الموضوع: سورة الأنعام
عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 02:02 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي

قوله تعالى : {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الخامسة
قال جلّ وعزّ: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلّا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقًا أهلّ لغير اللّه به} [الأنعام: 145]
في هذه الآية خمسة أقوالٍ
قالت طائفةٌ هي منسوخةٌ لأنّه وجب منها ألّا يحرم ألا ما فيها فلمّا حرّم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم الحمر الأهليّة وكلّ ذي نابٍ من السّباع وكلّ ذي مخلبٍ من الطّير نسخت هذه الأشياء منها وقالت طائفةٌ: الآية محكمةٌ ولا حرام من الحيوان إلّا ما فيها وأحلّوا ما ذكرنا وغيره من الحيوان
وقالت طائفةٌ: الآية محكمةٌ وكلّ ما حرّمه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم داخلٌ فيها
وقالت طائفةٌ هي محكمةٌ وكلّ ما حرّمه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم مضمومٌ إليها داخلٌ في الاستثناء
والقول الخامس: إنّ هذه الآية جوّابٌ لما سألوا عنه فأجيبوا عمّا سألوا، وقد حرّم اللّه تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم غير ما في الآية
قال أبو جعفرٍ: القول الأوّل إنّها منسوخةٌ غير جائزٍ لأنّ الأخبار لا تنسخ
والقول الثّاني: إنّها جامعةٌ لكلّ ما حرّم وإحلال الحمر الإنسيّة وغيرها قول جماعةٍ من العلماء منهم سعيد بن جبيرٍ، والشّعبيّ ويقال إنّه قول عائشة وابن عبّاسٍ وثمّ أحاديث مسندةٌ نبدأ بها فمن ذلك
ما حدّثناه أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا فهدٌ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن عبيد بن حسنٍ، عن عبد الرّحمن بن معقلٍ، عن عبد الرّحمن بن بشرٍ، عن، رجالٍ، من مزينة من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الظّاهرة عن أبجر أو ابن أبجر أنّه قال: يا رسول اللّه لم يبق لي شيءٌ أستطيع أن أطعمه أهلي إلّا حمرٌ لي، قال: أطعم أهلك من سمين مالك فإنّما كرهت لكم جوّال القرية "
فاحتجّوا بهذا الحديث في إحلال الحمر الأهليّة وقالوا: إنّما كرهها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لأنّها كانت تأكل القذر كما كره الجلّالة
وحدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال حدّثنا إسماعيل بن يحيى المزنيّ، قال: حدّثنا الشّافعيّ، قال: أخبرنا عبد الوهّاب بن عبد المجيد، عن أيّوب السّختيانيّ، عن محمّد بن سيرين، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم جاءه جاءٍ فقال: أكلت الحمر ثمّ جاءه جاءٍ فقال: ((أكلت الحمر ثمّ جاءه جاءٍ فقال: أفنيت الحمر فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مناديًا فنادى: إنّ اللّه جلّ وعزّ ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهليّة فإنّها رجسٌ فكفئت القدور وإنّها لتفور)) " فهذا ما فيه من المسند، وأمّا ما جاء عن الصّحابة
فحدّثنا عليّ بن الحسين، قال: حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا يحيى بن سعيدٍ، عن القاسم بن محمّدٍ، قال: كانت عائشة رحمها اللّه " إذ ذكر لها النّهي عن كلّ ذي نابٍ من السّباع قالت: إنّ اللّه يقول: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلّا أن يكون ميتةً} [الأنعام: 145] الآية "
قال أبو جعفرٍ: وهذا إسنادٌ صحيحٌ لا مطعن فيه
قال: وحدّثنا عليّ بن الحسين، قال: حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينارٍ، قال: «كان جابر بن عبد اللّه ينهى عن لحوم الحمر ويأمر بلحوم الخيل» وأبى ذلك ابن عبّاسٍ وتلا {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه} [الأنعام: 145] "
حكى ذلك عمروٌ عن طاوسٍ عن ابن عبّاسٍ
وأمّا ما فيه عن التّابعين ، فحدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا المزنيّ، قال: حدّثنا الشّافعيّ، قال: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، قال: ذكرت لسعيد بن جبيرٍ حديث ابن أبي أوفى في النّهي عن لحوم الحمر فقال: «إنّما كانت تلك الحمر تأكل القذر»
وحدّثنا عليّ بن الحسين، قال: حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن عبّادٍ، عن يونس، قال قلت للشّعبيّ ما تقول في لحم الفيل؟ فقال: " قال اللّه: {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّمًا} الآية "
قال أبو جعفرٍ: فهذه الأحاديث كلّها تعارض بسنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم الثّابتة عنه
فأمّا معارضتها فإنّ الحديث المسند الّذي فيه قول الرّجل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يبق لي شيءٌ أطعمه أهلي إلّا حمرٌ لي قد يجوز أن تكون الحمر وحشيّةً ويكون أكلها جائزًا وقد يجوز أن يكون أحلّها له على الضّرورة كالميتة
وأمّا الحديث الثّاني حديث أنسٍ الّذي فيه من أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مناديًا ينادي بما نادى به ففيه دليلٌ على تحريمها وهو قوله فإنّها رجسٌ، فالرّجس بالحرام أشبه منه بالحلال وفيه فكفئت القدور والحلال لا ينبغي أن يقلب والّذي تأوّله سعيد بن جبيرٍ يخالف فيه والّذي روي عن عائشة وابن عبّاسٍ يقال إنّ ابن عبّاسٍ رجع عنه لمّا قال له عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه: إنّك امرؤٌ تائهٌ قد حرّم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم المتعة ولحوم الحمر الأهليّة فرجع عن قوله، وقال بتحريم المتعة وأكل الحمر الأهليّة ومع هذا فليس لأحدٍ مع الرّسول عليه السّلام حجّةٌ ومع هذا فإنّ ابن عبّاسٍ يقول: «لا يحلّ أكل لحوم الخيل فقد أخرج الخيل من الآية والحمر أولى» وقوله في الخيل قول مالكٍ، وأبي حنيفة
والقول الثّالث بأنّ الآية محكمةٌ وأنّ المحرّمات داخلةٌ فيها قولٌ نظريٌّ لأنّ التّذكية إنّما تؤخذ توقيفًا فكلّ ما لم تؤخذ تذكيته بالتّوقيف فهو ميتةٌ داخلٌ في الآية
والقول الرّابع: أن يضمّ إلى الآية ما صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قولٌ حسنٌ فيكون داخلًا في الاستثناء إلّا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو كذا أو كذا
وهذا قول الزّهريّ، ومالك بن أنسٍ ألا ترى أنّ الزّهريّ كان يقول بتحليل كلّ ذي نابٍ من السّباع حتّى قدم الشّام فلقي أبا إدريس الخولانيّ
فحدّثه عن، أبي ثعلبة الخشنيّ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه حرّم كلّ ذي نابٍ من السّباع فرجع إلى قوله
وكذا قال مالكٌ لمّا سئل عن كلّ ذي مخلبٍ من الطّير فقال: ما أعلم فيه نهيًا وهو عندي حلالٌ
وقد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تحريم كلّ ذي مخلبٍ من الطّير غير أنّ الحديث لم يقع إلى مالكٍ فعذر بذلك
والقول الخامس: أنّ الآية جوّاب قولٍ حسنٍ صحيحٍ وهو قريبٌ من القول الّذي قبله لأنّها إذا كانت جوابًا فقد أجيبوا عمّا سألوا عنه وثمّ محرّماتٌ لم يسألوا عنها فهي محرّمةٌ بحالها والدّليل على أنّها جوّابٌ أنّ قبلها {قل آلذّكرين حرّم أم الأنثيين} [الأنعام: 143] وما معه من الاحتجاج عليهم وهذا القول الخامس مذهب الشّافعيّ
وفي هذه السّورة شيءٌ قد ذكره قومٌ هو من النّاسخ والمنسوخ بمعزلٍ ولكنّا نذكره ليكون الكتاب عامّ الفائدة
قال جلّ وعزّ: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسقٌ} [الأنعام: 121] ففي هذه أربعة أقوالٍ
