عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 08:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل أغير اللّه أبغي ربًّا وهو ربّ كلّ شيءٍ ولا تكسب كلّ نفسٍ إلا عليها ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى ثمّ إلى ربّكم مرجعكم فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون (164)}
يقول تعالى: {قل} يا محمّد لهؤلاء المشركين باللّه في إخلاص العبادة له والتّوكّل عليه: {أغير اللّه أبغي ربًّا} أي: أطلب ربًّا سواه، وهو ربّ كلّ شيءٍ، يربّني ويحفظني ويكلؤني ويدبّر أمري، أي: لا أتوكّل إلّا عليه، ولا أنيب إلّا إليه؛ لأنّه ربّ كلّ شيءٍ ومليكه، وله الخلق والأمر.
هذه الآية فيها الأمر بإخلاص التّوكّل، كما تضمّنت الآية الّتي قبلها إخلاص العبادة له لا شريك له. وهذا المعنى يقرن بالآخر كثيرًا [في القرآن] كما قال تعالى مرشدًا لعباده أن يقولوا: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} [الفاتحة: 5]، وقوله: {فاعبده وتوكّل عليه} [هودٍ: 123]، وقوله: {قل هو الرّحمن آمنّا به وعليه توكّلنا} [الملك: 29]، وقوله: {ربّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتّخذه وكيلا} [المزّمّل: 9]، وأشباه ذلك من الآيات.
وقوله: {ولا تكسب كلّ نفسٍ إلا عليها ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} إخبارٌ عن الواقع يوم القيامة في جزاء اللّه تعالى وحكمه وعدله، أنّ النّفوس إنّما تجازى بأعمالها إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، وأنّه لا يحمل من خطيئة أحدٍ على أحدٍ. وهذا من عدله تعالى، كما قال: {وإن تدع مثقلةٌ إلى حملها لا يحمل منه شيءٌ ولو كان ذا قربى} [فاطر: 18]، وقوله: {فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا} [طه: 112]، قال علماء التّفسير: فلا يظلم بأن يحمل عليه سيّئات غيره، ولا يهضم بأن ينقص من حسناته. وقال تعالى: {كلّ نفسٍ بما كسبت رهينةٌ * إلا أصحاب اليمين} [المدّثّر: 38، 39]، معناه: كلّ نفسٍ مرتهنةٌ بعملها السّيّئ إلّا أصحاب اليمين، فإنّه قد تعود بركات أعمالهم الصّالحة على ذراريهم، كما قال في سورة الطّور: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ} [الآية: 21]، أي: ألحقنا بهم ذرّيّاتهم في المنزلة الرّفيعة في الجنّة، وإن لم يكونوا قد شاركوهم في الأعمال، بل في أصل الإيمان، {وما ألتناهم} أي: أنقصنا أولئك السّادة الرّفعاء من أعمالهم شيئًا حتّى ساويناهم وهؤلاء الّذين هم أنقص منهم منزلةً، بل رفعهم تعالى إلى منزلة الآباء ببركة أعمالهم، بفضله ومنّته ثمّ قال: {كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ} [الطّور: 21]، أي: من شرٍّ.
وقوله: {ثمّ إلى ربّكم مرجعكم فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون}؛ أي: اعملوا على مكانتكم إنّا عاملون على ما نحن عليه، فستعرضون ونعرض عليه، وينبئنا وإيّاكم بأعمالنا وأعمالكم، وما كنّا نختلف فيه في الدّار الدّنيا، كما قال تعالى: {قل لا تسألون عمّا أجرمنا ولا نسأل عمّا تعملون. قل يجمع بيننا ربّنا ثمّ يفتح بيننا بالحقّ وهو الفتّاح العليم} [سبأٍ: 25، 26] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 383-384]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وهو الّذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجاتٍ ليبلوكم في ما آتاكم إنّ ربّك سريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ (165)}
يقول تعالى: {وهو الّذي جعلكم خلائف الأرض} أي: جعلكم تعمّرون الأرض جيلًا بعد جيلٍ، وقرنا بعد قرنٍ، وخلفا بعد سلف. قاله ابن زيدٍ وغيره، كما قال: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكةً في الأرض يخلفون} [الزّخرف: 60]، وكقوله تعالى: {ويجعلكم خلفاء الأرض} [النّمل: 62]، وقوله: {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً} [البقرة: 30]، وقوله: {عسى ربّكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} [الأعراف: 129].
وقوله: {ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجاتٍ} أي: فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق، والمحاسن والمساوي، والمناظر والأشكال والألوان، وله الحكمة في ذلك، كقوله: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتّخذ بعضهم بعضًا سخريًّا} [الزّخرف: 32]، وقوله [تعالى]: {انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعضٍ وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر تفضيلا}[الإسراء: 21].
وقوله: {ليبلوكم في ما آتاكم} أي ليختبركم في الّذي أنعم به عليكم وامتحنكم به، ليختبر الغنيّ في غناه ويسأله عن شكره، والفقير في فقره ويسأله عن صبره.
وقد روى مسلمٌ في صحيحه، من حديث أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الدّنيا حلوة خضرة وإنّ اللّه مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتّقوا الدّنيا، واتّقوا النّساء، فإنّ أوّل فتنة بني إسرائيل كانت في النّساء».
وقوله: {إنّ ربّك سريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ} ترهيبٌ وترغيبٌ، أنّ حسابه وعقابه سريعٌ ممّن عصاه وخالف رسله {وإنّه لغفورٌ رحيمٌ} لمن والاه واتّبع رسله فيما جاءوا به من خيرٍ وطلبٍ.
وقال محمّد بن إسحاق: يرحم العباد على ما فيهم. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وكثيرًا ما يقرن تعالى في القرآن بين هاتين الصّفتين، كما قال [تعالى]: وقوله: {نبّئ عبادي أنّي أنا الغفور الرّحيم * وأنّ عذابي هو العذاب الأليم} [الحجر: 49، 50]، [وقوله]: {وإنّ ربّك لذو مغفرةٍ للنّاس على ظلمهم وإنّ ربّك لشديد العقاب} [الرّعد: 6] وغير ذلك من الآيات المشتملة على التّرغيب والتّرهيب، فتارةً يدعو عباده إليه بالرّغبة وصفة الجنّة والتّرغيب فيما لديه، وتارةً يدعوهم إليه بالرّهبة وذكر النّار وأنكالها وعذابها والقيامة وأهوالها، وتارةً بهذا وبهذا لينجع في كلّ بحسبه. جعلنا اللّه ممّن أطاعه فيما أمر، وترك ما عنه نهى وزجر، وصدّقه فيما أخبر، إنّه قريبٌ مجيبٌ سميع الدّعاء، جوادٌ كريمٌ وهّابٌ.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا زهير، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه] أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لو يعلم المؤمن ما عند اللّه من العقوبة ما طمع بالجنّة أحدٌ، ولو يعلم الكافر ما عند اللّه من الرّحمة ما قنط من الجنّة أحدٌ، خلق اللّه مائة رحمة فوضع واحدةً بين خلقه يتراحمون بها، وعند اللّه تسعةٌ وتسعون».
ورواه التّرمذيّ، عن قتيبة، عن عبد العزيز الدّراوردي، عن العلاء به. وقال: حسنٌ [صحيحٌ]. ورواه مسلمٌ عن يحيى بن يحيى وقتيبة وعليّ بن حجر، ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفرٍ، عن العلاء). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 384-385]


رد مع اقتباس