عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 22 ربيع الثاني 1435هـ/22-02-2014م, 12:45 AM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

أقوال العلماء في المراد بالنفاثات في العقد

اختلف المفسرون في المراد بـ"النفاثات في العقد" على أقوال:
القول الأول: أن المراد السواحر والسحرة، وهذا قول الحسن البصري رواه الطبري في تفسيره وصححه ابن حجر في فتح الباري.
وهذا التفسير يقتضي شمول دلالة اللفظ للذكور والإناث من السحرة.

القول الثاني: المراد النساء السواحر ، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ثم قال به مقاتل بن سليمان والفراء وأبو عبيدة، ثم قال به محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه، ثم صدَّر به ابن جرير تفسيره للآية.
ثم اشتهر هذا القول شهرة كبيرة في كتب التفسير وشروح الحديث وكتب اللغة، فأكثر العلماء إذا فسروا النفاثات قالوا: هنَّ السواحر.
وهذا القول له تخريجان:
التخريج الأول: أنه تفسير بالمثال ، وهذا مسلك من مسالك التفسير عند السلف، والتفسير بالمثال لا يقتضي حصر المراد فيه.
وعلى هذا فالسحرة من الرجال يدخلون في هذه الآية كما هو قول الحسن البصري.
التخريج الثاني: أن التأنيث هنا خرج مخرج الغالب، فيتعلق الحكم بالعلة لا بصيغة الخطاب، كما في قول الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} المحصنات هنا هنَّ العفيفاتُ متزوجاتٍ أو غير متزوجات.
فاللفظ مؤنث {المحصنات}. ومن رمى رجلاً عفيفاً بالزنا فإنه يجلد كذلك لأن علة الحكم واحدة وهي القذف بالزنا، لكن خرج الخطاب مخرج الغالب، لأن أكثر ما يُقذف النساء.
وهذا التخريج ذكره شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، في مواضع من دروسه، وهو تخريج جيد معتبر.
فالنفث في العقد هنا المراد به: السحر بإجماع السلف، والاستعاذة هنا تشمل سحر الرجال وسحر النساء.
وقد ذكر بعض المفسرين تخريجاً ثالثاً لكنه باطل لا يصح، وهو أن المراد بالنفاثات هنا بنات لبيد بن الأعصم على اعتبار أن السورة نزلت بسبب حادثة سَحر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول ذكره النحاس ولم ينسبه لأحد معروف، ونسبه الواحدي لأبي عبيدة معمر بن المثنى وتبعه على ذلك البغوي ثم كثر في التفاسير نسبةُ هذا القول لأبي عبيدة وبعضهم يذكره دون عزو، حتى إن ابن جزيء الكلبي رجح هذا القول في تفسيره، وهو قول لا أصل له، فالذي سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم هو لَبيدُ بن الأعصم وليس بناته، وليس في شيء من الأحاديث والآثار الصحيحة ولا الضعيفة أن الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم بنات لبيد.
والمقصود أن القول الثاني وهو أن المراد بالنفاثات في العقد النساء السواحر هو قول جمهور المفسرين.
ولعل سبب شهرة هذا القول أن ابن جرير صدَّره في تفسيره للآية، وقبله البخاري في صحيحه فسَّر النفاثات بالسواحر.
قال ابن جرير: (وقوله: {ومن شر النفاثات في العقد}: السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها).
وبذلك قال جماعة من أهل اللغة كأبي عبيدة والفراء وابن قتيبة والزجاج كلهم فسروا النفاثات بالسواحر.
مع وجود أخطاء في نسبة هذا القول لمجاهد وعكرمة وقتادة والحسن البصري فأدى كل ذلك إلى شهرة هذا القول.
ومما ينبغي لطالب العلم أن يتفطن له أن بعض التفاسير يقع فيها اختصار في حكاية الأقوال وخطأ في نسبة بعضها لقائليها ولا سيما في حال نسبة القول لجماعة دون ذكر نصوص أقوالهم.
وهذا لا يدركه طالب العلم إلا بمعرفة الأقوال من مصادرها الأصلية ثم ينظر في حكاية المفسرين لهذه الأقوال؛ فإن من المفسرين من يكون القول ظاهراً عنده فيختصر حكاية الأقوال ويجمع بينها باختصار مخل ثم قد يشيع عنه ذلك، وقد يكون لبعض العلماء ما يعذر به لأن اختصاره كان لأجل نقل قدر من المعنى لا إشكال فيه.
ومن ذلك هذا المثال:
قال ابن كثير: (وقوله: {ومن شر النفاثات في العقد} قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك: "يعني السواحر"، قال مجاهد: "إذا رقين ونفثن في العقد").
وهذا الكلام إذا قرأه طالب العلم لأول وهلة قد يفهمُ منه إجماعَ المفسرين على أن المراد بالنفاثات: النساء السواحر، لأنه نقل هذا التفسير عن هؤلاء الأئمة ولم يذكر قولاً غيره.
وهذا الكلام اختصره ابن كثير من تفسير ابن جرير لكنه كان اختصاراً غير دقيق، ولعل مما يعتذر له به أن ابن جرير صدر تفسيره للنفاثات بأنهن السواحر ثم قال: (وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل).
ثم أورد آثاراً عن هؤلاء الأئمة، لكن هذه الآثار ليس فيها نص على أن المراد بالنفاثات السواحر إلا ما رواه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
فالحسن البصري قال: (السواحر والسحرة).
وقتادة لما تلا قوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} قال: (إياكم وما خالط السحر من هذه الرقى).
ومجاهد قال في تفسير النفاثات: (الرقى في عقد الخيط).
وعكرمة قال: (الأُخَذُ في عُقَد الخيط) الأُخَذ جمع أُخذة ، وهي أخذة السحر.
فهؤلاء كلهم لم ينصوا على أن النفاثات السواحر.
على أن الإسناد إلى مجاهد وعكرمة فيه جابر بن يزيد الجعفي وهو رافضي متهم بالكذب.
بل قول الحسن البصري (النفاثات: السواحر والسحرة)، خارج عن هذا القول.
ومجاهد وعكرمة وقتادة لا يصح أن يُنسب إليهم هذا القول.
وقول ابن كثير عن مجاهد أنه قال: (إذا رقين ونفثن في العقد) هذا نقل بالمعنى ، وفيه تجوّز أداه إليه اختياره للقول ثم اعتماده وحكايته عن هؤلاء الأئمة ثم تغيير الضمير لأجل أن يتناسب مع ذلك.
ونص كلام مجاهد فيما رواه ابن جرير في تفسير النفاثات: (الرقى في عقد الخيط).
وابن جرير استدل بأقوالهم على أن هذه الآيات في الاستعاذة من شر السحر، وهذا القدر مجمع عليه لا خلاف فيه.
ولعل هذا هو ما فهمه ابن كثير أيضاً، وبذلك يعتذر له فيه، فتكون مسألة شمول لفظ الآية للسحرة من الرجال مسألةً أخرى زائدة على القدر الذي وقع عليه الإجماع.
فابن جرير استدل بأقوال من نقل أقوالهم على أن المراد بالآية الاستعاذة من شر السحرة، وهذا يُخرِج قول المعتزلة الذين ينكرون حقيقة السحر، وقول الفلاسفة الإسلاميين في تفسيرهم للآية كما سيأتي.
وأما هل المراد بالنفاثات النساء السواحر فقط أم هل يشمل اللفظ السواحر والسحرة فهذه مسألة أخرى، وسيأتي بيانها بإذن الله.
والخلاصة أن هذه المسألة وهي المراد بالنفاثات ليس فيها تفسير يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في المراد بالنفاثات، ولا عن أحد من الصحابة.
وأقدم من أُثر عنه أنه تكلم في هذه المسألة اثنان من التابعين هما:
1: الحسن البصري، قال: (السواحر والسحرة).
2: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: (السواحر).
وقول الحسن البصري أرجح من قول ابن زيد من هذه الجهة.
لكن قول عبد الرحمن بن زيد اشتهر شهرة كبيرة.
ويمكن الجمع بين القولين بالتخريجين المذكورين آنفاً.

القول الثالث: أن المراد : النفوس النفاثات، وهذا القول أول من علمته ذكره الزمخشري في الكشاف، وذكره من باب الاحتمال حيث قال: (النفاثات: النساء أو النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين).
ثم ذكره الرازي ثم ذكره عدد من المفسرين كأحد الأقوال التي قيلت في تفسير الآية، ورجحه ابن القيم في بدائع الفوائد ومحمد بن عبد الوهاب في اختصاره لتفسير المعوذتين.
قال ابن القيم: (الجواب المحقق أن النفاثات هنا هنَّ الأرواح والأنفس النفاثات لا النساء النفاثات ، لأن تأثير السحر من جهة الأنفس الخبيثة والأرواح الشريرة ، وسلطانه إنما يظهر منها؛ فلهذا ذكرت النفاثات هنا بلفظ التأنيث دون التذكير والله أعلم) ا.هـ.
فيكون الموصوف هنا محذوفاً ، والتقدير: ومن شر النفوس النفاثات.
وكون الأنفس الخبيثة والأرواح الشريرة مؤثرة في انعقاد السحر حق لا يُدفع، لكن هل هذا هو المراد باللفظ؟
الذي يظهر لي بعدُه -وإن كان اللفظ مؤنثاً- لثلاثة أمور:
أولها: أن هذا غير المتبادر إلى الذهن ، وإنما قاد إليه إرادة الهروب من إشكال ورود اللفظ بصيغة المؤنث.
ولو كان متبادراً إلى الذهن لوجد من المفسرين طيلة خمسة قرون قبل الزمخشري من يتبادر إلى ذهنه هذا المعنى فيقول به أو يذكره، ثم إن الزمخشري ذكره احتمالاً فترقَّى القول بعد قرنين بأن رجَّحه ابن القيم وعدَّه القول المحقق، وابن القيم إمام له قدره في التفسير والعربية والإمامة في الدين لكن هذا القول لا تظهر لي صحته.
الأمر الثاني: أن النفث في العقد هنا نظير الحسد من جهة أن التأثير فيهما من قبل الأنفس ، ومع ذلك ورد لفظ (الحاسد) بصيغة المذكر ، وورد النفث بصيغة المؤنث، فيكون في هذا ما يلزم من التفريق بين المتماثلين، وهو باطل.
الأمر الثالث: أن المعهود في خطاب الشرع إسناد الفعل للشخص لا للنفس، وعند إرادة إسناده للنفس يصرح بذكر النفس كما في قوله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} ، وقوله: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس}.

القول الرابع: {النفاثات} الجماعات التي تنفث، والتأنيث لأجل الجماعة مستعمل في اللغة صحيح، وأوّل من ذكر هذا القول الزمخشري في تفسيره حيث قال: (النفاثات: النساء أو النفوس أو الجماعات السواحر).
فهو ذكر هذه الاحتمالات الثلاث لأنها هي المعاني التي يمكن أن يؤنث اللفظ لأجلها.
لكن هذا القول فسّره الرازي تفسيراً فيه بُعْد فقال: (لأنه كلما كان اجتماع السحرة على العمل الواحد أكثر كان التأثير أشد). وهذا التعليل اشتهر في كتب التفسير المتأخرة التي تنقل كثيراً عن الرازي والزمخشري.
ولا ينكر أن اجتماع السحرة على العمل من أسباب قوة تأثيره، لكن كون هذا هو المراد بعيد لأنه يُخرج إرادة عمل الفرد منهم وهو كثير جداً، وما يجتمع عليه السحرة من العمل قليل جداً في جنب ما ينفرد به كل ساحر.
والأقرب منه أن يكون الجمع لأجل طوائف ما ينفث.
فالسحرة الرجال ينفثون ويعقدون، والسواحر من النساء ينفثن ويعقدن، وسحرة الجن ينفثون وبعقدون، والشياطين تنفث وتعقد كما صحّ في الحديث، بل بعض الحيوانات تنفث ويستخدمها بعض السحرة في أعمال السحر.
وهذه الطوائف التي تنفث يصح جمعها على (النفاثات) كما تقول: المخلوقات، والكائنات، وذوات الحوافر، وذوات الأظلاف، مع أن فيها الذكور والإناث، لكن لما أريد الجماعة أنّث اللفظ لذلك.
وهذا القول الذي يظهر لي أنه صحيح لغةً ، لكن لم أر من نصَّ عليه من المتقدمين في تفسير الآية، لكن يغني عن النص على ذلك اجتماعهم على أن هذه الآية تشتمل على الاستعاذة من شرّ كل سحر نفث فيه وعُقد.
ولا شك أن الاستعاذة من شر النفاثات في العقد تشمل الاستعاذة من شرّ كل ما ينفث ويعقد، من سَحَرة الإنس، وسَحَرة الجن، والشياطين.

الخلاصة:
والخلاصة: أن الاستعاذة من شر النفاثات في العقد تشمل الاستعاذة من شرور هؤلاء كلهم، وفي الآية دلالة على كثرة ما ينفث ويعقد، وأن لذلك شرا عظيماً يستدعي الاستعاذة بالله منه، وقد ذكرت فيما مضى شروط الاستعاذة الصحيحة وأنها تكون بالقلب والقول والعمل.


معنى النفث
والنفث هو: النفخ اليسير مع ريق قليل متفرق في قطرات صغيرة جداً يدفعها النافث بفيه مع الهواء.
فإن كان الريق كثيراً فهو التفل، وإن زاد فهو البصاق، وإن كان بلا ريق فهو النفخ، وكلها تستعمل في الرقية، والأكثر النفث.

أنواع النفاثات
والسحرة ينفثون ويعقدون، وفي حديث الحسن البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليهِ وسلَّم: «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثم نَفَثَ فيها فَقدْ سَحَرَ، ومَنْ سَحَرَ فَقَدْ أشرَكَ، ومَن تَعلَّق شيئا وُكِلَ إليهِ» رواه النسائي وابن عدي والطبراني، ورواية الحسن عن أبي هريرة مختلف فيها، لكن للحديث شاهد من حديث عمران بن الحصين أخرجه البزار.
والشياطين كذلك تنفِث وتعقد، وفي صحيح مسلم من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَعْقِدُ الشيطانُ على قافيةِ رأسِ أحدِكمْ ثَلاثَ عُقَدٍ إِذا نامَ، بكلِّ عُقْدَةٍ يضرب عليكَ ليلاً طوِيلاً، فإذا استيقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدةٌ، وإذا توضَّأ انحلَّتْ عنهُ عُقْدتانِ، فإِذا صَلَّى انحلَّتِ العُقَدُ، فأَصبَحَ نَشِيطًا طيِّب النَّفْسِ، وَإِلاَّ أصْبَحَ خَبِيثَ النفْسِ كسْلانَ».
وفي مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منْ ذكرٍ وَلاَ أُنثَى إِلا وعلى رَأْسِهِ جَرِيرٌ مَعْقُودٌ ثَلاَثَ عُقَدٍ حينَ يرقدُ فإِن استيقظَ فذَكرَ الله تعالى انحلَّتْ عُقْدَةٌ؛ فإِذَا قام فتوضَّأ انحلَّت عقْدةٌ؛ َإِذا قامَ إلى الصَّلاة انحلَّتْ عُقَدُهُ كلُّها)).
ورواه ابن حبان وزاد: ((وَإِنْ أصبحَ ولَم يذْكرِ اللهَ أصبحَ وعُقَدهُ عليهِ، وأصبح ثقيلاً كسلانا لم يُصِبْ خيرًا)).
ولابن خزيمة وابن حبان وأبي يعلى : ((ما من مسلم ولا مسلمة ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد...)) الحديث.
الجَرير: هو الحبل المفتول.
قال البيضاوي: (التقييد بالثلاث إما للتأكيد أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء الذكر والوضوء والصلاة، فكأنه منع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه، وكان تخصيص القفا بذلك لكونه محل الوهم ومجال تصرفه وهو أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته).

رد مع اقتباس