الموضوع: سورة الأنعام
عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 01:53 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي

قوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الرّابعة
قال جلّ وعزّ: {وهو الّذي أنشأ جنّاتٍ معروشاتٍ وغير معروشاتٍ والنّخل والزّرع مختلفًا أكله والزّيتون والرّمّان متشابهًا وغير متشابهٍ كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقّه يوم حصاده ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} [الأنعام: 141] للصّحابة والتّابعين والفقهاء في هذه الآية خمسة أقوالٍ:
منهم من قال: هي منسوخةٌ بالزّكاة المفروضة
ومنهم من قال: هي منسوخةٌ بالسّنّة العشر ونصف العشر
ومنهم من قال: يعني بهذا الزّكاة المفروضة
ومنهم من قال: هي محكمةٌ واجبةٌ يراد بها غير الزّكاة
ومنهم من قال: هي على النّدب

فممّن قال: إنّها منسوخةٌ بالزّكاة المفروضة سعيد بن جبيرٍ
حدّثنا أبو جعفرٍ قال: كما حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا الوليد بن صالحٍ، قال: أخبرنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه تعالى {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] قال: «كان هذا قبل أن تنزل الزّكاة كان الرّجل يبدأ بعلف الدّابّة وبالشّيء»
وهذا قول أبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ، وعكرمة
وقال الضّحّاك: نسخت الزّكاة كلّ صدقةٍ في القرآن
وممّن قال: نسخت الآية بقول النّبيّ عليه السّلام بالعشر ونصف العشر ابن عبّاسٍ فيما روي عنه
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا فهدٌ، قال: حدّثنا محمّد بن سعيدٍ، قال: حدّثنا الحجّاج، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى: {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] قال: «نسختها العشر ونصف العشر»
وقرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام، عن أبي الأزهر، قال: حدّثنا روحٌ، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن مغيرة، عن شباكٍ، عن إبراهيم، {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] قال: «نسختها العشر ونصف العشر» وهذا قول محمّد بن الحنفيّة، والسّدّيّ
وممّن قال: إنّها الزّكاة المفروضة أنس بن مالكٍ
كما حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو حفصٍ، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا يزيد بن درهمٍ، عن أنس بن مالكٍ، {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] قال: «الزّكاة»
وقرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام، عن أبي الأزهر، قال: حدّثنا روح بن عبادة قال: أخبرنا شعبة، عن أبي رجاءٍ، قال سألت الحسن عن قول اللّه، تعالى {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] قال: «الزّكاة المفروضة»
قال أبو جعفرٍ: وهذا قول سعيد بن المسيّب، وجابر بن زيدٍ، وعطاءٍ، وقتادة، وزيد بن أسلم
قال: وحدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، في قول اللّه تعالى {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] : «أنّ ذلك الزّكاة واللّه تعالى أعلم» وقد سمعت من يقول ذلك
قال أبو جعفرٍ: وقد قيل إنّ هذا أيضًا قول الشّافعيّ على التّأويل؛ لأنّه لا يقول في معنى {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] لا يخلو من أن يكون ذلك في وقت الحصاد أو بعده وبيّنت السّنّة أنّه بعده وقد قيل: بل يجب على قولٍ للشّافعيّ أن تكون منسوخةً لأنّه يقول ليس في الرّمّان زكاةٌ ولا في شيءٍ من الثّمار إلّا في النّخل، والكرم وفي نصّ الآية ذكر الرّمّان والزّيتون وقد قال بمصر ليس في الزّيتون زكاةٌ لأنّه أدمٌ فهذه ثلاثة أقوالٍ
