عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 03:15 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا}
المعنى: واذكر يوم، والضمير في "يحشرهم" للكفار، وقوله تعالى: {وما يعبدون} يريد به كل شيء عبد من دون الله، فغلب العبارة عما لا يعقل من الأوثان لأنها كانت الأغلب وقت المخاطبة.
[المحرر الوجيز: 6/424]
وقرأ ابن كثير، وعاصم -في رواية حفص -، والأعرج، وأبو جعفر: "يحشرهم" "فيقول" بالياء فيهما، وقرأ ابن عامر بالنون فيهما، وهي قراءة الحسن، وطلحة، وعاصم أيضا، وقرأ نافع "نحشرهم" بالنون "فيقول" بالياء، وفي قراءة عبد الله: "وما يعبدون من دونك"، وقرأ الأعرج "نحشرهم" بكسر الشين، وهي قليلة في الاستعمال قوية في القياس؛ لأن "يفعل" بكسر العين في المتعدي أقيس من "يفعل" بضم العين.
وهذه الآية تتضمن الخبر عن أن الله تعالى يوبخ الكفار في القيامة بأن يوقف المعبودين على هذا المعنى؛ ليقع الجواب بالتبري من الذنب فيقع الخزي على الكافرين). [المحرر الوجيز: 6/425]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف الناس في الموقف المجيب في هذه الآية، فقال جمهور المفسرين: هو كل من ظلم بأن عبد ممن يعقل: كالملائكة وعزير وعيسى وغيرهم، وقال الضحاك، وعكرمة: الموقف المجيب: الأصنام التي لا تعقل، يقدرها الله تعالى يومئذ على هذه المقالة، ويجيء خزي الكفرة لذلك أبلغ.
وقرأ جمهور الناس: "نتخذ" بفتح النون، وذهبوا بالمعنى إلى أنه من قول من يعقل، وأن هذه الآية بمعنى التي في سورة سبأ: ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم، وكقول عيسى عليه السلام: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به، ومن أولياء - في هذه القراءة - في موضع المفعول به. وقرأ أبو جعفر، والحسن، وأبو الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبو رجاء، ونصر بن علقمة، ومكحول، وزيد بن علي، وحفص بن حميد: "نتخذ" بضم النون، وتذهب
[المحرر الوجيز: 6/425]
هذه مذهب من يرى أن الموقف المجيب الأوثان، ويضعف هذه القراءة دخول "من" في قوله: " من أولياء "، اعترض بذلك سعيد بن جبير وغيره، قال أبو الفتح: "من أولياء" في موضع الحال، ودخلت "من" زيادة لمكان النفي المتقدم، كما تقول: ما اتخذت زيدا من وكيل، وقرأ علقمة: "ما ينبغي" بسقوط "كان". وثبوتها أمكن في المعنى؛ لأنهم أخبروا على حال كانت في الدنيا، ووقت الإخبار لا عمل فيه.
وفسر هذا المجيب -بحسب الخلاف فيه- الوجه في ضلال الكفار، كيف وقع؟ وأنه لما متعهم الله تعالى بالنعم الدنيوية وأدرها لهم ولأسلافهم الأحقاب الطويلة نسوا الذكر، أي: ما ذكر به الناس على ألسنة الأنبياء.
و "بورا" معناه: هلكى، والبوار: الهلاك، واختلف في لفظه، فقالت فرقة: هي مصدر يوصف به الجمع والواحد، ومنه قول ابن الزبعرى:
يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور
وقالت فرقة: هي جمع بائر، وهو الذي قد فارقه الخير فحصل بذلك في حكم الهلاك، باشره الهلاك بعد أو لم يباشر، قال الحسن: البائر: الذي لا خير فيه). [المحرر الوجيز: 6/426]

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فقد كذبوكم} الآية، خطاب من الله تبارك وتعالى بلا خلاف، فمن قال: "إن المجيب الأصنام" كان معنى هذه إخباره الكفار أن أصنامهم قد كذبوهم، وفي هذا الإخبار خزي وتوبيخ، والفرقة التي قالت: "إن المجيب هو الملائكة، وعزير، وعيسى، ونحوهم" اختلفت في المخاطب بهذه الآية، فقالت طائفة: المخاطب الكفار على جهة التوبيخ والتقريع، وقالت طائفة: المخاطب هؤلاء
[المحرر الوجيز: 6/426]
المعبودون، أعلمهم الله تعالى أن الكفار بأفعالهم القبيحة قد كذبوا بهذه المقالة، وزعموا أن هؤلاء هم الأولياء من دون الله تعالى، وقالت فرقة: خاطب الله تعالى المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أي: قد كذبوكم أيها المؤمنون الكفار فيما تقولون من التوحيد والشرع.
وقرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم، والناس: "تقولون" بالتاء من فوق "يستطيعون" بالياء من تحت، ورجحها أبو حاتم، وقرأ أبو حيوة: "يقولون" بالياء من تحت، "فما تستطيعون" بالتاء من فوق، وقال مجاهد: الضمير في "يستطيعون" هو للمشركين، قال الطبري: وفي مصحف ابن مسعود: "فما يستطيعون لك صرفا"، وفي قراءة أبي بن كعب: "لقد كذبوك فما يستطيعون لك"، قال أبو حاتم في حرف عبد الله: "لكم صرفا" على جمع الضمير
و "صرفا" معناه: رد التكذيب أو العذاب أو ما اقتضاه المعنى، بحسب الخلاف المتقدم.
وقوله تعالى: {ومن يظلم منكم} قيل: هو خطاب للكفار، وقيل: هو للمؤمنين. والظلم هو الشرك، قاله الحسن وابن جريج، وقد يحتمل أن يعم غيره من المعاصي. وفي حرف أبي: "ومن يكذب منكم نذقه عذابا أليما"). [المحرر الوجيز: 6/427]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا}
هذه الآية رد على كفار قريش في استبعادهم أن يكون من البشر رسول، وقولهم: {مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق}، وأخبر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته أنه لم يرسل قبل في سالف الدهر نبيا إلا بهذه الصفة.
والمفعول بـ "أرسلنا" محذوف يدل عليه الكلام، تقديره: رجالا أو رسلا، وعلى هذا المحذوف المقدر يعود الضمير في قوله: "إلا إنهم"، وذهبت فرقة إلى أن قوله: {ليأكلون الطعام} كناية عن الحدث.
[المحرر الوجيز: 6/427]
وقرأ جمهور الناس: "ويمشون" بفتح الياء وسكون الميم وتخفيف الشين. وقرأ علي، وعبد الرحمن، وابن مسعود رضي الله عنهم: "ويمشون" بضم الياء وفتح الميم وشد الشين المفتوحة، بمعنى: يدعون إلى المشي ويحملون عليه. وقرأ أبو عبد الرحمن بضم الياء وفتح الميم وضم الشين المشددة، وهي بمعنى يمشون، ومنه قول الشاعر:
أمشي بأعطان المياه وأبتغي قلائص منها صعبة وركوب
ثم أخبر تبارك وتعالى أن السبب في ذلك أنه سبحانه أراد أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض على العموم في جميع الناس، مؤمن وكافر، فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير الشاكر فتنة للغني، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره، وكذلك العلماء وحكام العدل، وقد تلا ابن القاسم هذه الآية حين رأى أشهب. والتوقيف بـ "أتصبرون" خاص للمؤمنين المحقين، فهو لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، كأنه جعل إمهال الكفار فتنة للمؤمنين، أي اختبارا لهم، ثم وقفهم: هل تصبرون أم لا؟ ثم أعرب قوله: {وكان ربك بصيرا} عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين). [المحرر الوجيز: 6/428]

رد مع اقتباس