عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:29 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا (23) إلّا أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا (24)}
هذا إرشادٌ من الله لرسوله الله صلوات اللّه وسلامه عليه، إلى الأدب فيما إذا عزم على شيءٍ ليفعله في المستقبل، أن يردّ ذلك إلى مشيئة اللّه، عزّ وجلّ، علّام الغيوب، الّذي يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما ثبت في الصّحيحين عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه [قال] قال سليمان بن داود عليهما السّلام: لأطوفن الليلة على سبعين امرأةً -وفي رواية تسعين امرأةً. وفي روايةٍ: مائة امرأةٍ- تلد كلّ امرأةٍ منهنّ غلامًا يقاتل في سبيل اللّه، فقيل له -وفي روايةٍ: فقال له الملك- قل: إن شاء اللّه. فلم يقل فطاف بهنّ فلم يلد منهنّ إلّا امرأةٌ واحدةٌ نصف إنسانٍ"، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "والّذي نفسي بيده، لو قال: "إن شاء اللّه" لم يحنث، وكان دركًا لحاجته"، وفي روايةٍ: "ولقاتلوا في سبيل اللّه فرسانًا أجمعون
وقد تقدّم في أوّل السّورة ذكر سبب نزول هذه الآية في قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، لـمّا سئل عن قصّة أصحاب الكهف: "غدًا أجيبكم". فتأخّر الوحي خمسة عشر يومًا، وقد ذكرناه بطوله في أوّل السّورة، فأغنى عن إعادته.
وقوله: {واذكر ربّك إذا نسيت} قيل: معناه إذا نسيت الاستثناء، فاستثن عند ذكرك له. قاله أبو العالية، والحسن البصريّ.
وقال هشيمٌ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ في الرّجل يحلف؟ قال: له أن يستثني ولو إلى سنةٍ، وكان يقول: {واذكر ربّك إذا نسيت} في ذلك. قيل للأعمش: سمعته عن مجاهدٍ؟ قال حدّثني به ليث بن أبي سليمٍ، يرى ذهب كسائي هذا.
ورواه الطّبرانيّ من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، به.
ومعنى قول ابن عبّاسٍ: "أنّه يستثني ولو بعد سنةٍ" أي: إذا نسي أن يقول في حلفه أو كلامه "إن شاء اللّه" وذكر ولو بعد سنةٍ، فالسّنة له أن يقول ذلك، ليكون آتيًا بسنّة الاستثناء، حتّى ولو كان بعد الحنث، قال ابن جريرٍ، رحمه اللّه، ونصّ على ذلك، لا أن يكون [ذلك] رافعًا لحنث اليمين ومسقطًا للكفّارة. وهذا الّذي قاله ابن جريرٍ، رحمه اللّه، هو الصّحيح، وهو الأليق بحمل كلام ابن عبّاسٍ عليه، واللّه أعلم.
وقال عكرمة: {واذكر ربّك إذا نسيت} أي: إذا غضبت. وهذا تفسيرٌ باللّازم.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدّثنا سعيد بن سليمان، عن عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن جابر بن زيدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلا أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت} أن تقول: إن شاء اللّه [وهذا تفسيرٌ باللّازم].
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن الحارث الجبيلي حدّثنا صفوان بن صالحٍ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن عبد العزيز بن حصين، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلا أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت} أن تقول: إن شاء اللّه.
وروى الطّبرانيّ، أيضًا عن ابن عبّاسٍ في قوله: {واذكر ربّك إذا نسيت} الاستثناء، فاستثن إذا ذكرت. وقال: هي خاصّةٌ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وليس لأحدٍ منّا أن يستثني إلّا في صلةٍ من يمينه ثمّ قال: تفرّد به الوليد، عن عبد العزيز بن الحصين .
