عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 4 شوال 1435هـ/31-07-2014م, 10:52 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّناتٍ قال الّذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآنٍ غير هذا أو بدّله قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يومٍ عظيمٍ (15) قل لو شاء اللّه ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله أفلا تعقلون (16) }
يخبر تعالى عن تعنّت الكفّار من مشركي قريشٍ الجاحدين الحقّ المعرضين عنه، أنّهم إذا قرأ عليهم الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم كتاب اللّه وحججه الواضحة قالوا له: {ائت بقرآنٍ غير هذا} أي: ردّ هذا وجئنا بغيره من نمطٍ آخر، أو بدّله إلى وضعٍ آخر، قال اللّه لنبيّه، صلوات اللّه وسلامه عليه، {قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي} أي: ليس هذا إليّ، إنّما أنا عبدٌ مأمورٌ، ورسولٌ مبلّغٌ عن اللّه، {إن أتّبع إلا ما يوحى إليّ إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يومٍ عظيمٍ}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 253]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال محتجًّا عليهم في صحّة ما جاءهم به: {قل لو شاء اللّه ما تلوته عليكم ولا أدراكم به} أي: هذا إنّما جئتكم به عن إذن اللّه لي في ذلك ومشيئته وإرادته، والدّليل على أنّي لست أتقوّله من عندي ولا افتريته أنّكم عاجزون عن معارضته، وأنّكم تعلمون صدقي وأمانتي منذ نشأت بينكم إلى حين بعثني اللّه عزّ وجلّ، لا تنتقدون عليّ شيئًا تغمصوني به؛ ولهذا قال: {فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله أفلا تعقلون} أي: أفليس لكم عقولٌ تعرفون بها الحقّ من الباطل؛ ولهذا لمّا سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان ومن معه، فيما سأله من صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: فقلت: لا -وقد كان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين، ومع هذا اعترف بالحقّ:
والفضل ما شهدت به الأعداء
فقال له هرقل: فقد أعرف أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ثمّ يذهب فيكذب على اللّه. !
وقال جعفر بن أبي طالبٍ للنّجاشيّ ملك الحبشة: بعث اللّه فينا رسولًا نعرف نسبه وصدقه وأمانته، وقد كانت مدّة مقامه، عليه السّلام، بين أظهرنا قبل النّبوّة أربعين سنةً. وعن سعيد بن المسيّب: ثلاثًا وأربعين سنةً. والصّحيح المشهور الأوّل). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 253-254]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته إنّه لا يفلح المجرمون (17) }
يقول تعالى: لا أحد أظلم ولا أعتى ولا أشدّ إجرامًا {ممّن افترى على اللّه كذبًا} وتقوّل على اللّه، وزعم أنّ اللّه أرسله، ولم يكن كذلك، فليس أحدٌ أكبر جرمًا ولا أعظم ظلما من هذا، ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء، فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء! فإنّ من قال هذه المقالة صادقًا أو كاذبًا، فلا بدّ أنّ اللّه ينصب عليه من الأدلّة على برّه أو فجوره ما وأظهر من الشّمس، فإنّ الفرق بين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبين مسيلمة الكذّاب [لعنه اللّه] لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضّحى ووقت نصف اللّيل في حندس الظّلماء، فمن سيما كلٍّ منهما وكلامه وفعاله يستدّل من له بصيرةٌ على صدق محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وكذب مسيلمة الكذّاب، وسجاح، والأسود العنسي.
قال عبد اللّه بن سلامٍ: لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة انجفل النّاس، فكنت فيمن انجفل، فلمّا رأيته عرفت أنّ وجهه ليس بوجه رجلٍ كذّابٍ، فكان أوّل ما سمعته يقول: "يا أيّها النّاس أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، [وصلوا الأرحام] وصلّوا باللّيل والنّاس نيامٌ، تدخلون الجنّة بسلامٍ".
ولمّا قدم ضمام بن ثعلبة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قومه بني سعد بن بكرٍ قال لرسول اللّه فيما قال له من رفع هذه السّماء؟ قال: "اللّه". قال: ومن نصب هذه الجبال؟ قال: "اللّه". قال: ومنسطح هذه الأرض؟ قال: "اللّه". قال: فبالّذي رفع هذه السّماء، ونصب هذه الجبال، وسطح هذه الأرض: اللّه أرسلك إلى النّاس كلّهم؟ قال: "اللّهمّ نعم" ثمّ سأله عن الصّلاة، والزّكاة، والحجّ، والصّيام، ويحلف عند كلّ واحدةٍ هذه اليمين، ويحلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له: صدقت، والّذي بعثك بالحقّ لا أزيد على ذلك ولا أنقص.
فاكتفى هذا الرّجل بمجرّد هذا، وقد أيقن بصدقه، صلوات اللّه وسلامه عليه، بما رأى وشاهد من الدّلائل الدّالّة عليه، كما قال حسّان بن ثابتٍ:
لو لم تكن فيه آياتٌ مبيّنة كانت بديهته تأتيك بالخبر
وأمّا مسيلمة فمن شاهده من ذوي البصائر، علم أمره لا محالة، بأقواله الرّكيكة الّتي ليست بفصيحةٍ، وأفعاله غير الحسنة بل القبيحة، وقرآنه الّذي يخلّد به في النّار يوم الحسرة والفضيحة، وكم من فرقٍ بين قوله تعالى: {اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ له ما في السّماوات وما في الأرض من ذا الّذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيءٍ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العليّ العظيم} [البقرة: 255]. وبين علاك مسيلمة قبّحه اللّه ولعنه: "يا ضفدع بنت الضّفدعين، نقّي كما تنقّين لا الماء تكدّرين، ولا الشّارب تمنعين". وقوله -قبّح ولعن -: "لقد أنعم اللّه على الحبلى، إذ أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى". وقوله -خدّره اللّه في نار جهنّم، وقد فعل -: "الفيل وما أدراك ما الفيل؟ له زلقومٌ طويلٌ" وقوله -أبعده اللّه من رحمته: "والعاجنات عجنًا، والخابزات خبزًا، واللّاقمات لقمًا، إهالةً وسمنًا، إنّ قريشًا قومٌ يعتدون" إلى غير ذلك من الهذيانات والخرافات الّتي يأنف الصّبيان أن يتلفّظوا بها، إلّا على وجه السّخرية والاستهزاء؛ ولهذا أرغم اللّه أنفه، وشرب يوم "حديقة الموت" حتفه. ومزّق شمله. ولعنه صحبه وأهله. وقدموا على الصّدّيق تائبين، وجاءوا في دين اللّه راغبين، فسألهم الصّدّيق خليفة الرّسول، صلوات اللّه وسلامه عليه، ورضي [اللّه] عنه -أن يقرءوا عليه شيئًا من قرآن مسيلمة لعنه اللّه، فسألوه أن يعفيهم من ذلك، فأبى عليهم إلّا أن يقرءوا شيئًا منه ليسمعه من لم يسمعه من النّاس، فيعرفوا فضل ما هم عليه من الهدى والعلم. فقرءوا عليه من هذا الّذي ذكرناه وأشباهه، فلمّا فرغوا قال لهم الصّدّيق، رضي اللّه عنه: ويحكم! أين كان يذهب بعقولكم؟ واللّه إنّ هذا لم يخرج من إلٍّ.
وذكروا أن وفد عمرو بن العاص على مسيلمة، وكان صديقًا له في الجاهليّة، وكان عمرٌو لم يسلم بعد، فقال له مسيلمة: ويحك يا عمرو، ماذا أنزل على صاحبكم -يعني: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -في هذه المدّة؟ فقال: لقد سمعت أصحابه يقرءون سورةً عظيمةً قصيرةً فقال: وما هي؟ فقال: {والعصر إنّ الإنسان لفي خسرٍ إلا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر} [سورة العصر]، ففكّر مسيلمة ساعةً، ثمّ قال: وقد أنزل عليّ مثله. فقال: وما هو؟ فقال: "يا وبر إنّما أنت أذنان وصدرٌ، وسائرك حقرٌ نقر، كيف ترى يا عمرو؟ " فقال له عمرٌو: واللّه إنّك لتعلم أنّي أعلم أنّك لتكذب"، فإذا كان هذا من مشركٍ في حال شركه، لم يشتبه عليه حال محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وصدّقه، وحال مسيلمة -لعنه اللّه -وكذبّه، فكيف بأولي البصائر والنّهى، وأصحاب العقول السّليمة المستقيمة والحجى! ولهذا قال اللّه تعالى: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيءٌ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه} [الأنعام: 93]، وقال في هذه الآية الكريمة: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته إنّه لا يفلح الظّالمون} [الأنعام: 21]، وكذلك من كذّب بالحقّ الّذي جاءت به الرّسل، وقامت عليه الحجج، لا أحد أظلم منه كما جاء في الحديث: "أعتى النّاس على اللّه رجلٌ قتل نبيًّا، أو قتله نبيٌّ"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 254-256]


رد مع اقتباس