عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 11:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّةً ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ (208) فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات فاعلموا أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (209)}
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدّقين برسوله: أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك.
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وطاوسٍ، والضّحّاك، وعكرمة، وقتادة، والسّدّي، وابن زيدٍ، في قوله: «{ادخلوا في السّلم} يعني: الإسلام».
وقال الضّحّاك، عن ابن عباس، وأبو العالية، والربيع بن أنس: «{ادخلوا في السّلم} يعني: الطّاعة». وقال قتادة أيضًا: «الموادعة».
وقوله: {كافّةً} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وأبو العالية، وعكرمة، والرّبيع، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان، وقتادة والضّحّاك: «جميعًا»، وقال مجاهدٌ: «أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البرّ».
وزعم عكرمة أنّها نزلت في نفرٍ ممّن أسلم من اليهود وغيرهم، كعبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة وأسد بن عبيد وطائفةٍ استأذنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أن يسبتوا، وأن يقوموا بالتّوراة ليلًا. فأمرهم اللّه بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عمّا عداها. وفي ذكر عبد اللّه بن سلامٍ مع هؤلاء نظرٌ، إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السّبت، وهو مع تمام إيمانه يتحقّق نسخه ورفعه وبطلانه، والتّعويض عنه بأعياد الإسلام.
ومن المفسّرين من يجعل قوله: {كافّةً} حالًا من الدّاخلين، أي: ادخلوا في الإسلام كلّكم. والصّحيح الأوّل، وهو أنّهم أمروا كلّهم أن يعملوا بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام، وهي كثيرةٌ جدًّا ما استطاعوا منها. وقال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا عليّ بن الحسين، أخبرنا أحمد بن الصّبّاح، أخبرني الهيثم بن يمانٍ، حدّثنا إسماعيل بن زكريّا، حدّثني محمّد بن عونٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّةً} -كذا قرأها بالنّصب -يعني مؤمني أهل الكتاب، فإنّهم كانوا مع الإيمان باللّه مستمسكين ببعض أمر التّوراة والشّرائع التي أنزلت فيهم، فقال اللّه: {ادخلوا في السّلم كافّةً} يقول: ادخلوا في شرائع دين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا تدعوا منها شيئًا وحسبكم بالإيمان بالتّوراة وما فيها».
وقوله: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} أي: اعملوا الطّاعات، واجتنبوا ما يأمركم به الشّيطان فـ {إنّما يأمركم بالسّوء والفحشاء وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} [البقرة: 169]، و {إنّما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السّعير} [فاطرٍ: 6]؛ ولهذا قال: {إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ} قال مطرّف: «أغشّ عباد اللّه لعبيد اللّه الشّيطان» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 565-566]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات} أي: عدلتم عن الحقّ بعد ما قامت عليكم الحجج، فاعلموا أنّ اللّه عزيزٌ أي في انتقامه، لا يفوته هاربٌ، ولا يغلبه غالبٌ. حكيمٌ في أحكامه ونقضه وإبرامه؛ ولهذا قال أبو العالية وقتادة والرّبيع بن أنسٍ: «عزيزٌ في نقمته، حكيمٌ في أمره». وقال محمّد بن إسحاق: «العزيز في نصره ممّن كفر به إذا شاء، الحكيم في عذره وحجّته إلى عباده» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 566]

تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى اللّه ترجع الأمور (210)}
يقول تعالى مهدّدًا للكافرين بمحمّدٍ صلوات اللّه وسلامه عليه: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام والملائكة} يعني: يوم القيامة، لفصل القضاء بين الأوّلين والآخرين، فيجزي كلّ عاملٍ بعمله، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، ولهذا قال: {وقضي الأمر وإلى اللّه ترجع الأمور} كما قال: {كلا إذا دكّت الأرض دكًّا دكًّا* وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا* وجيء يومئذٍ بجهنّم يومئذٍ يتذكّر الإنسان وأنّى له الذّكرى} [الفجر: 21 -23]، وقال: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربّك أو يأتي بعض آيات ربّك يوم يأتي بعض آيات ربّك} الآية [الأنعام: 158].
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جريرٍ هاهنا حديث الصّور بطوله من أوّله، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وهو حديثٌ مشهورٌ ساقه غير واحدٍ من أصحاب المسانيد وغيرهم، وفيه: «أنّ النّاس إذا اهتمّوا لموقفهم في العرصات تشفّعوا إلى ربّهم بالأنبياء واحدًا واحدًا، من آدم فمن بعده، فكلّهم يحيد عنها حتّى ينتهوا إلى محمّدٍ، صلوات اللّه وسلامه عليه، فإذا جاؤوا إليه قال: أنا لها، أنا لها. فيذهب فيسجد للّه تحت العرش، ويشفع عند اللّه في أن يأتي لفصل القضاء بين العباد، فيشفّعه اللّه، ويأتي في ظلل من الغمام بعد ما تنشقّ السّماء الدّنيا، وينزل من فيها من الملائكة، ثمّ الثّانية، ثمّ الثّالثة إلى السّابعة، وينزل حملة العرش والكروبيّون، قال: وينزل الجبّار، عزّ وجلّ، في ظلل من الغمام والملائكة، ولهم زجل من تسبيحهم يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ربّ العرش ذي الجبروت سبحان الحيّ الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبّوح قدّوسٌ، ربّ الملائكة والرّوح، قدّوسٌ قدّوسٌ، سبحان ربّنا الأعلى، سبحان ذي السّلطان والعظمة، سبحانه أبدًا أبدًا».
وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه هاهنا أحاديث فيها غرابةٌ واللّه أعلم؛ فمنها ما رواه من حديث المنهال بن عمرٍو، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن مسروقٍ، عن ابن مسعودٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يجمع اللّه الأوّلين والآخرين لميقات يومٍ معلومٍ، قيامًا شاخصةً أبصارهم إلى السّماء، ينتظرون فصل القضاء، وينزل اللّه في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسيّ».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا أبو بكر بن عطاء بن مقدّمٍ، حدّثنا معتمر بن سليمان، سمعت عبد الجليل القيسي، يحدّث عن عبد اللّه بن عمرٍو: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام} الآية، قال: يهبط حين يهبط، وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب، منها: النّور، والظّلمة، والماء. فيصوّت الماء في تلك الظّلمة صوتًا تنخلع له القلوب.
قال: وحدّثنا أبي: حدّثنا محمّد بن الوزير الدّمشقيّ، حدّثنا الوليد قال: «سألت زهير بن محمّدٍ، عن قول اللّه: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام}» قال: «ظللٌ من الغمام، منظومٌ من الياقوت مكلّل بالجوهر والزبرجد».
وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {في ظللٍ من الغمام} قال: «هو غير السّحاب، ولم يكن قطّ إلّا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا».
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام والملائكة} قال: يقول: «والملائكة يجيئون في ظللٍ من الغمام، واللّه تعالى يجيء فيما يشاء -وهي في بعض القراءة: "هل ينظرون إلّا أن يأتيهم اللّه والملائكة في ظلل من الغمام" وهي كقوله: {ويوم تشقّق السّماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا} [الفرقان: 25]» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 566-568]


رد مع اقتباس