عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25 ذو الحجة 1439هـ/5-09-2018م, 08:18 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واللّه خلقكم ثمّ يتوفّاكم ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئًا إنّ اللّه عليمٌ قديرٌ (70)}
يخبر تعالى عن تصرّفه في عباده، وأنّه هو الّذي أنشأهم من العدم، ثمّ بعد ذلك يتوفّاهم، ومنهم من يتركه حتّى يدركه الهرم -وهو الضّعف في الخلقة-كما قال اللّه تعالى: {اللّه الّذي خلقكم من ضعفٍ ثمّ جعل من بعد ضعفٍ قوّةً ثمّ جعل من بعد قوّةٍ ضعفًا وشيبةً يخلق ما يشاء وهو العليم القدير} [الرّوم: 54].
وقد روي عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، في أرذل العمر [قال] خمسٌ وسبعون سنةً. وفي هذا السّنّ يحصل له ضعف القوى والخرف وسوء الحفظ وقلّة العلم؛ ولهذا قال: {لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئًا} أي: بعد ما كان عالمًا أصبح لا يدري شيئًا من الفند والخرف؛ ولهذا روى البخاريّ عند تفسير هذه الآية:
حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا هارون بن موسى أبو عبد اللّه الأعور، عن شعيب، عن أنس بن مالكٍ؛ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "أعوذ بك من البخل والكسل، والهرم وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدّجّال، وفتنة المحيا والممات".
ورواه مسلمٌ، من حديث هارون الأعور، به.
وقال زهير بن أبي سلمى في معلّقته المشهورة:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش = ثمانين عاما -لا أبالك-يسأم
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب = تمته ومن تخطئ يعمّر فيهرم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 585]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واللّه فضّل بعضكم على بعضٍ في الرّزق فما الّذين فضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواءٌ أفبنعمة اللّه يجحدون (71)}
يبيّن تعالى للمشركين جهلهم وكفرهم فيما زعموه للّه من الشّركاء، وهم يعترفون أنّها عبيدٌ له، كما كانوا يقولون في تلبياتهم في حجّهم: "لبّيك لا شريك لك، إلّا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك". فقال تعالى منكرًا عليهم: إنّكم لا ترضون أن تساووا عبيدكم فيما رزقناكم، فكيف يرضى هو تعالى بمساواة عبيده له في الإلهيّة والتّعظيم، كما قال في الآية الأخرى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} الآية [الروم: 28].
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: يقول: لم يكونوا ليشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني، فذلك قوله: {أفبنعمة اللّه يجحدون}
وقال في الرّواية الأخرى، عنه: فكيف ترضون لي مالا ترضون لأنفسكم.
وقال مجاهدٌ في هذه الآية: هذا مثل الآلهة الباطلة.
وقال قتادة: هذا مثلٌ ضربه اللّه، فهل منكم من أحدٍ شارك مملوكه في زوجته وفي فراشه، فتعدلون باللّه خلقه وعباده؟ فإن لم ترض لنفسك هذا، فاللّه أحقّ أن ينزّه منك.
وقوله: {أفبنعمة اللّه يجحدون} أي: أنّهم جعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا، فجحدوا نعمته وأشركوا معه غيره.
وعن الحسن البصريّ قال: كتب عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، هذه الرّسالة إلى أبي موسى الأشعريّ: واقنع برزقك من الدّنيا، فإنّ الرّحمن فضّل بعض عباده على بعضٍ في الرّزق، بل يبتلي به كلًّا فيبتلي من بسط له، كيف شكره للّه وأداؤه الحقّ الّذي افترض عليه فيما رزقه وخوّله؟ رواه ابن أبي حاتمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 585-586]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه هم يكفرون (72)}
يذكر تعالى نعمه على عبيده، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجًا من جنسهم وشكلهم [وزيّهم]، ولو جعل الأزواج من نوعٍ آخر لما حصل ائتلافٌ ومودّةٌ ورحمةٌ، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورًا وإناثًا، وجعل الإناث أزواجًا للذّكور.
ثمّ ذكر تعالى أنّه جعل من الأزواج البنين والحفدة، وهم أولاد البنين. قاله ابن عبّاسٍ، وعكرمة، والحسن، والضّحّاك، وابن زيدٍ.
قال شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: {بنين وحفدةً} هم الولد وولد الولد.
وقال سنيد: حدّثنا حجّاجٌ عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك. قال جميلٌ:
حفد الولائد حولهن وأسلمت = بأكفّهن أزمّة الأجمال
وقال مجاهدٌ: {بنين وحفدةً} ابنه وخادمه. وقال في روايةٍ: الحفدة: الأنصار والأعوان والخدّام.
وقال طاوسٌ: الحفدة: الخدم وكذا قال قتادة، وأبو مالكٍ، والحسن البصريّ.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة أنّه قال: الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك.
قال الضّحّاك: إنّما كانت العرب يخدمها بنوها.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} يقول: بنو امرأة الرّجل، ليسوا منه. ويقال: الحفدة: الرّجل يعمل بين يدي الرّجل، يقال: فلانٌ يحفد لنا قال: ويزعم رجالٌ أنّ الحفدة أختان الرّجل.
وهذا [القول] الأخير الّذي ذكره ابن عبّاسٍ قاله ابن مسعودٍ، ومسروقٌ، وأبو الضّحى، وإبراهيم النّخعيّ، وسعيد بن جبير، ومجاهدٌ، والقرظي. ورواه عكرمة، عن ابن عبّاسٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: هم الأصهار.
قال ابن جريرٍ: وهذه الأقوال كلّها داخلةٌ في معنى: "الحفد" وهو الخدمة، الّذي منه قوله في القنوت: "وإليك نسعى ونحفد"، ولمّا كانت الخدمة قد تكون من الأولاد والأصهار والخدم فالنّعمة حاصلةٌ بهذا كلّه؛ ولهذا قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً}
قلت: فمن جعل {وحفدةً} متعلّقًا بأزواجكم فلا بدّ أن يكون المراد الأولاد، وأولاد الأولاد، والأصها ر؛ لأنّهم أزواج البنات، وأولاد الزّوجة، وكما قال الشّعبيّ والضّحّاك، فإنّهم غالبًا يكونون تحت كنف الرّجل وفي حجره وفي خدمته. وقد يكون هذا هو المراد من قوله [عليه الصّلاة] والسّلام في حديث بصرة بن أكثم: "والولد عبدٌ لك" رواه أبو داود.
وأمّا من جعل الحفدة هم الخدم فعنده أنّه معطوفٌ على قوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} أي: وجعل لكم الأزواج والأولاد.
{ورزقكم من الطّيّبات} من المطاعم والمشارب.
ثمّ قال تعالى منكرًا على من أشرك في عبادة المنعم غيره: {أفبالباطل يؤمنون} وهم: الأصنام والأنداد، {وبنعمة اللّه هم يكفرون} أي: يسترون نعم اللّه عليهم ويضيفونها إلى غيره.
وفي الحديث الصّحيح: "أنّ اللّه تعالى يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه" ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخّر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع ؟"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 586-588]

تفسير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم رزقًا من السّماوات والأرض شيئًا ولا يستطيعون (73) فلا تضربوا للّه الأمثال إنّ اللّه يعلم وأنتم لا تعلمون (74)}
يقول تعالى إخبارًا عن المشركين الّذين عبدوا معه غيره، مع أنّه هو المنعم المتفضّل الخالق الرّازق وحده لا شريك له، ومع هذا يعبدون من دونه من الأصنام والأنداد والأوثان {ما لا يملك لهم رزقًا من السّماوات والأرض شيئًا} أي: لا يقدر على إنزال مطرٍ ولا إنبات زرعٍ ولا شجرٍ، ولا يملكون ذلك، أي: ليس لهم ذلك ولا يقدرون عليه لو أرادوه، ولهذا قال تعالى {فلا تضربوا للّه الأمثال} أي: لا تجعلوا له أندادًا وأشباهًا وأمثالًا {إنّ اللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} أي: أنّه يعلم ويشهد أنّه لا إله إلّا اللّه وأنتم بجهلكم تشركون به غيره). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 588]

رد مع اقتباس