عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 11:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين (2)}
الاسم من ذلك الذال والألف، وقيل الذال وحدها، والألف تقوية، واللام لبعد المشار إليه وللتأكيد، والكاف للخطاب، وموضع ذلك رفع كأنه خبر ابتداء، أو ابتداء وخبره بعده، واختلف في ذلك هنا فقيل: هو بمعنى «هذا»، وتكون الإشارة إلى هذه الحروف من القرآن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذلك أنه قد يشار بـ «ذلك» إلى حاضر تعلق به بعض الغيبة وب «هذا» إلى غائب هو من الثبوت والحضور بمنزلة وقرب.
وقيل: هو على بابه إشارة إلى غائب، واختلف في ذلك الغائب، فقيل: ما قد كان نزل من القرآن، وقيل: التوراة والإنجيل، وقيل: اللوح المحفوظ أي الكتاب الذي هو القدر،وقيل: إن الله قد كان وعد نبيه أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء، فأشار إلى ذلك الوعد.
وقال الكسائي: «ذلك إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعد».
وقيل: إن الله قد كان وعد أهل الكتاب أن ينزل على محمد كتابا، فالإشارة إلى ذلك الوعد. وقيل: إن الإشارة إلى حروف المعجم في قول من قال الم حروف المعجم التي تحديتكم بالنظم منها.
ولفظ الكتاب مأخوذ من «كتبت الشيء» إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض ككتب الخرز بضم الكاف وفتح التاء وكتب الناقة.
ورفع الكتاب يتوجه على البدل أو على خبر الابتداء أو على عطف البيان.
{ولا ريب فيه} معناه: لا شكّ فيه ولا ارتياب به والمعنى أنه في ذاته لا ريب فيه وإن وقع ريب للكفار.
وقال قوم: لفظ قوله لا ريب فيه لفظ الخبر ومعناه النهي.
وقال قوم: هو عموم يراد به الخصوص أي عند المؤمنين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف.
وقرأ الزهري، وابن محيصن، ومسلم بن جندب، وعبيد بن عمير: «فيه» بضم الهاء وكذلك «إليه» و «عليه» و «به» و «نصله» ونوله وما أشبه ذلك حيث وقع على الأصل. وقرأ ابن إسحاق: «فيهو» ضم الهاء ووصلها بواو.
و{هدىً}: معناه رشاد وبيان، وموضعه، من الإعراب رفع على أنه خبر ذلك، أو خبر ابتداء مضمر، أو ابتداء وخبره في المجرور قبله، ويصح أن يكون موضعه نصبا على الحال من ذلك، أو من الكتاب، ويكون العامل فيه معنى الإشارة، أو من الضمير في فيه، والعامل معنى الاستقرار وفي هذا القول ضعف.
وقوله: {للمتّقين} اللفظ مأخوذ من وقى، وفعله اتّقى، على وزن افتعل، وأصله «للموتقيين» استثقلت الكسرة على الياء فسكنت وحذفت للالتقاء، وأبدلت الواو تاء على أصلهم في اجتماع الواو والتاء، وأدغمت التاء في التاء فصار للمتّقين. والمعنى: الذين يتقون الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب معاصيه، كان ذلك وقاية بينهم وبين عذاب الله). [المحرر الوجيز: 1/102-104]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون (3)}
يؤمنون معناه يصدقون ويتعدى بالباء، وقد يتعدى باللام كما قال تعالى: {ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم} [آل عمران: 73] وكما قال: {فما آمن لموسى} [يونس: 83] وبين التعديتين فرق، وذلك أن التعدية باللام في ضمنها تعدّ بالباء يفهم من المعنى.
واختلف القراء في همز يؤمنون فكان ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي يهمزون «يؤمنون» وما أشبه، مثل يأكلون، ويأمرون، ويؤتون وكذلك مع تحرك الهمزة مثل «يؤخركم» و «يؤوده» إلا أن حمزة كان يستحب ترك الهمز إذا وقف، والباقون يقفون بالهمز.
وروى ورش عن نافع ترك الهمز في جميع ذلك. وقد روي عن عاصم أنه لم يكن يهمز الهمزة الساكنة.
وكان أبو عمرو إذا أدرج القراءة أو قرأ في الصلاة لم يهمز كل همزة ساكنة، إلا أنه كان يهمز حروفا من السواكن بأعيانها ستذكر في مواضعها إن شاء الله.
وإذا كان سكون الهمزة علامة للجزم لم يترك همزها مثل: ننسأها [البقرة: 105]، وهيّئ لنا [الكهف: 8] وما أشبهه.
وقوله: {بالغيب} قالت طائفة: معناه يصدقون إذا غابوا وخلوا، لا كالمنافقين الذين يؤمنون إذا حضروا ويكفرون إذا غابوا. وقال آخرون: معناه يصدقون بما غاب عنهم مما أخبرت به الشرائع.
واختلفت عبارة المفسرين في تمثيل ذلك، فقالت فرقة: «الغيب في هذه الآية هو الله عز وجل»، وقال آخرون: «القضاء والقدر»، وقال آخرون: «القرآن وما فيه من الغيوب»، وقال آخرون: «الحشر والصراط والميزان والجنة والنار».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذه الأقوال لا تتعارض، بل يقع الغيب على جميعها».
والغيب في اللغة: ما غاب عنك من أمر، ومن مطمئن الأرض الذي يغيب فيه داخله.
وقوله: يقيمون معناه يظهرونها ويثبتونها، كما يقال: أقيمت السوق، وهذا تشبيه بالقيام من حالة خفاء، قعود أو غيره، ومنه قول الشاعر:

وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا ....... حتى تقيم الخيل سوق طعان

ومنه قول الشاعر:
أقمنا لأهل العراقين سوق الطّ ....... طعان فخاموا وولّوا جميعا

وأصل يقيمون يقومون، نقلت حركة الواو إلى القاف فانقلبت ياء لكون الكسرة قبلها. والصّلاة مأخوذة من صلى يصلي إذا دعا، كما قال الشاعر:
عليك مثل الذي صلّيت فاغتمضي ....... يوما فإنّ لجنب المرء مضطجعا

ومنه قول الآخر:
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها ....... وإن ذبحت صلّى عليها وزمزما

فلما كانت الصلاة في الشرع دعاء انضاف إليه هيئات وقراءة سمي جميع ذلك باسم الدعاء. وقال قوم: هي مأخوذة من الصّلا وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب فيكتنفه، ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل، لأنه يأتي مع صلوي السابق، فاشتقّت الصلاة منه، إما لأنها جاءت ثانية للإيمان فشبهت بالمصلّي من الخيل، وإما لأن الراكع والساجد صلواه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والقول إنها من الدعاء أحسن».
وقوله تعالى: {وممّا رزقناهم ينفقون}، كتبت «مما» متصلة «وما» بمعنى «الذي» فحقّها أن تكون منفصلة، إلا أن الجار والمجرور كشيء واحد، وأيضا فلما خفيت نون «من» في اللفظ حذفت في الخط.
والرزق عند أهل السنة: ما صح الانتفاع به حلالا كان أو حراما، بخلاف قول المعتزلة إن الحرام ليس برزق، {وينفقون}: معناه هنا يؤتون ما ألزمهم الشرع من زكاة وما ندبهم إليه من غير ذلك.
قال ابن عباس: «ينفقون يؤتون الزكاة احتسابا لها».
قال غيره: «الآية في النفقة في الجهاد».
قال الضحاك: «هي نفقة كانوا يتقربون بها إلى الله عز وجل على قدر يسرهم».
قال ابن مسعود وابن عباس أيضا: «هي نفقة الرجل على أهله».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والآية تعمّ الجميع، وهذه الأقوال تمثيل لا خلاف». ). [المحرر الوجيز: 1/104-107]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4) أولئك على هدىً من ربّهم وأولئك هم المفلحون (5)}
اختلف المتأولون فيمن المراد بهذه الآية وبالتي قبلها.
فقال قوم: «الآيتان جميعا في جميع المؤمنين».
وقال آخرون: «هما في مؤمني أهل الكتاب».
وقال آخرون: «الآية الأولى في مؤمني العرب، والثانية في مؤمني أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وفيه نزلت».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فمن جعل الآيتين في صنف واحد فإعراب والّذين خفض على العطف، ويصح أن يكون رفعا على الاستئناف، «أي وهم الذين» ومن جعل الآيتين في صنفين، فإعراب «الذين» رفع على الابتداء، وخبره أولئك على هدىً ويحتمل أن يكون عطفا.
وقوله: {بما أنزل إليك} يعني القرآن ،{وما أنزل من قبلك} يعني الكتب السالفة. وقرأ أبو حيوة ويزيد بن قطيب. «بما أنزل وما أنزل» بفتح الهمزة فيهما خاصة. والفعل على هذا يحتمل أن يستند إلى الله تعالى، ويحتمل إلى جبريل، والأول أظهر وألزم.
{وبالآخرة} قيل معناه بالدار الآخرة، وقيل بالنشأة الآخرة.
و{يوقنون} معناه يعلمون علما متمكنا في نفوسهم. واليقين أعلى درجات العلم، وهو الذي لا يمكن أن يدخله شك بوجه وقول مالك رحمه الله: «فيحلف على يقينه ثم يخرج الأمر على خلاف ذلك» تجوّز منه في العبارة على عرف تجوّز العرب، ولم يقصد تحرير الكلام في اليقين.
وقوله تعالى: {أولئك} إشارة إلى المذكورين، و «أولاء» جمع «ذا»، وهو مبني على الكسر لأنه ضعف لإبهامه عن قوة الأسماء، وكان أصل البناء السكون فحرك لالتقاء الساكنين، والكاف للخطاب، و «الهدى» هنا الإرشاد.
{وأولئك} الثاني ابتداء، والمفلحون خبره، وهم فصل، لأنه وقع بين معرفتين ويصح أن يكون هم ابتداء، والمفلحون خبره، والجملة خبر أولئك، والفلاح الظفر بالبغية وإدراك الأمل ومنه قول لبيد:
اعقلي إن كنت لمّا تعقلي ....... ولقد أفلح من كان عقل

وقد وردت للعرب أشعار فيها الفلاح بمعنى البقاء، كقوله:
... ... ... ... ....... ونرجو الفلاح بعد عاد وحمير

وقول الأضبط:
لكلّ همّ من الهموم سعه ....... والصّبح والمسى لا فلاح معه

والبقاء يعمه إدراك الأمل والظفر بالبغية، إذ هو رأس ذلك وملاكه وحكى الخليل الفلاح على المعنيين). [المحرر الوجيز: 1/107-109]


رد مع اقتباس