع: سورة المائدة
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 6 رجب 1434هـ/15-05-2013م, 09:19 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَ‌افِقِ وَامْسَحُوا بِرُ‌ءُوسِكُمْ وَأَرْ‌جُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُ‌وا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْ‌ضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ‌ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِ‌يدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَ‌جٍ وَلَـٰكِن يُرِ‌يدُ لِيُطَهِّرَ‌كُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ‌ونَ(6)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّالثةقال جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6] الآية فيها سبعة أقوالٍ:
فمن العلماء من قال: هي ناسخةٌ لقوله جلّ وعزّ {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43]
ومنهم من قال: هي ناسخةٌ لما كانوا عليه لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أحدث لم يكلّم أحدًا حتّى يتوضّأ وضوءه للصّلاة فنسخ هذا وأمر بالطّهارة عند القيام إلى الصّلاة
ومنهم من قال: هي منسوخةٌ لأنّه لو لم تنسخ لوجب على كلّ قائمٍ إلى الصّلاة الطّهارة وإن كان متطهّرًا والنّاسخ لها فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وسنذكره بإسناده
ومن العلماء من قال: يجب على كلّ من قام إلى الصّلاة أن يتوضّأ للصّلاة بظاهر الآية وإن كان طاهرًا فهذا قول عكرمة، وابن سيرين، واحتجّ عكرمة، بعليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا إبراهيم بن مرزوقٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمر، وعبد الصّمد بن عبد الوارث، قالا: حدّثنا شعبة، عن مسعود بن عليٍّ، قال: كان عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه يتوضّأ لكلّ صلاةٍ ويتلو: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6] الآية
ومن العلماء من يقول ينبغي لكلّ من قام إلى الصّلاة أن يتوضّأ لها طلبًا للفضل، وحمل الآية على النّدب
ومنهم من قال الآية مخصوصةٌ لمن قام من النّوم
والقول السّابع: أنّ الآية يراد بها من لم يكن على طهارةٍ فهذه سبعة أقوالٍ
فأمّا القول الأوّل إنّها ناسخةٌ لقول اللّه جلّ وعزّ {لا تقربوا الصّلاة
وأنتم سكارى} [النساء: 43] فقد ذكرناه بإسناده في سورة النّساء ولا يبيّن في هذا نسخٌ يكون التّقدير إذا قمتم إلى الصّلاة غير سكارى
والقول الثّاني: يحتجّ من قاله بحديث علقمة بن الفغواء عن أبيه قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا بال لم يكلّم أحدًا حتّى يتوضّأ للصّلاة حتّى نزلت آية الرّخصة {يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة} [المائدة: 6]
وقرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن محمّد بن بشّارٍ، عن ابن معاذٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، عن حصين بن المنذر أبي ساسان، عن المهاجر بن قنفذٍ، أنّه: «سلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يبول فلم يردّ عليه حتّى توضّأ فلمّا توضّأ ردّ عليه»
قال أبو جعفرٍ: وهذا أيضًا لا يتبيّن فيه نسخٌ لأنّه مباحٌ فعله
ومن قال: الآية منسوخةٌ بفعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاحتجّ بما حدّثناه عبد اللّه بن محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا أحمد بن منصورٍ، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا سفيان، عن علقمة بن مرثدٍ، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «كان يتوضّأ وضوءه لكلّ صلاةٍ فلمّا كان يوم الفتح صلّى الصّلوات بوضوءٍ واحدٍ ومسح على خفّيه» فقال عمر: لقد فعلت شيئًا ما كنت تفعله فقال: «عمدًا فعلته» ومن
منع أن ينسخ القرآن بالسّنّة قال هذا تبيينٌ وليس بنسخٍ
ومن قال على كلّ قائمٍ إلى الصّلاة أن يتوضّأ لها احتجّ بظاهر الآية وبما روي عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه
ومن قال: هي على النّدب احتجّ بفعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبأنّ عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه لم يقل هذا واجبٌ فيتأوّل أنّه يفعل
هذا إرادة الفضل والدّليل على هذا أنّه قد صحّ عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه أنّه توضّأ وضوءًا خفيفًا ثمّ قال:
هذا وضوء من لم يحدث وكذا عن عمر أيضًا ويحتجّ بحديث غطيفٍ عن ابن عمر عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
من توضّأ على طهارةٍ كتبت له عشر حسناتٍ
وأمّا من قال المعنى إذا قمتم من النّوم فيحتجّ بأنّ في القرآن الوضوء على النّائم، وهذا قول أهل المدينة
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن زيد بن أسلم، أنّ تفسير، هذه الآية {يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة} [المائدة: 6] الآية أنّ: «ذلك إذا قام من المضجع يعني النّوم»
والقول السّابع: قول الشّافعيّ قال: " لو وكّلنا إلى الآية لكان على كلّ قائمٍ إلى الصّلاة الطّهارة. فلمّا صلّى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم الصّلوات بطهرٍ واحدٍ بينها ومعنى هذا على هذا القول {يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة} [المائدة: 6] وقد أحدثتم {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}
وقد زعم قومٌ أنّ هذا ناسخٌ للمسح على الخفّين، وسنبيّن ما في ذلك وأنّه ليس بناسخٍ له إن شاء اللّه
وقال قومٌ في قراءة من قرأ: وأرجلكم بالخفض إنّه منسوخٌ بفعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقوله لأنّ الجماعة الّذين تقوم بهم الحجّة رووا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غسل قدميه وفي ألفاظه عليه السّلام
إذا غسل قدميه خرجت الخطايا من قدميه
ولم يقل أحدٌ عنه عليه السّلام إنّه قال فإذا مسح قدميه
وصحّ عنه «ويلٌ للعراقيب من النّار» «ويلٌ للأعقاب من النّار»
وأنّه أمر بتخليل الأصابع ولو كان المسح جائزًا ما كان
لهذا معنًى
وقال قومٌ قد صحّ الغسل بنصّ كتاب اللّه جلّ وعزّ في القراءة بالنّصب وبفعل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وقوله ومن ادّعى أنّ المسح جائزٌ فقد تعلّق بشذوذٍ
وقال قومٌ الغسل والمسح جميعًا واجبان بكتاب اللّه جلّ وعزّ لأنّ القراءة بالنّصب والخفض مستفيضةٌ قد قرأ بها الجماعة
فممّن قال إنّ مسح الرّجلين منسوخٌ الشّعبيّ
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا إبراهيم بن مرزرقٍ، قال: حدّثنا يعقوب بن إسحاق، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عاصمٍ، عن الشّعبيّ، قال: «نزل القرآن بالمسح والسّنّة بالغسل»
ومن قال قد صحّ الغسل بالكتاب والسّنّة احتجّ بالقراءة بالنّصب وبما صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
ومن قال: هما واجبان قال هما بمنزلة آيتين لصحّة كلّ واحدةٍ منهما عن جماعةٍ تقوم بهم الحجّة
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا إبراهيم، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا قيسٌ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، أنّه: قرأ «وأرجلكم» بالنّصب
قال وحدّثنا أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن خزيمة، قال: حدّثنا سعيد بن
منصورٍ، قال سمعت هشيمًا، يقول أخبرنا خالدٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه: قرأ «وأرجلكم وقال عاد إلى الغسل»
قال أبو جعفرٍ: وهذه قراءة عروة بن الزّبير، ونافعٌ، والكسائيّ، وقرأ أنس بن مالكٍ وأرجلكم بالخفض وهي قراءة أبى جعفرٍ، وأبي عمرٍو
وعاصمٍ، والأعمش، وحمزة
على أنّه يقال تمسّحت بمعنى تطهّرت للصّلاة فيكون على هذا الخفض كالنّصب وسمعت عليّ بن سليمان يقول التّقدير وأرجلكم غسلًا ثمّ حذف هذا لعلم السّامع
وممّن قال إنّ المسح على الخفّين منسوخٌ بسورة المائدة ابن عبّاسٍ وقال:
ما مسح رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على الخفّين بعد نزول المائدة
وممّن ردّ المسح أيضًا عائشة وأبو هريرة
قال أبو جعفرٍ: من نفى شيئًا وأثبته غيره فلا حجّة للنّافي وهذا موجودٌ في الأحكام والمعقول وقد أثبت المسح على الخفّين من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم جماعةٌ كثيرةٌ ومنهم من قال بعد المائدة فممّن أثبت المسح عليّ بن أبي طالبٍ، وسعد بن أبي وقّاصٍ، وبلالٌ، وعمرٌو بن أميّة
