عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 05:07 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم * إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم * فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم}
روي أن هذه الآية نزلت في بني أسد من العرب; وذلك أنهم أسلموا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن قد آثرناك على كل شيء وجئناك بنفوسنا وأهلينا، كأنهم منوا بذلك، فنزل فيهم: {يمنون عليك أن أسلموا} الآية، ونزلت فيهم هذه الآية، فإن كان هذا فالإبطال الذي نهوا عنه ليس بمعنى الإفساد التام; لأن الإفساد التام لا يكون إلا بالكفر، وإلا فالحسنات لا تبطلها المعاصي، وإن كانت الآية عامة على ظاهرها نهي الناس عن إبطال أعمالهم، فالإبطال هو الإفساد التام). [المحرر الوجيز: 7/ 659]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار}، روي أنها نزلت بسبب أن عدي بن حاتم قال: يا رسول الله، إن حاتما كانت له أفعال بر، فما حاله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو في النار"، فبكى عدي رضي الله عنه وولى، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "أبي وأبوك وأبو إبراهيم خليل الرحمن في النار"، ونزلت هذه الآية في ذلك، وظاهر الآية العموم في كل ما تناولته الصفة). [المحرر الوجيز: 7/ 659-660]

تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلا تهنوا} معناه: فلا تضعفوا، وهو من "وهن الرجل" إذا ضعف، وقرأ جمهور الناس: "وتدعوا إلى السلم"، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: "وتدعوا إلى السلم" بالتشديد في الدال، وقرأ جمهور القراء: "السلم" بفتح السين، وقرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم: "السلم" بكسر السين، وهي قراءة الحسن، وأبي رجاء، والأعمش، وعيسى، وطلحة، وهو بمعنى المسالمة، وقال الحسن بن أبي الحسن وفرقة ممن قرأ بكسر السين: إنه بمعنى الإسلام، أي: فلا تهنوا وتكونوا داعين إلى الإسلام فقط دون مقاتلين بسببه، وقال قتادة: معنى الآية: لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت للأخرى، وهذا حسن ملتئم مع قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}.
وقوله تعالى: {وأنتم الأعلون} يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون في موضع الحال، والمعنى: لا تهنوا وأنتم في هذه الحال، والمعنى الثاني أن يكون إخبارا مقطوعا، أخبرهم فيه بمغيب أبرزه الوجود بعد ذلك، و[الأعلون] معناه: الغالبون والظاهرون، ويذهب، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "من ترك صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله"، أي: ذهب بجميع ذلك على جهة التغلب والقهر، والمعنى: لن يتركم ثواب أعمالكم أو جزاءها واللفظة مأخوذة من الوتر الذي هو الذحل، وذهب قوم إلى أنها من الوتر الذي هو الفرد، والمعنى: لن يفردكم من ثواب أعمالكم، والأول أصح، وفسر ابن عباس رضي الله عنهما وأصحابه: يظلمكم).[المحرر الوجيز: 7/ 660-661]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم * إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم * ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}
قوله تعالى: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} تحقير لأمر الدنيا، أي: فلا تهنوا في الجهاد بسببها، ووصفها باللعب واللهو هو على أنها وما فيها مما يختص بها لعب ولهو، وإلا ففي الدنيا ما ليس بلعب ولا لهو وهو الطاعة وأمر الآخرة وما جرى مجراه، وقوله تعالى: {وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم} معناه: هذا هو المطلوب منكم لا غيره، لا تسألون أموالكم أن تنفقوها في سبيل الله، وقال سفيان بن عيينة: المعنى: لا يسألكم كثيرا من أموالكم إحفاء، إنما يسألكم غيضا من فيض، ربع العشر، فطيبوا أنفسكم،
ثم قال تعالى منبها على خلق ابن آدم: {إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا}، والإحفاء هو أشد السؤال، وهو المخجل المخرج ما عند المسؤول كرها، ومنه حفاء الرجل والتحفي من البحث عن الشيء، وقوله تعالى: "تبخلوا" جزم على جواب شرط، وقرأ جمهور القراء: "ويخرج" جزما على "تبخلوا"، وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو: "ويخرج" بالرفع على القطع بمعنى: وهو يخرج، وحكاها أبو حاتم عن عيسى، وقرأت فرقة: "ويخرج" بالنصب على معنى: يكن بخل وإخراج، فلما جاءت العبارة بفعل دل على أن "أن" التي مع الفعل بتأويل المصدر الذي هو الإخراج، والفاعل في قوله تعالى: "ويخرج" على كل الاختلافات يحتمل أن يكون الله تعالى، ويحتمل أن يكون البخل الذي تضمنه اللفظ، ويحتمل أن يكون السؤال الذي يتضمنه اللفظ أيضا، وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وابن سيرين، وابن محيصن، وأيوب: "ويخرج" بفتح الياء "أضغانكم" رفعا على أنها فاعلة، وروي عنهم "وتخرج" بضم التاء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله، وقرأ يعقوب: "ونخرج" بضم النون وكسر الراء "أضغانكم" نصبا. و"الأضغان" كما قلنا: معتقدات السوء، وهذا الذي كان يخاف أن يعتري المسلمين هو الذي تقرب به محمد بن مسلمة إلى كعب بن الأشرف حين قال له: إن هذا الرجل قد أكثر علينا وطلب منا الأموال). [المحرر الوجيز: 7/ 661-662]

تفسير قوله تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم وقف تعالى عباده المؤمنين على جهة التوبيخ لبعضهم: ها أنتم هؤلاء، وكرر هاء التنبيه تأكيدا. وقوله تعالى: {عن نفسه} يحتمل معنيين: أحدهما: فإنما يبخل عن شح نفسه، والآخر أن يكون بمنزلة "على" لأنك تقول: بخلت عليك بكذا وبخلت عنك بمعنى أمسكت عنك. وقوله تعالى: {والله الغني وأنتم الفقراء} معنى مطرد في قليل الأشياء وكثيرها.
وقوله تعالى: {يستبدل قوما غيركم} قيل: الخطاب لقريش، والقوم الغير هم أهل المدينة، وقال عبد الرحمن بن جبير وشريح بن عبيد: الخطاب لمن حضر المدينة، والقوم الغير هم أهل اليمن، وقالت فرقة: الخطاب لجميع المسلمين والمشركين والعرب حينئذ، والقرم الغير فارس. وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذا وكان سلمان إلى جنبه، فوضع يده على فخذه وقال: "قوم هذا، لو كان الدين في الثريا لناله رجال من أهل فارس"، وقوله تعالى: {ثم لا يكونوا أمثالكم} معناه: في الخلاف والتولي والبخل بالأموال ونحو هذا، وحكى الثعلبي قولا أن القوم الغير هم الملائكة عليهم السلام.
كمل تفسير سورة محمد والحمد لله رب العالمين). [المحرر الوجيز: 7/ 662-663]

رد مع اقتباس