عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 02:25 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون اللّه فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السّبيل (17) قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء ولكن متّعتهم وآباءهم حتّى نسوا الذّكر وكانوا قومًا بورًا (18) فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا ومن يظلم منكم نذقه عذابًا كبيرًا (19) }
يقول تعالى مخبرًا عمّا يقع يوم القيامة من تقريع الكفّار في عبادتهم من عبدوا من دون اللّه، من الملائكة وغيرهم، فقال: {ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون اللّه}. قال مجاهدٌ: عيسى، والعزير، والملائكة. {فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السّبيل} أي: فيقول الرّبّ تبارك وتعالى [للمعبودين] أأنتم دعوتم هؤلاء إلى عبادتكم من دوني، أم هم عبدوكم من تلقاء أنفسهم، من غير دعوةٍ منكم لهم؟ كما قال اللّه تعالى: {وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقٍّ إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنّك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم} إلى آخر الآية؛ [المائدة: 116 -117] ولهذا قال تعالى مخبرًا عمّا يجيب به المعبودون يوم القيامة: {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء} قرأ الأكثرون بفتح "النّون" من قوله: {نتّخذ من دونك من أولياء} أي: ليس للخلائق كلّهم أن يعبدوا أحدًا سواك، لا نحن ولا هم، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك، بل هم قالوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا ونحن برآء منهم ومن عبادتهم، كما قال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعًا ثمّ يقول للملائكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون} [سبأٍ: 40 -41]. وقرأ آخرون: "ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء" أي: ما ينبغي لأحدٍ أن يعبدنا، فإنّا عبيدٌ لك، فقراء إليك. وهي قريبة المعنى من الأولى.
{ولكن متّعتهم وآباءهم} أي: طال عليهم العمر حتّى نسوا الذّكر، أي: نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك، من الدّعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك.
{وكانوا قومًا بورًا} قال ابن عبّاسٍ: أي هلكى. وقال الحسن البصريّ، ومالكٌ عن الزّهريّ: أي لا خير فيهم. وقال ابن الزّبعرى حين أسلم:
يا رسول المليك إنّ لساني = راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور...
إذ أجاري الشّيطان في سنن الغي = ي، ومن مال ميله مثبور...). [تفسير ابن كثير: 6/ 99-100]

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {فقد كذّبوكم بما تقولون} أي: فقد كذّبكم الّذين عبدتم فيما زعمتم أنّهم لكم أولياء، وأنّكم اتّخذتموهم قربانًا يقرّبونكم إليه زلفى، كما قال تعالى: {ومن أضلّ ممّن يدعو من دون اللّه من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر النّاس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف: 5 -6].
وقوله: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} أي: لا يقدرون على صرف العذاب عنهم ولا الانتصار لأنفسهم، {ومن يظلم منكم} أي: يشرك باللّه، {نذقه عذابًا كبيرًا}). [تفسير ابن كثير: 6/ 100]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلّا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربّك بصيرًا (20) }
يقول تعالى مخبرًا عن جميع من بعثه من الرّسل المتقدّمين: إنّهم كانوا يأكلون الطّعام، ويحتاجون إلى التّغذّي به {ويمشون في الأسواق} أي: للتّكسّب والتّجارة، وليس ذلك بمنافٍ لحالهم ومنصبهم؛ فإنّ اللّه جعل لهم من السّمات الحسنة، والصّفات الجميلة، والأقوال الفاضلة، والأعمال الكاملة، والخوارق الباهرة، والأدلّة [القاهرة]، ما يستدلّ به كلّ ذي لبٍّ سليمٍ، وبصيرةٍ مستقيمةٍ، على صدق ما جاءوا به من اللّه عزّ وجلّ. ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} [يوسف: 109] {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام وما كانوا خالدين} [الأنبياء: 8].
وقوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون} أي: اختبرنا بعضكم ببعضٍ، وبلونا بعضكم ببعضٍ، لنعلم من يطيع ممّن يعصي؛ ولهذا قال: {أتصبرون وكان ربّك بصيرًا} أي: بمن يستحقّ أن يوحى إليه، كما قال تعالى: {اللّه أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124]، ومن يستحقّ أن يهديه اللّه لما أرسلهم به، ومن لا يستحقّ ذلك.
وقال محمّد بن إسحاق في قوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون} قال: يقول اللّه: لو شئت أن أجعل الدّنيا مع رسلي فلا يخالفون، لفعلت، ولكنّي قد أردت أن أبتلي العباد بهم، وأبتليهم بهم.
وفي صحيح مسلمٍ عن عياض بن حمارٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يقول اللّه: إنّي مبتليك، ومبتلٍ بك". وفي المسند عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لو شئت لأجرى اللّه معي جبال الذّهب والفضّة"، وفي الصّحيح أنّه -عليه أفضل الصّلاة والسّلام -خير بين أن يكون نبيًّا ملكًا أو عبدًا رسولًا فاختار أن يكون عبدا رسولا). [تفسير ابن كثير: 6/ 100-101]

رد مع اقتباس