الضّمريّ، وصفوان بن عسّالٍ، وحذيفة، وبريدة، وخزيمة بن ثابتٍ، وأبو بكرٍ، وسهل بن سعدٍ، وأسامة بن زيدٍ، وسلمان،
وجريرٌ البجليّ، والمغيرة بن شعبة، وعن عمر بن الخطّاب غير مسندٍ صحيحٍ فمن ذلك ما حدّثنا أحمد بن شعيبٍ، أبوعبد الرّحمن، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، وهو ابن راهويه، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا سفيان الثّوريّ، عن عمرو بن قيسٍ الملائيّ، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئٍ، عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه قال: «جعل
رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم للمسافر ثلاثة أيّامٍ ولياليهنّ، ويومًا وليلةً للمقيم يعني في المسح»
قال أبو عبد الرّحمن، وأخبرنا هنّاد بن السّريّ، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئٍ، قال: سألت عائشة عن المسح على الخفّين قالت: ائت عليًّا فإنّه أعلم بذلك منّي فأتيت عليًّا فسألته عن المسح فقال: «أمرنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أن نجعل للمقيم يومًا وليلةً وللمسافر ثلاثًا»
قال أبو عبد الرّحمن، وأخبرنا قتيبة، قال: حدّثنا حفصٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همّامٍ، أنّ، جرير بن عبد اللّه البجليّ: " توضّأ ومسح على خفّيه فقيل له أتمسح؟ فقال: قد رأيت رسول صلّى الله عليه وسلّم يمسح " فكان أصحاب عبد اللّه يعجبهم قول جريرٍ لأنّ إسلامه كان قبل موت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بيسيرٍ
قال أبو جعفرٍ: وكذا قال أحمد بن حنبلٍ أنا أستحسن حديث جريرٍ في المسح على الخفّين لأنّ إسلامه كان بعد نزول المائدة
وقد عارض قومٌ من الّذين يمنعون المسح على الخفّين بأنّ الواقديّ روى عن عبد الحميد بن جعفرٍ عن أبيه:
أنّ جريرًا البجليّ أسلم في سنة عشرٍ في شهر رمضان وأنّ المائدة نزلت في ذي الحجّة يوم عرفاتٍ قالوا: فإسلام جريرٍ على هذا قبل نزول المائدة
قال أبو جعفرٍ: والّذي احتجّ بهذا جاهلٌ بمعرفة الحديث لأنّ هذا الحديث لا تقوم به حجّةٌ لوهائه وضعف إسناده، وأيضًا فإنّ قوله نزلت المائدة يوم عرفاتٍ في ذي الحجّة جهلٌ أيضًا لأنّ الرّواية أنّه نزل منها في ذلك اليوم آيةٌ واحدةٌ وهي {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} [المائدة: 3] ولو صحّ ما قال إنّ المسح كان قبل نزول المائدة لما كانت له فيه حجّةٌ ولكان المسح ثابتًا ويكون القرآن نزل بالغسل لمن لم يكن عليه خفّان ويقال له أيضًا ما معنى المسح قبل نزول المائدة وهل كان التّوضّؤ للصّلاة واجبًا قبل نزول المائدة فإن كان واجبًا فقد صحّ أنّ المسح على الخفّ بدلٌ من الغسل وإن قال كان غير واجبٍ قيل له فما معنى المسح والغسل غير واجبٍ وكذا المسح وهذا بيّنٌ في تثبيت المسح على الخفّين
وهو قول الفقهاء الّذين تقوم بهم الحجّة
واختلفوا في الآية الرّابعة فمنهم من قال: هي منسوخةٌ ومنهم من قال: هي محكمةٌ
).[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/232-315]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) :(قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم}.
هذه الآية عند جماعة ناسخةٌ لقوله: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} [النساء:43]؛ لأن مفهوم الخطاب جواز قرب الصلاة لغير السّكران جوازًا عامًا بلا شرط غسلٍ ولا وضوء، ثم منع في هذه الآية أن تقرب الصّلاة إلاّ بالغسل المذكور للأعضاء المذكورة، والمسح للرأس.
وقيل: الآية ناسخةٌ لفعل النبي عليه السلام كان إذا أحدث لم يكلّم أحدًا حتى يتوضأ، فنسخ الله ذلك بالأمر بالوضوء عند القيام إلى الصّلاة.
ومعنى {إذا قمتم}: إذا أردتم القيام، كما قال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشّيطان الرّجيم} [النحل: 98]، أي: إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله.
وقد قيل: إن ظاهر الآية إيجاب الوضوء على كل من قام إلى صلاةٍ، وإن كان على وضوء، لكنه نسخ بتواتر الأخبار أن النبي عليه السلام كان يصلّي صلواتٍ بوضوء واحد، وبالإجماع على جواز ذلك وفعله.
والأحسن أن يقال: خصّص وبيّن بالإجماع على جواز صلواتٍ بوضوء واحد، وبالسّنّة المتواترة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فيكون مخصّصًا ومبيّنًا أولى من أن يكون منسوخًا، هذا على قول من لم يجز النسخ بالإجماع ولا بالسنّة المتواترة؛ إذ لا اختلاف في جواز تخصيص القرآن وتبيينه بالإجماع وبالسّنّة المتواترة.
وروي عن علي أنه جعل الآية للوضوء لكل صلاةٍ على النّدب، ندب كل من قام إلى الصلاة أن يتوضأ لها، وإن كان على وضوء، وكان علي
رضي الله عنه يتوضأ لكل صلاة للفضل لا لأنه واجب.
وقد ذهب قوم إلى وجوبه بظاهر الآية، وهو مروي عن عكرمة وابن سيرين. والجماعة على خلافهما، للإجماع السابق قبلهما. والأخبار المتواترة على غير ذلك.
وقد قال زيد بن أسلم: الآية مخصوصةٌ يراد بها من كان على غير طهارة، والمعنى: إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، وعليه جماعة الفقهاء، وهو الصواب، إن شاء الله. فيدخل تحت الحدث النوم وغيره؛ فالآية محكمة في هذه الأقوال.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: فرض غسل الرّجلين ناسخٌ للمسح على الخفين. وعن عائشة وأبي هريرة أنهما منعا المسح على الخفين وهي رواية ضعيفة.
وأكثر الفقهاء وأهل السنّة وأهل الحديث، وأكثر الرواة عن الصحابة والتابعين على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر. فهو غير منسوخ بل هو توسعة وتخفيف على المسلمين. وهو بدل من الغسل.
فأمّا من قرأ: "وأرجلكم" - بالخفض - فهي قراءة مجمعٌ عليه لا اختلاف في جوازها والقراءة بها. وهي توجب جواز المسح على الأرجل وليس على ذلك عمل. وقد قيل فيه أقوال:
وقيل: هو محكم منسوخ بفعل النبي عليه السلام وغسله لرجليه دون أن يمسح، نقل ذلك نقلاً متواترًا، وقد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بتخليل الأصابع، وذلك لا يصح إلا مع الغسل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ويلٌ للأعقاب من النار))، لما رأى قومًا توضؤوا وأعقابهم تلوح لم يصل إليها الماء، وهذا لا يكون إلا بالغسل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أسبغوا الوضوء)) وذلك لا يكون إلا مع الغسل.
وقد قيل: إن القراءة - بالخفض - غير منسوخة لكنّها تدلّ على ما تدلّ عليه، القراءة - بالنصب - من الغسل وذلك أن معنى التمسح: التطهر، يقال: تمسحت للصّلاة، أي، تطهّرت لها: فيكون معنى: وأرجلكم - بالخفض -: أي: طهروها بالماء، فلما كان المسح يجوز أن يقع على الطهارة بيّن النبي بفعله أن المراد بالمسح - في قراءة من خفض الأرجل -: الغسل.
وقد روي عن الشعبي أنه قال: نزل القرآن بالمسح - يعني على الأرجل - قال: وجاءت السّنّة بالغسل، فجعل المسح هو الفرض، والغسل بالسنّة، كأنه جعل السنّة ناسخةً للفرض؛ إذ قد أجمع على أنه لا يجوز مسح الرجلين في الوضوء دون الغسل، وإنما المسح الجائز على الخفين.
وقد قال بعض أهل العربية واللغة: إن معنى القراءة - بالخفض -: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم غسلاً، ودلّ على هذا الغسل المحذوف قوله: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}، ودلّ على أن المراد الغسل، وأكّده التحديد في قوله: {إلى الكعبين}، كما قال في الأيدي: {إلى المرافق}.
وقد قال الأخفش وأبو عبيدة: إنما خفضت الأرجل - في قراءة من خفضها - على الجوار للرؤوس، لا على العطف عليها. والخفض على الجوار لا يوجب حكم الذي جاوره وحمل على إعرابه للمجاورة، إنما يوجب الحكم الخفض على العطف.
ومن قال: إنه خفضٌ - على العطف - احتجّ بأنّ حمل الكلام على أقرب العاملين أحسن، فلما كان قبل الأرجل عاملان: الغسل والباء، والباء أقرب، حمل الكلام على الباء لقربها منه، وهو الأكثر في كلام العرب، وحسن ذلك لما في الكلام من الدليل على أن المراد به الغسل. وقد روى أبو زيد اللغوي: أن المسح: خفيف الغسل. وقال أبو عبيدة في قوله: {فطفق مسحًا بالسّوق والأعناق} [ص: 33]: أن المسح هنا: الضرب، فكذلك المسح في الأرجل: الغسل الخفيف.
