عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:29 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 263 إلى 271]

{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}

تفسير قوله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {صفوانٌ} الصفوان: جماع، ويقال للواحدة: (صفوانة) في معنى الصّفاة،
والصّفا: للجميع، وهي الحجارة الملس.

{صلداً} والصّلد: التي لا تنبت شيئاً أبداً من الأرضين، والرؤوس، وقال رؤبة:
برّاق أصلاد الجبين الأجله
وهو الأجلح). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلداً لاّ يقدرون على شيءٍ مّمّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
قال: {كمثل صفوان} والواحدة "صفوانةٌ".
ومنهم من يجعل "الصّفوان" واحدا فيجعله: الحجر.
ومن جعله جميعا جعله: الحجارة مثل: "التمرة" و"التمر".
وقد قالوا "الكذّان": الكذّانة" وهو شبه الحجر من الطين).
[معاني القرآن: 1/152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({صفوان}: جماع واحده صفوانه وهي الصخرة الملساء التي لا يثبت عليها شيء.
ويقال إنه واحد وجمعه صفوان يكسر الصاد.

{صلدا}: والصلدة التي لا تنبت شيئا). [غريب القرآن وتفسيره:98-99]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (و({صّفوان}: الحجر. و(الوابل): أشدّ المطر.
و{الصّلد}: الأملس).
[تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
فالمن: أن تمنّ بما أعطيت وتعتدّ به كأنك إنما تقصد به الاعتداد والأذى أن توبخ المعطي.
فأعلم الله عزّ وجلّ أن المن والأذى يبطلان الصدقة كما تبطل نفقة المنافق الذي إنما يعطي وهو لا يريد بذلك العطاء ما عند اللّه، إنما يعطي ليوهم أنه مؤمن، وقال عزّ وجلّ: {فمثله كمثل صفوان} والصفوان: الحجر الأملس وكذلك الصفا.
وقوله عزّ وجلّ: {عليه تراب فأصابه وابلا}والوابل: المطر العظيم القطر - فإذا أصاب هذا المطر الحجر الذي عليه تراب لم يبق عليه من التراب شيء، وكذلك تبطل نفقة المنافق ونفقة المنّان والمؤذي.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه لا يهدي القوم الكافرين} أي: لا يجعلهم بكفرهم مهتدين، وقيل لا يجعل جزاءهم على الكفر أن يهديهم). [معاني القرآن: 1/347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}أي: لا تمتنوا بما أعطيتم وتعتدوا به وكأنكم تقصدون ذلك.
والأذى: أن يوبخ المعطى.
فاعلم أن هذين يبطلان الصدقة كما تبطل صدقة المنافق الذي يعطي رياء ليوهم أنه مؤمن). [معاني القرآن: 1/289-290]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فمثله}أي: فمثل نفقته {كمثل صفوان} وهو: الحجر الأملس والوابل المطر العظيم القطر.
{فتركه صلدا}
قال قتادة: ليس عليه شيء.
والمعنى: لم يقدروا على كسبهم وقت حاجتهم ومحق فأذهب كما أذهب المطر التراب على الصفا ولم يوافق في الصفا مثبتا).[معاني القرآن: 1/290-290]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {صفوان}: جبل أملس). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): {وابل}: مطر شديد). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والصلد: الأقرع الذي لا نبات فيه). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ((والصفوان) جمع صفوانة: وهي الصخرة الملساء التي لا تنبت شيئا.
(والوابل الخفيف مطر.
(والطل) الخفيف.
(والصلد) الأملس).
[تفسير المشكل من غريب القرآن:43-44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({صَفْوَانٍ}: حجر.
{صَلْداً}: لا ينبت شيئاً.
{الوَابِلٌ}: ما عظم قطره من المطر). [العمدة في غريب القرآن:93-94]

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بربوةٍ} ربوة: ارتفاع من المسيل). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتاً مّن أنفسهم كمثل جنّةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ واللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ} وقال بعضهم {بربوة} و{بربوة} و{برباوة} و{برباوة} كلٌّ من لغات العرب وهو كله من الرابية وفعله: "ربا" "يربو".
قال: {فآتت أكلها ضعفين} وقال: {مختلفاً أكله} و"الأكل": هو: ما يؤكل. و"الأكل" هو الفعل الذي يكون منك. تقول: "أكلت أكلاً" و"أكلت أكلةً واحدةً" وإذا عنيت الطعام قلت: "أكلةً واحدةً"، قال:
ما أكلةٌ أكلتها بغنيمةٍ = ولا جوعةٌ أن جعتها بغرام
ففتح الألف لأنه يعني الفعل. ويدلك عليه "ولا جوعةٌ" وإن شئت ضممت "الأكلة" وعنيت به الطعام.
و[قال: {فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ}]
وتقول في "الوابل" وهو: المطر الشديد: "وبلت السماء و"أوبلت" مثل "مطرت" و"أمطرت"، و"طلّت" و"أطلّت" من "الطلّ"، و"غاثت" و"أغاثت" من "الغيث". وتقول: "وبلت الأرض" فهي "موبولةٌ" مثل "وثئت رجله" [و] لا يكون "وبلت" وقوله: {أخذاً وبيلا} من ذا يعني: شديدا). [معاني القرآن: 1/152-153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وتثبيتا من أنفسهم}: يثبتون أين يضعون أموالهم.
وقال آخرون تصديقا ويقينا من أنفسهم.

{جنة بربوة}: الربوة كلما ارتفع عن مسيل الماء.
{الوابل}: ما عظم من المطر.
{والطل}: ما صغر ويقال وبلت الأرض وطلت). [غريب القرآن وتفسيره: 99]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وتثبيتاً من أنفسهم} أي: تحقيقا من أنفسهم.
(الربوة): الارتفاع. يقال: ربوة، وربوة أيضا.
(أكلها): ثمرها.
(الطّل): أضعف المطر). [تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم ضرب الله لمن ينفق يريد ما عند الله ولا يمن ولا يؤذي مثلا فقال:
{ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنّة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطلّ واللّه بما تعملون بصير}أي: ليطلب مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم، أي ينفقونها مقرين أنها مما يثيب اللّه عليها.
{كمثل جنّة بربوة} بفتح الراء وبربوة. بالضم - وبربوة - بالكسر - وبرباوة، وهذا وجه رابع.
والربوة: ما ارتفع من الأرض.
والجنة: البستان، وكل ما نبت وكثف وكثر، وستر بعضه بعضا فهو جنة - والموضع المرتفع إذا كان له ما يرويه من الماء فهو أكثر ريعا من المستفل، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن نفقة هؤلاء المؤمنين تزكو كما يزكو نبت هذه الجنة التي هي في مكان مرتفع.

{أصابها وابل} وهو: المطر العظيم القطر.
{فآتت أكله} أي: ثمرها، ويقرأ أكلها والمعنى واحد.
{ضعفين} أي: مثلين.
{فإن لم يصبها وابل فطلّ}.
و(الطّلّ) المطر الدائم الصّغار القطر الذي لا يكاد يسيل منه المثاعب.
ومعنى {واللّه بما تعملون بصير} أي: عليم، وإذا علمه جازى عليه والذي ارتفع عليه (فطلّ) أنه على معنى فإن لم يصبها وابل فالذي يصيبها طلّ). [معاني القرآن: 1/347-348]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم}أي: وينفقونها مقرين ثابتين أنها مما يثيب الله عليه
قال الحسن: إذا أراد أن ينفق تثبت فان كان الله أمضى وإلا أمسك.
وقال قتادة: تثبيتا أي احتسابا.
وقال مجاهد: يتثبتون أين يضعون أموالهم أي زكواتهم.
وقال الشعبي: تصديقا ويقينا.
قال أبو جعفر: ولو كان كما قال مجاهد لكان وتثبيتا من تثبت كتكرمت تكرما.
وقول قتادة واحتسابا لا يعرف إلا أن يراد به أن أنفسهم تثبتهم محتسبة وهذا بعيد.
وقول الشعبي حسن أي تثبيتا من أنفسهم لهم على إنفاق ذلك في طاعة الله جل وعز يقال ثبت فلانا في هذا الأمر أي صححت عزمة وقويت فيه رأيه أثبته تثبيتا أي أنفسهم موقنة مصدقة بوعد الله على تثبتهم في ذلك). [معاني القرآن: 1/291-292]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كمثل جنة بربوة}
قال مجاهد: هي الأرض المرتفعة المستوية أضعفت في ثمرها.
قال قتادة: بربوة يقول بنشز من الأرض قال وهذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن يقول ليس لخيره خلف كما أنه ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان أن أصابها وابل وهو المطر الشديد وإن أصابها طل.
قال مجاهد: هو الندى.
وقيل مطر صغير في القدر يدوم.
قال محمد بن يزيد: أي فالطل يكفيها). [معاني القرآن: 1/292-293]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطل: المطر الخفيف). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وتثبيتا من أنفسهم} أي: تصديقا وتحقيقا.
الربوة: كل ما ارتفع من مسيل الماء، والضم والفتح والكسر في الراء لغات.
{أكلها} ثمرها.
والطل: كل ما صغر من نقط المطر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الرَّبْوَةٍ}: ما ارتفع من الأرض.
{الطَّلٌّ}: ما صغر من القطر). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ مّن نّخيلٍ وأعنابٍ...}
ثم قال بعد ذلك {وأصابه الكبر} ثم قال {فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} فيقول القائل: فهل يجوز في الكلام أن يقول: أتودّ أنّ تصيب مالا فضاع، والمعنى: فيضيع؟ قلت: نعم ذلك جائز في وددت؛ لأن العرب تلقاها مرّة بـ (أن) ومرّة بـ (لو) فيقولون: لوددت لو ذهبت عنا، [و] وددت أن تذهب عنا، فلمّا صلحت بلو وبأن ومعناهما جميعا الاستقبال استجازوا أن يردّوا فعل بتأويل لو، على يفعل مع أن،
فلذلك قال: فأصابها، وهي في مذهبه بمنزلة لو؛ إذ ضارعت إن بمعنى الجزاء فوضعت في مواضعها، وأجيبت إن بجواب لو، ولو بجواب إن؛ قال الله تبارك وتعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمةٌ مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} والمعنى - والله أعلم -: وإن أعجبتكم؛ ثم قال{ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا [من بعده يكفرون]} فأجيبت لئن بإجابة لو ومعناهما مستقبل.
ولذلك قال في قراءة أبيّ "ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلوا" ردّه على تأويل: ودّوا أن تفعلوا. فإذا رفعت (فيميلون) رددت على تأويل لو؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {ودّوا لو تدهن فيدهنون} وقال أيضا {وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} وربما جمعت العرب بينهما جميعا؛ قال الله تبارك وتعالى: {وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا} وهو مثل جمع العرب بين ما وإن وهما جحد؛ قال الشاعر:

قد يكسب المال الهدان الجافي * بغير لا عصفٍ ولا اصطراف
وقال آخر:
ما إن رأينا مثلهن لمعشر* سود الرءوس فوالج وفيول
وذلك لاختلاف اللفظين يجعل أحدهما لغوا. ومثله قول الشاعر:
من النفر اللاء الذين إذا هم * تهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا
ألا ترى أنه قال: اللاء الذين، ومعناهما الذين، استجيز جمعهما لاختلاف لفظهما، ولو اتفقا لم يجز.
لا يجوز ما ما قام زيد، ولا مررت بالذين الذين يطوفون. وأمّا قول الشاعر:

كماما امرؤٌ في معشرٍ غير رهطه * ضعيف الكلام شخصه متضائل
فإنما استجازوا الجمع بين ما وبين [ما] لأن الأولى وصلت بالكاف، - كأنها كانت هي والكاف اسماً واحدا - ولم توصل الثانية، واستحسن الجمع بينهما. وهو في قول الله {كلاّ لا وزر} كانت لا موصولةً، وجاءت الأخرى مفردة فحسن اقترانهما
فإذا قال القائل: (ما ما قلت بحسنٍ) جاز ذلك على غير عيب؛ لأنه
يجعل ما الأولى جحدا والثانية في مذهب الذي. [وكذلك لو قال: من من عندك؟ جاز؛ لأنه جعل من الأول استفهاما، والثاني على مذهب الذي]. فإذا اختلف معنى الحرفين جاز الجمع بينهما.
وأمّا قول الشاعر:
* كم نعمةٍ كانت لهاكم كم وكم *
إنما هذا تكرير حرف، لو وقعت على الأوّل أجزأك من الثاني. وهو كقولك للرجل: نعم نعم، تكررها، أو قولك: اعجل اعجل، تشديدا للمعنى. وليس هذا من البابين الأولين في شيء. وقال الشاعر:
هلاّ سألت جموع كنـ * دة يوم ولّوا أين أينا
وأمّا قوله: (لم أره منذ يوم يوم) فإنه ينوى بالثاني غير اليوم الأوّل، إنما هو في المعنى: لم أره منذ يوم تعلم. وأمّا قوله:
نحمي حقيقتنا وبعـ * ض القوم يسقط بين بينا
فإنه أراد: يسقط هو لا بين هؤلاء ولا بين هؤلاء. فكان اجتماعهما في هذا الموضع بمنزلة قولهم: هو جاري بيت بيت، ولقيته كفّة كفّة؛ لأن الكفّتين واحدة منك وواحدة منه. وكذلك هو جاري بيت بيت منها: بيتي وبيته لصيقان.
قال: كيف قال قوله: {فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ...}
وهذا الأمر قد مضى؟ قيل: أضمرت (كان) فصلح الكلام. ومثله أن تقول: قد أعتقت عبدين، فإن لم أعتق اثنين فواحدا بقيمتهما، والمعنى إلاّ أكن؛ لأنه ماض فلا بدّ من إضمار كان؛ لأن الكلام جزاء. ومثله قول الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمةٌ * ولم تجدي من أن تقرّى بها بدّا). [معاني القرآن: 1/175-178]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إعصارٌ} الإعصار: ريح عاصف، تهبّ من الأرض إلى السماء، كأنه عمود فيه نار). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ مّن نّخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
قال: {له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} وقال في موضع آخر {ذرّيّةً ضعافاً} وكلٌّ سواء لأنك تقول: "ظريفٌ" و"ظرافٌ" و"ظرفاء" وهكذا جمع "فعيل"). [معاني القرآن: 1/153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): (والإعصار: ريح عاصف تهب ثم تستدير كأنها عمود من الأرض إلى السماء). [غريب القرآن وتفسيره: 99-100]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإعصار: ريح شديدة تعصف وترفع ترابا إلى السماء كأنه عمود. قال الشاعر:
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
أي: لاقيت ما هو أشد منك). [تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل ثناؤه: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّة ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
هذا مثل ضربه اللّه لهم للآخرة وأعلمهم أن حاجتهم إلى الأعمال الصالحة كحاجة هذا الكبير الذي له ذرية ضعفاء، فإن احترقت جنته وهو كبير وله ذرية ضعفاء انقطع به، وكذلك من لم يكن له في الآخرة عمل يوصله إلى الجنة فحسرته في الآخرة - مع عظيم الحسرة فيها - كحسرة هذا الكبير المنقطع به في الدنيا.
ومعنى: {فأصابها إعصار فيه نار}الإعصار: الريح التي تهب، من الأرض كالعمود إلى نحو السماء وهي التي تسميها الناس الزوبعة، وهي ريح شديدة، لا يقال إنها إعصار حتى تهبّ بشدة، قال الشاعر:
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
ومعنى {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات} أي: كهذا البيان الذي قد تبين الصّدقة والجهاد وقصة إبراهيم – عليه السلام - والذي مرّ على قرية، وجميع ما سلف من الآيات، أي: كمثل بيان هذه الأقاصيص {يبين اللّه لكم الآيات}، أي: العلامات والدّلالات التي تحتاجون إليها في أمر توحيده، وإثبات رسالات رسله وثوابه وعقابه. {لعلّكم تتفكّرون}). [معاني القرآن: 1/348-349]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {أيود أحدكم أن تكون له جنة} إلى قوله: {فاحترقت}
قال ابن ملكية عن عبيد بن عمير سألهم عمر عن هذه الآية وذكرها فقالوا: الله أعلم فغضب عمر وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم قال فقال ابن عباس: إن في نفسي منها شيئا فقال: قل ولا تحقر نفسك قال: ضرب مثلا للعمل قال: أي العمل قال فقال عمر: هذا رجل كان يعمل بطاعة الله فبعث إليه الشيطان فعمل بالمعاصي فأحرق الأعمال.
وروي عن ابن عباس بغير هذا الإسناد هذا مثل ضربه الله للمرائين بالأعمال يبطلها الله يوم القيامة أحوج ما كانوا إليها كمثل رجل كانت له جنة وكبر وله أطفال لا ينفعونه فأصاب الجنة إعصار ريح عاصف فيها سموم شديدة فاحترقت ففقدها أحوج ما كان إليها.
وروي عن ابن عباس أنه قال: الإعصار الريح الشديدة.
قال أبو جعفر: والإعصار هي التي يسميها الناس الزوبعة). [معاني القرآن: 1/294-295]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والإعصار: الريح). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (و"الإعصار": الريح الشديدة، تعصف وتستدير وترتفع إلى السماء بتراب كأنه عمود). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (الإِعْصَار: ريح تهب فتصير مثل العمود). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه...}
فتحت (أن) بعد إلاّ وهي في مذهب جزاء. وإنما فتحتها لأن إلا قد وقعت عليها بمعنى خفضٍ يصلح. فإذا رأيت (أن) في الجزاء قد أصابها معنى خفضٍ أو نصب أو رفع انفتحت. فهذا من ذلك.
والمعنى - والله أعلم - ولستم بآخذيه إلا على إغماض، أو بإغماض، أو عن إغماضٍ، صفة غير معلومة. ويدلك على أنه جزاء أنك تجد المعنى: أو أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه.
ومثله قوله: {إلا أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} ومثله {إلاّ أن يعفون} هذا كلّه جزاء، وقوله: {ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}
ألا ترى أن المعنى: لا تقل إني فاعل إلا ومعها إن شاء الله؛ فلمّا قطعتها (إلا) عن معنى الابتداء، مع ما فيها من نيّة الخافض فتحت. ولو لم تكن فيها (إلاّ) تركت على كسرتها؛ من ذلك أن تقول: أحسن إن قبل منك . فإن أدخلت (إلاّ) قلت: أحسن إلا ألاّ يقبل منك. فمثله
قوله: {وأن تعفوا أقرب للتقوى}، {وأن تصوموا خير لكم} هو جزاء، المعنى: إن تصوموا فهو خير لكم. فلما أن صارت (أن) مرفوعة بـ (خير) صار لها ما يرافعها إن فتحت وخرجت من حدّ الجزاء. والناصب كذلك.
ومثله من الجزاء الذي إذا وقع عليه خافض أو رافع أو ناصب ذهب عنه الجزم قولك: اضربه من كان، ولا آتيك ما عشت. فمن وما في موضع جزاء، والفعل فيهما مرفوع في المعنى؛ لأنّ كان والفعل الذي قبله قد وقعا على (من) و(ما) فتغيّر عن الجزم ولم يخرج من تأويل الجزاء؛ قال الشاعر:
فلست مقاتلا أبداً قريشا * مصيبا رغم ذلك من أصابا
في تأويل رفع لوقوع مصيب على من.
ومثله قول الله عزّ وجلّ: {وللّه على الناس حجّ البيت من استطاع} إن جعلت (من) مردودة على خفض (الناس) فهو من هذا، و(استطاع) في موضع رفع، وإن نويت الاستئناف بمن كانت جزاء، وكان الفعل بعدها جزما، واكتفيت بما جاء قبله من جوابه.
وكذلك تقول في الكلام: أيّهم يقم فاضرب، فإن قدّمت الضرب
فأوقعته على أي قلت اضرب أيّهم يقوم؛ قال بعض العرب: فأيّهم ما أخذها ركب على أيهم يريد. ومنه قول الشاعر:
فإني لآتيكم تشكّر ما مضى * من الأمر واستيجاب ما كان في غد
لأنه لا يجوز لو لم يكن جزاء أن تقول: كان في غد؛ لأن (كان) إنما خلقت للماضي إلاّ في الجزاء فإنها تصلح للمستقبل. كأنه قال: استيجاب أي شيء كان في غد.
ومثل إن في الجزاء في انصرافها عن الكسر إلى الفتح إذا أصابها رافع قول العرب: (قلت إنك قائم) فإنّ مكسورة بعد القول في كل تصرّفه. فإذا وضعت مكان القول شيئا في معناه مما قد يحدث خفضا أو رفعا أو نصبا فتحت أنّ، فقلت: ناديت أنك قائم، ودعوت، وصحت وهتفت. وذلك أنك تقول: ناديت زيدا، ودعوت زيدا، وناديت بزيد، (وهتفت بزيد) فتجد هذه الحروف تنفرد بزيد وحده؛ والقول لا يصلح فيه أن تقول: قلت زيدا، ولا قلت بزيد. فنفذت الحكاية في القول ولم تنفذ في النداء؛ لاكتفائه بالأسماء. إلا أن يضطرّ شاعر إلى كسر إنّ في النداء وأشباهه، فيجوز له؛ كقوله:
إني سأبدي لك فيما أبدي * لي شجنان شجنٌ بنجد
* وشجن لي ببلاد الهند *
لو ظهرت إنّ في هذا الموضع لكان الوجه فتحها.
وفي القياس أن تكسر؛ لأن رفع الشجنين دليل على إرادة القول، ويلزم من فتح أنّ لو ظهرت أن تقول: لي شجنين شجنا بنجد.

فإذا رأيت القول قد وقع على شيء في المعنى كانت أنّ مفتوحة. من ذلك أن تقول: قلت لك ما قلت أنك ظالم؛ لأنّ ما في موضع نصب. وكذلك قلت: زيد صالح أنه صالح؛ لأن قولك (قلت زيد قائم) في موضع نصب.
فلو أردت أن تكون أنّ مردودة على الكلمة التي قبلها كسرت فقلت: قلت ما قلت: إن أباك قائم، (وهي الكلمة التي قبلها) وإذا فتحت فهي سواها. قول الله تبارك وتعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه أنّا} وإنا، قد قرئ بهما. فمن فتح نوى أن يجعل أنّ في موضع خفض، ويجعلها تفسيراً للطعام وسببه؛ كأنه قال: إلى صبّنا الماء وإنباتنا ما أنبتنا.
ومن كسر نوى الانقطاع من النظر عن إنّا؛ كأنه قال: فلينظر الإنسان إلى طعامه، ثم أخبر بالاستئناف).
[معاني القرآن: 1/178-181]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تيممّوا الخبيث منه تنفقون} أي: لا تعمدوا له، قال خفاف بن ندبة:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها... فعمداً على عينٍ تيمّمت مالكا
{إلاّ أن تغمضوا فيه}: ترخّص لنفسك). [مجاز القرآن: 1/82-83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} يقول: تصدقوا من طيبات ما تكسبون: الذهب والفضة، {وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} أي: لا تقصدون للرديء والحشف من التمر، وما لا تأخذونه أنتم إلّا بالإغماض فيه. أي بأن تترخّصوا). [تفسير غريب القرآن:97-98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله تبارك اسمه: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميد} فالمعنى: أنفقوا من جيّد ما كسبتموه من تجارة، ومن ورق وعين، وكذلك من جيّد الثمار، ومعنى {أنفقوا}: تصدقوا وكان قوم أتوا في الصدقة برديء الثمار.
ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر السعاة إلا يخرص الجعرور ومعى الفارة وذلك أنها من رديء النخل، فأمر ألا تخرص عليهم لئلا يعتلوا به في الصدقة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}أي: لا تقصدوا إلى رديء المال، والثمار فتتصدقوا به، وأنتم (تعلمون أنكم) لا تأخذونه إلا بالإغماض فيه.
ومعنى {ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه}: يقول: أنتم لا تأخذونه إلا بوكس، فكيف تعطونه في الصدقة.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميد}أي: لم يأمركم بأن تتصدقوا من عوز، ولكنه لاختباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه.
يقال قد غني زيد يغنى غنى - مقصور - إذا استغنى، وقد وقد غني القوم إذا نزلوا في مكان يقيهم، والمكان الذي ينزلون فيه مغنى، وقد غنّى فلان غناء إذا بالغ في التطريب في الإنشاد حتى يستغنى الشعر أن يزاد في نغمته، وقد غنيت المرأة غنيانا.
قال قيس بن الخطيم:
أجدّ بعمرة غنيانها... فتهجر أم شأننا شأنها
غنيانها: غناها.
والغواني: النساء، قيل إنهن سمين غواني لأنهن غنين بجمالهن. وقيل بأزواجهن).
[معاني القرآن: 1/349-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم}أي: تصدقوا بالجيد
وحدثنا أحمد بن محمد بن سلامة قال حدثنا بكار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن السدي عن أبي مالك عن البراء قال: كانوا يجيئون في الصدقات بأردأ تمرهم وأردأ طعامهم فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} إلى قوله: {إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو كان لكم فأعطاكم لم تأخذوه إلا وأنتم ترون أنه قد نقصكم من حقكم
قال أبو إسحاق في قوله تعالى {واعلموا أن الله غني حميد} أي: لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بلا أخباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه). [معاني القرآن: 1/295-297]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطيبات: الحلال، في كل القرآن). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا تيمموا الخبيث} أي: لا تقصدوا له فتصدقوا به، وهو الذي من التمر والمال.
{تغمضوا فيه} تترخصوا فيه.، يقول عز وجل: لا تتصدقوا بما لا تأخذوه إلا برخص لو أعطاكموه أحد. وقيل: معناه إلا تتصدقوا بما لا تأخذونه إلا برخص حتى تغطوا أعينكم من كراهيتكم له لرداءته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَيَمَّمُـــواْ}: تقصـــدوا). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مّغفرةً مّنه وفضلاً واللّه واسعٌ عليمٌ}
قال: {الشّيطان يعدكم الفقر} وقال بعضهم {الفقر} مثل: "الضعف" و"الضعف" وجعل "يعد" متعدياً إلى مفعولين). [معاني القرآن: 1/153]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا واللّه واسع عليم}
يقال الفقر والفقر جميعا، والمعنى: أنه يحملكم على أن تؤدوا في الصدقة رديء المال يخوفكم الفقر بإعطاء الجيد - ومعنى {يعدكم الفقر}: يعدكم بالفقر ولكن الباء حذفت. وأفضى الفعل فنصب كما قال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
ويقال وعدته أعده وعدا و عدة وموعدا وموعدة وموعودا وموعودة.
ومعنى {ويأمركم بالفحشاء}أي: بأن لا تتصدقوا فتتقاطعوا.
ومعنى{واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا}أي: يعدكم أن يجازيكم على صدقتكم بالمغفرة، ويعدكم أن يخلف عليكم.
ومعنى {واللّه واسع عليم}:
{واسع} يعطي من سعة، و {عليم} يعلم حيث يضع ذلك، ويعلم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى {الشيطان يعدكم الفقر} أي: بالفقر يخوفكم حتى تخرجوا الرديء في الزكاة ويأمركم بالفحشاء بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا
{والله يعدكم مغفرة منه وفضلا}أي: بأن يجازيكم على صدقاتكم بالمغفرة والخلف
{والله واسع عليم} يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك ويعلم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/297]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب}
معنى {يؤتي} يعطي، و {الحكمة} فيها قولان:
1- قال بعضهم هي: النبوة.

2- ويروى عن ابن مسعود أن الحكمة هي القرآن، وكفى بالقرآن حكمة، لأن الأمّة به صارت علماء بعد جهل، وهو وصلة إلى كل علم يقرّب من اللّه عزّ وجلّ: وذريعة إلى رحمته؛ لذلك قال الله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} أي: أعطي كل الحلم، وما يوصل إلى رحمة اللّه، و " يؤت " جزم بمن، والجواب {فقد أوتي خيرا كثيرا}
ومعنى {وما يذّكّر إلّا أولو الألباب} أي: ما يفكر فكرا يذكر به ما قص من آيات القرآن إلا أولو الألباب، أي: ذوو العقول.
وواحد الألباب لب، يقال قد لببت يا رجل وأنت تلب، لبابة ولبّا، وقرأت على محمد بن يزيد عن يونس: لببت لبابة.
وليس في المضاعف على فعلت غير هذا، ولم يروه أحد إلا يونس، وسألت غير البصريين عنه فلم يعرفه). [معاني القرآن: 1/351-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} قال: المعرفة بالقرآن ناسخة ومنسوخة ومحكمة ومتشابهة ومقدمة ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله.
قال مجاهد: العقل والعفة والإصابة في القول.
وقال زيد بن أسلم: الحكمة العقل في دين الله.
وقال الضحاك: الحكمة القرآن.
وقال قتادة: الفهم.
قلت: وهذه الأقوال متفقة وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه فقيل للعلم حكمة لأنه به يمتنع وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح وكذا القرآن والعقل والفهم
وقال إبراهيم النخعي: الفهم في القرآن). [معاني القرآن: 1/297-298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وما يذكر إلا أولو الألباب} أي: وما يفكر فكرا يذكر به ما قص من الآيات إلا ذوو العقول ومن فهم الله عز وجل أمره ونهيه). [معاني القرآن: 1/299]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {الألباب}: العقول في كل مكان). [ياقوتة الصراط: 183]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وما أنفقتم مّن نّفقةٍ أو نذرتم مّن نّذرٍ فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصارٍ}
قال: {وما أنفقتم مّن نّفقةٍ أو نذرتم مّن نّذرٍ فإنّ اللّه يعلمه} تحمل الكلام على الآخر كما قال: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً}. وإن شئت جعلت تذكير هذا على "الكسب" في المعنى كما قال: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لّكم}يقول: "فالإيتاء خيرٌ لكم والإخفاء".
وقوله: {وما أنزل عليكم مّن الكتاب والحكمة يعظكم به} فهذا على {ما}.
وقوله: {أو نذرتم} تقول: "نذر" "ينذر على نفسه" "نذراً" و"نذرت مالي" فـ"أنا أنذره" "نذراً" أخبرنا بذلك يونس عن العرب وفي كتاب الله عز وجل: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً}، قال الشاعر:

هم ينذرون دمي وأنذر أن = لقيت بأن أشدّا
وقال عنترة:
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما = والنّاذرين إذا لم القهما دمي). [معاني القرآن: 1/153-154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصار}أي: ما تصدقتم به من فرض لأنه في ذكر صدقة الزكاة وهي الفرض والنذر: التطوع، وكل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو نذر.
{فإنّ اللّه يعلمه} أي: لا يخفى عليه فهو يجازي عليه، كما قال جلّ ثناؤه: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره}.
يقال نذرت النذر أنذره وأنذره، والجميع النّذور، وأنذرت القوم إذا أعلمتهم وخوفتهم إنذارا ونذيرا ونذرا.
قال اللّه عزّ وجلّ: {فستعلمون كيف نذير}.
وقال جل ثناؤه: {فكيف كان عذابي ونذر}.
النذر: مثل النّكر، والنذير مثل النكير). [معاني القرآن: 1/352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {وما أنفقتم من نفقة}
قال أبو إسحاق أي: في فرض لأنه ذكر صدقة الزكاة
{أو نذرتم من نذر} كل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو نذر.
وقيل المعنى: ما أنفقتم من نفقة من غير نذر أو نذرتم ثم عقدتم على أنفسكم إنفاقه {فإن الله يعلمه} أي: لا يخفى عليه فهو يجازي به.
قال مجاهد: {يعلمه}أي يحصيه). [معاني القرآن: 1/299-300]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم واللّه بما تعملون خبير}
معنى {إن تبدوا}: تظهروا، يقال بدا الشيء يبدو إذا ظهر، وأبديته أنا إبداء، إذا أظهرته، وبدا لي بدا " إذا تغيّر رأي عمّا كان عليه.
و{تبدوا} جزم بـ {إن}، وقوله: {فنعمّا هي} الجواب.
وروى أبو عبيد أنّ أبا جعفر وشيبة ونافعا وعاصما وأبا عمرو بن العلاء قرأوا: {فنعمّا هي} بكسر النون وجزم العين وتشديد الميم، وروى أن يحيى بن وثاب، والأشمس وحمزة والكسائي قرأوا: {فنعمّا هي} - بفتح النون وكسر العين.
وذكر أبو عبيد أنّه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله لابن العاص: ((نعمّا بالمال الصّالح للرجل الصّالح)).

فذكر أبو عبيد أنه يختار هذه القراءة من أجل هذه الرواية.
ولا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا، ولا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة ألبتّة، لأن فيها الجمع بين ساكنين من غير حرف ما ولين.
فأما ما قرأناه من حرف عاصم ورواية أبي عمرو {فنعمّا هي}، بكسر النون والعين، فهذا جيّد بالغ لأن ههنا كسر العين والنون،
وكذلك قراءة أهل الكوفة (نعمّا هي) جيدة لأن الأصل في نعم نعم ونعم. ونعم فيها ثلاث لغات، ولا يجوز مع إدغام الميم نعمّا هي. و " ما " في تأويل - الشيء زعم البصريون أن نعمّا هي: نعم الشيء هي. وقد فسرنا هذا فيما مضى.

ومعنى {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير}:
هذا كان على عهد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فكان الإخفاء في إيتاء الزكاة أحسن، فأمّا اليوم فالناس يسيئون الظن، فإظهار الزكاة أحسن، فأمّا التطوع فإخفاؤه أحسن، لأنه أدل على أنه يريد اللّه به وحده.
يقال أخفيت الشيء إخفاء إذا سترته، وخفي خفاء إذا استتر، وخفيته أخفيه خفيا إذا أظهرته،
وأهل المدينة يسمون النبّاش: المختفي.

قال الشاعر في خفيته أظهرته:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه...وإن تبعثوا الحرب لا نقعد). [معاني القرآن: 1/353-355]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن تبدوا الصدقات}أي: تظهروها.
وفي الحديث: ((صدقة السر تطفئ غضب الرب))
وقيل كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فالناس يسيئون الظن.
قال الحسن: إظهار الزكاة أحسن وإخفاء التطوع أفضل لأنه أدل على أنه يراد الله عز وجل به وحده.
وقال الضحاك: كان هذا يعمل به الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلما نزلت براءة بفريضة الصدقة وتفصيلها انتهت الصدقة إليه). [معاني القرآن: 1/300-301]


رد مع اقتباس