عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنّه للحقّ من ربّك وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون (149) ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره لئلا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلا الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتمّ نعمتي عليكم ولعلّكم تهتدون (150)}
هذا أمرٌ ثالثٌ من اللّه تعالى باستقبال المسجد الحرام، من جميع أقطار الأرض.
وقد اختلفوا في حكمة هذا التّكرار ثلاث مرّاتٍ، فقيل: تأكيدٌ لأنّه أوّل ناسخٍ وقع، في الإسلام على ما نصّ عليه ابن عبّاسٍ وغيره، وقيل: بل هو منزّلٌ على أحوال، فالأمر الأوّل لمن هو مشاهدٌ الكعبة، والثّاني لمن هو في مكّة غائبًا عنها، والثّالث لمن هو في بقيّة البلدان، هكذا وجّهه فخر الدّين الرّازيّ. و
قال القرطبيّ:«الأوّل لمن هو بمكّة، والثّاني لمن هو في بقيّة الأمصار، والثّالث لمن خرج، في الأسفار، ورجّح هذا الجواب القرطبيّ»
، وقيل: إنّما ذكر ذلك لتعلّقه بما قبله أو بعده من السّياق، فقال: «أوّلًا» {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها} «إلى قوله»: {وإنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون} فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته وأمره بالقبلة التي كان يودّ التّوجّه إليها ويرضاها؛ وقال في الأمر الثّاني: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنّه للحقّ من ربّك وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون} فذكر أنّه الحقّ من اللّه وارتقى عن المقام الأوّل، حيث كان موافقًا لرضا الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم فبيّن أنّه الحقّ أيضًا من اللّه يحبّه ويرتضيه، وذكر في الأمر الثّالث حكمة قطع حجّة المخالف من اليهود الّذين كانوا يتحجّجون باستقبال الرّسول إلى قبلتهم، وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنّه سيصرف إلى قبلة إبراهيم، عليه السّلام، إلى الكعبة، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجّتهم لمّا صرف الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف، وقد كانوا يعظّمون الكعبة وأعجبهم استقبال الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم إليها، وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التّكرار، وقد بسطها فخر الدّين وغيره، واللّه -سبحانه وتعالى –أعلم). [تفسير ابن كثير: 1/463]


تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنّه للحقّ من ربّك وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون} فذكر أنّه الحقّ من اللّه وارتقى عن المقام الأوّل، حيث كان موافقًا لرضا الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم فبيّن أنّه الحقّ أيضًا من اللّه يحبّه ويرتضيه، وذكر في الأمر الثّالث حكمة قطع حجّة المخالف من اليهود الّذين كانوا يتحجّجون باستقبال الرّسول إلى قبلتهم، وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنّه سيصرف إلى قبلة إبراهيم، عليه السّلام، إلى الكعبة، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجّتهم لمّا صرف الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف، وقد كانوا يعظّمون الكعبة وأعجبهم استقبال الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم إليها، وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التّكرار، وقد بسطها فخر الدّين وغيره، واللّه -سبحانه وتعالى -أعلم.
وقوله: {لئلا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ} أي: أهل الكتاب؛ فإنّهم يعلمون من صفة هذه الأمّة التّوجّه إلى الكعبة، فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربّما احتجّوا بها على المسلمين أو لئلّا يحتجّوا بموافقة المسلمين إيّاهم في التّوجّه إلى بيت المقدس. وهذا أظهر.
قال أبو العالية: «{لئلا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ}
يعني به أهل الكتاب حين قالوا: صرف محمّدٌ إلى الكعبة».
وقالوا: اشتاق الرّجل إلى بيت أبيه ودين قومه. وكان حجّتهم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم انصرافه إلى البيت الحرام أن قالوا: سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا.
قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، والسّدّيّ، نحو هذا.
وقال هؤلاء في قوله: {إلا الّذين ظلموا منهم} يعني: مشركي قريشٍ.
ووجّه بعضهم حجّة الظّلمة وهي داحضةٌ أن قالوا: إنّ هذا الرّجل يزعم أنّه على دين إبراهيم: فإن كان توجّهه إلى بيت المقدس على ملّة إبراهيم، فلم رجع عنه؟ والجواب: أنّ اللّه تعالى اختار له التّوجّه إلى بيت المقدس أوّلًا لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فأطاع ربّه تعالى في ذلك، ثمّ صرفه إلى قبلة إبراهيم وهي الكعبة فامتثل أمر اللّه في ذلك أيضًا، فهو، صلوات اللّه وسلامه عليه، مطيعٌ للّه في جميع أحواله، لا يخرج عن أمر اللّه طرفة عينٍ، وأمته تبع له.
وقوله: {فلا تخشوهم واخشوني} أي: لا تخشوا شبه الظّلمة المتعنّتين، وأفردوا الخشية لي، فإنّه تعالى هو أهلٌ أن يخشى منه.
وقوله: {ولأتمّ نعمتي عليكم} عطفٌ على {لئلا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ} أي: ولأتمّ نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة، لتكمل لكم الشّريعة من جميع وجوهها {ولعلّكم تهتدون} أي: إلى ما ضلّت عنه الأمم هديناكم إليه، وخصصناكم به، ولهذا كانت هذه الأمّة أشرف الأمم وأفضلها). [تفسير ابن كثير:
463/1-464]


تفسير قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون (151) فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون (152)}
يذكر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من بعثة الرّسول محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إليهم، يتلو عليهم آيات اللّه مبيّناتٍ ويزكّيهم، أي: يطهّرهم من رذائل الأخلاق ودنس النّفوس وأفعال الجاهليّة، ويخرجهم من الظّلمات إلى النّور، ويعلّمهم الكتاب وهو القرآن والحكمة وهي السّنّة ويعلّمهم ما لم يكونوا يعلمون. فكانوا في الجاهليّة الجهلاء يسفهون بالقول الفرى، فانتقلوا ببركة رسالته، ويمن سفارته، إلى حال الأولياء، وسجايا العلماء فصاروا أعمق النّاس علمًا، وأبرّهم قلوبًا، وأقلّهم تكلّفًا، وأصدقهم لهجةً. وقال تعالى: {لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم} الآية [آل عمران: 164]. وذمّ من لم يعرف قدر هذه النّعمة، فقال تعالى: {ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار} [إبراهيم: 28].
قال ابن عبّاسٍ:
«يعني بنعمة اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم؛ ولهذا ندب اللّه المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النّعمة ومقابلتها بذكره وشكره»، فقال: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}.
قال مجاهدٌ في قوله: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم} يقول:
«كما فعلت فاذكروني
».
قال عبد اللّه بن وهبٍ، عن هشام بن سعيدٍ، عن زيد بن أسلم:
« أنّ موسى، عليه السّلام، قال: يا ربّ، كيف أشكرك؟ قال له ربّه: تذكرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني
».
وقال الحسن البصريّ، وأبو العالية، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، إنّ اللّه يذكر من ذكره، ويزيد من شكره ويعذّب من كفره.
وقال بعض السّلف في قوله تعالى: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} [آل عمران: 102] قال: هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر). [تفسير ابن كثير:
464/1-465]


تفسير قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا عمارة الصّيدلانيّ، حدّثنا مكحولٌ الأزديّ قال:« قلت لابن عمر: أرأيت قاتل النّفس، وشارب الخمر والسّارق والزّاني يذكر اللّه، وقد قال اللّه تعالى: {فاذكروني أذكركم}؟» قال: «إذا ذكر اللّه هذا ذكره اللّه بلعنته، حتّى يسكت».
وقال الحسن البصريّ في قوله: {فاذكروني أذكركم} قال:
«اذكروني، فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي
».
وعن سعيد بن جبيرٍ:
«اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي»، وفي روايةٍ:
«برحمتي».
وعن ابن عبّاسٍ في قوله {فاذكروني أذكركم} قال:
«ذكر اللّه إيّاكم أكبر من ذكركم إيّاه
».
وفي الحديث الصّحيح: يقول اللّه تعالى: [من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منه
].
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أنسٍ قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
[قال اللّه عزّ وجلّ: يا ابن آدم، إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملأٍ ذكرتك، في ملأٍ من الملائكة أو قال: في ملأٍ خيرٍ منهم وإن دنوت منّي شبرًا دنوت منك ذراعًا، وإن دنوت منّي ذراعًا دنوت منك باعًا، وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول]
صحيح الإسناد: أخرجه البخاريّ من حديث قتادة. وعنده قال قتادة:
«اللّه أقرب بالرّحمة».
وقوله تعالى: {واشكروا لي ولا تكفرون} أمر اللّه تعالى بشكره، ووعده على شكره بمزيد الخير، فقال: {وإذ تأذّن ربّكم لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديدٌ} [إبراهيم: 7].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا روحٌ، حدّثنا شعبة، عن الفضيل بن فضالة رجلٍ من قيسٍ حدّثنا أبو رجاءٍ العطارديّ، قال: «خرج علينا عمران بن حصينٍ وعليه مطرف من خزٍّ لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده، فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من أنعم اللّه عليه نعمةً فإنّ اللّه يحبّ أن يرى أثر نعمته على خلقه». وقال روحٌ مرّةً: «على عبده»). [تفسير ابن كثير:
465/1-466]


رد مع اقتباس