فأما المسح على الخفين:
فإن ابن عباس يقول: "مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين قبل نزول المائدة"، فلما نزلت المائدة بالغسل نسخ ذلك المسح، وقال: "والله ما مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المائدة".
وقال جرير بن عبد الله: مسح النبي عليه السلام على الخفين بعد نزول المائدة - وكان إسلام جرير بعد نزول المائدة في شهر رمضان سنة عشر - وعلى هذا أكثر الناس لأن من أثبت أولى بالقبول ممّن نفى. هذا أصل مجمع عليه.
وقد اختلف قول مالك في جواز المسح على الخفين للمقيم.
وعلى جوازه أكثر أهل السنّة.
). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 255-279]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّالثة: قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم}.
اختلف العلماء فيها على قولين:
أحدهما: أنّ في (الكلام) إضمارًا تقديره: إذا قمتم إلى الصّلاة محدثين. وهذا قول سعد بن أبي وقّاصٍ، وأبي موسى، وابن عبّاسٍ، والفقهاء.
والثّاني: أنّه على إطلاقه، وأنّه يوجب على كلّ من أراد الصّلاة أن يتوضّأ سواءً كان محدثًا أو غير محدثٍ. وهذا مرويٌّ عن جماعةٍ منهم: عليٌّ، وعكرمة، وابن سيرين.
ثمّ اختلفوا: هل هذا الحكم باقٍ أم نسخ؟
فذهب أكثرهم إلى أنّه باقٍ.
وقال بعضهم: بل هو منسوخ بالسنة وهو حديث بريدة: "أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى يوم الفتح بوضوءٍ واحدٍ" فقال له عمر: صنعت شيئًا لم تكن تصنعه. فقال: عمدًا فعلته يا عمر".
وهذا
قولٌ بعيدٌ لما سبق بيانه من أنّ أخبار الآحاد لا تجوز أن تنسخ القرآن وإنّما يحمل فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم هذا على تبيين معنى الآية، وأنّ المراد: إذا قمتم وأنتم محدثون. وإنّما كان يتوضّأ لكلّ صلاةٍ لطلب الفضيلة.
وقد حكى أبو جعفرٍ النّحّاس عن الشّافعيّ أنّه قال: لو وكّلنا إلى الآية لكان على كلّ قائمٍ إلى الصّلاة الطّهارة، فلمّا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (الصّلوات) بطهورٍ واحدٍ، بيّنها فيكون المعنى: إذا قمتم وقد أحدثتم فاغسلوا.
وقد قال بعضهم: يجوز أن يكون ذلك قد نسخ بوحيٍ لم تستقرّ تلاوته. فإنّه قد روى أبو جعفر ابن جريرٍ الطّبريّ، بإسناده عن عبد اللّه بن حنظلة الغسيل رضي اللّه عنهما "أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمر بالوضوء عند كلّ صلاةٍ فشقّ ذلك عليه، فرفع عنه الوضوء إلا من حدثٍ".
). [نواسخ القرآن: 297-322]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (الثالث: قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة}الآية [المائدة: 6]، قال قوم: هي منسوخة؛ لأنها تقتضي إيجاب الوضوء على من قام إلى الصلاة وإن لم يكن محدثا.
وقال عكرمة وابن سيرين بإيجاب ذلك على كل قائم إلى الصلاة وإن لم يكن محدثا، وإنما معنى الآية: إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، يدل على ذلك قوله عز وجل: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} الآية [المائدة: 6] فالآية محكمة عند العلماء، ومعناها ما ذكرته.
). [جمال القراء: 1/295-302]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (الرابع: قوله عز وجل: {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} الآية [المائدة: 6]، قال قوم: هو منسوخ بوجوب غسل الرجلين.
وقال الشعبي: نزل القرآن بمسح الرجلين، وجاءت السنة بالغسل، والصحيح أنها محكمة.
قال أبو زيد: المسح: خفيف الغسل، وأريد ترك الإسراف؛ لأن غسل الرجلين مظنة ذلك، وقال أبو عبيد في قوله عز وجل: {فطفق مسحا} الآية [ص: 33] المسح هاهنا: الضرب، كذلك المسح هاهنا الغسل، وقيل: المسح: التطهير، يقال: تمسحت للصلاة كما يقال تطهرت لها، وقيل: قراءة الخفض معناها مسح الخفين، وقراءة النصب لغسل الرجلين. والصحيح أنها محكمة.
). [جمال القراء: 1/295-302]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس