عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27 رجب 1434هـ/5-06-2013م, 02:17 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويوم تشقّق السّماء بالغمام} [الفرقان: 25] يجيء الغمام هذا بعد البعث، تشقّق فتراها واهيةً، متشقّقةً كقوله: {وفتحت السّماء فكانت أبوابًا} [النبأ: 19] ويكون الغمام سترةً بين السّماء والأرض.
قال: {ونزّل الملائكة تنزيلا} [الفرقان: 25] مع الرّحمن.
هو مثل قوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام والملائكة} [البقرة: 210].
ومثل قوله: {وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا} [الفجر: 22]
قال يحيى: وأخبرني صاحبٌ لي، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن شهر بن حوشبٍ قال: إذا كان يوم القيامة مدّت الأرض مدّ الأديم العكاظيّ، ثمّ يحشر اللّه فيها
[تفسير القرآن العظيم: 1/477]
الخلائق من الجنّ والإنس، ثمّ أخذوا مصافّهم من الأرض، ثمّ ينزل أهل السّماء الدّنيا بمثل من في الأرض وبمثلهم معهم من الجنّ والإنس، حتّى إذا كانوا على رءوس الخلائق أضاءت الأرض لوجوههم وخرّ أهل الأرض ساجدين وقالوا:
أفيكم ربّنا؟ قالوا: ليس فينا وهو آتٍ، ثمّ أخذوا مصافّهم من الأرض.
ثمّ ينزل أهل السّماء الثّانية بمثل من في الأرض من الجنّ والإنس والملائكة الّذين نزلوا قبلهم ومثلهم معهم، حتّى إذا كانوا مكان أصحابهم أضاءت الأرض لوجوههم وخرّ أهل الأرض ساجدين وقالوا: أفيكم ربّنا؟ قالوا ليس فينا وهو آتٍ، ثمّ أخذوا مصافّهم من الأرض.
ثمّ ينزل أهل السّماء الثّالثة بمثل من في الأرض من الجنّ والإنس والملائكة الّذين نزلوا قبلهم ومثلهم معهم، حتّى إذا كانوا مكان أصحابهم أضاءت الأرض لوجوههم وخرّ أهل الأرض ساجدين، وقالوا: أفيكم ربّنا؟ قالوا: ليس فينا وهو آتٍ، ثمّ ينزل أهل السّماء الرّابعة على قدرهم من التّضعيف، ثمّ ينزل أهل السّماء الخامسة على قدر ذلك من التّضعيف، ثمّ ينزل أهل السّماء
السّادسة على قدر ذلك من التّضعيف، ثمّ ينزل أهل السّماء السّابعة على قدر ذلك من التّضعيف.
ثمّ ينزل الجبّار تبارك وتعالى قال: {والملك على أرجائها ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذٍ ثمانيةٌ} [الحاقة: 17] تحمله الملائكة على كواهلها بأيدٍ وقوّةٍ وحسنٍ وجمالٍ حتّى إذا جلس على كرسيّه نادى بصوته: {لمن الملك اليوم} [غافر: 16] فلا يجيبه أحدٌ فيردّ على نفسه: {للّه الواحد القهّار {16} اليوم تجزى كلّ نفسٍ بما كسبت لا ظلم اليوم إنّ اللّه سريع الحساب {17}} [غافر: 16-17].
ثمّ أتت عنقٌ من النّار تسمع وتبصر وتكّلّم حتّى إذا أشرفت على رءوس الخلائق نادت بصوتها: ألا إنّي قد وكّلت بثلاثةٍ، ألا إنّي قد وكّلت بثلاثةٍ، ألا إنّي قد وكّلت بثلاثةٍ: بمن دعا مع اللّه إلهًا آخر، ومن دعا للّه ولدًا، ومن زعم أنّه العزيز الحكيم.
ثمّ صوّبت رأسها وسط الخلائق فالتقطتهم كما يلتقط الحمام حبّ السّمسم، ثمّ غاضت بهم فألقتهم في النّار، ثمّ عادت حتّى إذا كانت بمكانها نادت: ألا إنّي قد وكّلت بثلاثةٍ: بمن سبّ اللّه، وبمن كذب على اللّه، وبمن آذى اللّه.
فأمّا الّذي سبّ اللّه فالّذي زعم أنّه اتّخذ ولدًا وهو الواحد الصّمد {لم يلد ولم يولد {3} ولم يكن له كفوًا أحدٌ {4}} [الإخلاص: 3-4].
وأمّا الّذي كذب على اللّه فقال: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت بلى وعدًا عليه حقًّا
[تفسير القرآن العظيم: 1/478]
ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون {38} ليبيّن لهم الّذي يختلفون فيه وليعلم الّذين كفروا أنّهم كانوا كاذبين {39}} [النحل: 38-39] وأمّا الّذين آذوا اللّه فالّذين يصنعون الصّور، فتلتقطهم كما تلتقط الطّير الحبّ حتّى تغيض بهم في جهنّم). [تفسير القرآن العظيم: 1/479]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ويوم تشقّق السّماء بالغمام...}

ويقرأ {تشّقّق} بالتشديد وقرأها الأعمش وعاصم (تشقّق السّماء) بتخفيف الشين فمن قرأ تشّقّق أراد تتشقق بتشديد الشين والقاف فأدغم كما قال {لا يسّمّعون إلى الملأ الأعلى} ومعناه - فيما ذكروا - تشقّق السماء (عن الغمام) الأبيض ثم تنزل فيه الملائكة وعلى وعن والياء في هذا الموضع (بمعنى واحد) لأنّ العرب تقول: رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس، يراد به معنًى واحدٌ). [معاني القرآن: 2/267]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {تشقّق السّماء بالغمام} أي تتشقق عن الغمام. وهو سحاب أبيض، فيما يذكر). [تفسير غريب القرآن: 312]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : {وقوله عزّ وجلّ: (ويوم تشقّق السّماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلا}
ويقرأ (تشّقّق) بتشديد الشين والمعنى تتشقّق.
{ونزّل الملائكة تنزيلا} جاء في التفسير أنه تتشقق سماء سماء وتنزل الملائكة إلى الأرض وهو قوله {وجاء ربّك والملك صفّا صفّا} ). [معاني القرآن: 4/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ونزل الملائكة تنزيلا}
قال قتادة تنزل ملائكة كل سماء سماء فيقول الخلائق لهم أفيكم ربنا جل وعز وذكر الحديث). [معاني القرآن: 5/20]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ}: أي تشقق عن الغمام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]

تفسير قوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن} [الفرقان: 26] يخضع الملوك يومئذٍ لملك اللّه والجبابرة لجبروت اللّه.
قال: {وكان يومًا على الكافرين عسيرًا} [الفرقان: 26] شديدًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/479]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
(" يوماً على الكافرين عسيراً " أي شديداً صعباً). [مجاز القرآن: 2/74]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {الملك يومئذ الحقّ للرّحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا}
(الحقّ) صفة للملك، ومعناه أن الملك الذي هو الملك حقّا هو ملك الرحمن يوم القيامة كما قال عزّ وجلّ: (لمن الملك اليوم) لأن الملك الزائل كأنّه ليس بملك.
ويجوز{الملك يومئذ [الحقّ] للرّحمن} ولم يقرأ بها فلا تقرأنّ بها، ويكون النصب على وجهين: أحدهما على معنى الملك يومئذ للرحمن أحق ذلك الحقّ، وعلى أعني الحق). [معاني القرآن: 4/65]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {الملك يومئذ الحق للرحمن}
لأن ملك الدنيا زائل). [معاني القرآن: 5/20]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه} [الفرقان: 27] أبيّ بن خلفٍ: يأكلها ندامةً يوم القيامة.
{يا ليتني اتّخذت مع الرّسول} [الفرقان: 27] مع محمّدٍ إلى اللّه.
{سبيلا} [الفرقان: 27] باتّباعه). [تفسير القرآن العظيم: 1/479]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {مع الرّسول سبيلاً} أي سبباً ووصلةً قال جرير:

أفبعد مقتلكم خليل محمدٍ... ترجو القيون مع الرسول سبيلا). [مجاز القرآن: 2/74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا} أي سببا ووصلة). [تفسير غريب القرآن: 313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلا}
يروى أن عقبة بن أبي معيط هو الظالم ههنا، وأنه يأكل يده ندما ثم يعود وأنه كان عزم على الإسلام فبلغ ذلك أميّة بن خلف فقال له أمية:
وجهي من وجهك حرام إن أسلمت، إن كلّمتك أبدا، فامتنع عقبة من الإسلام لقول أميّة فإذا كان يوم القيامة أكل يده ندما وتمنى أن آمن واتخذ مع النبي عليه السلام طريقا إلى الجنة.
وهو قوله: {يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا * لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني}.
وقد قيل أيضا في (ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا)، أي لم أتخذ الشيطان خليلا، وتصديق هذا القول (وكان الشّيطان للإنسان خذولا).
ولا يمتنع أن يكون قبوله من أميّة من عمل الشيطان وأعوانه.
ويجوز (اتّخذت) بتبيين الذال، وبإدغامها في التاء، والإدغام أكثر وأجود). [معاني القرآن: 4/65]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ويوم يعض الظالم على يديه}
قال سعيد بن المسيب كان عقبة بن أبي معيط خدنا لأمية بن خلف فبلغ أمية أن عقبة عزم على أن يسلم فأتاه فقال له وجهي من وجهك حرام إن لم تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ففعل الشقي فأنزل الله جل وعز: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا}
وقال أبو رجاء فلان هو الشيطان واحتج لصاحب هذا القول بأن بعده وكان الشيطان للإنسان خذولا
والقول الأول هو الذي عليه أهل التفسير
روى عثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس أن هذا نزل في عقبة وأمية
وفي رواية مقسم فأما عقبة فكان في الأسارى يوم بدر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله فقال أأقتل دونهم فقال نعم بكفرك وعتوك فقال من للصبية فقال النار فقام علي بن أبي طالب فقتله، وأما أمية بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده وكان قال والله لأقتلن محمدا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنا أقتله إن شاء الله
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أمية لعقبة أصبأت فقال عقبة إنما صنعت طعاما فأبي محمد أن يأكل منه حتى أشهد له بالرسالة
والذي قال أبو رجاء ليس بناقض لهذا لأن هذا كان بإغواء الشيطان وتزيينه فيجوز أن يكون نسب إليه على هذا). [معاني القرآن: 5/23-21]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}: أي سببا ًووصله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]

تفسير قوله تعالى: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلا} [الفرقان: 28] عقبة بن أبي معيطٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/479]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(ومن الكناية قول الله عز وجل: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}

ذهب هؤلاء وفريق من المتسمّين بالمسلمين إلى أنه رجل بعينه.
وقالوا: لم كنى عنه؟ وإنما يكني هذه الكناية من يخاف المباداة، ويحتاج إلى المداجاة.
وقال آخرون: بل كان هذا الرجل مسمّى في هذا الموضع، فغيّر وكني عنه.
وذهبوا إلى أنه عمر، وتأوّلوا الآية فقالوا: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} يعني أبا بكر رضي الله عنه.
{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} يعني محمدا صلّى الله عليه وسلم.
{يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} يعني عمر رضي الله عنه.
{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي}يعني عليا.
قال أبو محمد: ونقول في الرد على (أولئك) إذ كان غلطهم من وجهة قد يغلظ في مثلها من رق علمه. فأما هؤلاء ففي قولهم ما أنبأ عن نفسه، ودلّ على جهل متأوّله كيف يكون عليّ رحمة الله عليه، ذكرا؟.
وهل قال أحد: إن أبا بكر لم يسلم، ولم يتخذ بإسلامه مع الرسول سبيلا ؟.
وليس هذا التفسير بنكر من تفسيرهم وما يدّعونه من علم الباطن كادّعائهم في الجبت والطّاغوت أنهما رجلان.
وأن الخمر والميسر رجلان آخران.
وأن العنكبوت غير العنكبوت والنحل غير النحل. في أشباه كثيرة من سخفهم وجهالاتهم.
وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية: إنّ عقبة بن أبي معيط صنع طعاما ودعا أشراف أهل مكة، فكان رسول الله، صلّى الله عليه وسلم فيهم، فامتنع من أن يطعم أو يشهد عقبة بشهادة الحقّ، ففعل ذلك، فأتاه أبيّ بن خلف، وكان خليله، فقال: صبأت؟ فقال: لا ولكن دخل عليّ رجل من قريش فاستحييت من أن يخرج من منزلي ولم يطعم.
فقال: ما كنت لأرضى حتى تبصق في وجهه وتفعل به وتفعل، ففعل ذلك، فأنزل الله هذه الآية عامة، وهذان الرجلان سبب نزولها.
كما أنه قد كانت الآية، والآي، تنزل في القصة تقع: وهي لجماعة الناس.
والمفسرون على أن هذه الآية نزلت في هذين الرجلين، وإنما يختلفون في ألفاظ القصة.
فأراد الله سبحانه ب الظالم كل ظالم في العالم، وأراد بفلان كل من أطيع بمعصية الله وأرضي بإسخاط الله.
ولو نزلت هذه الآية على تقديرهم فقال: ويوم يعضّ الظالم- قارون وهامان، وعقبة بن أبي معيط، وأبيّ بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والمغيرة، وفلان وفلان، بالأسماء- على أيديهم يقولون: يا ليتنا لم نتخذ فرعون، ونمرود، وعقبة بن أبي معيط، وأبا جهل، والأسود، وفلانا، وفلانا بالأسماء- لطال هذا وكثر وثقل، ولم يدخل فيه من تأخّر بعد نزول القرآن من هذا الصّنف، وخرج عن مذاهب العرب، بل عن مذاهب الناس جميعا في كلامهم.
فكان (فلان) كناية عن جماعة هذه الأسماء.
وقد يقول القائل: ما جاءك إلا فلان بن فلان، يريد أشراف الناس المعروفين، والشاعر يقول:
في لجّة أمسك فلانا عن فُلِ
يريد: أمسك فلانا عن فلان، ولم يرد رجلين بأعيانهما، وإنما أراد أنهم في غمرة الشّر وضحجّته، فالحجزة تقول لهذا: أمسك، ولهذا: كفّ.
والظالم دليل على جماعة الظالمين كقوله: {يَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} يريد جماعة الكافرين). [تأويل مشكل القرآن: 263-260]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلا}
يروى أن عقبة بن أبي معيط هو الظالم ههنا، وأنه يأكل يده ندما ثم يعود وأنه كان عزم على الإسلام فبلغ ذلك أميّة بن خلف فقال له أمية:
وجهي من وجهك حرام إن أسلمت، إن كلّمتك أبدا، فامتنع عقبة من الإسلام لقول أميّة فإذا كان يوم القيامة أكل يده ندما وتمنى أن آمن واتخذ مع النبي عليه السلام طريقا إلى الجنة.
وهو قوله: {يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا * لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني}.
وقد قيل أيضا في (ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا)، أي لم أتخذ الشيطان خليلا، وتصديق هذا القول {وكان الشّيطان للإنسان خذولا}.
ولا يمتنع أن يكون قبوله من أميّة من عمل الشيطان وأعوانه.
ويجوز (اتّخذت) بتبيين الذال، وبإدغامها في التاء، والإدغام أكثر وأجود). [معاني القرآن: 4/65] (م)

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({لقد أضلّني عن الذّكر} [الفرقان: 29] عن القرآن.
{بعد إذ جاءني} [الفرقان: 29] حدّثني المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: كان أبيٌّ يحضر النّبيّ، فزجره عقبة بن أبي معيطٍ عن ذلك فهو قول أبيّ بن خلفٍ في الآخرة: {يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول} [الفرقان: 27] مع محمّدٍ {سبيلا} [الفرقان: 27] قال قتادة: {سبيلا} [الفرقان: 27] بطاعة اللّه {يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلا} [الفرقان: 28] يعني عقبة بن أبي معيطٍ {خليلا} [الفرقان: 28] وقال ابن
مجاهدٍ عن أبيه: الشّيطان.
{لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني} [الفرقان: 29]
[تفسير القرآن العظيم: 1/479]
قال اللّه: {وكان الشّيطان للإنسان خذولا} [الفرقان: 29] يأمره بمعصية اللّه ثمّ يخذله في الآخرة.
كقوله: {وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل} [إبراهيم: 22] وحدّثني الحسن بن دينارٍ، عن حميد بن هلالٍ، عن بشير بن كعبٍ قال: إذا قبضت نفس الكافر مرّ بروحه على إبليس فيقول: اشفع لي.
فيقول: ما أملك لك ولا لنفسي شيئًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/480]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لّقد أضلّني عن الذّكر...}

يقال: النبي ويقال: القرآن، فيه قولان). [معاني القرآن: 2/267]

رد مع اقتباس