عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 18 محرم 1439هـ/8-10-2017م, 06:05 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

المحنة في عهد الواثق بن المعتصم

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المحنة في عهد الواثق بن المعتصم
ثمّ ولي بعد المعتصم ابنه الواثق؛ فنشط في المحنة بتدبير من قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد؛ وأظهر القضاةُ القول بخلق القرآن؛ فكان الإمام أحمد يشهد الجمعة، ويعيد الصلاة إذا رجع، ويقول: تؤتى الجمعة لفضلها، والصلاة تعاد خلف من قال بهذه المقالة.

وفي خلافة الواثق ورد كتاب ابن أبي دؤاد إلى والي مصر؛ يأمره فيه بامتحان أبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي؛ عالم مصر ومفتيها، وتلميذ الشافعي وأعلم أصحابه، وخليفته في مجلسه بعد موته.
فاستدعاه والي مصر؛ فامتحنه فأبى أن يجيب، وكان الوالي حسن الرأي فيه؛ فقال: قل فيما بيني وبينك!
فقال: لا أقوله، ليس بي أنا، ولكن بي أن يقتدي بي مائة ألف يقولون: قال أبو يعقوب، ولا يدرون المعنى والسبب؛ فيضلون، ولا أقوله أبدا.
وكان ابن أبي دؤاد قد أمر أن يُحمل إلى بغداد في أربعين رطلاً من حديد يقيّد بها ويغرّمها من ماله إن لم يجب.
فيكون وزن القيد نحو 15 كيلوجرام من الحديد.
قال الربيع بن سليمان: (كان البويطي أبدا يحرك شفتيه بذكر الله، وما أبصرت أحدا أنزع بحجة من كتاب الله من البويطي، ولقد رأيته على بغل في عنقه غل، وفي رجليه قيد، وبينه وبين الغل سلسلة فيها لبنة، وزنها أربعون رطلا، وهو يقول: إنما خلق الله الخلق بـ"كن"، فإذا كانت مخلوقة، فكأن مخلوقا خلق بمخلوق، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه -يعني: الواثق- ولأموتن في حديدي هذا حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم).
وترك في السجن إلى أن مات في قيوده سنة 231هـ.

وممن حبس في تلك المحنة مع البويطي: نعيم بن حماد المروزي، من أئمة أهل السنة، وهو أوّل من صنّف المسند، وهو الذي حثّ الإمام أحمد على كتابة المسند.
قال الإمام أحمد: ( جاءنا نعيم بن حماد ونحن على باب هُشيم نتذاكر المقطعات فقال: جمعتم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: (فعُنينا بها منذ يومئذ).
قال محمد بن سعد في طبقاته: ( نعيم بن حماد..كان من أهل خراسان، من أهل مرو، وطلب الحديث طلبا كثيرا بالعراق والحجاز، ثم نزل مصر؛ فلم يزل بها حتى أُشخص منها في خلافة أبي إسحاق بن هارون - يعني المعتصم - فسُئل عن القرآن فأبى أن يجيب فيه بشيء مما أرادوه عليه؛ فحبس بسامرا؛ فلم يزل محبوسا بها حتى مات في السجن في سنة ثمان وعشرين ومائتين)ا.هـ.
وقال الذهبي: (حُمل إلى العراق في امتحان القرآن مع البويطي مقيدين، فمات نعيمٌ بسرَّ من رأى)
وروى الخطيب البغدادي عن نفطويه أنَّه جُرَّ بأقياده فألقي في حفرة، ولم يكفَّن ولم يصلَّ عليه، بأمرٍ من صاحب ابن أبي دؤاد.

وممن حُبس في تلك المحنة:
الحافظ المحدّث محمود بن غيلان المروزي نزيل بغداد من شيوخ البخاري ومسلم، وقد أكثر الترمذي من الرواية عنه.

سئل عنه الإمام أحمد فقال: (ثقة، أعرفه بالحديث، صاحب سنة، قد حبس بسبب القرآن).

وفي زمان الواثق حدثت فتنة أخرى بسبب تشدّده في الامتحان بخلق القرآن، وسجنه لكثير من العلماء والأئمة والمؤذنين الذين لا يجيبون إلى القول بخلق القرآن، وهي أنّ نفراً من فقهاء بغداد ضاقوا ذرعاً بما جرى من المحنة فأتوا الإمام أحمد فقالوا له: إن هذا الأمر قد فشا وتفاقم، ونحن نخافه على أكثر من هذا، وذكروا له أنّ ابن أبي دؤاد يأمر المعلمين بتعليم الصبيان في الكتاتيب القولَ بخلق القرآن، وأنّهم يخشون أن ينشأ جيل على هذا الكفر، وقالوا: نحن لا نرضى بإمارته.
واحتجّوا للخروج عليه بحجج؛ فنهاهم الإمام أحمد عمّا أرادوه؛ وقال لهم: (عليكم بالنُّكْرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ولا دماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم، ولا تعجلوا، واصبروا حتى يستريح برٌّ ويُستراح من فاجر).
فقال بعضهم: (إنا نخاف على أولادنا إذا ظهر هذا لم يعرفوا غيره، ويمحى الإسلام يدرس).
قال: (كلا، إنّ الله عزّ وجل ناصر دينه، وإنّ هذا الأمر له ربٌّ ينصره، وإنّ الإسلام عزيز منيع).
فلم يقبلوا منه، وخرجوا من عنده.
قال حنبل بن إسحاق: (فمضى القوم، فكان من أمرهم أنهم لم يحمدوا، ولم ينالوا ما أرادوا، اختفوا من السلطان وهربوا، وأُخد بعضهم فحبس، ومات في الحبس).

ثمّ ورد كتاب من الأمير إسحاق بن إبراهيم إلى الإمام أحمد يبلغه ما أمره به الخليفة الواثق، وكان في كتابه: (إن أمير المؤمنين قد ذكرك، فلا يجتمعن إليك أحد، ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها، فاذهب حيث شئت من أرض الله).
فاختفى الإمام أحمد ثلاثة أيام في دار صاحبه أبي إسحاق إبراهيم بن هانئ النيسابوري، ثم تنقل في أماكن متخفياً ثم رجع إلى منزله واحتبس فيه، وامتنع عن التحديث، ومجالسة الناس.
ولم يزل البلاء بهذه المحنة يشتدّ سنة بعد سنة حتّى كانت سنة 231هـ من أشدّ تلك السنوات على أهل السنة:
ففيها: فادى الخليفة الواثق من طاغية الروم أربعة آلاف وستمائة أسير من المسلمين؛ فتفضَّل أحمدُ بن أبي دؤاد بوضع شرط لمن يفادَون؛ فقال: (من قال من الأسارى: القرآن مخلوق، خلّصوه وأعطوه دينارين، ومن امتنع دعوه في الأسر!!).
وفي رواية: (فلا تفتكّوه).

وفي تلك السنة ورد كتاب الخليفة الواثق إلى أمير البصرة يأمره أن يمتحن الأئمة والمؤذنين بخلق القرآن؛ فسجن جماعة منهم). [الإيمان بالقرآن:75 - 79]


رد مع اقتباس