عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 258 إلى 262]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم...}
وإدخال العرب (إلى) في هذا الموضع على جهة التعجّب؛ كما تقول للرجل: أما ترى إلى هذا! والمعنى - والله أعلم -: هل رأيت مثل هذا أو رأيت هكذا! والدليل على ذلك أنه قال: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} فكأنه قال: هل رأيت كمثل الذي حاجّ إبراهيم في ربه {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} وهذا في جهته بمنزلة ما أخبرتك به في مالك وما منعك.
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون للّه} ثم قال تبارك وتعالى: {قل من ربّ السموات السّبع وربّ العرش العظيم. سيقولون لله} فجعل اللام جوابا وليست في أوّل الكلام. وذلك أنك إذا قلت: من صاحب هذه الدار؟ فقال لك القائل: هي لزيد، فقد أجابك بما تريد. فقوله: زيدٌ ولزيدٍ سواء في المعنى. فقال: أنشدني بعض بني عامر:

فأعلم أنني سأكون رمساً * إذا سار النواجع لا يسير
فقال السائرون لمن حفرتم * فقال المخبرون لهم: وزير
ومثله في الكلام أن يقول لك الرجل: كيف أصبحت؟ فتقول أنت: صالح، بالرفع، ولو أجبته على نفس كلمته لقلت: صالحا. فكفاك إخبارك عن حالك من أن تلزم كلمته.
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن
رسول الله} وإذا نصبت أردت: ولكن كان رسول الله، وإذا رفعت أخبرت، فكفاك الخبر مما قبله. وقوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} رفع وهو أوجه من النصب، لأنه لو نصب لكان على: ولكن أحسبهم أحياء؛ فطرح الشكّ من هذا الموضع أجود.
ولو كان نصبا كان صوابا كما تقول: لا تظننه كاذبا، بل اظننه صادقا.
وقال الله تبارك وتعالى: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوّي بنانه} إن شئت جعلت نصب قادرين من هذا التأويل، كأنه في مثله من الكلام قول القائل: أتحسب أن لن أزورك؟ بل سريعا إن شاء الله، كأنه قال: بلى فاحسبني زائرك. وإن كان الفعل قد وقع على (أن لن نجمع) فإنه في التأويل واقع على الأسماء. وأنشدني بعض بني فقعس:

أجدّك لن ترى بثعيلبات * ولا بيدان ناجيةً ذمولا
ولا متداركٍ والشمس طفلٌ * ببعض نواشغ الوادي حمولا
فقال: ولا متداركٍ، فدلّ ذلك على أنه أراد ما أنت براءٍ بثعيلبات كذا ولا بمتداركٍ.
وقد يقول بعض النحويّين: إنا نصبنا (قادرين) على أنها صرفت عن نقدر، وليس ذلك بشيء، ولكنه قد يكون فيه وجه آخر سوى ما فسّرت لك: يكون خارجا من (نجمع) كأنه في الكلام قول القائل: أتحسب أن لن أضربك؟ بلى قادرا على قتلك، كأنه قال: بلى أضربك قادراً على أكثر من ضربك).
[معاني القرآن: 1/170-171]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فبهت}: انقطع وذهبت حجته، و"بهت" أكثر الكلام، و"بهت" إن شئت). [مجاز القرآن: 1/79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
قال: {فبهت الّذي كفر} أي: بهته إبراهيم و{بهت} أجود وأكثر). [معاني القرآن: 1/149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فبهت الذي كفر}: انقطع وذهبت حجته. والباهت: الناظر الذي لا يحير شيئا). [غريب القرآن وتفسيره: 97]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك} أي حاجّة لأن آتاه اللّه الملك، فأعجب بنفسه وملكه فقال: {أنا أحيي وأميت} أي: أعفو عمن استحق القتل فأحييه، و«أميت»: أقتل من أريد قتله فيموت.
{فبهت الّذي كفر} أي: انقطعت حجته). [تفسير غريب القرآن:93-94]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
هذه كلمة يوقف بها المخاطب على أمر يعجب منه، ولفظها لفظ استفهام، تقول في الكلام: ألم تر إلى فلان صنع كذا وصنع كذا.
وهذا مما أعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة على أهل الكتاب ومشركي العرب لأنه نبأ لا يجوز أن يعلمه إلا من وقف عليه بقراءة كتاب أو تعليم معلم، أو بوحي من اللّه عزّ وجلّ.
فقد علمت العرب الذين نشأ بينهم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمّيّ، وأنه لم يعلم التوراة والإنجيل وأخبار من مضى من الأنبياء، فلم يبق وجه تعلم منه هذه الأحاديث إلا الوحي.
وقوله عزّ وجلّ: {أن آتاه اللّه الملك} أي: آتى الكافر الملك، وهذا هو الذي عليه أهل التفسير وعليه يصح المعنى، وقال قوم إن الذي آتاه - الله الملك إبراهيم عليه السلام وقالوا: اللّه عزّ وجلّ لا يملك الكفار وإنما قالوا هذا لذكره عزّ وجلّ: {آتاه الملك} واللّه قال: {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء} فتأويل إيتاء اللّه الكافر الملك ضرب من امتحانه الذي يمتحن الله به خلقه، وهو أعلم بوجه الحكمة فيه.
والدليل على أن الكافر هو الذي كان ملّك إنّه قال: {أنا أحيي وأميت} وأنه دعا برجلين فقتل أحدهما وأطلق الآخر، فلولا أنه كان ملكا وإبراهيم عليه السلام غير ملك لم يتهيأ له أن يقتل وإبراهيم الملك، وهو النبي عليه السلام.
وأمّا معنى احتجاجه على إبراهيم بأنه يحيى ويميت، وترك إبراهيم مناقضته في الإحياء والإماتة، فمن أبلغ ما يقطع به الخصوم ترك الإطالة والاحتجاج بالحجة المسكتة لأن إبراهيم لما قال له: {فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب} كان جوابه على حسب ما أجاب في المسألة الأولى أن يقول: فأنا أفعل ذلك فتبيّن عجزه وكان في هذا إسكات الكافر فقال اللّه عز وجل: {فبهت الّذي كفر} وتأويله انقطع وسكت متحيّرا، يقال: بهت الرجل يبهت بهتا إذا انقطع وتحير، ويقال بهذا المعنى " بهت الرجل يبهت "، ويقال بهت الرجل أبهته بهتانا إذا قابلته بكذب). [معاني القرآن: 1/340-341]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (قوله جل وعز: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}
وهذه ألف التوقيف وفي الكلام معنى التعجب أي اعجبوا له.
قال ابن عباس ومجاهد: هو نمروذ بن كنعان.
قال سفيان: فدعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر.
قال سفيان: فبهت الذي كفر فسكت فلم يجبه بشيء.
وقرئ {فبهت الذي كفر} أي: فبهت إبراهيم الذي كفر). [معاني القرآن: 1/275-276]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{فبهت الذي كفر} أي: تحير). [ياقوتة الصراط: 181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فبهت الذي كفر} أي: انقطعت حجته.
(العروش) السقوف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَبُهِتَ}: انقطع في حجته). [العمدة في غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {كم لبثت} وقد جرى الكلام بالإدغام للثاء؛ لقيت التاء وهي مجزومة.
وفي قراءة عبد الله (اتّختّم العجل) (وإني عتّ بربي وربكم) فأدغمت الذال أيضا عند التاء، وذلك أنهما متناسبتان في قرب المخرج، والثاء والذال مخرجهما ثقيل، فأنزل الإدغام بهما لثقلهما؛ ألا ترى أن مخرجهما من طرف اللسان.
وكذلك الظاء تشاركهن في الثقل. فما أتاك من هذه الثلاثة الأحرف فأدغم. وليس تركك الإدغام بخطأ، إنما هو استثقال.
والطاء والدال يدغمان عند التاء أيضا إذا أسكنتا؛ كقوله: {أحطت بما لم تحط به} تخرج الطاء في اللفظ تاء، وهو أقرب إلى التاء من الأحرف الأول، تجد ذلك إذا امتجنت مخرجيهما).
[معاني القرآن: 1/172]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {لم يتسنّه} جاء التفسير: لم يتغير [بمرور السنين عليه، مأخوذ من السنة]، وتكون الهاء من أصله [من قولك: بعته مسانهة، تثبت وصلا ووقفا. ومن وصله بغير هاء جعله من المساناة؛ لأن لام سنة تعتقب عليها الهاء والواو]، وتكون زائدةً صلةً بمنزلة قوله: {فبهداهم اقتده} فمن جعل الهاء زائدة جعل فعّلت منه تسنيت؛ ألا ترى أنك تجمع السنة سنوات فيكون تفعّلت على صحة، ومن قال في [تصغير] السنة سنينة وإن كان ذلك قليلا جاز أن يكون تسنيت تفعّلت أبدلت النون بالياء لمّا كثرت النونات، كما قالوا تظنّيت وأصله الظن.
وقد قالوا هو مأخوذ من قوله: {من حمإٍ مسنون} يريد: متغيّر. فإن يكن كذلك فهو أيضا مما أبدلت نونه ياء.
ونرى أن معناه مأخوذ من السنة؛ أي لم تغيّره السنون. والله أعلم.
حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفراء، قال حدثني سفيان بن عيينة رفعه إلى زيد
ابن ثابت قال: كتب في حجر ننشزها ولم يتسن وانظر إلى زيد بن ثابت فنقط على الشين والزاي أربعا وكتب {يتسنه} بالهاء.
وإن شئت قرأتها في الوصل على وجهين:
1-تثبت الهاء وتجزمها،
2- وإن شئت حذفتها؛ أنشدني بعضهم:

فليست بسنهاء ولا رجّبيّة * ولكن عرايا في السنين الجوائح
والرجّبيّة: التي تكاد تسقط فيعمد حولها بالحجارة. والسنهاء: النخلة القديمة. فهذه قوّة لمن أظهر الهاء إذا وصل). [معاني القرآن: 1/172-173]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولنجعلك آيةً للنّاس} إنما أدخلت فيه الواو لنيّة فعل بعدها مضمر؛ كأنه قال: ولنجعلك آية فعلنا ذلك. وهو كثير في القرآن.
وقوله: {آيةً للنّاس} حين بعث أسود اللحية والرأس وبنو بنيه شيب، فكان آية لذلك).
[معاني القرآن: 1/173]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ننشزها} قرأها زيد بن ثابت كذلك، والإنشاز نقلها إلى موضعها.
وقرأها ابن عباس "ننشرها". إنشارها: إحياؤها. واحتجّ بقوله: {ثم إذا شاء أنشره}.
وقرأ الحسن - فيما بلغنا - {ننشرها} ذهب إلى النشر والطيّ.
والوجه أن تقول: أنشر الله الموتى فنشروا إذا حيوا، كما قال الأعشى:

* يا عجبا للميت الناشر *
وسمعت بعض بني الحارث يقول: كان به جرب فنشر، أي: عاد وحيي. وقوله: "فلما تبين له قال أعلم أنّ الله على كل شيء قدير" جزمها ابن عبّاس، وهي في قراءة أبيّ وعبد الله جميعا: "قيل له اعلم" واحتجّ ابن عباس فقال: أهو خير من إبراهيم وأفقه؟ فقد قيل له: {واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}.
والعامّة تقرأ: "أعلم أن الله" وهو وجه حسن؛ لأن المعنى كقول الرجل عند القدرة تتبين له من أمر الله: (أشهد أن لا إله إلا الله) والوجه الآخر أيضا بيّن).
[معاني القرآن: 1/173-174]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خاويةٌ}: لا أنيس بها، {على عروشها} على بيوتها وأبنيتها.
{لم يتسنّه}: لم تأت عليه السنون فيتغير، وهذا في قول من قال للسنة: (سنية) مصغرة، وليست من الأسن المتغير، ولو كانت منها لكانت ولم يتأسن.
{ننشرها}: نجييها ومن قال: (ننشزها) قال: ننشز بعضها إلى بعض) ). [مجاز القرآن: 1/80]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يومٍ قال بل لّبثت مائة عامٍ فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحماً فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
قال: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} الكاف زائدة والمعنى - والله أعلم - {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} والكاف زائدة.
وفي كتاب الله {ليس كمثله شيءٌ} يقول: "ليس كهو" لأنّ الله ليس له مثل.

وقال: {لم يتسنّه} فتثبت الهاء للسكوت وإذا وصلت حذفتها مثل (إخشه).
وأثبتها بعضهم في الوصل فقال: {لم يتسنّه وانظر} فجعل الهاء من الأصل وذلك في المعنى: لم تمرر عليه السنون "فـ" السّنة" منهم من يجعلها من الواو فيقول: "سنيّةٌ" ومنهم من يجعلها من الهاء فيقول: "سنيهةٌ" يجعل الذي ذهب منها هاء كأنه أبدلها من الواو كما قالوا: "أسنتوا": إذا أصابتهم السنون. أبدل التاء من الهاء ويقولون: "بعته مساناةً" و"مسانهةً". ويكون: {لم يتسنّه} أن تكون هذه الهاء للسكوت.
ويحمل قول الذين وصلوا بالهاء على الوقف الخفي وبالهاء نقرأ في الوصل.

وقال: {وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها} من "نشرت" التي هي "ضدّ "طويت"
وقال بعضهم {ننشزها} لأنه قد تجتمع "فعلت" و"أفعلت" كثيراً في معنى واحد تقول: "صددت" و"أصددت" وقد قال: {ثمّ إذا شاء أنشره} وقال بعضهم {ننشرها} أي: نرفعها. تقول: "نشز هذا" و"أنشزته".

وقال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} إذا عنى نفسه.
وقال بعضهم {قال اعلم} جزم على الأمر كما يقول: "اعلم أنّه قد كان كذا وكذا" كأنه يقول ذاك لغيره وإنما ينبه نفسه والجزم أجود في المعنى إلا أنه أقل في القراءة والرفع قراءة العامة وبه نقرأ).
[معاني القرآن: 1/150-151]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({خاوية على عروشها}: الخاوية التي لا أنيس بها والعروش البيوت والأبنية.
{لم يتسنه}: لم تأت عليه السنون فتغيره.
{كيف ننشزها}: من قرأها بالزاي، فهي " نرفع" بعضها إلى بعض. ومن قرأها بالراء فهو نحييها يقال أنشر الله الموتى فنشروا). [غريب القرآن وتفسيره:97-98]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أو كالّذي مرّ على قريةٍ} أي: هل رأيت [أحدا كالذي حاج إبراهيم في ربه]، أو كالذي مر على قرية ؟! على طريق التعجب {وهي خاويةٌ} أي خراب.
و{عروشها} سقوفها. وأصل ذلك أن تسقط السقوف ثم تسقط الحيطان عليها.
{ثمّ بعثه اللّه}، أي: أحياه.
{لم يتسنّه}: لم يتغير بممر السنين عليه. واللفظ مأخوذ من السّنة.
يقال: سانهت النّخلة، إذا حملت عاما، وحالت عاما. قال الشاعر:
وليست بسنهاء ولا رجيبة، ولكن عرايا في السنين الجوائح
وكأن «سنة» من المنقوص: وأصلها: «ستهة».
فمن ذهب إلى هذا قرأها - في الوصل والوقف - بالهاء: «يتسنّه».

قال أبو عمرو الشّيباني: «لم يتسنّه»: لم يتغير، من قوله: من حمإٍ مسنونٍ، فأبدلوا النون من «يتسنّن» هاء.
كما قالوا: تظنّيت وقصّيت أظفاري، وخرجنا نتلعّى. أي نأخذ اللّعاع. وهو: بقل ناعم.

{ولنجعلك آيةً للنّاس} أي: دليلا للناس، وعلما على قدرتنا.
وأضمر «فعلنا ذلك».
كيف ننشرها بالراء، أي: نحييها. يقال: أنظر اللّه لميت فنشر. وقال: {ثمّ إذا شاء أنشره} [عبس: 22].
ومن قرأ {ننشزها} بالزاي، أراد: نحرك بعضها إلى بعض ونزعجه. ومنه يقال: نشز الشيء، ونشزت المرأة على زوجها.
وقرأ الحسن: «ننشرها». كأنه من النّشر عن الطّيّ. أو على أنه يجوز «أنشر اللّه الميت ونشره»: إذا أحياه. ولم أسمع به [في «فعل» و«أفعل»]). [تفسير غريب القرآن:94-96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أو كالّذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحما فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
هذا الكلام معطوف على معنى الكلام الأول، والمعنى - واللّه أعلم - أرأيت كالذي مرّ على قرية، والقرية في اللغة: سميت قرية لاجتماع الناس فيها، يقال قريت الماء في الحوض إذا جمعته.
وقوله عزّ وجلّ: {وهي خاوية على عروشها}.
معنى {خاوية}: خالية -
و {عروشها} - قال أبو عبيدة: هي الخيام وهي بيوت الأعراب، وقال غير أبي عبيدة: معنى {وهي خاوية على عروشها}: بقيت حيطانها لا سقوف لها.

ويقال خوت الدار والمدينة تخوي خواء - ممدود - إذا خلت من أهلها، ويقال فيها: " خويت " والكلام هو الأول - ويقال للمرأة إذا خلا جوفها بعد الولادة وللرجل إذا خلا جوفه من الطعام - قد خوي ويخوى خوى - مقصور - وقد يقال فيه خوى يخوي - والأول في هذا أجود.
وقوله عزّ وجلّ: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} معناه: من أين يحيي هذه اللّه بعد موتها.
وقيل في التفسير إنه كان مؤمنا وقد قيل إنه كان كافرا، ولا ينكر أن يكون مؤمنا أحبّ أن يزداد بصيرة في إيمانه فيقول: ليت شعري كيف تبعث الأموات كما قال إبراهيم عليه السلام: {ربّ أرني كيف تحي الموتى}.
وقوله عزّ وجلّ: {فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه}معناه: ثم أحياه لأنه لا يبعث ولا يتصرف إلا وهو حي.
وقوله عزّ وجلّ: {كم لبثت}.
يقرأ بتبيين الثاء، وبإدغام الثاء في التاء، وإنما أدغمت لقرب المخرجين.
ومعنى {قال لبثت يوما أو بعض يوم}: أنه كان أميت في صدر النهار ثم بعث بعد مائة سنة في آخر النهار، فظن أنّ مقدار لبثه ما بين أول النهار وآخره، فأعلمه اللّه أنه قد لبث مائة عام وأراه علامة ذلك ببلى عظام حماره، وأراه طعامه وشرابه غير متغير وأراه كيف ينشز العظام، وكيف تكتسى اللحم.
فقال: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه}.
يجوز بإثبات الهاء وبإسقاط الهاء في الكلام، ومعناه لم تغيره السنون، فمن قال في السنة سانهت فالهاء من أصل الكلمة، ومن قال في السّنة سانيت فالهاء زيدت لبيان الحركة، ووجه القراءة على كل حال إثباتها والوقوف عليها بغير وصل فمن جعله سانيت ووصلها إن شاء أو وقفها على من جعله من سانهت، فأما من قال: إنه من تغير من أسن الطعام يأسن فخطأ.
وقد قال بعض النحويين: إنه جائز أن يكون من (التغيير) من قولك من حمإ مسنون وكان الأصل عنده " لم يتسنن " ولكنه أبدل من النون ياء كما قال:
تقضي البازي إذا البازي كسر
يريد تقضض، وهذا ليس من ذاك لأن " مسنون " إنما هو مصبوب على سنة الطريق.
وقوله عزّ وجلّ: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها}.
يقرأ (ننشزها) بالزاي، وننشرها، وننشرها بالراء، فمن قرأ {ننشزها} كان معناه نجعلها بعد بلاها وهجودها ناشزه ينشز بعضها إلى بعض، أي يرتفع.
والنشز في اللغة: ما ارتفع عن الأرض، ومن قرأ (ننشرها)، و (ننشرها)، فهو من أنشر اللّه الموتى ونشرهم - وقد يقال نشرهم اللّه أي بعثهم، كما قال: (وإليه النّشور).
وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير} معناه: فلما تبين له كيف إحياء الموتى.
قال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير}، فإن كان كلما قيل أنه كان مؤمنا، فتأويل ذكره: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير} ليس لأنه لم يكن يعلم قبل ما شاهد ولكن تأويله: أني قد علمت ما كنت أعلمه غيبا - مشاهدة، ومن قرأ {اعلم أن اللّه على كل شي قدير} فتأويله إذا جزم أنه يقبل على نفسه فيقول: " اعلم أيها الإنسان أن اللّه على كل شيء قدير " - والرفع على الإخبار). [معاني القرآن: 1/342-344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {أو كالذي مر على قرية خاوية على عروشها}
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال: يقال هو عزير والقرية بيت المقدس.
{فأماته الله مائة عام} فكان أول شيء حيي منه رأسه فجعل ينظر إلى كل ما يخلق منه وإلى حماره.
قال سعيد عن قتادة: وذكر لنا أنه عزير أتى على بيت المقدس بعد ما خربه بختنصر قال فقال أنى تعمر هذه بعد خربها
ثم قال تعالى: {فأماته الله مائة عام}
ذكر لنا أنه مات ضحى وبعث قبل غيبوبة الشمس بعد مائة عام فقال لبثت يوما أو بعض يوم
وقال كعب: هو عزير.
قال مجاهد: هو رجل من بني إسرائيل.
قال عبد الله بن عبيد بن عمير: هو أرميا وكان نبيا.
والخاوية الخالية
وقال الكسائي: يقال خوت خويا وخواء وخواية.
والعروش السقوف أي ساقطة على سقوفها
قال أبو عبيدة: ويقال خوت عروشها بيوتها والعروش الخيام وهي بيوت الأعراب.
قال الكسائي والفراء: الكاف في قوله: {أو كالذي} عطف على معنى الكلام أي هل رأيت كالذي حاج إبراهيم: {أو كالذي مر على قرية}
وقيل: هي زائدة كما قال ليس كمثله شيء). [معاني القرآن: 1/277-279]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لم يتسنه}
قال عكرمة وقتادة: لم يتغير.
وقال مجاهد: لم ينتن.
قال بعض أهل اللغة: لم يتسن من قولهم آسن الماء إذا أنتن.
وقال أبو عمر الشيباني: لم يتسنه لم يتغير.
من قوله تعالى: {من حمأ مسنون} ثم أبدل من إحدى النونين ياء كما قيل تقصيت وتظنيت وقصيت أظافري.
قال أبو جعفر: والقولان خطأ لو كان من قولهم أسن الماء إذا انتن لكان يتأسن.
قال أبو إسحاق: وليس مسنون لأن مسنونا مصبوب على سنة الأرض.
قال أبو جعفر: والصحيح أنه من السنة أي لم تغيره السنون). [معاني القرآن: 1/279-280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولنجعلك آية للناس}
قال سفيان عن الأعمش قال: رجع إلى بنيه شيوخا وهو شاب.
قال الكسائي: لا يكون الملام إلا بإضمار فعل.
والمعنى عنده: فعلنا هذا لنجعلك دليلا للناس وعلما على قدرتنا ومثله وحفظا). [معاني القرآن: 1/281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وانظر إلى العظام كيف ننشرها}أي: نحييها
و{ننشزها}
بالزاي معجمة، أي: نركب بعض
العظام على بعض ونرفع بعضها إلى بعض.
والنشز والنشز ما ارتفع عن الأرض.
ومن قرأ قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير.
فقال قتادة: في قراءته أنه جعل ينظر كيف يوصل بعض عظامه إلى بعض لأن أول ما خلق منه رأسه وقيل له انظر فقال عن ذلك هذا
وروى طاووس عن ابن عباس {قال اعلم} على الأمر.
وإنما قيل له ذلك
قال هارون في قراءة عبد الله قيل اعلم على وجه الأمر.
وقد يجوز أن يكون خاطب نفسه بهذا). [معاني القرآن: 1/281-283]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لم يتسنه} لم يتغير.
{ننشرها} بالراء: نحييها، ومن قرأ بالزاي: فمعناه: كيف نحرك بعضها إلى بعض ونزعجه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (العُرُوشِ): الأبنية.
{يَتَسَنَّهْ}: لم يتغير، لم يأت عليه السنون. {نُنشِرُهَا}: نخرجها من القبور.{نُنشِزُهَا}: نرفعها). [العمدة في غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فصرهنّ إليك} ضمّ الصاد العامّة.
وكان أصحاب عبد الله يكسرون الصاد.
وهما لغتان:
فأمّا الضمّ فكثير،
وأما الكسر ففي هذيل وسليم. وأنشدني الكسائيّ عن بعض بني سليم:

وفرعٍ يصير الجيد وحفٍ كأنه * على الليت قنوان الكروم الدوالح
ويفسّر معناه: قطّعهن، ويقال: وجّههن.
ولم نجد قطّعهنّ معروفة من هذين الوجهين، ولكني أرى - والله أعلم - أنها إن كانت من ذلك أنها من صريت تصري، قدّمت ياؤها كما قالوا: عثت وعثيت، وقال الشاعر:

صرت نظرة لو صادفت جوز دارع * غدا والعواصي من دم الجوف تنعر
والعرب تقول: بات يصري في حوضه إذا استقى ثم قطع واستقى؛ فلعله من ذلك . وقال الشاعر:
يقولون إن الشأم يقتل أهله * فمن لي إن لم آته بخلود
تعرّب آبائي فهلاّ صراهم * من الموت أن لم يذهبوا وجدودي). [معاني القرآن: 1/174]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فصرهنّ إليك} : فمن جعل من صرت تصور، ضمّ، قال: (صرهنّ إليك) ضمّهن إليك، ثم اقطعهن.
{ثمّ أجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً} : فمن جعل من (صرت قطّعت وفرّقت) قال: خذ أربعة من الطير إليك فصرهن إليك، أي: قطعهن ثم ضع على كل جبل منهن جزءاً قالت خنساء:
لظلت الشّمّ منها وهي تنصار
الشّمّ: الجبال، تنصار: تقطع وتصدع وتفلق؛ وأنشد بعضهم بيت أبي ذؤيب:
فانصرن من فزعٍ وسدّ فروجه... غبرٌ ضوارٍ وافيان وأجدع
صرنا به الحكم: أي فصّلنا به الحكم. وقال المعلّي بن جمال العبديّ.
وجاءت خلعة دهسٌ صفايا... يصور عنوقها أحوى زنيم
ولون الدّهاس: لون الرمل كأنه تراب رملٍ أدهس.
خلعة:
خيار شائه؛ صفايا: غزارٌ، ويقال للنخلة: صفيّة أي كثيرة الحمل).
[مجاز القرآن: 1/80-81]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن لّيطمئنّ قلبي قال فخذ أربعةً مّن الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ مّنهنّ جزءًا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعياً واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}
أما قوله: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى} فلم يكن ذلك شكا منه ولم يرد به رؤية القلب وإنما أراد به رؤية العين.
وقوله الله عز وجل له {أولم تؤمن} يقول: "ألست قد صدقت" أي: أنت كذاك. قال الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا = وأندى العالمين بطون راح
وقوله: {لّيطمئنّ قلبي} أي: قلبي ينازعني إلى النظر فإذا نظرت اطمأن قلبي.
قال: {فخذ أربعةً مّن الطّير فصرهنّ إليك} أي: قطّعهنّ وتقول منها: "صار" "يصور".
وقال بعضهم {فصرهنّ} فجعلها من "صار" "يصير" وقال: {إليك} لأنه يريد: "خذ أربعةً إليك فصرهنّ").
[معاني القرآن: 1/151-152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فصرهن إليك}: ضمهن إليك وأملهن، والأصور المائل العنق،
وقال بعضهم: قطعهن. وقد قرئت بكسر الصاد والمعنى واحد).
[غريب القرآن وتفسيره: 98]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} بالنظر. كأن قلبه كان معلقا بأن يرى ذلك. فإذا رآه اطمأن وسكن، وذهبت عنه محبة الرؤية.
{فصرهنّ إليك} أي: فضمّهن إليك.
يقال: صرت الشيء فانصار، أي: أملته فمال.
وفيه لغة أخرى: «صرته» بكسر الصاد.

{ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً} أي: ربعا من كل طائر.
فأضمر «فقطعهن»، واكتفى بقوله: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ} عن قوله: فقطعهن. لأنه يدل عليه. وهذا كما تقول: خذ هذا الثوب، واجعل على كل رمح عندك منه علما.
{ثمّ ادعهنّ يأتينك سعياً} يقال: عدوا. ويقال: مشيا على أرجلهن ولا يقال للطائر إذا طار: سعى). [تفسير غريب القرآن:96-97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعة من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}
{وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعة من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}
موضع " إذ " نصب، المعنى اذكر هذه القصة - وقوله (ربّ أرني).
أصله أرإني، ولكن المجمع عليه في كلام العرب والقراءة طرح الهمزة، ويجوز (أرني). وقد فسرنا إلقاء هذه الكسرة فيما سلف من الكتاب.
وموضع {كيف} نصب بقوله: {تحي الموتى} أي: بأي حال تحي الموتى وإبراهيم عليه السلام لم يكن شاكا ولكنه لم يكن شاهد إحياء ميّت، ولا يعلم كيف تجتمع العظام المتفرقة البالية، المستحيلة، من أمكنة متباينة فأحب علم ذلك مشاهدة.
ويروى في التفسير: أنه كان مرّ بجيفة على شاطئ البحر والحيتان تخرج من البحر فتنتف من لحم الجيفة، والطير تحط عليها وتنسر منها، ودوابّ الأرض تأكل منها، ففكر كيف يجتمع ما تفرق من تلك الجيفة فحلّ في حيتان البحر وطير السماء ودواب الأرض ثم يعود ذلك حيا، فسأل اللّه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحي الموتى، وأمره اللّه أن يأخذ أربعة من الطير، وهو قوله عز وجل: {فصرهنّ إليك} وتقرأ فصرهنّ إليك - بالضم والكسر -.
قال أهل اللغة: معنى صرهنّ: أملهن إليك، وأجمعهن إليك، قال ذلك أكثرهم،
وقال بعضهم: صرهن إليك اقطعهن، فأما نظير صرهن أملهن وأجمعهن فقول الشاعر:

وجاءت خلعة دهس صفايا... يصور عنوقها أحوى زنيم
المعنى: أن هذه الغنم يعطف عنوقها هذا الكبش الأحوى.
ومن قال صرت: قطعت، فالمعنى فخذ أربعة من الطير فصرهن أي قطعهنّ، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا.
المعنى: اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا.
ففعل ذلك إبراهيم عليه السلام ثم دعاهن فنظر إلى الريش يسعى بعضه إلى بعض، وكذلك العظام واللحم.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}.
{عزيز} أي: لا يمتنع عليه ما يريد - {حكيم} فيما يدبر، لا يفعل إلا ما فيه الحكمة.
فشاهد إبراهيم عليه السلام ما كان يعلمه غيبا رأي عين، وعلم كيف يفعل اللّه ذلك، فلما قص اللّه ما فيه البرهان والدلالة على أمر توحيده.
وما آتاه الرسل من البيّنات حثّ على الجهاد، وأعلن أن من عانده بعد هذه البراهين فقد ركب من الضلال أمرا عظيما وأن من جاهد من كفر بعد هذا البرهان فله - في جهاده ونفقته فيه - الثواب العظيم، وأن الله عزّ وجلّ وعد في الجنّة عشر أمثالها من الجهاد.
ووعد في الجهاد أن يضاعف الواحد بسبع مائة مرة لما في إقامة الحق من التوحيد، وما في الكفر من عظم الفساد فقال:
{مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسع عليم}. [معاني القرآن: 1/344-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}
فيه قولان:
أحدهما: إن المعنى ليطمأن قلبي للمشاهدة كأن نفسه طالبته برؤية ذلك فإذا رآه اطمان والإنسان قد يعلم الشيء من جهة ثم يطلب أن يعلمه من غيرها، وهذا القول مذهب الجلة من العلماء وهو مذهب ابن عباس والحسن
قال الحسن: ولا يكون الخبر عند ابن آدم كالعيان.
والقول الآخر: أن المعنى ولكن ليطمئن قلبي بأني إذا سألتك أجبتني، كما روى عن سفيان عن قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال: أولم تؤمن بالخلة قال توقن بالخلة.
وروى أبو الهيثم عن سعيد بن جبير ولكن ليطمئن قلبي ليزداد). [معاني القرآن: 1/283-284]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {قال فخذ أربعة من الطير}
حدثنا عبد الباقي بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز الأموي قال حدثنا أبي قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن هبيرة السبيني عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس في قول الله جل وعز: {فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك} قال: هو الحمام والطاووس والكركي والديك.
وروى الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: أخذ الديك والطاووس والغراب والحمامة.
قال مجاهد: فصرهن انتفهن بريشهن ولحومهن.
قال أبو عبيدة: صرت قطعت وصرت جمعت.
وحكى أبو عبيدة صرت عنقه أصورها وصرتها أصيرها أملتها وقد صور
يقرأ بالضم والكسر وأكثر القراء على الضم
قال الكسائي من ضمها: جعلها من صرت الشيء أملته وضممته إلي قال وصر وجهك إلي أي أقبل به .
والمعنى على هذه القراءة: فضمهن إليك وقطعهن ثم حذف وقطعهن لأنه قد دل عليه ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا.
ومن قرأ (فصرهن) بالكسر ففيه قولان:
أحدهما: أنه بمعنى الأول.
والآخر: أن أبا مالك والضحاك قالا فقطعهن.
قال أبو حاتم: هو من صار إذا قطع قال ويكون حينئذ على التقديم والتأخير كأنه قال فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن.
قال غيره: ومنه قيل للقطيع من بقر الوحش صوار وصوار، أي: انقطعت فانفردت ولذلك قيل لقطع المسك أصورة كما قال: إذا تقوم يضوغ المسك أصورة
قال أبو جعفر: وأولى ما قيل في معنى فصرهن وصرهن إنهما بمعنى القطع على التقديم والتأخير أي فخذ إليك أربعة من الطير فصرهن.
ولم يوجد التفريق صحيحا عن أحد من المتقدمين
{ثم ادعهن }
قال ابن عباس: تعالين بإذن الله فطار لحم ذا إلى لحم ذا سعيا أي عدوا على أرجأهن ولا يقال للطائر إذا طار سعى.
{واعلم أن الله عزيز} أي: لا يمتنع عليه ما يريد.
{حكيم} فيما يدبر.
فلما قص ما فيه البراهين حث على الجهاد وأعلم أن من جاهد بعد هذا البرهان الذي لا يأتي به إلا نبي فله في جهاده الثواب العظيم، فقال تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} إلى قوله: {واسع عليم}أي: جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة عليهم أين يضعه). [معاني القرآن: 1/285-289]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فصرهن إليك} أي: ضمهن وأملهن، والكسر لغة.
{يأتينك سعيا} أي: عدوا على أرجلهن، ولا يقال للطائر سعى، إذا طار). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَصُرْهُنَّ}: ضمهن). [العمدة في غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسع عليم} أي: جواد لا ينقصه ما يتفضّل به من السعة، عليم حيث يضعه). [معاني القرآن: 1/346-347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ({مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} إلى قوله: {واسع عليم} أي: جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة عليهم أين يضعه). [معاني القرآن: 1/289]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}


رد مع اقتباس