عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن حيث خرجت}، معناه حيث كنت وأنّى توجهت من مشارق الأرض ومغاربها، ثم تكررت هذه الآية تأكيدا من الله تعالى، لأن موقع التحويل كان صعبا في نفوسهم جدا فأكد الأمر ليرى الناس التهمم به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه). [المحرر الوجيز: 1/ 381]


تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتمّ نعمتي عليكم ولعلّكم تهتدون (150) كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون (151)}
قوله تعالى: {فولّوا وجوهكم شطره} هو فرض استقبال القبلة على المصلين، وفرض المصلي ما دام يرى الكعبة أن يصادفها باستقباله، فإذا غابت عنه ففرضه الاجتهاد في مصادفتها، فإن اجتهد ثم كشف الغيب أنه أخطأ فلا شيء عليه عند كثير من العلماء، ورأى مالك رحمه الله أن يعيد في الوقت إحرازا لفضيلة القبلة.
وقوله تعالى: {لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ} الآية، قرأ نافع وحده بتسهيل الهمزة، وقرأ الباقون لئلّا بالهمز، والمعنى: عرفتكم وجه الصواب في قبلتكم والحجة في ذلك لئلّا، وقوله: {للنّاس} عموم في اليهود والعرب وغيرهم، وقيل: المراد بالناس اليهود ثم استثنى كفار العرب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وقوله منهم يرد هذا التأويل»، وقالت فرقة إلّا الّذين استثناء متصل، وهذا مع عموم لفظة الناس، والمعنى أنه لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة للذين ظلموا، يعني اليهود وغيرهم من كل من تكلم في النازلة في قولهم ما ولّاهم استهزاء، وفي قولهم: تحير محمد في دينه، وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو من يهودي أو من منافق، وسماها تعالى حجة وحكم بفسادها حين كانت من ظلمة، وقالت طائفة إلّا الّذين استثناء منقطع وهذا مع كون الناس اليهود فقط، وقد ذكرنا ضعف هذا القول، والمعنى: لكن الذين ظلموا يعني كفار قريش في قولهم رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله، ويدخل في ذلك كل من تكلم في النازلة من غير اليهود، وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وابن زيد: «ألا» بفتح الهمزة وتخفيف اللام على معنى استفتاح لكلام، فيكون الّذين ابتداء، أو على معنى الإغراء بهم فيكون الّذين نصبا بفعل مقدر.
وقوله تعالى: {فلا تخشوهم واخشوني} الآية، تحقير لشأنهم وأمر باطراح أمرهم ومراعاة أمره، وقوله ولأتمّ عطف على قوله لئلّا، وقيل: هو مقطوع في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر بعد ذاك، والتقدير لأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي ونحوه. ولعلّكم تهتدون ترجّ في حق البشر). [المحرر الوجيز: 1/ 381-383]

تفسير قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والكاف في قوله كما رد على قوله لأتمّ أي إتماما كما، وهذا أحسن الأقوال، أي لأتم نعمتي عليكم في بيان سنة إبراهيم عليه السلام {كما أرسلنا فيكم رسولًا منكم} إجابة لدعوته في قوله: {ربّنا وابعث فيهم رسولًا منهم} الآية، وقيل: الكاف من كما رد على تهتدون، أي اهتداء كما، وقيل، هو في موضع نصب على الحال، وقيل: هو في معنى التأخير متعلق بقوله فاذكروني، وهذه الآية خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو المعنيّ بقوله رسولًا منكم، ويتلوا في موضع نصب على الصفة، والآيات: القرآن، ويزكّيكم يطهركم من الكفر وينميكم بالطاعة، والكتاب القرآن، والحكمة ما يتلقى عنه عليه السلام من سنة وفقه في دين، وما لم تكونوا تعلمون قصص من سلف وقصص ما يأتي من الغيوب). [المحرر الوجيز: 1/ 383]

تفسير قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون (152) يا أيّها الّذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصّلاة إنّ اللّه مع الصّابرين (153) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون (154) ولنبلونّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين (155) الّذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّا للّه وإنّا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون (157)}
قال سعيد بن جبير: «معنى الآية اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «أي اذكروني عند كل أموركم فيحملكم خوفي على الطاعة فأذكركم حينئذ بالثواب»، وقال الربيع والسدي: «المعنى اذكروني بالدعاء والتسبيح ونحوه».
وفي الحديث: إن الله تعالى يقول: [ابن آدم اذكرني في الرخاء أذكرك في الشدة]، وفي حديث آخر: إن الله تعالى يقول: [وإذ ذكرني عبدي في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم] وروي أن الكافر إذا ذكر الله ذكره الله باللعنة والخلود في النار، وكذلك العصاة يأخذون بحظ من هذا المعنى، وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام [قل للعاصين لا يذكروني].
{واشكروا لي} واشكروني بمعنى واحد، ولي أشهر وأفصح مع الشكر، ومعناه نعمي وأياديّ، وكذلك إذا قلت شكرتك فالمعنى شكرت صنيعك وذكرته، فحذف المضاف، إذ معنى الشكر ذكر اليد وذكر مسديها معا، فما حذف من ذلك فهو اختصار لدلالة ما بقي على ما حذف، وتكفرون أي نعمي وأياديّ، وانحذفت نون الجماعة للجزم، وهذه نون المتكلم، وحذفت الياء التي بعدها تخفيفا لأنها رأس آية، ولو كان نهيا عن الكفر ضد الإيمان لكان: ولا تكفروا، بغير النون). [المحرر الوجيز: 1/ 383-385]


رد مع اقتباس