ويحتمل في الآية وجهٌ آخر، وهو أن يكون اللّه، عزّ وجلّ، قد أرشد من نسي الشّيء في كلامه إلى ذكر اللّه تعالى؛ لأنّ النّسيان منشؤه من الشّيطان، كما قال فتى موسى: {وما أنسانيه إلا الشّيطان أن أذكره} [الكهف: 63] وذكر اللّه تعالى يطرد الشّيطان، فإذا ذهب الشّيطان ذهب النّسيان، فذكر اللّه سببٌ للذّكر ؛ ولهذا قال: {واذكر ربّك إذا نسيت}.
وقوله: {وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا} أي: إذا سئلت عن شيءٍ لا تعلمه، فاسأل اللّه فيه، وتوجّه إليه في أن يوفّقك للصّواب والرّشد [في ذلك] وقيل في تفسيره غير ذلك في تفسيره، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 148-150]

تفسير قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا (25) قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليٍّ ولا يشرك في حكمه أحدًا (26)}
هذا خبر من اللّه تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، منذ أرقدهم اللّه إلى أن بعثهم وأعثر عليهم أهل ذلك الزّمان، وأنّه كان مقداره ثلاثمائة [سنةٍ] وتسع سنين بالهلاليّة، وهي ثلاثمائة سنةٍ بالشّمسيّة، فإنّ تفاوت ما بين كلّ مائة [سنةٍ] بالقمريّة إلى الشّمسيّة ثلاث سنين؛ فلهذا قال بعد الثّلاثمائةٍ: {وازدادوا تسعًا}
وقوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} أي: إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك [علمٌ] في ذلك وتوقيفٌ من اللّه، عزّ وجلّ فلا تتقدّم فيه بشيءٍ، بل قل في مثل هذا: {اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّماوات والأرض} أي: لا يعلم ذلك إلّا هو أو من أطلعه اللّه عليه من خلقه، وهذا الّذي قلناه، عليه غير واحدٍ من علماء التّفسير كمجاهدٍ، وغير واحدٍ من السّلف والخلف.
وقال قتادة في قوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} هذا قول أهل الكتاب،
وقد ردّه اللّه تعالى بقوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} قال: وفي قراءة عبد اللّه: "وقالوا: ولبثوا"، يعني أنّه قاله النّاس
وهكذا قال -كما قال قتادة- مطرف بن عبد اللّه.
وفي هذا الّذي زعمه قتادة نظرٌ، فإنّ الّذي بأيدي أهل الكتاب أنّهم لبثوا ثلاثمائة سنةٍ من غير تسعٍ، يعنون بالشّمسيّة، ولو كان اللّه قد حكى قولهم لما قال: {وازدادوا تسعًا} وظاهرٌ من الآية إنّما هو إخبارٌ من اللّه، لا حكاية عنهم. وهذا اختيار ابن جريرٍ، رحمه اللّه. ورواية قتادة قراءة ابن مسعودٍ منقطعةٌ، ثمّ هي شاذّةٌ بالنّسبة إلى قراءة الجمهور فلا يحتجّ بها، واللّه أعلم.
وقوله: {أبصر به وأسمع} أي: إنّه لبصيرٌ بهم سميعٌ لهم.
قال ابن جريرٍ: وذلك في معنى المبالغة في المدح، كأنّه قيل: ما أبصره وأسمعه، وتأويل الكلام: ما أبصر اللّه لكلّ موجودٍ، وأسمعه لكلّ مسموعٍ، لا يخفى عليه من ذلك شيءٌ.
ثمّ روي عن قتادة في قوله: {أبصر به وأسمع} فلا أحد أبصر من اللّه ولا أسمع.
وقال ابن زيدٍ: {أبصر به وأسمع} يرى أعمالهم، ويسمع ذلك منهم سميعًا بصيرًا.
وقوله: {ما لهم من دونه من وليٍّ ولا يشرك في حكمه أحدًا} أي: أنّه تعالى هو الّذي له الخلق والأمر، الّذي لا معقّب لحكمه، وليس له وزيرٌ ولا نصيرٌ ولا شريكٌ ولا مشيرٌ، تعالى وتقدّس). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 150-151]

رد مع اقتباس