عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 09:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً فما فوقها فأمّا الّذين آمنوا فيعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وأمّا الّذين كفروا فيقولون ماذا أراد اللّه بهذا مثلاً يضلّ به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضلّ به إلاّ الفاسقين}
ذكر المفسرون أنه لما ضرب الله تعالى المثلين المتقدمين في هذه السورة قال الكفار: ما هذه الأمثال؟ الله عز وجل أجل من أن يضرب هذه أمثالا، فنزلت الآية.
وقال ابن قتيبة: «إنما نزلت لأن الكفار أنكروا ضرب المثل في غير هذه السورة بالذباب والعنكبوت».
وقال قوم: «هذه الآية مثل للدنيا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف يأباه رصف الكلام واتساق المعنى.
و{يستحيي} أصله يستحيي، عينه ولامه حرفا علة، أعلت اللام منه بأن استثقلت الضمة على الياء فسكنت.
وقرأ ابن كثير في بعض الطرق عنه، وابن محيصن وغيرهما «يستحي» بكسر الحاء، وهي لغة لتميم، نقلت حركة الياء الأولى إلى الحاء فسكنت ثم استثقلت الضمة على الياء الثانية فسكنت، فحذفت إحداهما للالتقاء.
واختلف المتأولون في معنى: {يستحيي} في هذه الآية. فرجح الطبري أن معناه يخشى.
وقال غيره: معناه يترك وهذا هو الأولى.
ومن قال يمتنع أو يمنعه الحياء فهو يترك أو قريب منه.
ولما كان الجليل القدر في الشاهد لا يمنعه من الخوض في نازل القول إلا الحياء من ذلك، رد الله بقوله: {إنّ اللّه لا يستحيي} على القائلين كيف يضرب الله مثلا بالذباب ونحوه، أي إن هذه الأشياء ليست من نازل القول، إذ هي من الفصيح في المعنى المبلغ أغراض المتكلم إلى نفس السامع، فليست مما يستحيى منه.
وحكى المهدوي أن الاستحياء في هذه الآية راجع إلى الناس، وهذا غير مرضي.
وقوله تعالى: {أن يضرب}، إنّ مع الفعل في موضع نصب، كأنها مصدر في موضع المفعول، ومعنى يضرب مثلًا يبين ضربا من الأمثال أي نوعا، كما تقول: هذا من ضرب هذا، والضريب المثيل.
ويحتمل أن يكون مثل ضرب البعث، وضرب الذلة، فيجيء المعنى أن يلزم الحجة بمثل، ومثلًا مفعول، فقيل: هو الأول، وقيل: هو الثاني، قدم وهو في نية التأخير، لأن «ضرب» في هذا المعنى يتعدى إلى مفعولين.
واختلفوا في قوله: {ما بعوضةً} فقال قوم: ما صلة زائدة لا تفيد إلا شيئا من تأكيد. وقيل: ما نكرة في موضع نصب على البدل من قوله مثلًا، وبعوضةً نعت لـ(ما)، فوصفت ما بالجنس المنكر لإبهامها. حكى المهدوي هذا القول عن الفراء والزجاج وثعلب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقيل غير هذا مما هو تخليط دعا إليه الظن أن يضرب إنما يتعدى إلى مفعول واحد.
وقال بعض الكوفيين: نصب بعوضةً على تقدير إسقاط حرف الجر. والمعنى: أن يضرب مثلا ما من بعوضة.
وحكي عن العرب: «له عشرون ما ناقة فجملا»، وأنكر أبو العباس هذا الوجه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والذي يترجح أن ما صلة مخصصة كما تقول جئتك في أمر ما فتفيد النكرة تخصيصا وتقريبا، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:

سلع ما ومثله عشر ما.......عائل ما وعالت البيقورا
وبعوضة على هذا مفعول ثان.
وقال قوم: ما نكرة، كأنه قال شيئا. والآية في هذا يشبهها قول حسان بن ثابت:

فكفى بنا فضلا على من غيرنا.......حبّ النبيّ محمد إيّانا
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد تقدم نظير هذا القول، والشبه بالبيت غير صحيح عندي، والبعوضة فعولة من بعض إذا قطع اللحم، يقال بضع وبعض بمعنى، وعلى هذا حملوا قول الشاعر:

لنعم البيت بيت أبي دثار.......إذا ما خاف بعض القوم بعضا
وقرأ الضحاك وإبراهيم بن أبي عبلة ورؤبة بن العجاج: «بعوضة» بالرفع.
قال أبو الفتح: وجه ذلك أن «ما» اسم بمنزلة «الذي»، أي لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضة مثلا، فحذف العائد على الموصول، وهو مبتدأ، ومثله قراءة بعضهم: «تماما على الذي أحسن» أي على الذي هو أحسن.
وحكى سيبويه ما أنا بالذي قائل لك شيئا، أي هو قائل.
وقوله تعالى: {فما فوقها} من جعل ما الأولى صلة زائدة، ف «ما» الثانية عطف على بعوضة، ومن جعل ما اسما ف «ما» الثانية عطف عليها.
وقال الكسائي وأبو عبيدة وغيرهما: «المعنى فما فوقها في الصغر».
وقال قتادة وابن جريج وغيرهما: «المعنى في الكبر».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والكل محتمل، والضمير في أنّه، عائد على المثل.
واختلف النحويون في ماذا: فقيل هي بمنزلة اسم واحد، بمعنى أي شيء أراد الله، وقيل «ما» اسم «وذا» اسم آخر بمعنى الذي، فـ«ما» في موضع رفع بالابتداء، و «ذا» خبره، ومعنى كلامهم هذا الإنكار بلفظ الاستفهام.
وقوله: {مثلًا} نصب على التمييز، وقيل على الحال من «ذا» في بهذا، والعامل فيه الإشارة والتنبيه.
واختلف المتأولون في قوله تعالى: {يضلّ به كثيراً ويهدي به كثيراً} فقيل: هو من قول الكافرين، أي: ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى؟
وقيل: بل هو خبر من الله تعالى أنه يضل بالمثل الكفار الذين يعمون به، ويهدي به المؤمنين الذين يعلمون أنه الحق. وفي هذا رد على المعتزلة في قولهم: «إن الله لا يخلق الضلال» ولا خلاف أن قوله تعالى: {وما يضلّ به إلّا الفاسقين} من قول الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل أن يكون قوله تعالى: {ويهدي به كثيراً} إلى آخر الآية ردا من الله تعالى على قول الكفار يضلّ به كثيراً.
والفسق: الخروج عن الشيء. يقال فسقت الفارة إذا خرجت من جحرها، والرطبة إذا خرجت من قشرها، والفسق في عرف الاستعمال الشرعي الخروج من طاعة الله عز وجل، فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان، وقراءة جمهور الأمة في هذه الآية: «يضل» بضم الياء فيهما.
وروي عن إبراهيم بن أبي عبلة أنه قرأ «يضل» بفتح الياء، «كثير» بالرفع «ويهدي به كثير. وما يضل به إلا الفاسقون» بالرفع.
قال أبو عمرو الداني: «هذه قراءة القدرية وابن أبي عبلة من ثقات الشاميين ومن أهل السنة، ولا تصح هذه القراءة عنه، مع أنها مخالفة خط المصحف».
وروي عن ابن مسعود أنه قرأ في الأولى: «يضل» بضم الياء وفي الثانية «وما يضل» بفتح الياء «به إلا الفاسقون». وهذه قراءة متجهة لولا مخالفتها خط المصحف المجمع عليه). [المحرر الوجيز: 1 /153-158]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (27) كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتاً فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون (28) هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ سبع سماواتٍ وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ (29)}
النقض: رد ما أبرم على أوله غير مبرم، والعهد في هذه الآية: التقدم في الشيء والوصاة به.
واختلف في تفسير هذا العهد:
- فقال بعض المتأولين: هو الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهر أبيهم آدم كالذر.
- وقال آخرون: بل نصب الأدلة على وحدانية الله بالسماوات والأرض وسائر الصنعة هو بمنزلة العهد.
- وقال آخرون: بل هذا العهد هو الذي أخذه الله على عباده بواسطة رسله أن يوحدوه وأن لا يعبدوا غيره.
- وقال آخرون: بل هذا العهد هو الذي أخذه الله تعالى على أتباع الرسل والكتب المنزلة أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن لا يكتموا أمره.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالآية على هذا في أهل الكتاب، وظاهر ما قبل وبعد أنه في جميع الكفار.
وقال قتادة: «هذه الآية هي فيمن كان آمن بالنبي عليه السلام ثم كفر به فنقض العهد».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لم ينسب الطبري شيئا من هذه الأقوال، وكل عهد جائز بين المسلمين فنقضه لا يحل بهذه الآية، والضمير في ميثاقه يحتمل العودة على العهد أو على اسم الله تعالى، وميثاق مفعال من الوثاقة، وهي الشد في العقد والربط ونحوه، وهو في هذه الآية اسم في موضع المصدر كما قال عمرو بن شييم:

أكفرا بعد ردّ الموت عنّي.......وبعد عطائك المائة الرّتاعا؟

أراد: بعد إعطائك.
وقوله تعالى: {ما أمر اللّه به أن يوصل}، (ما) في موضع نصب بـ{يقطعون} واختلف الشيء الذي أمر بوصله؟
- فقال قتادة: «الأرحام عامة في الناس» .
- وقال غيره: «خاصة فيمن آمن بمحمد، كان الكفار يقطعون أرحامهم».
- وقال جمهور أهل العلم: الإشارة في هذه الآية إلى دين الله وعبادته في الأرض، وإقامة شرائعه، وحفظ حدوده.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو الحق، والرحم جزء من هذا، وأن في موضع نصب بدل من ما، أو مفعول من أجله.
وقيل: أن في موضع خفض بدل من الضمير في به، وهذا متجه.
{ويفسدون في الأرض} يعبدون غير الله ويجورون في الأفعال، إذ هي بحسب شهواتهم، والخاسر: الذي نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز، والخسران: النقص كان في ميزان أو غيره). [المحرر الوجيز: 1/ 158-160]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {كيف تكفرون} لفظه الاستفهام وليس به، بل هو تقرير وتوبيخ، أي: كيف تكفرون بالله ونعمه عليكم وقدرته هذه؟
وكيف في موضع نصب على الحال والعامل فيها تكفرون، وتقديرها أجاحدين تكفرون أمنكرين تكفرون؟
وكيف مبنية، وخصت بالفتح لخفته،
ومن قال إن كيف تقرير وتعجب فمعناه إن هذا الأمر إن عن فحقه أن يتعجب منه لغرابته وبعده عن المألوف من شكر المنعم،
والواو في قوله وكنتم واو الحال،
واختلف في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين:
- فقال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد: «فالمعنى كنتم أمواتا معدومين قبل أن تخلقوا دارسين، كما يقال للشيء الدارس ميت، ثم خلقتم وأخرجتم إلى الدنيا فأحياكم ثم أماتكم الموت المعهود، ثم يحييكم للبعث يوم القيامة».
- وقال آخرون: «كنتم أمواتا بكون آدم من طين ميتا قبل أن يحيى ثم نفخ فيه الروح فأحياكم بحياة آدم ثم يميتكم ثم يحييكم» على ما تقدم.
- وقال قتادة: «كنتم أمواتا في أصلاب آبائكم فأخرجتم إلى الدنيا فأحياكم» ثم كما تقدم.
- وقال غيره: «كنتم أمواتا في الأرحام قبل نفخ الروح ثم أحياكم بالإخراج إلى الدنيا» ثم كما تقدم.
- وقال ابن زيد: «إن الله تعالى أخرج نسم بني آدم أمثال الذر ثم أماتهم بعد ذلك فهو قوله وكنتم أمواتا، ثم أحياهم بالإخراج إلى الدنيا» ثم كما تقدم.
- وقال ابن عباس وأبو صالح: «كنتم أمواتا بالموت المعهود ثم أحياكم للسؤال في القبور، ثم أماتكم فيها، ثم أحياكم للبعث».
- وروي عن ابن عباس أيضا أنه قال: «وكنتم أمواتا بالخمول فأحياكم بأن ذكرتم وشرفتم بهذا الدين والنبي الذي جاءكم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والقول الأول هو أولى هذه الأقوال، لأنه الذي لا محيد للكفار عن الإقرار به في أول ترتيبه، ثم إن قوله أولا {كنتم أمواتاً} وإسناده آخرا الإماتة إليه تبارك وتعالى مما يقوي ذلك القول، وإذا أذعنت نفوس الكفار لكونهم أمواتا معدومين ثم للإحياء في الدنيا ثم للإماتة فيها قوي عليهم لزوم الإحياء الآخر، وجاء جحدهم له دعوى لا حجة عليها، والضمير في {إليه} عائد على الله تعالى أي: إلى ثوابه أو عقابه، وقيل: هو عائد على الاحياء، والأول أظهر.
وقرأ جمهور الناس «ترجعون» بضم التاء وفتح الجيم.
وقرأ ابن أبي إسحاق وابن محيصن وابن يعمر وسلام والفياض بن غزوان ويعقوب الحضرمي: «يرجع ويرجعون وترجعون» بفتح الياء والتاء حيث وقع). [المحرر الوجيز: 1/ 160-161]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وخلق معناه: اخترع وأوجد بعد العدم، وقد يقال في الإنسان خلق بعد إنشائه شيئا، ومنه قول الشاعر:

ولأنت تفري ما خلقت وبعض.......القوم يخلق ثم لا يفري
ومنه قول الآخر:

من كان يخلق ما يقو.......ل فحيلتي فيه قليله
ولكم: معناه للاعتبار، ويدل على ذلك ما قبله وما بعده من نصب العبر: الإحياء، والإماتة، والخلق، والاستواء إلى السماء وتسويتها.
وقال قوم: بل معنى لكم إباحة الأشياء وتمليكها، وهذا قول من يقول إن الأشياء قبل ورود السمع على الإباحة بينته هذه الآية، وخالفهم في هذا التأويل القائلون بالحظر، والقائلون بالوقف، وأكثر القائلين بالحظر استثنوا أشياء اقتضت حالها مع وجود الإنسان الإباحة كالتنفس والحركة ويرد على القائلين بالحظر كل حظر في القرآن وعلى القائلين بالإباحة كل تحليل في القرآن وإباحة، ويترجح الوقف إذا قدرنا نازلة لا يوجد فيها سمع ولا تتعلق به.
ومعنى الوقف أنه استنفاد جهد الناظر فيما يحزب من النوازل.
وحكى ابن فورك عن ابن الصائغ أنه قال: «لم يخل العقل قط من السمع ولا نازلة إلا وفيها سمع أولها به تعلق أولها حال تستصحب». قال: «فينبغي أن يعتمد على هذا، ويغني عن النظر في حظر وإباحة ووقف»، و{جميعاً} نصب على الحال.
وقوله تعالى: {ثمّ استوى}، ثمّ هنا هي لترتيب الأخبار لا لترتيب الأمر في نفسه، واستوى:
- قال قوم: «معناه علا دون تكييف ولا تحديد»، هذا اختيار الطبري، والتقدير علا أمره وقدرته وسلطانه.
- وقال ابن كيسان: «معناه قصد إلى السماء». قال القاضي أبو محمد رحمه الله: أي: بخلقه واختراعه.
- وقيل: معناه: كمل صنعه فيها كما تقول: استوى الأمر. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قلق.
- وحكى الطبري عن قوم: أن المعنى أقبل، وضعفه.
- وحكي عن قوم «المستوي» هو الدخان. وهذا أيضا يأباه رصف الكلام،
- وقيل: المعنى استولى، كما قال الشاعر الأخطل:

قد استوى بشر على العراق.......من غير سيف ودم مهراق
وهذا إنما يجيء في قوله تعالى: {على العرش استوى} [طه: 5].
والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث، ويبقى استواء القدرة والسلطان.
{فسوّاهنّ} قيل: المعنى جعلهن سواء، وقيل: سوى سطوحها بالإملاس، وسبع نصب على البدل من الضمير، أو على المفعول بـ«سوّى»، بتقدير حذف الجار من الضمير، كأنه قال: فسوّى منهن سبع، وقيل: نصب على الحال، وقال: سواهن إما على أن السماء جمع، وإما على أنه مفرد اسم جنس، فهو دال على الجمع.
وقوله تعالى: {وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ} معناه بالموجودات وتحقق علمه بالمعدومات من آيات أخر، وهذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خلق قبل السماء، وذلك صحيح، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء، وبهذا تتفق معاني الآيات: هذه والتي في سورة المؤمن وفي النازعات). [المحرر الوجيز: 1 /161-164]


رد مع اقتباس