فمن النّاس من قال: هي منسوخةٌ بقوله تعالى: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} [المائدة: 5]، وهم يذكرون غير اسم اللّه على ذبائحهم ومنهم من قال: هي محكمةٌ لا يحلّ أكل ذبيحةٍ إلّا أن يذكر اسم اللّه عليها فإن تركه تاركٌ عامدًا أو ناسيًا لم تؤكل ذبيحته، والقول الثّالث أن تؤكل إذا نسي أن يسمّي
والقول الرّابع: أن تؤكل ذبيحة المسلم وإن ترك التّسمية عامدًا أو ناسيًا
فالقول الأوّل قول عكرمة
قال في قول اللّه تعالى: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه} [الأنعام: 121]
قال: فنسخ ذلك واستثنى منه فقال تعالى {اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم} [المائدة: 5]
واحتجّ بعضهم لهذا القول:
بأنّ القاسم بن مخيمرة سئل عن ذبيحة النّصارى، هل تؤكل إذا سمّوا عليها بغير اسم اللّه تعالى فقال: نعم تؤكل ولو قالوا عليها باسم جرجس
قال أبو جعفرٍ: وهو قول مكحولٍ، وعطاءٍ قال:
قد علم اللّه تعالى ذلك منهم وأباح ذبائحهم
وهو قول ربيعة وهو يروى عن أبي الدّرداء، وعبادة بن الصّامت
وهذا القول لو كان إجماعًا لما وجب أن يكون فيه دليلٌ على نسخ الآية ولكان استثناءً
على أنّه قد صحّ عن جماعةٍ من الصّحابة كراهة ذلك منهم عليّ بن أبي طالبٍ قال:
إذا سمعته يقول باسم المسيح فلا تأكله فإنّه ممّا أهلّ لغير اللّه به وإذا لم تسمع فكل لأنّه قد أحلّ لك ذلك
وهو قول عائشة وابن عمر وكره مالكٌ ذلك ولم يحرّمه
والقول الثّاني: إنّه لا يحلّ أكل ما لم يذكر عليه اسم اللّه تعالى في العمد والنّسيان قول الحسن، وابن سيرين، والشّعبيّ وعارضه محمّد بن جريرٍ، وقال لو لم يكن من فساده إلّا أنّ العلماء على غيره والجماعة لكان ذلك كافيًا من فساده
قال أبو جعفرٍ: وقد ذكرنا من قال به من العلماء
حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا محمّد بن خزيمة، قال حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن داود، عن الشّعبيّ، قال: {لا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه} [الأنعام: 121] " وهذا أيضًا مذهب أبي ثورٍ والقول الثّالث: إنّه إذا ذبح فنسي التّسمية أكلت ذبيحته، قول سعيد بن جبيرٍ، والنّخعيّ، ومالكٍ، وأبي حنيفة، ويعقوب، ومحمّدٍ
والحجّة لهم أنّ ظاهر الآية يوجب أن لا تؤكل ذبيحة من ترك ذكر اسم اللّه تعالى عامدًا ولا ناسيًا ألا ترى أنّ فيها {وإنّه لفسقٌ} [الأنعام: 121] فخرج بهذا النّسيان لأنّه لا يقال لمن نسي فسقٌ
والقول الرّابع إنّه تؤكل ذبيحة المسلم وإن ترك التّسمية عامدًا غير متهاونٍ، قول ابن عبّاسٍ
كما قرئ على أحمد بن شعيب بن عليٍّ، عن عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا يحيى القطّان، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا هارون بن أبي وكيعٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله جلّ وعزّ: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه} [الأنعام: 121] قال: " خاصمهم المشركون فقالوا: «ما ذبح اللّه فلا تأكلونه وما ذبحتم أكلتموه» فهذا من أصحّ ما مرّ وهو داخلٌ في المسند وخبر ابن عبّاسٍ بسبب نزول هذه الآية فوجب أن يكون ما لم يذكر اسم اللّه عليه يعني به الميتة وما ذبحه المشركون غير أهل الكتاب وما ذبحه المسلمون وأهل الكتاب مأكولٌ وإن لم يذكر عليه اسم اللّه جلّ وعزّ، واحتجّ ابن عبّاسٍ فقال
اسم اللّه تعالى مع المسلم وهذا القول هو الصّحيح من قول الشّافعيّ
وقد حكى حيوة بن شريحٍ عن، عقبة بن مسلمٍ، أنّه قال: " يؤكل ما ذبحوا لكنائسهم لأنّه من طعامهم الّذي أحلّه اللّه جلّ وعزّ لنا قال: فقلت له فقد قال اللّه تعالى: {وما أهلّ لغير اللّه به} [المائدة: 3] فقال: إنّما ذلك ذبائح أهل الأوثان والمجوس "
وفي هذه السّورة {وأعرض عن المشركين} [الأنعام: 106]
روي عن ابن عبّاسٍ، قال: نسخ هذا {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [التوبة: 29] الآية وقال غيره ليس هذا بنسخٍ إنّما هذا من قولهم أعرضت عنه أي لم أنبسط إليه واشتقاقه من أوليته عرض وجهي وهذا واجبٌ أن
يستعمل مع المشركين وأهل المعاصي، قال جلّ وعزّ: {أذلّةً على المؤمنين أعزّةً على الكافرين} [المائدة: 54]
وفي هذه السّورة {إنّ الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيءٍ} [الأنعام: 159]
حدّثنا أبو جعفرٍ حدّثنا أبو الحسن عليل بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن هشامٍ، قال: حدّثنا عاصم بن سليمان، قال: حدّثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله جلّ وعزّ: {إنّ الّذين فرّقوا دينهم} [الأنعام: 159] قال: " اليهود والنّصارى تركوا الإسلام والدّين الّذي أمروا به وكانوا شيعًا فرقًا أحزابًا مختلفةً {لست منهم في شيءٍ} [الأنعام: 159] نزلت بمكّة ثمّ نسخها {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [التوبة : 29] "
قال أبو جعفرٍ: وقال غيره ليس في هذا نسخٌ لأنّه معروفٌ في اللّغة أن يقال لست من فلانٍ ولا هو منّي إذا كنت مخالفًا له منكرًا عليه ما هو فيه وحكى سيبويه أنت منّي فرسخًا أي مادمت أسير فرسخًا
على أنّه روى، أبو غالبٍ، عن، أبي أمامة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، في قول اللّه عزّ وجلّ {إنّ الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا} [الأنعام: 159] قال هم الخوارج وإنّ بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقةً وتزيد هذه الأمّة واحدةً كلّها في النّار إلّا فرقةً واحدةً وهي الجماعة والسّواد الأعظم
فتبيّن بهذا الحديث وبظاهر الآية أنّ الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا هم أهل البدع لأنّهم إذا ابتدعوا تجادلوا وتخاصموا وتفرّقوا فليس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا الفرقة النّاجية وهي الجماعة الظّاهرة منهم في شيءٍ لأنّهم منكرون عليهم ما هم فيه مخالفون لهم فهذا من النّاسخ والمنسوخ بمعزلٍ). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/338-357]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلىّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه}.
أباح الله بهذه الآية المكّية أكل كلّ ما عدا ما ذكر فيها من الأربع المحرمات.
وأكثر الناس على أنها مخصّصةٌ لتحريم النبي عليه السلام أكل لحوم الحمر الأهلية، وأكل لحم كلّ ذي نابٍ من السّباع وذي مخلبٍ من الطّير.
وقيل: هي منسوخةٌ بما حرّم النبيّ عليه السلام والأوّل: أولى وأحسن لأنه خبرٌ لا يجوز نسخه.
وقال جماعةٌ من العلماء: الآية محكمةٌ وكلّ ما حرّمه النبي عليه السلام مضمومٌ إليها معمولٌ به، لقوله تعالى: {وما آتاكم الرّسول فخذوه} [الحشر: 7] - وهو قول مالكٍ والزّهريّ وغيرهما -.
وقيل: الآية مخصوصةٌ نزلت جوابًا لما سألوا عنه، والذي حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلٌ في التّحريم.
وقال سعيد بن جبير والشعبيّ: هي محكمةٌ وأكل لحوم الحمر جائزٌ، وإنّما منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت لعلّةٍ وعذرٍ، وذلك أنّها كانت تأكل القذر، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يحرّمه، وإنما كرهه).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 281-289]

قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّادسة عشرة: قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّماً على طاعمٍ يطعمه} الآية.
اختلف العلماء في حكم هذه الآية على قولين:
أحدهما: أنّ المعنى: لا أجد محرّمًا ممّا كنتم تستحلّون في الجاهليّة إلا هذا، قاله طاؤس ومجاهدٌ.
والثّاني: أنّها حصرت المحرّم، فليس في الحيوانات محرّمٌ إلا ما ذكر فيها.
ثمّ اختلف أرباب هذا القول. فذهب بعضهم إلى أنّها محكمةٌ، وأنّ العمل على ما ذكر فيها، فكان ابن عبّاسٍ لا يرى بلحوم الحمر الأهليّة بأسًا، ويقرأ هذه الآية ويقول: ليس شيء (حرامًا) إلا ما حرّمه اللّه في كتابه. وهذا مذهب
عائشة، والشعبي.
وذهب آخرون إلى أنّها نسخت بما ذكر في المائدة من المنخنقة، والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع وقد ردّ قومٌ هذا القول، بأن قالوا: كلّ هذا داخلٌ في الميتة، وقد ذكرت الميتة ها هنا فلا وجه للنّسخ، وزعم قومٌ: أنّها نسخت بآية المائدة، وبالسّنّة من تحريم الحمر الأهليّة وكلّ ذي نابٍ من السّباع ومخلبٍ من الطّير، وهذا ليس بصحيحٍ، أمّا آية المائدة فقد ذكرنا أنّها داخلةٌ في هذه الآية.
وأمّا ما ورد في السّنّة فلا يجوز أن يكون ناسخًا، لأنّ مرتبة القرآن لا يقاومها أخبار الآحاد ولو قيل: إنّ السّنّة خصّت ذلك الإطلاق أو ابتدأت حكمًا، كان أصلح. وإنّما الصّواب عندنا أن يقال: هذه الآية نزلت بمكّة، ولم تكن الفرائض قد تكاملت ولا المحرّمات اليوم قد تتامّت، ولهذا قال: {في ما أوحي} على لفظ الماضي وقد كان حينئذ من قال: لا إله إلا اللّه ثمّ مات، دخل الجنّة، فلمّا جاءت الفرائض والحدود، وقعت المطالبة بها، فكذلك هذه الآية إنّما أخبرت بما كان في الشّرع من التّحريم يومئذٍ، فلا ناسخ إذن ولا منسوخ. ثمّ كيف يدّعى نسخها وهي خبرٌ، والخبر لا يدخله النّسخ). [نواسخ القرآن: 335-337]

قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الرابعة عشرة : {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّماً} الآية هذه الآية محكمة وفي وجه إحكامها طريقان أحدهما أنها حصرت
المحرم ولا محرم سواه والثاني أنها أخبرت عن المحرم من جملة ما كانوا يحرمون في الجاهلية وقد ادعى قوم نسخها بآية المائدة ورد هذا عليهم بأن جميع المذكور في تلك الآية ميتة وقد ذكرت الميتة ها هنا وزعم بعضهم أنها نسخت بالسنة فإنها حرمت لحوم الحمر الأهليّة وكلّ ذي نابٍ من السّباع ومخلب من الطير وهذا لا يصح لأن السنة لا تنسخ القرآن والصواب أن يقال هذه نزلت بمكّة ولم تكن الفرائض قد تكاملت ولا المحرومات فأخبرت عن المحرمات في الحالة الحاضرة والماضية لا عن المستقبلة فيؤكد إحكامها أنها خبر).[المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 34-35]

قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (الرابع عشر: قوله عز وجل: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما..} الآية [الأنعام: 145] قال قوم: هي منسوخة بما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآية محكمة، وحكمها باق، وما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم مضموم إلى ما حرمته الآية.
وقال قوم: هي محكمة، وهي جواب قوم سألوا عما ذكر فيها، والذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مضموم إليها، وقال سعيد بن جبير والشعبي: هي محكمة، وأكل لحوم الحمر جائز، وإنما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت لعلة ولعذر.
قالا: وذلك أنها تأكل القذر مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يحرمه وإنما كرهه.
وأقول – والله أعلم -: إن الآية محكمة، ومعنى قوله عز وجل: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية [الأنعام: 145] أي: لا أجد محرما مما حرمتموه مما ذكر قبلها إلا ما كان من ذلك ميتة أو دما مسفوحا). [جمال القراء:1/303-308]

قوله تعالى : {
فِي مَا أُوحِيَ}

قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّابعة عشرة: قوله تعالى: {في ما أوحي}.
للمفسرين فيها قولان:
أحدهما: أنّها اقتضت الأمر بالكفّ عن قتالهم، وذلك منسوخٌ بآية السّيف.
والثّاني: أنّ المراد بها التّهديد، فهي محكمة وهو الصحيح). [نواسخ القرآن: 337]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس