عرض مشاركة واحدة
  #29  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:33 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 272 إلى 283]

{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يوفّ إليكم} أي: توفّون أجره). [تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلّا ابتغاء وجه اللّه وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون}معناه: إنما عليك الإبلاغ كما قال - جلّ وعزّ - {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
ومعنى {ولكنّ اللّه يهدي من يشاء}أي: يوفق من يشاء للهداية، وقال قوم: لو شاء الله لهداهم أي لاضطرهم إلى أن يهتدوا - كما قال: {إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين}، وكما قال - عزّ وجلّ - {ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى}
وهذا ليس كذلك. هذا فيه: {ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} فلا مهتدي إلا بتوفيق الله - كما قال: {وما توفيقي إلاّ باللّه}.
ومعنى {وما تنفقون إلّا ابتغاء وجه اللّه}: هذا خاص للمؤمنين، أعلمهم أنه قد علم أنهم يريدون بنفقتهم ما عند اللّه جلّ وعزّ، لأنه إذا أعلمهم ذلك فقد علموا أنهم مثابون عليه، كما قال: {وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون}.
وقوله عزّ وجلّ: {فهو خير لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم}.
الرفع في {يكفّر} والجزم جائزان، ويقرأ - ونكفر عنكم - بالنون والياء.
وزعم سيبويه أنه يختار الرفع في ويكفر، قال لأن ما بعد الفاء قد صار بمنزلته في غير الجزاء، وأجاز الجزم على موضع فهو خير لكم لأن المعنى يكن خيرا لكم،
وذكر أن بعضهم قرأ: {من يضلل اللّه فلا هادي له ويذرهم} بجزم الراء، والاختيار عنده الرفع في قوله {ويذرهم} وفي {ونكفّر} قال: فأمّا النصب فضعيف جدا، لا يجيز {ونكفّر عنكم} إلا على جهة الاضطرار، وزعم أنه نحو قول الشاعر:

سأترك منزلي لبني تميم... وألحق بالحجاز فأستريحا
إلا أن النصب أقوى قليلا: لأنه إنّما يجب به الشيء بوجوب غيره فضارع الاستفهام وما أشبهه.
هذا قول جميع البصريين وهو بين واضح). [معاني القرآن: 1/355-356]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ليس عليك هداهم}
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس كانوا يكرهون أن يتصدقوا على أقربائهم من المشركين فرخص لهم في ذلك فنزلت: {ليس عليك هداهم} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/302]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {ابتغاء وجه الله} أي: طلب وجه الله - عز وجل - ورضاه). [ياقوتة الصراط: 183]

تفسير قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {لا يسألون النّاس إلحافاً...} ولا غير إلحاف. ومثله قولك في الكلام: قلّما رأيت مثل هذا الرجل؛ ولعلّك لم تر قليلا ولا كثيرا من أشباهه). [معاني القرآن: 1/181]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلحافاً}: إلحاحاً). [مجاز القرآن: 1/83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يحسبهم الجاهل أغنياء} لم يرد الجهل الذي هو ضد العقل، وإنما أراد الجهل الذي هو ضد الخبرة. يقول: يحسبهم من لا يخبر أمرهم.
{لا يسألون النّاس إلحافاً} أي: إلحاحا.
يقال: ألحف في المسألة: إذا ألح).
[تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {للفقراء الّذين أحصروا في سبيل اللّه لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف تعرفهم بسيماهم لا يسألون النّاس إلحافا وما تنفقوا من خير فإنّ اللّه به عليم}
فقراء: جمع فقير مثل ظريف وظرفاء.
وقالوا في (أحصروا) قولين:
1- قالوا أحصرهم فرض الجهاد فمنعهم من التصرف.

2- وقالوا أحصرهم عدوهم لأنه شغلهم بجهاده، ومعنى {أحصروا}: صاروا إلى أن حصروا أنفسهم للجهاد، كما تقول رابط في سبيل اللّه.
ومعنى {لا يستطيعون ضربا في الأرض}أي: قد ألزموا أنفسهم أمر الجهاد فمنعهم ذلك من التصرف وليس لأنهم لا يقدرون أن يتصرفوا.
وهذا كقولك، أمرني المولى أن أقيم فما أقدر على أن أبرح، فالمعنى أني قد ألزمت نفسي طاعته، ليس أنه لا يقدر على الحركة " وهو صحيح سوي، ويقال ضربت في الأرض ضربا، وضرب الفحل الناقة إذا حمل عليها ضرابا، والضريب الجليد الذي يسقط على الأرض، يقال ضربت الأرض وجلدت الأرض وجلدت الأرض.

وروى الكسائي: ضربت الأرض وجلدت.
والأكثر ضربت وجلدات.
ومعنى {يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف}أي: يحسبهم الجاهل ويخالهم أغنياء من التعفف عن المسألة وإظهار التجمل.
ومعنى {لا يسألون النّاس إلحافا}:
روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال ((من سأل وله أربعون درهما فقد ألحف)) ومعنى ألحف أي: اشتمل بالمسألة، وهو مستغن عنها، واللّحاف من هذا اشتقاقه لأنه يشمل الإنسان في التغطية.
والمعنى: أنه ليس منهم سؤال فيكون منهم إلحاف.
كما قال امرؤ القيس:
على لاحب لا يهتدى بمناره... إذا سافه العود النباطيّ جرجرا
المعنى: ليس به منار فيهتدى بها، وكذلك ليس من هؤلاء سؤال فيقع فيه إلحاف). [معاني القرآن: 1/356-357]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله}
قال مجاهد: يعني مهاجري قريش الذين كانوا بالمدينة.
وقال غيره: معنى أحصروا في سبيل الله منعهم فرض الجهاد من التصرف.
وقيل شغلهم عدوهم بالقتال عن التصرف.
قال أبو جعفر: واللغة توجب إن أحصروا من المرض إلا أنه يجوز أن يكون المعنى صودفوا على هذه الحال). [معاني القرآن: 1/302]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {لا يستطيعون ضربا في الأرض} قيل قد ألزموا أنفسهم الجهاد كما يقال لا أستطيع أن أعصيك أي قد ألزمت نفسي طاعتك). [معاني القرآن: 1/303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} ليس الجهل ههنا ضد العقل وإنما هو ضد الخبرة). [معاني القرآن: 1/303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {تعرفهم بسيماهم لا يسالون الناس إلحافا} يقال الحف في المسألة أخفى وألح بمعنى واحد
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سأل وله أربعون درهما فقد ألحف)).
قال أبو إسحاق معناه: فقد شمل بالمسألة ومنه اشتق إلحاف قال، ومعنى {لا يسألون الناس إلحافا}: لا يكون منهم سؤال فيكون إلحاف كما قالي الشاعر:
على لا حب لا يهتدى بمنارة = إذا سافه العود النباطي جرجرا
أي: ليس به منار فيهتدى به). [معاني القرآن: 1/303-304]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يحسبهم الجاهل أغنياء} الجاهل هنا: الذي لم يختبرهم، فهو جاهل بهم.
{إلحافا} أي: إلحاحا. يقال: ألحف: إذا ألح). [تفسير المشكل من غريب القرآن:44-45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِلْحَافاً}: إلحاحا). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
وقال: {الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم} فجعل الخبر بالفاء إذ كان الاسم "الذي" وصلته فعل لأنه في معنى "من"، و"من" يكون جوابها بالفاء في المجازاة لأن معناها "من ينفق ماله فله كذا".
وقال: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه ثمّ ماتوا وهم كفّارٌ فلن يغفر اللّه لهم} وقال: {والّذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضلّ أعمالهم} وهذا في القرآن والكلام كثير ومثله "الذي يأتينا فله درهم").
[معاني القرآن: 1/154-155]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
{الذين} رفع بالابتداء، وجاز أن يكون الخبر ما بعد الفاء، ولا يجوز في الكلام " زيد فمنطلق " لأن الفاء لا معنى لها -، وإنما صلح في الذين لأنها تأتي بمعنى الشرط والجزاء). [معاني القرآن: 1/358]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار}
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} قال: نزلت في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه كانت معه أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما وسرا درهما وعلانية درهما). [معاني القرآن: 1/304-305]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين يأكلون الرّبا...}
أي: في الدنيا {لا يقومون} في الآخرة {إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} والمسّ: الجنون، يقال رجل ممسوس). [معاني القرآن: 1/182]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {المسّ}: من الشيطان، والجن، وهو اللّمم، وهو ما ألمّ به، وهو الأولق والألس والزّؤد، هذا كله مثل الجنون.
{فمن جاءه موعظةٌ من ربّه}: العرب تصنع هذا؛ إذا بدءوا بفعل المؤنث قبله.
{فله ما سلف}: ما مضى). [مجاز القرآن: 1/83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون} من قبورهم يوم القيامة {إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} أي: من الجنون، [يقال: رجل ممسوس]). [تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ ذلك بأنّهم قالوا إنّما البيع مثل الرّبا وأحلّ اللّه البيع وحرّم الرّبا فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى اللّه ومن عاد فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
المعنى: الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون في الآخرة إلا كما يقوم المجنون.
من حال جنونه.
زعم أهل التفسير أن ذلك علم لهم في الموقف، يعرفهم به أهل الموقف، يعلم به أنّهم أكلة الربا في الدنيا يقال بفلان مس، وهو ألمس وأولق إذا كان به جنون.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى}.
جاز تذكير {جاءه}، وقال: تعالى في موضع آخر (قد جاءتكم موعظة من ربّكم} لأن كل تأنيث ليس بحقيقي فتذكيره جائز ألا ترى أن الوعظ والموعظة معبران عن معنى واحد.
وقوله عزّ وجلّ: {فله ما سلف وأمره إلى اللّه}أي: قد صفح له عمّا سلف {وأمره إلى اللّه} أي اللّه وليّه.
ومعنى {ومن عاد فأولئك أصحاب النّار} أي: من عاد إلى استحلال الربا فهو كافر، لأن من أحلّ ما حرّم اللّه فهو كافر، وهؤلاء قالوا: {إنّما البيع مثل الرّبا} ومن اعتقد هذا فهو كافر). [معاني القرآن: 1/358-359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}
المعنى: الذين يأكلون الربا في الدنيا لا يقومون في الآخرة {إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}
قال قتادة:أي الجنون.
وقال غيره: هذا علامة لهم يوم القيامة يخرج الناس من قبورهم مسرعين كما قال تعالى: {يخرجون من الأجداث سراعا} إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون أربى الله الربا في بطونهم يوم القيامة حتى ثقلهم منهم ينهضون ويسقطون ويريدون الإسراع فلا يقدرون). [معاني القرآن: 1/305-306]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى}
قال سفيان: يعني القرآن.
ومعنى {فله ما سلف}: مغفور له.
ثم قال تعالى: {وأمره إلى الله}
قال أبو إسحاق، أي: الله جل وعز: {وليه}.
قال غيره: {وأمره إلى الله} في عصمته وتوفيقه إن شاء عصمه عن أكله وإن شاء خذله عن ذلك
وقال بعض أهل التفسير: {وأمره إلى الله} في المستقبل
وهذا قول حسن بين، أي: وأمره إلى الله في المستقبل إن شاء ثبته على التحريم وإن شاء أباحه). [معاني القرآن: 1/307-308]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}
قال سفيان: من عاد فعمل بالربا حتى يموت.

وقال غيره: من عاد فقال إنما البيع مثل الربا فقد كفر). [معاني القرآن: 1/308]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الذين يأكلون الربا لا يقومون} أي: من قبورهم إلا مثل المجنون، و{المس} الجنون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْمــــَسِّ}: الجنــــون). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يمحق الله الرّبا}: يذهبه كما يمحق القمر، ويمحق الرجل إذا انتقص ماله). [مجاز القرآن: 1/83]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وذروا ما بقي من الرّبا...}
يقول القائل: ما هذا الربا الذي له بقيّة، فإن البقيّة لا تكون إلاّ من شيء قد مضى؟ وذلك أن ثقيفا كانت تربي على قوم من قريش، فصولحوا على أن يكون ما لهم على قريش من الربا لا يحطّ، وما على ثقيف من الربا موضوع عنهم. فلمّا حلّ الأجل على قريش، وطلب منهم الحقّ نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مّؤمنين} فهذه تفسير البقيّة وأمروا بأخذ رءوس الأموال فلم يجدوها متيسّرة، فأبوا أن يحطّوا الربا ويؤخّروا رءوس الأموال، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ وأن تصّدّقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}. {وإن كان ذو عسرة} من قريش {فنظرة} يا ثقيف {إلى ميسرة} وكانوا محتاجين، فقال - تبارك وتعالى -: {وأن تصدّقوا} برءوس الأموال {خير لكم}). [معاني القرآن: 1/182]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين}
نزلت في قوم من أهل الطائف كانوا صولحوا على أن وضع عنهم ما كان عليهم من الربا، وجعل لهم أن يأخذوا ما لهم من الربا وكان لهم على قوم من قريش مال فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فقالت تلك الفرقة ما بالنا من أشقى الناس يؤخذ منا الربا الذي قد وضع عن سائر الناس، فأمر الله عز وجلّ - بترك هذه البقية، وأعلم أن من كان مؤمنا قبل عن اللّه أمره ومن أبى فهو حرب، أي كافر، فقال: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}). [معاني القرآن: 1/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا}
قال مجاهد: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه ويزيده). [معاني القرآن: 1/308]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأذنوا بحربٍ من الله}: أيقنوا، تقول: آذنتك بحرب، فأذنت به). [مجاز القرآن: 1/83]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فإن لّم تفعلوا فأذنوا بحربٍ مّن اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
قال: {فإن لّم تفعلوا فأذنوا بحربٍ} تقول "قد أذنت منك بحربٍ" و"هو يأذن".
وقال: {لا تظلمون ولا تظلمون}.
وقال بعضهم {لا تظلمون ولا تظلمون} كله سواء في المعنى).
[معاني القرآن: 1/155]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فأذنوا بحربٍ من اللّه} أي: اعلموا.
ومن قرأ: «فآذنوا بحرب» أراد: أذنوا غيركم من أصحابكم. يقال: آذنني فأذنت).
[تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
وقال بعضهم قآذنوا، فمن قال {فأذنوا}: فالمعنى: أيقنوا ومن قال (قآذنوا)كان معناه: فأعلموا كل من لم يترك الربا أنّه حرب.
يقال قد آذنته بكذا وكذا، أوذنه إيذانا إذا أعلمته وقد أذن له يأذن إذنا إذا علم به). [معاني القرآن: 1/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}أي: فأيقنوا يقال أذنت بالشيء فأنا أذين به كما قال:
فإني أذين إن رجعت مملكا
ومعنى فآذنوا: فأعملوا غيركم أنكم على حربهم). [معاني القرآن: 1/309]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وان تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
ثم قال الضحاك: كانوا في الجاهلية يتبايعون بالربا فجاء الإسلام وقد بقيت لهم أموال فأمروا أن يأخذوا رءوس أموالهم ولا يأخذوا الربا الذي كانوا أربوا به وأمروا أن يتصدقوا على من كان معسر). [معاني القرآن: 1/309-310]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {فأذنوا}: فاعلموا، وآذنتكم، أي: أعلمتكم). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فأذنوا} فاعلموا. ومن قرأ بالمد وفتح الهمزة فمعناه: فأعلموا أصحابكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَأْذَنـــُواْ}: فاعلمـــــــوا). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ وأن تصدّقوا خيرٌ لّكم إن كنتم تعلمون}
قال: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} يقول: "وإن كان ممّن تقاضون ذو عسرة فعليكم أن تنظروا إلى الميسرة".
وقال بعضهم {فنظرة} وإن شئت لم تجعل لـ"كان" خبرا مضمرا وجعلت "كان" بمنزلة: "وقع".
وقال بعضهم {ميسره} وليست بجائزة لأنه ليس في الكلام "مفعلٌ". ولو قرؤها (موسره) جاز لأنه من "أيسر" مثل: "أدخل" فـ"هو مدخل".
وقال بعضهم {فناظره إلى ميسرةٍ} و{ميسرةٍ} فجعلها "فاعل" من "ناظر" وجزمها للأمر.

وقال: {وأن تصدّقوا خيرٌ لّكم} يقول: "الصدقة خيرٌ لكم". جعل {أن تصدّقوا} اسما مبتدأ وجعل {خيرٌ لّكم} خبر المبتدأ). [معاني القرآن: 1/155-156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} أي: انتظار.
{وأن تصدّقوا}
بما لكم على المعسر {خيرٌ لكم}).
[تفسير غريب القرآن: 99]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} أي: وإن وقع (ذو عسرة)، ولو قرئت، وإن كان ذا عسرة لجاز أي وإن كان المدين الذي عليه الدّين ذا عسرة، ولكن لا يخالف المصحف والرفع على أن، {إن كان} على معنى إن وقع ذو عسرة - ورفع {فنظرة إلى ميسرة} على فعلى الّذي تعاملونه نظرة أي تأخير، يقال بعته بيعا بنظرة.
ومن قال: فناظرة إلى ميسرة ففاعلة من أسماء المصادر نحو (ليس لوقعتها كاذبة) ونحو {تظنّ أن يفعل بها فاقرة}
وإن شئت قلت إلى ميسرة فأما من قرأ (إلى ميسره) على جهة الإضافة إلى الهاء فمخطئ، لأن "ميسر" مفعل وليس في الكلام مفعل.
وزعم البصريون أنهم لا يعرفون مفعلا إنما يعرفون مفعلة.
فأمرهم اللّه بتأخير رأس المال بعد إسقاط الربا، إذا كان المطالب معسرا، وأعلمهم أن الصدقة برأس المال عليه أفضل.
فقال: {وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} ). [معاني القرآن: 1/359-360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}
قال إبراهيم: نزلت في الربا.
قال الربيع بن خيثم: هي لكل معسر ينظر.
قال أبو جعفر: وهذا القول الحسن لأن القراءة بالرفع بمعنى وإن وقع ذو عسرة من الناس أجمعين أم كان فيمن تطالبون أو تبايعون ذو عسرة ولو كان في الربا خاصة لكان النصب الوجه بمعنى: وإن كان الذي عليه الربا ذا عسرة
على أن المعتمر قد روى عن حجاج الوراق قال في مصحف عثمان وإن كان ذا عسرة والمعنى فعليكم النظرة أي التأخير إلى أن يوسر
وروى عن عطاء أنه قرأ (فناظرة إلى ميسرة) على جهة الأمر). [معاني القرآن: 1/310-311]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}
قال إبرهيم، أي: برأس المال.
قال الضحاك: وأن تصدقوا من رأس المال خير من النظرة.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: زعم ابن عباس أن آخر آية نزلت من القرآن {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}
قرئ على أحمد بن شعيب عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين قال حدثني أبي عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية أنها آخر آية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/311-312]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَنَظِرَةٌ}: صبر وانتظار.
{مَيْسَرَةٍ}: يسار وسعة). [العمدة في غريب القرآن: 95]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه...}
حدّثنا محمد بن الجهم عن الفرّاء قال: حدثني أبو بكر عيّاش عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس قال: آخر آية نزل بها جبريل صلى الله عليه وسلم {واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه}هذه، ثم قال: ضعها في رأس الثمانين والمائتين من البقرة). [معاني القرآن: 1/183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} هذا يوم القيامة، ويقال إنها آخر آية نزلت من كتاب اللّه جلّ وعزّ.
كذا جاء في التفسير). [معاني القرآن: 1/360]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مّسمًّى...}
هذا الأمر ليس بفريضة، إنما هو أدب ورحمة من الله تبارك وتعالى. فإن كتب فحسن، وإن لم يكتب فلا بأس.
وهو مثل قوله: {وإذا حللتم فاصطادوا} أي: فقد أبيح لكم الصيد.
وكذلك قوله: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} ليس الانتشار والابتغاء بفريضة بعد الجمعة، إنما هو إذن.
وقوله: {ولا يأب كاتبٌ أن يكتب كما علّمه اللّه} أمر الكاتب ألاّ يأبى لقلّة الكتّاب كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
[معاني القرآن: 1/183]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فليكتب وليملل الّذي عليه الحقّ} فأمر الذي عليه الدين بأن يملّ لأنه المشهود عليه.
ثم قال {فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيهاً} يعني جاهلا {أو ضعيفاً} صغيرا أو امرأة {أو لا يستطيع أن يملّ هو} يكون عييّا بالإملاء {فليملل وليّه}يعني: صاحب الدين.
فإن شئت جعلت الهاء للذي ولي الدين، وإن شئت جعلتها للمطلوب. كلّ ذلك جائز.

ثم قال تبارك وتعالى: {فإن لّم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان} أي: فليكن رجل وامرأتان؛ فرفع بالردّ على الكون.
وإن شئت قلت: فهو رجل وامرأتان. ولو كانا نصبا أي فإن لم يكونا رجلين فاستشهدوا رجلا وامرأتين.
وأكثر ما أتى في القرآن من هذا بالرفع، فجرى هذا معه).
[معاني القرآن: 1/183-184]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما} بفتح أن، وتكسر.
فمن كسرها نوى بها الابتداء فجعلها منقطعة مما قبلها.
ومن فتحها فها أيضا على سبيل الجزاء إلا أنه نوى أن يكون فيه تقديم وتأخير. فصار الجزاء وجوابه كالكلمة الواحدة، ومعناه: - والله أعلم - استشهدوا امرأتين مكان الرجل كيما تذكّر الذاكرة الناسية إن نسيت؛ فلمّا تقدّم الجزاء اتّصل بما قبله، وصار جوابه مردودا عليه.
ومثله في الكلام قولك: (إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى) فالذي يعجبك الإعطاء إن يسأل، ولا يعجبك المسألة ولا الافتقار.
ومثله: استظهرت بخمسة أجمال أن يسقط مسلم فأحمله، إنما استظهرت بها لتحمل الساقط، لا لأن يسقط مسلم. فهذا دليل على التقديم والتأخير.

ومثله في كتاب الله {ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدّمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا} ألا ترى أن المعنى: لولا أن يقولوا إن أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم: هلاّ أرسلت إلينا رسولا. فهذا مذهب بيّن). [معاني القرآن: 1/184]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} إلى الحاكم. {إلاّ أن تكون تجارةً حاضرةً} ترفع وتنصب.
فإن شئت جعلت {تديرونها} في موضع نصب فيكون لكان مرفوع ومنصوب.
وإن شئت جعلت "تديرونها" في موضع رفع. وذلك أنه جائز في النكرات أن تكون أفعالها تابعة لأسمائها؛ لأنك تقول: إن كان أحد صالح ففلان، ثم تلقى (أحدا) فتقول: إن كان صالح ففلان، وهو غير موقّت فصلح نعته مكان اسمه؛ إذ كانا جميعا غير معلومين، ولم يصلح ذلك في المعرفة؛ لأن المعرفة موقّتة معلومة، وفعلها غير موافق للفظها ولا لمعناها.

فإن قلت: فهل يجوز أن تقول: كان أخوك القاتل، فترفع؛ لأن الفعل معرفة والاسم معرفة فترفعا للاتفاق إذا كانا معرفة كما ارتفعا للاتفاق في النكرة؟
قلت: لا يجوز ذلك من قبل أن نعت المعرفة دليل عليها إذا حصّلت، ونعت النكرة متّصل بها كصلة الذي. وقد أنشدني المفضّل الضبّيّ:
أفاطم إني هالك فتبيّني * ولا تجزعي كلّ النساء يئيم
ولا أنبأن بأنّ وجهك شانه * خموشٌ وإن كان الحميم الحميم
فرفعهما. وإنما رفع الحميم الثاني لأنه تشديد للأول. ولو لم يكن في الكلام الحميم لرفع الأول.
ومثله في الكلام: ما كنا بشيء حين كنت، تريد حين صرت وجئت، فتكتفى (كان) بالاسم.

ومما يرفع من النكرات قوله: {وإن كان ذو عسرةٍ} وفي قراءة عبد الله وأبيّ "وإن كان ذا عسرة" فهما جائزان؛ إذا نصبت أضمرت في كان اسما؛ كقول الشاعر:
لله قومي أي قوم لحرّة * إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا! ‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍
وقال آخر:
أعينيّ هلاّ تبكيان عفاقا * إذا كان طعنا بينهم وعناقا
وإنما احتاجوا إلى ضمير الاسم في (كان) مع المنصوب؛ لأنه بنية (كان) على أن يكون لها مرفوع ومنصوب، فوجدوا (كان) يحتمل صاحبا مرفوعا فأضمروه مجهولا.
وقوله: {فإن كنّ نساء فوق اثنتين} فقد أظهرت الأسماء. فلو قال: فإن كان نساء جاز الرفع والنصب.
ومثله {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}.
ومثله {إلا أن
يكون ميتة أو دما مسفوحا} ومن قال {تكون ميتة} جاز فيه الرفع والنصب. وقلت {تكون} لتأنيث الميتة،
وقوله: {إنها إن تك مثقال حبة من خردل} فإن قلت: إن المثقال ذكر فكيف قال (تكن)؟ قلت: لأن المثقال أضيف إلى الحبّة وفيها المعنى؛ كأنه قال: إنها إن تك حبّة؛ وقال الشاعر:

على قبضة مرجوّة ظهر كفّه * فلا المرء مستحىٍ ولا هو طاعم
لأنه ذهب إلى الكفّ؛ ومثله قول الآخر:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته * كما شرقت صدر القناة من الدم
وقوله:
أبا عرو لا تبعد فكلّ ابن حرّة * ستدعوه داعي موتة فيجيب
فأنّث فعل الداعي وهو ذكر؛ لأنه ذهب إلى الموتة. وقال الآخر:
قد صرّح السير عن كتمان وابتذلت * وقع المحاجن بالمهريّة الذّقن
فأنث فعل الوقع وهو ذكر؛ لأنه ذهب إلى المحاجن. وقوله: {ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ} أي: لا يدع كاتب وهو مشغول، ولا شهيد). [معاني القرآن: 1/185-187]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا يبخس منه شيئاً}: لا ينقص، قال: لا تبخسني حقي (؟)، قال في مثل: (تحسبها حمقاء وهي باخسة) أي ظالمة.
{أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى} أي: تنسى.
{ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} قال فيمن شهد: لا يأب إذا دعى، وله قبل أن يشهد أن لا يفعل.
{أقسط عند الله} أعدل.
{فسوقٌ} الفسوق: المعصية في هذا الموضع). [مجاز القرآن: 1/83-84]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مّسمًّى فاكتبوه وليكتب بّينكم كاتبٌ بالعدل ولا يأب كاتبٌ أن يكتب كما علّمه اللّه فليكتب وليملل الّذي عليه الحقّ وليتّق اللّه ربّه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يملّ هو فليملل وليّه بالعدل واستشهدوا شهيدين مّن رّجالكم فإن لّم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند اللّه وأقوم للشّهادة وأدنى ألاّ ترتابوا إلاّ أن تكون تجارةً حاضرةً تديرونها بينكم فليس عليكم جناحٌ ألاّ تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ وإن تفعلوا فإنّه فسوقٌ بكم واتّقوا اللّه ويعلّمكم اللّه واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}
قال: {واستشهدوا شهيدين مّن رّجالكم فإن لّم يكونا رجلين} أي: إن لم يكن الشهيدان رجلين.
{فرجلٌ وامرأتان}
فالذي يستشهد رجلٌ وامرأتان.

وقال: {ولا تسأموا} لأنها من "سئمت" "تسأم" "سآمةً" و"سأمةً" و"سآماً" و"سأماً".
[وقال] {ولا يأب الشّهداء} جزم لأنه نهي وإذا وقفت قلت "يأب" فتقف بغير ياء.
وقال: {إلاّ أن تكون تجارةٌ حاضرةٌ} أي: تقع تجارةٌ حاضرةٌ. وقد يكون فيها النصب على ضمير الاسم "إلاّ أن تكون تلك تجارةً.
وقال: {ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ} على النهي والرفع على الخبر. وهو مثل {لا تضارّ والدةٌ بولدها} إلاّ إنه لم يقرأ {لا تضارّ} رفعا.
وقوله: {إذا تداينتم بدينٍ} فقوله: {بدينٍ} تأكيد نحو قوله: {فسجد الملائكة كلّهم أجمعون} لأنك تقول "تداينّا" فيدل على قولك "بدينٍ" قال الشاعر:
داينت أروى والدّيون تقضى = [فمطلت بعضاً وأدّت بعضا]
تقوله: "داينتها وداينتني فقد تداينّا" كما تقول: "قابلتها وقابلتني فقد تقابلنا".
وقال: {أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله} فأضمر "الشاهد".
وقال: {إلى أجله} إلى الأجل الذي تجوز فيه شهادته والله أعلم).
[معاني القرآن: 1/156-157]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فليملل وليّه بالعدل أي} وليّ الحق.
{أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى} أي: تنسى إحداهما الشهادة، فتذكرها الأخرى. ومنه قول موسى عليه السلام: {فعلتها إذاً وأنا من الضّالّين} [الشعراء: 20] أي: من الناسين.
{ولا تسئموا} أي: لا تملوا، {أن تكتبوه صغيراً} من الدّين كان {أو كبيراً}.
{أقسط عند اللّه}: أعدل، {وأقوم للشّهادة}: لأن الكتاب يذكّر الشهود جميع ما شهدوا عليه، {وأدنى ألّا ترتابوا} أي: أن لا تشكّوا.
{إلّا أن تكون تجارةً حاضرةً تديرونها بينكم} أي: تتبايعونها بينكم.
{ولا يضارّ كاتبٌ}: فيكتب ما لم يملل عليه، {ولا شهيدٌ}: فيشهد بما لم يستشهد.
ويقال: هو أن يمتنعا إذا دعيا.
ويقال: «لا يضار» بمعنى لا يضارر «كاتب» أي يأتيه فيشغله عن سوقه وصنعته. هذا قول مجاهد والكلبي). [تفسير غريب القرآن:99-100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمّى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علّمه اللّه فليكتب وليملل الّذي عليه الحقّ وليتّق اللّه ربّه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يملّ هو فليملل وليّه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند اللّه وأقوم للشّهادة وأدنى ألّا ترتابوا إلّا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألّا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضارّ كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنّه فسوق بكم واتّقوا اللّه ويعلّمكم اللّه واللّه بكلّ شيء عليم}
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين}
يقال داينت الرجل إذا عاملته بدين، أخذت منه وأعطيته. وتداينّا على داينته، قال الشاعر:
داينت ليلى والدّيون تقضى... فمطلت بعضا وأدّت بعضا
ويقال دنت وأدّنت أي اقترضت، وأدنت إذا أقرضت.
قال الشاعر:
أدان وأنبّأه الأولون... بأن المدان مليء وفيّ
فالمعنى: إذا كان لبعضكم على بعض دين إلى أجل مسمّى فاكتبوه فأمر الله - عزّ وجلّ - بكتب الدين، حفظا منه للأموال، وكذلك الإشهاد فيها وللناس من الظلم لأن صاحب الدّين إذا كانت عليه الشهود والبينة قلّ تحديثه نفسه بالطمع في إذهابها، فأمر اللّه - جلّ وعزّ - بالإشهاد والكتاب.
قال بعض أهل اللغة: هذا أدب من اللّه عزّ وجلّ وليس بأمر حتم كما قال عزّ وجلّ: {وإذا حللتم فاصطادوا}- فليس يجب كلما يحل من الإحرام أن يصطاد، وكما قال: {فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض}.
وهذا خلاف ما أمر اللّه به في كتاب الدين والإشهاد لأن هذين جميعا إباحة بعد تحريم - قال الله عزّ وجلّ: {وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما} وقال: {لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرم} ثم أباح لهم - إذا زال الإحرام - الصيد " وكذلك " قال: {إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه وذروا البيع} فأباح لهم بعد انقضاء الصلاة الابتغاء من فضله، والانتشار في الأرض لما أرادوا من بيع وغيره.
وليست آية الدّين كذلك، ولكن الذي رخص في ترك الإشهاد في قول قوم قوله: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} أي: يكتب بالحق، لا يكتب لصاحب الدين فضلا على الذي عليه الدين ولا ينقصه من حقه - فهذا العدل.
ومعنى {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علّمه اللّه فليكتب} أي: لا يأب أن يكتب كما أمره اللّه به من الحق.
وقيل {كما علّمه اللّه فليكتب} أي: كما فضله اللّه بالكتاب فلا يمنعن المعروف بكتابه.
وأبى يأبى في اللغة منفرد لم يأت مثله إلا قلى يقلى، والذي أتى أبى يأبى لا غير - فعل يفعل، وهذا غير معروف إلا أن يكون في موضع العين من الفعل أو اللام حرف من حروف الحلق، وقد بيّناها، ولكن القول فيه أن الألف في أبى أشبهت الهمزة فجاء يفعل مفتوحا لهذه العلة، وهذا القول لإسماعيل بن إسحاق ومثله قلى يلقى.
ومعنى قوله عزّ وجلّ {ولا يبخس منه شيئا} أي: لا ينقص منه شيئا.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يملّ هو}.
السفيه: الخفيف العقل، ومن هذا قيل تسفهت الريح الشيء إذا حركته واستخفته، قال الشاعر:
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت... أعاليها مرّ الرّياح النّواسم
فالنساء والصبيان اللاتي لا يميزن تميزا صحيحا سفهاء، والضعيف في عقله سفيه، والذي لا يقدر - على الإملاء العيي.
وجائز أن يكون: الجهول سفيها كهؤلاء.
ومعنى{فليملل وليه بالعدل} أي: الذي يقوم بأمره، لأن اللّه أمر ألا نؤتي السفهاء الأموال.
وأمر أن يقام لهم بها فقال: {وارزقوهم فيها واكسوهم}.

فوليه الذي يقوم مقامه في ماله لو كان مميزا.
وقال قوم: ولي الدّين. وهذا بعيد: كيف يقبل قول المدعي، وما حاجتنا إلى الكتاب والإشهاد والقول قوله: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}.
معنى رجالكم من أهل ملتكم.
وقوله عزّ وجلّ: {فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء}أي: فالذي يشهد - إن لم يكن - رجلان - رجل وامرأتان.
ومعنى {ممن ترضون من الشهداء} أي: ممن ترضون مذهبه، ودل بهذا القول أن في الشهود من ينبغي ألا يرضى.

{أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى}.
من كسر (أن) فالكلام علي لفظ الجزاء، ومعناه: المعنى في (إن تضل) إن تنسى إحداهما، تذكرها الذاكرة فتذكر.
و{فتذكّر} رفع مع كسر (إن) لا غير - ومن قرأ "أن تضل فتذكر " وهي قراءة أكثر الناس، فزعم بعض أهل اللغة فيها أن الجزاء فيها مقدّم أصله التأخير وقال: المعنى: استشهدوا امرأتين مكان الرجل كي تذكر الذاكرة - الناسية. إن نسيت. فلما تقدم الجزاء اتصل بأول الكلام وفتحت أن وصار جوابه مردودا عليه.
ومثله إني ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى، قال - والمعنى إنما يعجبه الإعطاء إن سأل السائل وزعم أن هذا قول بين.
ولست أعرف لم صار الجزاء إدا تقدم - وهو في مكانه أو في غير مكانه وجب أن يفتح (أن) معه.
وذكر سيبويه والخليل " وجميع النحويين الموثوق بعلمهم أن المعنى: استشهدوا امرأتين لأن تذكر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تذكر إحداهما الأخرى،
قال سيبويه: فإن قال إنسان فلم جاز (أن تضل) وإنما أعد هذا للإذكار، فالجواب أن الإذكار لما كان سببه الإضلال جاءت أن يذكر (أن تضل) لأنّ الإضلال هو السبب الذي أوجب الإذكار.

قال ومثله: أعددت هذا الجذع أن يميل الحائط، فأدعمه، وإنّما أعددته للدعم لا للميل، ولكن الميل ذكر لأنه سبب الدعم، كلما ذكر الإضلال لأنه سبب الإذكار - فهذا هو البيّن إن شاء الله.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا}.
يروى عن الحسن أنه قال: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} لابتداء الشهادة، أي: ولا يأبوا إذا دعوا لإقامتها.
وهذا الذي قال الحسن هو الحق - واللّه أعلم - لأن الشهداء إذا أبوا - وكان ذلك لهم - أن يشهدوا تويت حقوقهم وبطلت معاملاتهم فيما يحتاجون إلى التوثق فيه.
وقال غير الحسن: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} - وكانت في أعناقهم شهادة - أن يقيموها.
فأما إذا لم يكونوا شهداء فهم مخيرون في ابتداء الشهادة، إن شاءوا شهدوا وإن شاءوا أبوا.
ويدل على: توكيد أن الشاهد ينبغي له إذا ما دعي ابتداء أن يجيب.
قوله تعالى: {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله} أي: لا تملوا أن تكتبوا ما أشهدتم عليه، فقد أمروا بهذا، فهذا يؤكد أن أمر الشهادة في الابتداء واجب، وأنه لا ينبغي أن يمل ويقال سئمت أسأم سآمة. سأما.
قال الراجز:
لما رأيت أنه لا قامة...وأنني ساق على السآمة
نزعت نزعا زعزع الدعامة ومعنى: {إلّا أن تكون تجارة حاضرة}.
أكثر القراء على: الرفع {تجارة حاضرة} على معنى: إلا أن تقع تجارة حاضرة.
ومن نصب تجارة - وهي قراءة عاصم فالمعنى إلا أن تكون المداينة تجارة حاضرة.

والرفع أكثر وهي قراءة الناس.
فرخص اللّه عزّ وجلّ في ترك كتابة ما يديرونه بينهم لكثرة ما تقع المعاملة فيه، وأنه أكثر ما تقع المتاجرة بالشيء القليل، وإن وقع فيه الدين.
ووكد في الإشهاد في البيع فقال: {وأشهدوا إذا تبايعتم} وقد بيّنّا ما الذي رخص في ترك، الإشهاد.
ومعنى {ولا يضارّ كاتب ولا شهيد}: قالوا فيه قولين:
1- قال بعضهم: {لا يضارّ}: لا يضارر، فأدغمت الراء في الراء، وفتحت لالتقاء الساكنين، ومعنى {لا يضارّ}: لا يكتب الكاتب إلا بالحق ولا يشهد الشاهد إلا بالحق.

2- وقال قوم: {ولا يضارّ كاتب ولا شهيد}: لا يدعى الكاتب وهو مشغول لا يمكنه ترك شغله إلا بضرر يدخل عليه، وكذلك لا يدعى الشاهد ومجيئه للشهادة يضرّ به
والأول أبين لقوله: {وإن تفعلوا فإنّه فسوق بكم} فالفاسق أشبه بغير العدل وبمن حرف الكتاب منه بالذي دعا شاهدا ليشهد، ودعا كاتبا ليكتب، وهو مشغول فليس يسمّى هذا فاسقا ولكن يسمى من كذب في الشهادة ومن حرف الكتاب فاسقا).
[معاني القرآن: 1/360-366]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} في معناها أقوال:
1-منها" أن هذا على الندب وليس بحتم.
2-ومنها أن أبا نضرة روى عن أبي سعيد الخدري أنه تلا هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين} حتى بلغ {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته} قال: نسخت هذه الآية ما قبلها.
3-وقيل: إن هذا واجب في الأجل والإشهاد في العاجل وإنما الرخصة في الرهن.
ويقال: داينت الرجل إذا أقرضته واستقرضت منه وكذلك تداين القوم.
وأدنت الرجل بعته بدين ودنت وأدنت أي أخذت بدين وأنا دائن ومدان.
والمدين الملك إذا دان الناس له أي سمعوا وأطاعوا.
ومما يسأل عنه أن يقال ما وجه بدين وقد دل تداينهم على الدين فهل تكون مداينة بغير دين
فالجواب: أن العرب تقول تداينا، أي: تجارينا وتعاطينا الأخذ والإعطاء فجاء بدين مبينا للمعنى المقصود). [معاني القرآن: 1/312-314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل}
قال السدي: بالحق، أي: لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما له ولا أقل.
ثم قال تعالى: {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله} قيل كما علمه الله من الكتابة بالعدل، وقيل كما فضله الله بعلم الكتابة.
ثم قال تعالى: {فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو}
قال ابن وهب: أخبرني يونس أنه سأل ربيعة ما صفة السفيه فقال: الذي لا يثمر ماله في يدعه ولا ابتياعه ولا يمنع نفسه لذة يسقط في المال سقوط من لا يعد المال شيئا الذي لا يرى له عقل في مال.
وروي عن ابن عباس أنه قال: السفيه الجاهل بالإملاء والضعيف الأخرق.
وقال أبو إسحاق: السفيه الخفيف العقل ومن هذا تسفهت الريح إذا حركته واستخفته ومنه:
مشين كما اهتزت رماح تسفهت = أعاليها مر الرياح النواسم
وحكى غيره: أن السفه كل ما يقبح فعله أي هو فعل ليس بمحكم من قولهم ثوب سفيه إذا كان متخلخلا
فأما الضعيف: فهو والله أعلم الذي فيه ضعف من خرس أو هرم أو جنون
ثم قال تعالى: {فليملل وليه بالعدل}في معنى هذا قولان:
1-روى سفيان عن يونس عن الحسن فليملل وليه بالعدل، قال الضحاك: ولي السفيه الذي يجوز عليه أمره فهو وليه، أي: يقوم بأمره {بالعدل} هو الذي يملي الحق.
2-والقول الآخر: عن ابن عباس أن المعنى فليملل ولي الذي هو عليه.
واحتج بهذا القول: من ذهب إلى نفي الحجر عن الأحرار البالغين العقلاء وهو مذهب محمد بن سيرين وإبراهيم النخعي
ثم قال عز وجل: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} قيل: من أهل ملتكم.
ثم قال تعالى: {ممن ترضون من الشهداء} أي: ممن ترضون مذهبه.
قال إبراهيم ممن لم تظهر له ريبة
ثم قال تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} أي: أن تنسى احدهما فتذكرها الأخرى.
وروي عن الجحدري أن تضل أي: تنسى كما يقال أنسيت كذا.
فأما ما روي عن ابن عيينة من أنه قال: تصير شهادتهما بمنزلة شهادة الذكر فلا يعرفه أهل اللغة وهو أيضا خطأ لأنه لو كان إنما معناه نجعلها بمنزلة الذكر لم يحتج إلى أن تضل لأنها كانت تجعلها بمنزلة الذكر ضلت أو لم تضل، ولا يجوز أن: تصيرها بمنزلة الذكر وقد نسيت شهادتها
وأما فتح إن فنذكره في الإعراب إن شاء الله
ثم قال عز وجل: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}
روى ابن نجيح عن مجاهد قال: إذا دعي ليشهد وقد كان أشهد .
وقال الحسن: وإذا ما دعوا ابتداء للشهادة ولا يأبوا إذا دعوا لإقامتها.
قال أبو جعفر: قيل قول الحسن أشبه لأنه لو كان ذلك لهم لتويت الحقوق ولأن بعده {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله} أي: لا تملوا أن تكتبوا الحق كان كثيرا أو قليلا كما يقال لأعطينك حقك صغر أو كبر.
وقال الأخفش: إن تكتبوه فأضمر الشاهد قال وقال إلى أجله أي إلى الأجل الذي تجوز فيه شهادته والله أعلم. هذا في كلام الأخفش نصا
قال أبو جعفر: واختار محمد بن جرير قول مجاهد أن المعنى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا أن ذلك إذا كانت عندك شهادة فدعيت وهو قول سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة والشعبي والنخعي.
قال محمد بن جرير: لأن الله قد ألزمهم اسم الشهداء وإنما يلزمهم اسم الشهداء إذا شهدوا على شيء قبل ذلك وغير جائز أن يقال لهم شهداء ولم يشهدوا
ولو كان ذلك لكان الناس كلهم شهداء بمعنى أنهم يشهدون فصار المعنى إذا ما دعوا ليؤدوا الشهادة وأيضا فدخول الألف واللام يدل على أن المعني بالنهي شخص معلوم
ثم قال تعالى: {ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة}
قال سفيان: معناه أعدل ثم قال وأقوم الشهادة أي أثبت لأن الكتاب يذكر الشاهد ما شهد عليه.
ثم قال تعالى: {وأدنى ألا ترتابوا} أي: لا تشكوا.
ثم رخص في ترك الكتابة فيما يجري بين الناس كثيرا فقال تعالى: {إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم}). [معاني القرآن: 1/314-322]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا يضار كاتب ولا شهيد} فيه أقوال:
1- منها أن المعنى على قول عطاء لا يمتنعا إذا دعيا.
كما روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: كان عمر يقرأ {ولا يضارر كاتب ولا شهيد}
2-وقال طاووس: لا يضارر كاتب فيكتب ما لم يملل عليه.
3-وقال الحسن: ولا يضارر الشهيد أن يزيد في شهادته.
4-وروي عن ابن عباس ومجاهد ولا يضار كاتب ولا شهيد قالا نهي أن يجاء إلى الشاهد والكاتب فيدعيا إلى الكتابة والشهادة وهما مشغولان فيضارا فيقال قد أمركما الله ألا تمتنعا وهو مستغن عنهما والتقدير على هذا القول ولا يضارر وكذا قرأ ابن مسعود.
فنهى الله جل وعز عن هذا لأنه لو أطلقه لكان فيه شغل عن أمر دينهما ومعاشهما
ثم قال جل وعز: {وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم}
قال سفيان: فإنه فسوق بكم قال معصية). [معاني القرآن: 1/322-325]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {ولا يبخس} أي: لا ينقص). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {سفيها} أي: ضعيف العقل). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {بالعدل} أي: بالحق والإنصاف). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {أن تضل} أي: أن تنسى). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{لا تسأموا} أي: لا تملوا). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{أقسط}: أعدل). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أن تضل إحداهما} أي: تنسى الشهادة.
{ولا تسأموا أن تكتبوه} تملوا أن تكتبوه.
{أقسط} أعدل.
{ولا يضار كاتب} أي: لا يكتب ما لم يملل عليه {ولا شهيد}أي: لا يشهد بما لم يشهد عليه. وقيل: هو أن يمتنعا إذا دعيا، فيكون {يضار} بمعنى: يضارر بكسر الراء. وقيل: هو بمعنى يضارر على ما لم يسم فاعله، فيكون المعنى: لا يشغلهما عن شغلهما). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَلِيُّهُ}: صاحب الحق.
{أَن تَضِلَّ}
: أن تنسى.
{تَسْأَمُوْاْ}: تملّوا). [العمدة في غريب القرآن: 95]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فرهانٌ مّقبوضةٌ...}
وقرأ مجاهد "فرهن" على جمع الرهان كما قال "كلوا من ثمره" لجمع الثمار. وقوله: {ومن يكتمها فإنّه آثمٌ قلبه} [وأجاز قوم (قلبه) بالنصب] فإن يكن حقا فهو من جهة قولك: سفهت رأيك وأثمت قلبك). [معاني القرآن: 1/188]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فرهنٌ مقبوضةٌ} قال أبو عمرو: الرّهان في الخيل، وأنشد قول قعنب بن أمّ صاحب من بني عبد الله بن غطفان:
بانت سعاد وأمس دونها عدن... وغلّقت عندها من قبلك الرّهن). [مجاز القرآن: 1/84]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإن كنتم على سفرٍ ولم تجدوا كاتباً فرهان مّقبوضةٌ فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته وليتّق اللّه ربّه ولا تكتموا الشّهادة ومن يكتمها فإنّه آثمٌ قلبه واللّه بما تعملون عليمٌ}
قال: {فرهان مّقبوضةٌ} تقول: "رهنٌ"، و"رهان" مثل: "حبلٌ" و"حبالٌ".
وقال أبو عمرو: "فرهنٌ" وهي قبيحةٌ لأنّ "فعلاً" لا يجمع على "فعل" إلا قليلاً شاذاً، زعم أنهم يقولون: "سقفٌ" و"سقفٌ" وقرأوا هذه الآية {سقفاً من فضّةٍ}.
وقالوا: "قلبٌ" و"قلبٌ" و"قلبٌ" من "قلب النّخلةٍ" و"لحد" و"لحد" لـ"لحد القبر" وهذا شاذٌ لا يكاد يعرف.
وقد جمعوا "فعلاً" على "فعلٍ" فقالوا: "ثطٌّ" و"ثطٌّ"، و"جونٌ" و"جونٌ"، و"وردٌ" و"وردٌ". وقد يكون "رهنٌ" جماعةً لـ"الرّهان" كأنّه جمع الجماعة و"رهان" أمثل من هذا الاضطرار. وقد قالوا: "سهمٌ خشنٌ" في "سهامٍ خشنٍ". خفيفة.
وقال أبو عمرو: "قالت العرب: "رهنٌ" ليفصلوا بينه وبين رهان الخيل.
قال الأخفش: "كلّ جماعةٍ على "فعل" فإنّه يقال فيها "فعل".

وقال{فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} وهي من "أدّى" "يؤدّي" فلذلك همز و"اؤتمن" همزها لأنها من "الأمانة" [و] موضع الفاء منها همزة، إلاّ أنك إذا استأنفت ثبتت ألف الوصل فيها فلم تهمز موضع الفاء لئلا تجتمع همزتان). [معاني القرآن: 1/157-158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فرهانٌ مقبوضةٌ} جمع «رهن».
ومن قرأ (فرهن مقبوضة) أراد جمع «رهان». فكأنه جمع الجمع).
[تفسير غريب القرآن: 100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته وليتّق اللّه ربّه ولا تكتموا الشّهادة ومن يكتمها فإنّه آثم قلبه واللّه بما تعملون عليم}
قرأ الناس " فرهن مقبوضة " و " فرهان مقبوضة "
فأمّا "رهن" فهي قراءة أبي عمرو، وذكر فيه غير واحد أنها قرئت: " فرهن " ليفصل بين الرهان في الخيل وبين جمع رهن في غيرها، ورهن ورهان أكثر في اللغة:
1-قال الفراء " رهن " جمع رهان،
2-وقال غيره: رهن وررهن " مثل سقف وسقف.

وفعل وفعل قليل إلا إنّه صحيح قد جاء؛ فأما في الصفة فكثير، يقال: فرس ورد، وخيل ورد.
ورجل ثط وقوم ثط، والقراءة على " رهن " أعجب إليّ لأنها موافقة للمصحف، وما وافق المصحف وصح معناه وقرأت به القراء فهو المختار.
ورهان جيّد بالغ.
يقال: رهنت الرهن وأرهنته، وأرهنت أقلهما.
قال الشاعر في أرهنت:
فلمّا خشيت أظافيرهم... نجوت وأرهنتهم مالكا
وقال في رهنت: أنشده غير واحد:
فهل من كاهن أو ذي إله... إذا ما حان من ربي قفول
يراهنني فيرهنني بنيه... وأرهنه بني بما أقول
لما يدري الفقير متى غناه... وما يدري الغنيّ متى يعيل). [معاني القرآن: 1/366-368]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}
وقرأ ابن عباس (كتابا) وقال: قد يوجد الكاتب ولا توجد الصحيفة.
وكذا قرأ أبو العالية وعكرمة والضحاك ومجاهد.
وقيل: إن كتابا جمع كاتب كما يقال قايم وقيام.
وقيل: هما بمنزلة اثنين.
ثم قال تعالى: {فرهان مقبوضة}
قرئ {فرهن مقبوضة} رهن جميع رهان ويجوز أن يكون جمع رهن مثل سقف وسقف). [معاني القرآن: 1/324-325]


رد مع اقتباس