عرض مشاركة واحدة
  #79  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 10:32 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاوت ظهور الاشتقاق
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفاوت ظهور الاشتقاق
اشتقاق الكلام بعضه من بعض قد يكون ظاهراً غير مُشْكِل، كاشتقاق اسم "محمّد" من الحمد، واشتقاق "الحُسام" من الحَسْم، وهو من أسماء السيف.

- وقد يكون الاشتقاق خفيا لغرابة اللفظ فيحتاج الناظرُ إلى تفسيره ليعرف اشتقاقه، كما قال الأصمعي في كتابه "اشتقاق الأسماء" : ("دُجَانة": اشتقّ من الدَّجن، والدَّجْن ظلمة الغيم وإلباسُه)ا.هـ.
فكأنّ المولود المسمّى بهذا الاسم قد وُلد في يومِ دَجْنٍ، وكان من عادة بعض العرب أنهم يسمّون أولادهم بأوّل ما يظهر لهم بأدنى مناسبة؛ حتى إنّ منهم من إذا ولدت امرأته غلاماً ورأى ثعلباً سمّى ولده ثعلباً.
وقال الأصمعي أيضاً: ("مِرْداس" اشتقّ من الرَّدس، وهو ضربُ الجبل بالمعوَل والصخرة العظيمة)ا.هـ.
فإذا عرف معنى اللفظة وما اشتقّت منه تبيّنت المناسبة بينهما.
- وقد يكون الاشتقاق لمناسبة لطيفة لا يدركها كثير من الناظرين؛ كما اشتقّ "أمس" من المساء، و"غد" من الغُدوة؛ باعتبار أقرب الأوقات إلى يومك الحاضر.
قال ابن القيّم رحمه الله في "بدائع الفوائد": (اعلم أن أقرب الأيام إليك يومك الذي أنت فيه؛ فيقال: فعلت اليوم، فذكر الاسم العام ثم عرف بأداة العهد ولا شيء أعرف من يومك الحاضر؛ فانصرف إليه، ونظيره الآن من آن، وأما "أمس" و"غد" فلما كان كل واحد منهما متصلا بيومك اشتق له اسم من أقرب ساعة إليه؛ فاشتق لليوم الماضي "أمس" الملاقي للمساء، وهو أقرب إلى يومك من صباحه أعني صباح غد؛ فقالوا: أمس، وكذلك "غد" فقد اشتق الاسم من "الغدوة" وهو أقرب إلى يومك من مسائه أعني مساء غد)ا.هـ.
- وقد يقع الخلاف في أصل اشتقاق الكلمة وتتجاذبها أصول متشابهة في أوجه من المعاني؛ فيجتهد العلماء في الاختيار منها والترجيح بينها، كما اختلفوا في اشتقاق لفظ "القرآن" على أقوال:
أحدها: أنه مشتق من القراءة التي هي بمعنى التلاوة، تقول: قرأت قراءة وقرآنا، قال الله تعالى: {فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه}.
وقال حسان بن ثابت في رثاء عثمان بن عفان:
ضحّوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا
أي قراءة، وهذا القول قال به ابن جرير الطبري، وأسند معناه إلى ابن عباس، ورجّحه ابن عطية.
وعلى هذا القول يكون القرآن بمعنى المقروء، تسمية للمفعول بمصدره.
والقول الثاني: أنه مشتقّ من "القَرْء" بمعنى الجمْعِ، وهو مروي عن قتادة، وقال به أبو عبيدة والزجاج وجماعة من العلماء، واحتجوا بقول عمرو بن كلثوم:
ذراعي عيطل أدماء بكر ... هجان اللون لم تقرأ جنينا
قالوا: أي: لم تضمّ في رحمها ولداً.
قال أبو عبيدة: (وإنما سمّى قرآنا لأنه يجمع السور فيضمها).
والقول الثالث: أنه مشتق من "القَرْء" بمعنى الإظهار والبيان، وأن القِرَاءة إنما سمّيت قراءة لما فيها من إظهار الحروف، وبيان ما في الكتاب، وقد قال بهذا القول قطرب، وفسّر قول عمرو بن كلثوم: (لم تقرأ جنينا) بالولادة؛ أي لم تُلْقِ من رحمها ولداً، وأرجع المعنى إلى أصل الإظهار والبيان.
قال قطرب فيما ذكره عنه أبو منصور الأزهري في الزاهر: (إنما سُمي القرآن قرآناً، لأن القارئ يُظهره ويبيّنه، ويلقيه من فيه).
وذهب الشافعي وجماعة من العلماء إلى أنّ "القران" جامد غير مشتق، وكان الشافعي ينطق اسم القرآن بغير همز "القُران" وهي قراءة ابن كثير المكّي.
وقد روى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه كان يقول: (القُرَان اسم وليس بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت، ولكنه اسم لكتاب الله، مثل التوراة والإنجيل).
والقُرآن والقُرَان بمعنى واحد، وإنما هما لغتان إحداهما بالهمز، والأخرى بالنقل والتسهيل.
قال ابن عاشور: (اتفق أكثر القراء على قراءة لفظ "قرآن" مهموزاً حيثما وقع في التنزيل، ولم يخالفهم إلا ابن كثير قرأه بفتح الراء بعدها ألف على لغة تخفيف المهموز، وهي لغة حجازية، والأصل توافق القراءات في مدلول اللفظ المختلف في قراءته)ا.هـ.
وذهب علم الدين السخاوي إلى أنّ "القران" بالتسهيل مشتقّ من "قَرَنت" بمعنى الضمّ والاقتران.
وأرجح الأقوال أنه مشتق من القراءة، وأنه سمّي قرآنا لأنّه كتابٌ اتُّخذَ للقراءة الكثيرة التي لا يبلغها كتاب غيره، ويدلّ على ذلك بناء الاسم على صيغة "فُعْلان" التي تدلّ على بلوغ الغاية، كسُبحان وحُسبان وغُفران وشُكران، مع ما دلّ عليه قول الله تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)}
وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ}.
وكان بعض السلف يُسمّون الغناء "قرآن الشيطان" وقد روي في ذلك حديث مرفوع لا يصح، وإنما سمّي بذلك لكثرة ما يَقرأ المغنون من الأغاني التي تُلهي عن ذكر الله). [طرق التفسير:217 - 220]

رد مع اقتباس