والقول الرّابع أنّ في المال حقًّا سوى الزّكاة وإنّ معنى {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] أن يعطي منه شيئًا سوى الزّكاة وأن يخلّي بين المساكين وبين ما سقط
كما حدّثنا محمّد بن جعفرٍ الأنباريّ، قال: حدّثنا الحسن بن عفّان، قال: حدّثنا يحيى بن اليمان، عن سفيان، قال: «يدع المساكين يتّبعون أثر الحصّاد فما سقط عن المنجل أخذوه»
وهذا قول جماعةٍ من أهل العلم منهم جعفر بن محمّدٍ وقد روي وصحّ عن عليّ بن الحسين رضي اللّه عنه أنّه أنكر حصاد اللّيل من أجل هذا
وقرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال: حدّثنا حفصٌ، قال: أخبرنا أشعث، عن نافعٍ، عن ابن عمر، {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] قال: «كانوا يعطون من اعترّ بهم»
وهذا أيضًا قول مجاهدٍ ومحمّد بن كعبٍ وعطيّة وهو قول أبي عبيدٍ واحتجّ بحديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه نهى عن حصاد اللّيل»
والقول الخامس: أن يكون معنى، {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] على النّدب وهذا القول لا يعرف أحدًا من المتقدّمين قاله وإذا تكلّم أحدٌ من المتأخّرين في
معنى آيةٍ من القرآن قد تقدّم كلام المتقدّمين فيها فخرج عن قولهم لم يلتفت إلى قوله ولم يعدّ خلافًا فبطل هذا
وأمّا القول بأنّها الصّدقة المفروضة فيعارض بأشياء :
منها أنّ هذه السّورة مكّيّةٌ والزّكاة فرضت بالمدينة لا تنازع بين أهل العلم في ذلك
ومنها أنّ قوله تعالى {يوم حصاده} [الأنعام: 141] لو كان للزّكاة المفروضة وجب أن تعطى وقت الحصاد وقد جاءت السّنّة وصحّت أنّ الزّكاة لا تعطى إلّا بعد الكيل
وأيضًا فإنّ في الآية {ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} [الأنعام: 141] فكيف يكون هذا في الزّكاة وهي معلومةٌ
وأيضًا فلو كان هذا في الزّكاة لوجب أن تكون الزّكاة في كلّ الثّمر وفي كلّ ما أنبتت الأرض وهذا لا يقوله أحدٌ نعلمه من الصّحابة ولا التّابعين ولا الفقهاء إلّا بعض المتأخّرين ممّن خرج عن الإجماع وأكثر ما قيل في هذا من قول من يحتجّ بقوله قول أبي حنيفة أنّ في كلّ هذا الزّكاة إلّا في الحطب والحشيش والقصب وقد أخرج شيئًا ممّا في الآية
ولم يختلف العلماء أنّ في أربعة أشياء منها الزّكاة: الحنطة، والشّعير، والتّمر، والزّبيب فهذا إجماعٌ
وجماعةٌ من العلماء يقولون لا تجب الزّكاة فيما أخرجت الأرض إلّا في أربعة أشياء: الحنطة، والشّعير، والتّمر والزّبيب
فممّن قال هذا الحسن ومحمّد بن سيرين والشّعبيّ وابن أبي ليلى، وسفيان الثّوريّ، والحسن بن صالحٍ، وعبد اللّه بن المبارك، ويحيى بن آدم وأبو عبيدٍ واحتجّ أبو عبيدٍ بحديث الثّوريّ عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة
إنّ معاذًا وأبا موسى لمّا بعثا ليعلّما النّاس أمر دينهم لم يأخذا الزّكاة فيما أخرجت الأرض إلّا من هذه الأربعة
واحتجّ غيره أنّ أموال المسلمين محظورةٌ، فلمّا أجمع على هذه الأشياء وجبت بالإجماع ولمّا وقع الاختلاف في غيرها لم يجب فيها شيءٌ
وزاد ابن عبّاسٍ على هذه الأربعة السّلت والزّيتون وزاد الزّهريّ على هذه الأربعة الأشياء الزّيتون والحبوب كلّها وهذا قول عطاءٍ، وعمر بن عبد العزيز، ومكحولٍ، ومالك بن أنسٍ وهو قول الأوزاعيّ، واللّيث في الزّيتون الزّكاة
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول كان قول الشّافعيّ بالعراق ثمّ قال بمصر في الزّيتون لا أرى أن تجب فيه الزّكاة لأنّه أدمٌ لا أنّه يؤكل بنفسه وقال يعقوب، ومحمّدٌ فيما بعد الأربعة كلّ ما يؤكل ويبقى ففيه الزّكاة.
فهذه الأقوال كلّها تدلّ على أنّ الآية منسوخةٌ لأنّه ليس أحدٌ منهم أوجب الزّكاة في كلّ ما ذكر في الآية وأكثرهم اعتماده على الأشياء الأربعة فمن ضمّ إليها الحبوب وما يقتات به فإنّما قاسه عليها ومن ضمّ إليها الزّيتون فإنّما قاسه على النّخل والعنب هكذا قول الشّافعيّ بالعراق
قال أبو جعفرٍ: وقد احتجّ من يذهب إلى أنّ الآية محكمةٌ وأنّ ذلك حقٌّ في المال سوى الزّكاة
بما حدّثنا أبو عليٍّ الحسن بن غليبٍ، قال: حدّثنا عمران بن أبي عمران، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن درّاجٍ، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قول اللّه تعالى {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] قال: «ما سقط من السّنبل»
قال أبو جعفرٍ: وهذا الحديث لو كان ممّا تقوم به حجّةٌ لجاز أن يكون منسوخًا كالآية وقد قامت الحجّة بأنّه لا فرض في المال سوى الزّكاة إلّا لمن تجب نفقته وثبت ذلك عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن عمّه أبي سهيل بن مالكٍ، عن أبيه، أنّه سمع طلحة بن عبيد اللّه، يقول: " جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم من أهل نجدٍ ثائر الرّأس نسمع لصوته دويًّا ولا نفقه ما يقول حتّى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «خمس صلواتٍ في اليوم واللّيلة» قال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا إلّا أن تطوّع»، قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «وصيام رمضان» قال هل عليّ غيره؟ قال: «لا إلّا أن تطوّع»، وذكر له رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم الزّكاة فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا إلّا أن تطوّع» فأدبر الرّجل وهو يقول: واللّه لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أفلح إن صدق»
فتبيّن بهذا الحديث مع صحّة إسناده واستقامة طريقه أنّه لا فرض على المسلمين من الصّلاة إلّا الخمس ولا من الصّدقة إلّا الزّكاة فلمّا ثبت أنّه لا يجب بالآية فرضٌ سوى الزّكاة وأنّها ليست الزّكاة وأنّها ليست ندبًا لم يبق إلّا أن تكون منسوخةً
فأمّا {ولا تسرفوا} [الأنعام: 141] فقد تكلّم العلماء في معناه
فقال سعيد بن المسيّب معنى: " {ولا تسرفوا} [الأنعام: 141] لا تمنعوا من الزّكاة الواجبة"
وقال أبو العالية: " كانوا إذا حصدوا أعطوا ثمّ تباروا في ذلك حتّى أجحفوا فأنزل اللّه تعالى {ولا تسرفوا} [الأنعام: 141] "
وقال السّدّيّ: «لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء»
وقال ابن جريجٍ: " نزلت في ثابت بن قيس جدّ نخلًا له فحلف أن لا يأتيه أحدٌ ألا أعطاه فأمسى ليست له تمرةٌ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} [الأنعام: 141] "
وقال ابن زيد ولا تسرفوا للولاة أي ولا تأخذوا ما لا يجب على النّاس
قال أبو جعفرٍ: وهذه الأقوال كلّها غير متناقضةٍ لأنّ الإسراف في اللّغة فعل ما لا ينبغي فهذا كلّه داخلٌ في أصل اللّغة فواجبٌ اجتنابه ومعنى {إنّه لا يحبّ المسرفين} [الأنعام: 141] لا يثيبهم ولا يقبل أعمالهم مجازًا
وتقدير {والزّيتون والرّمّان} [الأنعام: 141] وشجر الزّيتون والرّمّان مثل واسأل القرية
قال قتادة «متشابهًا وغير متشابهٍ يتشابه ورقه ويختلف ثمره» وقال غيره: يتشابه لونه ويختلف طعمه
وقرأ يحيى بن وثّابٍ {انظروا إلى ثمره} [الأنعام: 99] وهيقراءةٌ حسنةٌ لأنّه قد ذكرت أشياء كثيرةٌ فثمرٌ جمع ثمارٍ وثمارٌ جمع ثمرةٍ
قال محمّد بن جريرٍ أصل الإسراف في كلام العرب الإخطاء في إصابة غير الحقّ إمّا بزيادةٍ وإمّا بنقصانٍ من الحدّ الواجب، وأنشد
أعطوا هنيدة يحدوها ثمانيةٌ = ما في عطائهم منٌّ ولا سرف أي خطأٌ
واختلفوا في الآية الخامسة اختلافًا كثيرًا ). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/322-337]

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {وآتوا حقّه يوم حصاده}:
قال ابن جبير: هي منسوخة بآية الزكاة - وهو قول عكرمة والضحاك -.
قال الضحاك: نسخت الزكاة كلّ صدقة في القرآن.
وعن ابن عباس: أنها منسوخةٌ بالسنّة في إيجاب العشر فيما سقت السماء، ونصف العشر في غير ذلك - وهو قول السّدّي وابن الحنفية -.
وقال أنس بن مالك والحسن وابن المسيّب وجابر بن زيد، وعطاء وقتادة وزيد بن أسلم: هي محكمة، والمراد بها: الزكاة - وهو قول مالك،
وهو أحد قولي الشافعي -.
وقد قال مالك: إن الزكاة والصّوم فرضا في المدينة فكيف يقول: إن قوله: {وآتوا حقّه يوم حصاده}، المراد بها الزكاة - رواه عنه ابن وهب وابن القاسم - والأنعام مكّيّةٌ كلّها، فهذا قولٌ الله أعلم بحقيقته.
وأكثر الناس على أن الزكاة فرضت بالمدينة لا أعرف في ذلك خلافًا.
وقال سفيان: هي محكمةٌ، والمراد بها شيءٌ يترك للمساكين غير الزكاة - وهو قول مجاهد ومحمد بن كعب، وأبي عبيد -.
وإجماع المسلمين أولاً على أن لا فرض غير الزكاة يردّ هذا القول، وأيضًا فإن الفروض محدودةٌ وهذا غير محدود، ولا معلوم قدره عند أحد، فلا يجوز أن يكون فرضًا ما لا يعرف قدره.
فإن حملته على الزكاة حسن لأن النبي عليه السلام قد بيّن قدر ما تجب فيه الزكاة، وقدر ما يلزم من الزكاة، فهو محكم إن حملته على الزكاة.
وقد اعترض قومٌ في أن يراد به الزكاة، وقالوا:
الزكاة لا تجب وقت الحصاد، وإنما تجب بعد الكيل.
وقالوا: الزكاة معلومةٌ محدودة، وهذا غير محدود ولا معلوم.
وقالوا: وقد قال: {ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} [الأنعام: 141]، والزكاة لا إسراف فيها.
وقالوا: ظاهر الآية يدلّ على أن الزكاة واجبةٌ في كل ما أخرجت الأرض، وعلى إخراج الزكاة من قليله وكثيره.
قال أبو محمد: وجميع هذا لا يلزم لأن النبيّ عليه السلام قد بيّن ذلك كله وحدّه، فالقرآن يأتي مجملاً، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يبيّنه، لقوله تعالى: {لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم} [النحل: 44]، وهذا أبلغ كتبيينه للصلاة والحج وغير ذلك.
ومعنى: {ولا تسرفوا}[الأنعام: 141]: ولا تتخلّفوا عن إخراج ما يجب عليكم، ومنع حقّ الله من أعظم الإسراف، وقد قيل: {ولا تسرفوا}: مخاطبةٌ للسّعاة في أن لا يأخذوا أكثر مما يجب لهم. فهذا كلّه يبيّن أنها محكمةٌ نزلت في فرض الزكاة مجملةً، وبيّنها النبي عليه السلام، ويعارض كونها في الزكاة قول أكثر الناس إنّ الزكاة فرضت بالمدينة والأنعام: مكية فيصير فرض الزكاة نزل بمكة، والله أعلم بذلك).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 281-289]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: {وآتوا حقّه يوم حصاده}.
اختلف العلماء في المراد بهذا الحق على قولين:
أحدهما: أنّه الزّكاة.
أخبرنا محمّد بن عبد الباقي البزاز. قال: بنا أبو محمّدٍ الجوهريّ، قال: أبنا محمّدٌ المظفّر، قال: أبنا عليّ بن إسماعيل بن حمّادٍ، قال: بنا أبو حفصٍ عمرو بن عليٍّ، قال: بنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، قال: بنا (يزيد بن
درهمٍ) قال: سمعت أنس بن مالكٍ، يقول: {وآتوا حقّه يوم حصاده} قال: "الزّكاة المفروضة".
قال أبو حفص: وبنا معلي بن أسد قال بنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: بنا الحجّاج بن أرطأة عن الحكم عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وآتوا حقّه يوم حصاده} قال: "العشر ونصف العشر".
قال أبو حفص: وبنا عبد الرحمن، قال: بنا إبراهيم بن نافعٍ، عن ابن طاؤس عن أبيه، {وآتوا حقّه يوم حصاده} قال: "الزكاة".
قال أبو حفص: وبنا عبد الرحمن، قال: بنا أبو هلال، عن حيان الأعرج، عن جابر بن زيدٍ {وآتوا حقّه يوم حصاده} قال: "الزّكاة".
قال أبو حفصٍ: وبنا محمد بن جعفر، قال: بنا (شعبة) عن أبي رجاءٍ، قال: سألت الحسن عن قوله: {وآتوا حقّه يوم حصاده} قال: "الزّكاة". وهذا قول سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ، وابن الحنفيّة، وعطاءٍ وقتادة وزيد بن أسلم في آخرين. فعلى هذا الآية محكمةٌ وينبغي على قول هؤلاء أن تكون هذه الآية مدنيّةٌ لأنّ السّورة مكّيّةٌ، والزّكاة إنّما أنزلت بالمدينة.
والثّاني: أنّه حقّ غير الزّكاة أمر به يوم الحصاد، وهو إطعام من حضر وترك ما سقط من الزّرع، والتّمر.
أخبرنا محمّد بن أبي طاهرٍ قال: أبنا الجوهريّ، قال: أبنا الظّفر، قال: أبنا عليّ بن إسماعيل، قال: أبنا أبو حفصٍ، قال: أبنا يحيى بن سعيد، قال: بنا عبد الملك عن عطاءٍ {وآتوا حقّه يوم حصاده} قال: "القبضة من الطّعام".
وقال: يحيى بن سعيد عن سفيان عن منصورٍ عن مجاهدٍ، {وآتوا حقّه} قال: "شيءٌ سوى الزّكاة في الحصاد (والجذاذ) إذا حصدوا، و (إذا جذوا) ".
وقال أبو حفص: وبنا عبد الرّحمن عن سفيان عن منصورٍ عن مجاهدٍ، قال: "إذا حصدوا ألقى إليهم من السّنبل، وإذا جذّوا النّخل ألقى لهم من (الشّماريخ) فإذا كاله زكّاه".
قار أبو حفص: وبنا معمر بن سليمان، قال: بنا عاصمٌ عن أبي العالية {وآتوا حقّه} قال: "كانوا يعطون شيئًا سوى [الزكاة]".
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال:
حدثنا أبي، قال: بنا هشيمٌ، قال: أبنا مغيرة عن شباكٍ، عن إبراهيم، قال: "كانوا يعطون حتّى نسختها، الصّدقة العشر أو نصف العشر".
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريشٍ، قال: أبنا إبراهيم بن عمر، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل بن العبّاس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود قال: أبنا عبد اللّه بن سعيدٍ، قال: أبنا ابن إدريس عن أبيه عن عطيّة {وآتوا حقّه يوم حصاده}، قال: "كانوا إذا حصدوا، (وإذا دبس وإذا غربل أعطوا) منه شيئًا، فنسخ ذلك العشر ونصف العشر، قال: أبو بكر: وبنا محمد بن (بشار) قال: بنا يزيد، قال: أبنا عبد الملك عن عطاءٍ {وآتوا حقّه يوم حصاده} قال: "ليس بالزّكاة، ولكنّه إذا كيّل قبض منه قبضاتٍ من شهد رضخ له منه".
واختلف العلماء: هل نسخ ذلك أم لا؟ (إن قلنا أنّه أمر وجوبٍ فهو منسوخٌ بالزّكاة، وإن قلنا إنّه أمر استحبابٍ، فهو باقي الحكم). [نواسخ القرآن: 332-335]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثالثة عشرة {وآتوا حقّه يوم حصاده} قال عطية العوفي: كانوا إذا حصدوا وإذ أديس وغربل أعطوا منه شيئًا فنسخ ذلك العشر ونصف العشر قلت وهذا إن كان واجبا صح نسخه بالزكاة وإن قيل: مستحب فالحكم باق0).[المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 34]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس