عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:56 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) }
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي مجلز، في قوله عزّ وجلّ: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} قال: «النذور في المعاصي»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 643]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالاً طيّبًا ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ}:
يعني تعالى ذكره بذلك: يا أيّها النّاس كلوا ممّا أحللت لكم من الأطعمة على لسان رسولي محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فطيّبته لكم ممّا تحرّمونه على أنفسكم من البحائر، والسّوائب، والوصائل، وما أشبه ذلك ممّا لم أحرّمه عليكم، دون ما حرّمته عليكم من المطاعم، والمآكل فنجّسته من ميتةٍ، ودمٍ، ولحم خنزيرٍ وما أهلّ به لغيري، ودعوا خطوات الشّيطان الّذي يوبقكم فيهلككم ويوردكم موارد العطب ويحرّم عليكم أموالكم فلا تتّبعوها ولا تعملوا بها، إنّه يعني بقوله: {إنّه} إنّ الشّيطان، والهاء في قوله: {إنّه} عائدةٌ على الشّيطان {لكم} أيّها النّاس {عدوٌّ مبينٌ} يعني أنّه قد أبان لكم عداوته بإبائه السّجود لأبيكم وغروره إيّاه حتّى أخرجه من الجنّة واستزلّه بالخطيئة، وأكل من الشّجرة. يقول تعالى ذكره: فلا تنتصحوه أيّها النّاس مع إبانته لكم العداوة، ودعوا ما يأمركم به، والتزموا طاعتي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه ممّا أحللته لكم وحرّمته عليكم، دون ما حرّمتموه أنتم على أنفسكم وحلّلتموه طاعةً منكم للشّيطان واتّباعًا لأمره. ومعنى قوله: {حلالاً} طلقًا، وهو مصدرٌ من قول القائل: قد حلّ لك هذا الشّيء، أي صار لك مطلقًا، فهو يحلّ لك حلالاً وحلًّا، من كلام العرب: هو لك حلٌّ، أي طلقٌ.
وأمّا قوله: {طيّبًا} فإنّه يعني به طاهرًا غير نجسٍ ولا محرّمٍ.
وأمّا الخطوات فإنّه جمع خطوةٍ، والخطوة: بعد ما بين قدمي الماشي، والخطوة بفتح الخاء: الفعلة الواحدة، من قول القائل: خطوت خطوةً واحدةً؛ وقد تجمع الخطوة خطًا، والخطوة تجمع خطواتٍ وخطاءٌ.
والمعنى في النّهي عن اتّباع خطواته، النّهي عن طريقه وأثره فيما دعا إليه ممّا هو خلاف طاعة اللّه تعالى ذكره.
واختلف أهل التّأويل في معنى الخطوات، فقال بعضهم: خطوات الشّيطان: عمله.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {خطوات الشّيطان} يقول: «عمله».
وقال بعضهم: خطوات الشّيطان: خطاياه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {خطوات الشّيطان} قال: «خطيئته».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «خطاياه».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} قال: «خطاياه».
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، قوله: {خطوات الشّيطان} قال: «خطايا الشّيطان الّتي يأمر بها».
وقال آخرون: خطوات الشّيطان: طاعته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} يقول: «طاعته».
وقال آخرون: خطوات الشّيطان: النّذور في المعاصي.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن سليمان، عن أبي مجلزٍ، في قوله: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} قال: «هي النّذور في المعاصي».
وهذه الأقوال الّتي ذكرناها عمّن ذكرناها عنه في تأويل قوله: {خطوات الشّيطان} قريبٌ معنى بعضها من بعضٍ؛ لأنّ كلّ قائلٍ منهم قولاً في ذلك فإنّه أشار إلى نهي اتّباع الشّيطان في آثاره وأعماله. غير أنّ حقيقة تأويل الكلمة هو ما بيّنت من أنّها بعد ما بين قدميه، ثمّ تستعمل في جميع آثاره وطرقه على ما قد بيّنت). [جامع البيان: 3/ 36-39]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {يا أيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالا طيبا}
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 279]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبين}:
الوجه الأول:

- حدّثني أبي، ثنا حسّان بن عبد اللّه المصريّ، ثنا السّريّ بن يحيى، عن سليمان التّيميّ، عن أبي رافعٍ، قال: «غضبت على امرأتي فقال: هي يوم يهودية ويوم نصرانيّةٌ وكلّ مملوكٍ لها حرٌّ إن لم تطلّق امرأتك، فأتيت عبد اللّه بن عمر فقال: إنّما هذه من خطوات الشّيطان». وكذلك قالت زينب بنت أمّ سلمة، وهي يومئذٍ أفقه امرأةٍ بالمدينة، وابنة عاصم بن عمر فقالا: مثل ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عبد الرّحمن بن خلف بن عبد الرّحمن الحمصيّ، عبد الرّحمن، ثنا محمّد بن شعيبٍ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، ثنا منصور بن المعتمر، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: «أتي عبد اللّه بن مسعودٍ بضرعٍ وملحٍ، فجعل يأكل فاعتزل رجلٌ من القوم. فقال ابن مسعودٍ: ناولوا صاحبكم فقال: لا أريده. قال:
أصائمٌ أنت؟ قال: لا. قال: فما شأنك؟ قال: حرّمت أن آكل ضرعًا أبدًا. فقال ابن مسعودٍ: هذا من خطوات الشّيطان، فاطعم وكفّر عن يمينك».
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن داود، عن الشّعبيّ: «في رجلٍ، نذر أن ينحر ابنه. قال: أفتاه مسروقٌ، قال: هي من خطوات الشّيطان، وافتداه بكبشٍ».
الوجه الرّابع:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة الخشّابيّ، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان}، قال: «خطاه»، أو قال: «خطاياه».
- حدّثني أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة: {خطوات الشّيطان} قال: «نزغات الشيطان».
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، أنبأ جريرٌ، عن سليمان التّيميّ، عن أبي مجلزٍ، في قوله: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} قال: «النّذور في المعاصي».
- حدّثنا أبي، ثنا ثابت بن محمّدٍ الزّاهد، ثنا حسينٌ الجعفيّ، عن القاسم بن الوليد الهمدانيّ، قال: «سألت قتادة عن قول اللّه قلت: أرأيت قوله: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} قال: كلّ معصيةٍ للّه فهي من خطوات الشّيطان». وروي عن السّدّيّ نحو قول قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 280-281]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الشّيطان}:
- حدّثنا أبي، ثنا خالد بن خداشٍ المهلّبيّ، ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن الزّبير بن خريثٍ، عن عكرمة قال: «إنّما سمّي الشّيطان: لأنّه تشيطن».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّما يأمركم بالسّوء} قال: «السّوء: المعصية»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 281]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {لا تتبعوا خطوات الشيطان} قال: «خطاه»). [تفسير مجاهد: 94]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}:
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: تليت هذه الآية عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا} فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله أدع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: «يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه فما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} قال: «عمله».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «ما خالف القرآن فهو من خطوات الشيطان».
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} قال: «خطأه».
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة: «{ولا تتبعوا خطوات الشيطان} نزغات الشيطان».
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله: {خطوات الشيطان} قال: «تزيين الشيطان».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: «كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: «ما كان من يمين أو نذر في غضب فهو من خطوات الشيطان وكفارته كفارة يمين».
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود: «أنه أتى بضرع وملح فجعل يأكل فاعتزل رجل من القوم، فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم، فقال: لا أريد، فقال: أصائم أنت قال: لا، قال: فما شأنك قال: حرمت أن آكل ضرعا أبدا، فقال ابن مسعود: هذا من خطوات الشيطان فاطعم وكفر عن يمينك».
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز في قوله: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} قال: «النذور في المعاصي».
وأخرج عبد بن حميد عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي قال: «جاء رجل إلى الحسن فسأله وأنا عنده فقال له: حلفت إن لم أفعل كذا وكذا أن أحج حبوا، فقال: هذا من خطوات الشيطان فحج واركب وكفر عن يمينك».
وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن غياث قال: «سألت جابر بن زيد عن رجل نذر أن يجعل في أنفه حلقة من ذهب فقال: هي من خطوات الشيطان ولا يزال عاصيا لله فليكفر عن يمينه».
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: «إنما سمى الشيطان لأنه يشيطن»). [الدر المنثور: 2/ 126-128]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) }

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما يأمركم بالسّوء والفحشاء وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {إنّما يأمركم} الشّيطان {بالسّوء والفحشاء وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} والسّوء: الإسم مثل الضّرّ من قول القائل: ساءك هذا الأمر يسوءك سوءًا؛ وهو ما يسوء الفاعل.
وأمّا الفحشاء: فهي مصدرٌ مثل السّرّاء، والضّرّاء، وهي كلّ ما استفحش ذكره، وقبح مسموعه.
وقيل: إنّ السّوء الّذي ذكره اللّه هو معاصي اللّه؛ فإن كان ذلك كذلك، فإنّما سمّاها اللّه سوءًا؛ لأنّها تسوء صاحبها بسوء عاقبتها له عند اللّه.
وقيل: إنّ الفحشاء: الزّنا؛ فإن كان ذلك كذلك، فإنّما سمّى بذلك لقبح مسموعه ومكروه ما يذكر به فاعله.
ذكر من قال ذلك.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{إنّما يأمركم بالسّوء والفحشاء} أما السّوء فالمعصية، وأمّا الفحشاء فالزّنا».
وأمّا قوله: {وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} فهو ما كانوا يحرّمون من البحائر، والسّوائب، والوصائل، والحوامي، ويزعمون أنّ اللّه حرّم ذلك، فقال تعالى ذكره لهم: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون} وأخبرهم تعالى ذكره في هذه الآية أنّ قيلهم إنّ اللّه حرّم هذا من الكذب الّذي يأمرهم به الشّيطان، وأنّه قد أحلّه لهم وطيّبه، ولم يحرّم أكله عليهم، ولكنّهم يقولون على اللّه ما لا يعلمون حقيقته طاعةً منهم للشّيطان، واتّباعًا منهم خطواته، واقتفاءً منهم آثار أسلافهم الضّلاّل وآبائهم الجهّال، الّذين كانوا باللّه وبما أنزل على رسوله جهّالاً، وعن الحقّ ومنهاجه ضلالاً؛ وانصرافًا منهم، كما أنزل اللّه في كتابه على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال تعالى ذكره: {وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون}). [جامع البيان: 3/ 39-41]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {إنّما يأمركم بالسّوء والفحشاء وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون (169) وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون (170)}:

قوله: {والفحشاء وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون}:
وبه عن السّدّيّ: {والفحشاء} قال: «أمّا الفحشاء: فالزّنا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 281]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {إنما يأمركم بالسوء} قال: «المعصية، {والفحشاء} قال: الزنا {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} قال: هو ما كانوا يحرمون من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي ويزعمون أن الله حرم ذلك»). [الدر المنثور: 2/ 128]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون}:
وفي هذه الآية وجهان من التّأويل أحدهما أن تكون الهاء والميم من قوله: {وإذا قيل لهم} عائدةٌ على من في قوله: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أندادًا} فيكون معنى الكلام: ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أندادًا، وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا.
والآخر أن تكون الهاء والميم اللّتان في قوله: {وإذا قيل لهم} من ذكر النّاس الّذين في قوله: {يا أيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالاً طيّبًا} فيكون ذلك انصرافًا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب كما في قوله تعالى ذكره: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ}، وأشبه عندي وأولى بالآية أن تكون الهاء والميم في قوله: {يا أيّها النّاس}، وأن يكون ذلك رجوعًا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب، لأنّ ذلك عقيب قوله: {يا أيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض} فلأن يكون خبرًا عنهم أولى من أن يكون خبرًا عن الّذين أخبر عنهم أنّ منهم من يتّخذ من دون اللّه أندادًا مع ما بينهما من الآيات وانقطاع قصصهم بقصّةٍ مستأنفةٍ غيرها، وأنّها نزلت في قومٍ من اليهود، قالوا ذلك إذ دعوا إلى الإسلام.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغّبهم فيه، وحذّرهم عذاب اللّه ونقمته، فقال له رافع بن خارجة، ومالك بن عوفٍ: بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيرًا منّا فأنزل اللّه فى ذلك من قولهما: {وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون}».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ مثله، إلاّ أنّه قال: «فقال له أبو رافع بن خارجة، ومالك بن عوفٍ».

- وأمّا تأويل قوله: {اتّبعوا ما أنزل اللّه} فإنّه: اعملوا بما أنزل اللّه في كتابه على رسوله، فأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه، واجعلوه لكم إمامًا تأتمّون به، وقائدًا تتّبعون أحكامه.
وقوله: {ألفينا عليه آباءنا} يعني وجدنا كما قال الشّاعر:


فألفيته غير مستعتبٍ ....... ولا ذاكر اللّه إلاّ قليلا

يعني وجدته.
- وكما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا} أي ما وجدنا عليه آباءنا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
فمعنى الآية: وإذا قيل لهؤلاء الكفّار كلوا ممّا أحلّ اللّه لكم ودعوا خطوات الشّيطان وطريقه واعملوا بما أنزل اللّه على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابه، استكبروا عن الإذعان للحقّ، وقالوا: بل نأتمّ بآبائنا فنتّبع ما وجدناهم عليه من تحليل ما كانوا يحلّون وتحريم ما كانوا يحرّمون؛ قال اللّه تعالى ذكره: {أولو كان آباؤهم} يعني آباء هؤلاء الكفّار الّذين مضوا على كفرهم باللّه العظيم لا يعقلون شيئًا من دين اللّه وفرائضه وأمره ونهيه، فيتّبعون على ما سلكوا من الطّريق ويؤتمّ بهم في أفعالهم ولا يهتدون لرشدٍ فيهتدي بهم غيرهم، ويقتدي بهم من طلب الدّين، وأراد الحقّ والصّواب؟
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفّار: فكيف أيّها النّاس تتّبعون ما وجدتم عليه آباءكم فتتركون ما يأمركم به ربّكم وآباؤكم لا يعقلون من أمر اللّه شيئًا ولا هم مصيبون حقًّا ولا مدركون رشدًا؟ وإنّما يتّبع المتّبع ذا المعرفة بالشّيء المستعمل له في نفسه، فأمّا الجاهل فلا يتّبعه فيما هو به جاهلٌ إلاّ من لا عقل له ولا تمييز). [جامع البيان: 3/ 42-44]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتبع ما ألفينا}:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق قال: وحدّثني محيي بن أبي محمّدٍ، يعني مولى آل زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ، قال: «دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اليهود إلى الإسلام، فرغّبهم فيه، وحذّرهم عذاب اللّه ونقمته، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوفٍ: بل نتّبع يا محمّد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيرًا منّا، فأنزل اللّه تبارك وتعالى في ذلك من قولهما: {وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون}».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{بل نتّبع ما ألفينا} أي: ما وجدنا». وروي عن قتادة الربيع نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 281]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما آلفينا عليه آباءنا أولو كان أباءهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}:
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف: بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيرا منا فأنزل الله في ذلك: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا} الآية».
وأخرج الطستي عن ابن عباس: «أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {ما ألفينا} قال: يعني وجدنا، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول نابغة بن ذبيان: فحسبوه فألفوه كما زعمت * تسعا وتسعين لم ينقص ولم يزد».
وأخرج ابن جرير عن الربيع وقتادة في قوله: {ما ألفينا} قالا: «وجدنا»). [الدر المنثور: 2/ 129]

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) }

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {كمثل الذي ينعق بما لا يسمع} قال: «هذا مثل ضربه الله تعالى للكافر يقول مثل هذا الكافر كمثل هذه البهيمة التي تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها فكذلك الكافر يقال له ولا ينتفع بما يقال له»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 65]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن خصيفٍ عن عكرمة في قول الله جل وعز: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء} قال: «الشاة والبقر والبعير»).
[تفسير الثوري: 55]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله عزّ وجلّ: {لا يسمع إلا دعاءً ونداءً} قال: «هو مثل الحمار والشّاة ونحو ذلك من البهائم»).
[جزء تفسير عطاء الخراساني: 101]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون}:
اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: مثل الكافر في قلّة فهمه عن اللّه ما يتلى عليه من كتابه وسوء قبوله لما يدعى إليه من توحيد اللّه ويوعظ به، مثل البهيمة الّتي تسمع الصّوت إذا نعق بها ولا تعقل ما يقال لها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً} قال: «مثل البعير أو مثل الحمار تدعوه فيسمع الصّوت ولا يفقه ما تقول».
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا يوسف بن خالدٍ السّمتيّ، قال: حدّثنا نافع بن مالكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع} قال: «هو مثل الشّاة ونحو ذلك».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: «{ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً} كمثل البعير، والحمار، والشّاة إن قلت لبعضها كلٌّ لا يعلم ما تقول غير أنّه يسمع صوتك، وكذلك الكافر إن أمرته بخيرٍ أو نهيته عن شرٍّ أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنّه يسمع صوتك».
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: «مثل الدّابّة تنادى فتسمع، ولا تعقل ما يقال لها، كذلك الكافر يسمع الصّوت، ولا تعقل».
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع} قال: «مثل الكافر مثل البهيمة تسمع الصّوت ولا تعقل».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{كمثل الّذي ينعق} مثلٌ ضربه اللّه للكافر يسمع ما يقال له ولا يعقل، كمثل البهيمة تسمع النّعيق، ولا تعقل».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً} يقول: «مثل الكافر كمثل البعير، والشّاة تسمع الصّوت ولا تدري ما عني به».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً} قال: «هو مثلٌ ضربه اللّه للكافرٍ، يقول: مثل هذا الكافر مثل هذه البهيمة الّتي تسمع الصّوت ولا تدري ما يقال لها، فكذلك الكافر يقال له ولا ينتفع بما يقال له».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: «هو مثل الكافر يسمع الصّوت ولا يعقل ما يقال له».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: «سألت عطاءً، ثمّ قلت له يقال لا تعقل، يعني البهيمة، إلاّ أنّها تسمع دعاء الراعي حين ينعق بها، فهم كذلك لا يعقلون وهم يسمعون. فقال: كذلك».
قال وقال مجاهدٌ: «الّذي ينعق الرّاعي ينعق بما لا يسمع من البهائم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{كمثل الّذي ينعق} الرّاعي بما لا يسمع من البهائم».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً} لا يعقل ما يقال له إلاّ أن تدعى فتأتي أو ينادى بها فتذهب، وأمّا الّذي ينعق فهو الرّاعي الغنم كما ينعق الرّعي بما لا يسمع ما يقال له، إلاّ أن يدعى أو ينادى، فكذلك محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو من لا يسمع إلاّ حوير الكلام يقول اللّه: {صمٌّ بكمٌ عميٌ}».
ومعنى قائلي هذا القول في تأويلهم ما تأوّلوا على ما حكيت عنهم: ومثل وعظ الّذين كفروا وواعظهم كمثل نعق النّاعق بغنمه ونعيقه به. فأضيف المثل إلى الّذين كفروا، وترك ذكر الوعظ والواعظ لدلالة الكلام على ذلك، كما يقال: إذا لقيت فلانًا فعظّمه تعظيم السّلطان، يراد به كما تعظّم السّلطان، وكما قال الشّاعر:


فلست مسلّمًا ما دمت حيًّا ....... على زيدٍ بتسليم الأمير

يراد به: كما يسلّم على الأمير.
وقد يحتمل أن يكون المعنى على هذا التّأويل الّذي تأوّله هؤلاء: {ومثل الّذين كفروا} في قلّة فهمهم عن اللّه وعن رسوله كمثل المنعوق به من البهائم الّذي لا يفقه من الأمر والنّهي غير الصّوت، وذلك أنّه لو قيل له: اعتلف أو رد الماء لم يدر ما يقال له غير الصّوت الّذي يسمعه من قائله فكذلك الكافر، مثله في قلّة فهمه لما يؤمر به وينهى عنه بسوء تدبّره إيّاه وقلّة نظره وفكره فيه مثل هذا المنعوق به فيما أمر به ونهي عنه. فيكون المعنى للمنعوق به والكلام خارجٌ على النّاعق، كما قال نابغة بني ذبيان:


وقد خفت حتّى ما تزيد مخافتي ....... على وعلٍ في ذي المطارة عاقل

والمعنى: حتّى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي، وكما قال الآخر:

كانت فريضة ما تقول كما ....... كان الزّناء فريضة الرّجم

والمعنى: كما كان الرّجم فريضة الزّنا فجعل الزّنا فريضة الرّجم لوضوح معنى الكلام عند سامعيه. وكما قال الآخر:

إنّ سراجًا لكريمٌ مفخره ....... تحلى به العين إذا ما تجهره

والمعنى: يحلى بالعين فجعله تحلى به العين ونظائر ذلك من كلام العرب أكثر من أن يحصى
ممّا توجّهه العرب من خبر ما تخبر عنه إلى ما صاحبه لظهور معنى ذلك عند سامعيه، فتقول: اعرض الحوض على النّاقة، وإنّما تعرض النّاقة على الحوض، وما أشبه ذلك من كلامها.
وقال آخرون: معنى ذلك: ومثل الّذين كفروا في دعائهم آلهتهم وأوثانهم الّتي لا تسمع ولا تعقل، كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً، وذلك الصّدى الّذي يسمع صوته، ولا يفهم عن النّاعق به شيئًا.
فتأويل الكلام على قول قائل ذلك: ومثل الّذين كفروا وآلهتهم في دعائهم إيّاها وهي لا تفقه ولا تعقل كمثل النّاعق بما لا يسمعه النّاعق إلاّ دعاءً ونداءً، أي لا يسمع منه النّاعق إلاّ دعاءه ونداءً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: «{ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً} قال الرّجل الّذي يصيح في جوف الجبال فيجيبه فيها صوتٌ يراجعه يقال له الصّدى، فمثل آلهة هؤلاء لهم كمثل الّذي يجيبه بهذا الصّوت لا ينفعه لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً قال: والعرب تسمّي ذلك الصّدى.
وقد تحتمل الآية على هذا التّأويل وجهًا آخر غير ذلك، وهو أن يكون معناها: ومثل الّذين كفروا في دعائهم آلهتهم الّتي لا تفقه دعاءهم كمثل النّاعق بغنمٍ له من حيث لا تسمع صوته غنمه فلا تنتفع من نعيقه بشيءٍ غير أنّه في عناءٍ من دعاءٍ ونداءٍ، فكذلك الكافر في دعائه آلهته إنّما هو في عناءٍ من دعائه إيّاها وندائه لها، ولا تنفعه شيئا.
وأولى التّأويلين عندي بالآية التّأويل الأوّل الّذي قاله ابن عبّاسٍ ومن وافقه عليه، وهو أنّ معنى الآية: ومثل وعظ الكافر وواعظه كمثل النّاعق بغنمه ونعيقه، فإنّه يسمع نعقه ولا يعقل كلامه على ما قد بيّنّا قبل.
فأمّا وجه جواز حذف وعظ اكتفاءٌ بالمثل منه فقد أتينا على البيان عنه في قوله: {مثلهم كمثل الّذي استوقد نارًا} وفي غيره من نظائره من الآيات بما فيه الكفاية عن إعادته. وإنّما اخترنا هذا التّأويل، لأنّ هذه الآية نزلت في اليهود، وإيّاهم عنى اللّه تعالى ذكره بها، ولم تكن اليهود أهل أوثانٍ يعبدونها ولا أهل أصنامٍ يعظّمونها ويرجون نفعها أو دفع ضرّها. ولا وجه إذ كان ذلك كذلك لتأويل من تأوّل ذلك أنّه بمعنى: مثل الّذين كفروا في ندائهم الآلهة ودعائهم إيّاها.
فإن قال قائلٌ: وما دليلك على أنّ المقصود بهذه الآية اليهود؟
قيل: دليلنا على ذلك ما قبلها من الآيات وما بعدها، وأنّهم هم المعنيّون به، فكان ما بينهما بأن يكون خبرًا عنهم أحقّ وأولى من أن يكون خبرًا عن غيرهم حتّى تأتي الأدلّة واضحةً بانصراف الخبر عنهم إلى غيرهم. هذا مع ما ذكرنا من الأخبار عمّن ذكرنا عنه أنّها فيهم نزلت، والرّواية الّتي روّينا عن ابن عبّاسٍ أنّ الآية الّتي قبل هذه الآية نزلت فيهم.
وبما قلنا: من أنّ هذه الآية معنيّ بها اليهود كان عطاءٌ يقول.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «قال لي عطاءٌ، في هذه الآية هم اليهود الّذين أنزل اللّه فيهم: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلاً} إلى قوله: {فما أصبرهم على النّار}».
وأمّا قوله: {ينعق} فإنّه يصوّت بالغنم، يقول لتصويب الراعى بالغنم: النّعيق والنّعاق ومنه قول الأخطل:

فانعق بضأنك يا جرير فإنّما ....... منّتك نفسك في الخلاء ضلالا

يعني: صوّت به). [جامع البيان: 3/ 44-51]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {صمٌّ بكمٌ عميٌ} هؤلاء الكفّار الّذين مثلهم كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً، ونداءً، صمٌّ عن الحقّ فهم لا يسمعون، بكمٌ يعني خرسٌ عن قيل الحقّ والصّواب والإقرار بما أمرهم اللّه أن يقرّوا به وتبيين ما أمرهم اللّه تعالى ذكره أن يبيّنوه من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم للنّاسٍ، فلا ينطقون به ولا يقولونه ولا يبيّنونه للنّاس، عمًى عن الهدى وطريق الحقّ فلا يبصرونه.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: {صمٌّ بكمٌ عميٌ} يقول: «صمٌّ عن الحقّ فلا يسمعونه ولا ينتفعون به ولا يعقلونه، عميٌ عن الحقّ والهدى فلا يبصرونه، بكمٌ عن الحقّ فلا ينطقون به».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {صمٌّ بكمٌ عميٌ} يقول: «عن الحقّ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {صمٌّ بكمٌ عميٌ} يقول: «لا يسمعون الهدى، ولا يبصرونه، ولا يعقلونه».
وأمّا الرّفع في قوله: {صمٌّ بكمٌ عميٌ} فإنّه أتاه من قبل الابتداء والاستئناف، يدلّ على ذلك قوله: {فهم لا يعقلون} كما يقال في الكلام: هو أصمّ لا يسمع، وهو أبكم فلا يتكلّم). [جامع البيان: 3/ 51-52]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاءً ونداءً صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون (171) يا أيّها الّذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم واشكروا للّه إن كنتم إيّاه تعبدون (172) إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (173)}:
قوله تعالى: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاءً ونداءً}:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ: «{مثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً} كمثل البعير والحمار والشّاة إن قلت لبعضهم كلامًا لم يعلم ما تقول، غير أنّه يسمع صوتك، وكذلك الكافر، إن أمرته بخيرٍ أو نهيته عن شرٍّ أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنّه يسمع صوتك». وروي عن أبي العالية، ومجاهدٍ وعكرمة وعطاء بن أبي رباحٍ، والحسن، وقتادة وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً} أي: لا يعقل ما يقال له، إلا أن يدعى أو ينادى به فيذهب. أمّا الّذي ينعق فهو الرّاعي للغنم كما ينعق الرّاعي بما لا يسمع ما يقال له إلا أن يدعى أو ينادى، فكذلك محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو من لا يسمع إلا جويز الكلام»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 282]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {صمٌّ بكمٌ عمي}:
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لايسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون}:
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع} قال: «كمثل البقر والحمار والشاة وإن قلت لبعضهم كلاما لم يعلم ما تقول غير أنه يسمعك وكذلك الكافر إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك».
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: «مثل الدابة تنادى فتسمع ولا تعقل ما يقال لها كذلك الكافر يسمع الصوت ولا يعقل».
وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {كمثل الذي ينعق بما لا يسمع} قال: «شبه الله أصوات المنافقين والكفار بأصوات البهم أي بأنهم لا يعقلون، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت بشر بن أبي حازم وهو يقول: هضيم الكشح لم يغمز ببوس * ولم ينعق بناحية الرياق».
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {كمثل الذي ينعق} قال: «الراعي {بما لا يسمع} قال: البهائم {إلا دعاء ونداء} قال: كمثل البعير والشاة تسمع الصوت ولا تعقل».
وأخرج وكيع عن عكرمة في قوله: «{كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء} مثل الكافر مثل البهيمة تسمع الصوت ولا تعقل».
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: «قال لي عطاء في هذه الآية: هم اليهود الذين أنزل الله فيهم: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب} [البقرة الآية 174] إلى قوله: {فما أصبرهم على النار}»). [الدر المنثور: 2/ 129-131]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) }
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]

قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا الفضيل بن مرزوق، قال: حدثني عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا إني بما تعملون عليم} [سورة المؤمنون: 51]، وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [سورة البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يده إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغدي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!
- حدثنا أبو إسماعيل قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا الفضيل، بإسناده نحوه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 233]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس، إنّ اللّه طيّبٌ ولا يقبل إلاّ طيّبًا وإنّ اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيّها الرّسل كلوا من الطّيّبات واعملوا صالحًا إنّي بما تعملون عليمٌ}، وقال: {يا أيّها الّذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم} قال: وذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يده إلى السّماء يا ربّ، يا ربّ ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغذّي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك».
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وإنّما نعرفه من حديث فضيل بن مرزوقٍ وأبو حازمٍ هو: الأشجعيّ اسمه: سلمان مولى عزّة الأشجعيّة). [سنن الترمذي: 5/ 70]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم واشكروا للّه إن كنتم إيّاه تعبدون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا} يا أيّها الّذين صدقوا اللّه ورسوله، وأقرّوا للّه بالعبوديّة، وأذعنوا له بالطّاعة.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا} يقول: «صدقوا،
{كلوا من طيّبات ما رزقناكم} يعني: أطعموا من حلال الرّزق الّذي أحللناه لكم، فطاب لكم بتحليلي إيّاه لكم ممّا كنتم تحرّمون أنتم ولم أكن حرّمته عليكم من المطاعم والمشارب، {واشكروا للّه} يقول: وأثنوا على اللّه جل ثناؤه بما هو أهل منكم على النّعم الّتي رزقك وطيّبها لكم، {إن كنتم إيّاه تعبدون} يقول: إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين، فكلوا ممّا أباح لكم أكله وحلّله وطيّبه لكم، ودعوا في تحريمه خطوات الشّيطان».
وقد ذكرنا بعض ما كانوا في جاهليّتهم يحرّمونه من المطاعم، وهو الّذي ندبهم إلى أكله، ونهاهم عن اعتقاد تحريمه، إذ كان تحريمهم إيّاه في الجاهليّة طاعةً منهم للشّيطان واتّباعًا لأهل الكفر منهم باللّه من الآباء، والأسلاف. ثمّ بيّن لهم تعالى ذكره ما حرّم عليهم، وفصّله لهم مفسّرًا). [جامع البيان: 3/ 52-53]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون}:
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا أبو عامرٍ الخزّاز، عن الحسن، في قول اللّه: «{كلوا من طيّبات ما رزقناكم} أما إنّه لم يذكر أحمركم وأصفركم ولكنّه قال: تنتهون إلى حلاله». وروي عن مقاتلٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: «كرامةٌ أكرمكم اللّه بها فاشكروا للّه نعمته»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون}:
أخرج أحمد ومسلم والترمذي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} [المؤمنون الآية 51] وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك»
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير: {كلوا من طيبات} قال: «من الحلال».
وأخرج ابن سعد عن عمر بن عبد العزيز، أنه قال يوما: «إني أكلت حمصا وعدسا فنفخني، فقال له بعض القوم: يا أمير المؤمنين إن الله يقول في كتابه: {كلوا من طيبات ما رزقناكم} فقال عمر: هيهات ذهبت به إلى غير مذهبه إنما يريد به طيب الكسب ولا يريد به طيب الطعام».
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {يا أيها الذين آمنوا} يقول: «صدقوا، {كلوا من طيبات ما رزقناكم} يعني: اطعموا من حلال الرزق الذي أحللناه لكم بتحليلي إياه لكم مما كنتم تحرمونه أنتم ولم أكن حرمته عليكم من المطاعم والمشارب، {واشكروا لله} يقول: أثنوا على الله بما هو أهل له على النعم التي رزقكم وطيبها لكم».
وأخرج عبد بن حميد عن أبي أمية: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} قال: «فلم يوجد من الطيبات شيء أحل ولا أطيب من الولد وماله».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة ويشرب الشربة فيحمد الله عليها»). [الدر المنثور: 2/ 131-133]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وما أهل به لغير الله} قال: «ما ذبح لغير الله مما لم يسم عليه»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 65]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري قال: «الإهلال أن يقول باسم المسيح»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 65]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عمن سمع الحسن في قوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} قال: «غير باغ فيها ولا معتد فيها يأكلها وهو غني عنها»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 65]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الكلبي: «غير باغ في الأرض يقول اللص يقطع الطريق ولا عاد على الناس»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 65]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، في قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «غير باغٍ على المسلمين، ولا معتدٍ عليهم، من خرج يقطع الرّحم، أو يقطع السّبيل، أو يفسد في الأرض، فاضطرّ إلى الميتة، لم تحلّ له»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 645]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}:
يعني تعالى ذكره بذلك: لا تحرّموا على أنفسكم ما لم أحرّمه عليكم أيّها المؤمنون باللّه وبرسوله من البحائر، والسّوائب، ونحو ذلك، بل كلوا ذلك فإنّي لم أحرّم عليكم غير الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغيري.
ومعنى قوله: {إنّما حرّم عليكم الميتة} ما حرّم عليكم إلاّ الميتة: وإنّما: حرفٌ واحدٌ، ولذلك نصبت الميتة والدّم، وغير جائزٍ في الميتة إذا جعلت إنّما حرفًا واحدًا إلاّ النّصب، ولو كانت إنّما حرفين فكانت ما منفصلةً من إنّ لكانت الميتة مرفوعةً وما بعدها، وكان تأويل الكلام حينئذٍ: إنّ الّذي حرّم اللّه عليكم من المطاعم الميتة والدّم ولحم الخنزير لا غير ذلك.
وقد ذكر عن بعض القرّاء أنّه قرأ ذلك كذلك على هذا التّأويل. ولست للقراءة به مستجيزًا، وإن كان له في التّأويل والعربيّة وجهٌ مفهومٌ، لاتّفاق الحجّة من القرّاء على خلافه، فغير جائزٍ لأحدٍ الاعتراض عليهم فيما نقلوه مجمعين عليه، ولو قرئ حرّم بضمّ الحاء من حرّم لكان في الميتة وجهان من الرّفع: أحدهما من أنّ الفاعل غير مسمًّى، وإنّما حرفٌ واحدٌ.
والآخر إنّ وما في معنى حرفينٍ، وحرّم من صلة ما، والميتة خبر الّذي مرفوعٌ على الخبر ولست وإن كان لذلك أيضًا وجهٌ مستجيزًا للقراءة به لما ذكرت.
وأمّا الميتة فإنّ القرّاء مختلفةٌ في قراءتها، فقرأها بعضهم بالتّخفيف، ومعناه فيها التّشديد، ولكنّه يخفّفها كما يخفّف القائلون: هو هينٌ لينٌ، الهين اللّين، كما قال الشّاعر:


ليس من مات فاستراح بميتٍ ....... إنّما الميت ميّت الأحياء

فجمع بين اللّغتين في بيتٍ واحدٍ في معنًى واحدٍ.
وقرأها بعضهم بالتّشديد وحملوها على الأصل، وقالوا: إنّما هو ميوتٌ، فيعلٌ من الموت، ولكنّ الياء السّاكنة والواو المتحرّكة لمّا اجتمعتا والياء مع سكونها متقدّمةٌ قلبت الواو ياءً وشدّدت فصارتا ياءً مشدّدةً، كما فعلوا ذلك في سيّدٍ وجيّدٍ. قالوا: ومن خفّفها فإنّما طلب الخفّة. والقراءة بها على أصلها الّذي هو أصلها أولى.
والصّواب من القول في ذلك عندي أنّ التّخفيف والتّشديد في ياء الميتة لغتان وقراءاتان معروفتان في القراءة وفي كلام العرب، فبأيّهما قرأ ذلك القارئ فمصيبٌ؛ لأنّه لا اختلاف في معنييهما.
وأمّا قوله: {وما أهلّ به لغير اللّه} فإنّه يعني به: وما ذبح للآلهة والأوثان يسمّى عليه بغير اسمه أو قصد به غيره من الأصنام.
وإنّما قيل: {وما أهلّ به} لأنّهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قرّبوه لآلهتهم سمّوا اسم آلهتهم الّتي قرّبوا ذلك لها وجهروا بذلك أصواتهم، فجرى ذلك من أمرهم على ذلك حتّى قيل لكلّ ذابحٍ ذبح سمّي أو لم يسمّ جهر بالتّسمية أو لم يجهر: مهلٌّ فرفعهم أصواتهم بذلك هو الإهلال الّذي ذكره اللّه تعالى فقال: {وما أهلّ به لغير اللّه} ومن ذلك قيل للملبّي في حجّةٍ أو عمرةٍ مهلٌّ لرفعه صوته بالتّلبية؛ ومنه استهلال الصّبيّ: إذا صاح عند سقوطه من بطن أمّه، واستهلال المطر: وهو صوت وقوعه على الأرض، كما قال عمرو بن قميئة:


ظلم البطاح له انهلال حريصةٍ ....... فصفا النّطاف له بعيد المقلع

واختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: يعني بقوله: {وما أهلّ به لغير اللّه} ما ذبح لغير اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وما أهلّ به لغير اللّه} قال: «ما ذبح لغير اللّه».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وما أهلّ به لغير اللّه} قال: «ما ذبح لغير اللّه ممّا لم يسمّ عليه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{وما أهلّ به لغير اللّه} ما ذبح لغير اللّه».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال ابن عبّاسٍ، في قوله: {وما أهلّ به لغير اللّه} قال: «ذبح».
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: {وما أهلّ به لغير اللّه} قال: «ما أهلّ به للطّواغيت».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: «{وما أهلّ به لغير اللّه} يعني ما أهلّ للطّواغيت كلّها، يعني ما ذبح لغير اللّه من أهل الكفر غير اليهود، والنّصارى».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، في قول اللّه: {وما أهلّ به لغير اللّه} قال: «هو ما ذبح لغير اللّه».
وقال آخرون: معنى ذلك: ما ذكر عليه غير اسم اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {وما أهلّ به لغير اللّه} يقول: «ما ذكر عليه غير اسم اللّه».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: «قال ابن جريجٍ، وسألته عن قول اللّه: {وما أهلّ به لغير اللّه} قال: ما يذبح لآلهتهم الأنصاب الّتي يعبدونها، ويسمّون أسماءها عليها. قال: يقولون باسم فلانٍ، كما تقول أنت باسم اللّه. قال: فذلك قوله: {وما أهلّ به لغير اللّه}».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا حيوة، عن عقبة بن مسلمٍ التّجيبيّ، وقيس بن رافعٍ الأشجعيّ، أنّهما قالا: «أحلّ لنا ما ذبح لعيد الكنائس، وما أهدي لها من خبزٍ أو لحمٍ، فإنّما هو طعام أهل الكتاب».
قال حيوة، قلت: أرأيت قول اللّه: {وما أهلّ به لغير اللّه} قال: «إنّما ذلك المجوس، وأهل الأوثان والمشركون»). [جامع البيان: 3/ 53-58]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه}:
يعني تعالى ذكره: {فمن اضطرّ} فمن حلّت به ضرورة مجاعةٍ إلى ما حرّمت عليكم من الميتة، والدّم، ولحم الخنزير، وما أهلّ به لغير اللّه، وهو بالصّفة الّتي وصفنا، فلا إثم عليه في أكله إن أكله.
وقوله: {فمن اضطرّ} افتعل من الضّرورة.
وغير باغٍ نصب على الحال من من فكأنّه قيل: فمن اضطرّ لا باغيًا، ولا عاديًا فأكله، فهو له حلالٌ.
وقد قيل: إنّ معنى قوله: {فمن اضطرّ} فمن أكره على أكله فأكله، فلا إثم عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سالمٍ الأفطس، عن مجاهدٍ، قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «الرّجل يأخذه العدوّ فيدعونه إلى معصية اللّه».
وأمّا قوله: {غير باغٍ ولا عادٍ} فإنّ أهل التّأويل في تأويله مختلفون فقال بعضهم: يعني بقوله: {غير باغٍ} غير خارجٍ على الأمّة بسيفه باغيًا عليهم بغير حق، ولا عاديًا عليهم بحربٍ ظلمل وعدوانٍا فمفسدٌ عليهم السّبيل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثًا، عن مجاهدٍ: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «غير قاطع سبيلٍ، ولا مفارق جماعةٍ، ولا خارجٍ في معصية اللّه، فله الرّخصة».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} يقول: «لا قاطعًا للسّبيل، ولا مفارقًا للأئمّة، ولا خارجًا في معصية اللّه، فله الرّخصة. ومن خرج باغيًا، أو عاديًا أو في معصية اللّه، فلا رخصة له وإن اضطرّ إليه».
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ: {غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «هو الّذي يقطع الطّريق، فليس له رخصةٌ إذا جاع أن يأكل الميتة، وإذا عطش أن يشرب الخمر».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شريكٍ، عن سالمٍ يعني الأفطس، عن سعيدٍ في قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «الباغي العادي: الّذي يقطع الطّريق فلا رخصة له ولا كرامة».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ، في قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «إذا خرج في سبيلٍ من سبل اللّه فاضطرّ إلى الخمر شرب، وإن اضطرّ إلى الميتة أكل، وإذا خرج يقطع الطّريق فلا رخصة له».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حفص بن غياثٍ، عن الحجّاج، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ قال: «{غير باغٍ} على الأئمّة {ولا عادٍ} قال: قاطع السّبيل».
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «غير قاطعٍ السّبيل، ولا مفارقٍ الأئمّة، ولا خارجٍ في معصية اللّه فله الرّخصة».
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن حجّاجٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «غير باغٍ على الأئمّة، ولا عادٍ على ابن السّبيل».
وقال آخرون في تأويل قوله: {غير باغٍ ولا عادٍ} غير باغٍ الحرام في أكله، ولا معتدّ الّذي أبيح له منه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «غير باغٍ في أكله، ولا عادٍ أن يتعدّى حلالاً إلى حرامٍ وهو يجد عنه مندوحةً».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، في قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «غير باغٍ فيها ولا معتدٍ فيها بأكلها وهو غنيّ عنها».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عمّن سمع الحسن يقول ذلك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، وعكرمة، قوله: «{فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} غير باغٍ يبتغيه، ولا عادٍ يتعدّى على ما يمسك نفسه».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} يقول: «من غير أن يبتغي حرامًا ويتعدّاه، ألا ترى أنّه يقول: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «غير أن يأكل ذلك بغيًا وتعدّيًا عن الحلال إلى الحرام، ويترك الحلال وهو عنده، ويتعدّى بأكل هذا الحرام هذا التّعدّي، ينكر أن يكونا مختلفينٍ، ويقول هذا وهذا واحدٌ».
وقال آخرون: تأويل ذلك {فمن اضطرّ غير باغٍ} في أكله شهوةً {ولا عادٍ} فوق ما لا بدّ له منه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} أما باغٍ فيبتغي فيه شهوته، وأمّا العادي: فيتعدّى في أكله، يأكل حتّى يشبع، ولكن يأكل منه قوتا ما يمسك به نفسه حتّى يبلغ به حاجته».
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: {فمن اضطرّ غير باغٍ} بأكله ما حرّم عليه من أكله {ولا عادٍ} في أكله، وله عن ترك أكله بوجوده غيره ممّا أحلّه اللّه له مندوحةٌ وغنًى، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره لم يرخّص لأحدٍ في قتل نفسه بحالٍ، وإذ كان ذلك كذلك فلا شكّ أنّ الخارج على الإمام والقاطع الطّريق، وإن كانا قد أتيا ما حرّم اللّه عليهما من خروج هذا على من خرج عليه وسعي هذا بالإفساد في الأرض، فغير مبيحٍ لهما فعلهما ما فعلا ممّا حرّم اللّه عليهما ما كان حرّما عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من ذلك من قتل أنفسهما، بل ذلك من فعلهما وإذ لم يزدّهما لمحارم اللّه عليهما تحريمًا فغير مرخّصٍ لهما ما كان عليهما قبل ذلك حرامًا، فإن كان ذلك كذلك، فالواجب على قطّاع الطّريق، والبغاة على الأئمّة العادلة، الأوبة إلى طاعة اللّه، والرّجوع إلى ما ألزمهم اللّه الرّجوع إليه، والتّوبة من معاصي اللّه لا قتل أنفسهما بالمجاعة، فيزدادان إلى إثمهما إثمًا، وإلى خلافهما أمر اللّه خلافًا.
وأمّا الّذي وجّه تأويل ذلك إلى أنّه غير باغٍ في أكله شهوةٍ، فأكل ذلك شهوةً لا لدفع الضّرورة المخوف منها الهلاك ممّا قد دخل فيما حرّمه اللّه عليه، فهو بمعنى ما قلنا في تأويله، وإن كان للفظه مخالفًا.
فأمّا توجيه تأويل قوله: {ولا عادٍ} ولا آكلٌ منه شبعه، ولكن ما يمسك به نفسه؛ فإنّ ذلك بعض معاني الاعتداء في أكله، ولم يخصّص اللّه من معاني الاعتداء في أكله معنًى فيقال عنى به بعض معانيه. فإذا كان ذلك كذلك، فالصّواب من القول ما قلنا من أنّه الاعتداء في كلّ معانيه المحرّمة.
وأمّا تأويل قوله: {فلا إثم عليه} يقول: من أكل ذلك على الصّفة الّتي وصفنا فلا تبعة عليه في أكله ذلك كذلك ولا حرج). [جامع البيان: 3/ 58-63]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}:
يعني بقوله تعالى ذكره: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} إنّ اللّه غفورٌ إن أطعتم اللّه في إسلامكم فاجتنبتم أكل ما حرّم عليكم
وتركتم اتّباع الشّيطان فيما كنتم تحرّمونه في جاهليّتكم، طاعةً منكم للشّيطان واقتفاءً منكم خطواته، ممّا لم أحرّمه عليكم لما سلف منكم في كفركم وقبل إسلامكم في ذلك من خطأٍ، وذنبٍ، ومعصيةٍ فصافحٌ عنكم، وتاركٌ عقوبتكم عليه، رحيمٌ بكم إن أطعتموه). [جامع البيان: 3/ 63-64]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير}:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار، حدثني سرور
بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير} فقال: «نعم، حرّم اللّه الميتة والدّم ولحم الخنزير»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 282-283]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وما أهلّ به لغير اللّه}:
الوجه الأوّل:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع عن أبي العالية: {وما أهلّ به لغير اللّه} يقول: «ما ذكر عليه غير اسم اللّه». وروي عن الرّبيع نحو ذلك
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {
وما أهلّ به لغير اللّه} قال: «ما ذبح لغير اللّه». وروي عن الحسن، وقتادة، والضّحّاك والزّهريّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 283]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فمن اضطر}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «{فمن اضطرّ} يعني: إلى شيءٍ ممّا حرّم {غير باغٍ ولا عادٍ} يقول: من أكل شيئًا من هذه وهو مضطرٌّ، فلا حرج ومن أكله وهو غير مضطرٍّ فقد بغى واعتدى».
- حدّثني محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة: قال ابن عبّاسٍ، قوله: «{فمن اضطرّ} فليأكل منه الشّيء قدر ما يسرّه ولا يشبع منه».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ يعني الأحمر، عن الحجّاج عن القاسم يعني: ابن أبي بزّة، عن مجاهدٍ: {غير باغٍ} قال: «الباغ: الباغي على الأئمّة».
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ ، عن مجاهدٍ: «{فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قاطعًا للسّبيل أو مفارقًا للأئمّة، أو خارجًا في معصية اللّه، فله الرّخصة. ومن خرج باغيًا أو عاديًا أو في معصية اللّه، فلا رخصة له وإن اضطر إليه».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا محمّد بن سعيدٍ الأصبهانيّ، أنبأ شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «الّذي يقطع الطّريق، فلا رخصة له إذا جاع، أن يأكل الميتة وإذا عطش أن يشرب خمرًا».
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: «{غير باغٍ} يعني:
غير مستحلٍّ». وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{فمن اضطرّ غير باغٍ} أمّا باغٍ: فيبغي فيه بشهوته».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا ضمرة، عن عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه، قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ} قال: «لا يشوي من الميتة ليشتهيه، ولا يطبخه ولا يأكل إلا العلقة، ويحمل معه ما يبلّغه الحلال فإذا بلغه ألقاه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 283-284]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا عاد}:
الوجه الأول:
ذكر عن محمّد بن ربيعة، عن سلمة بن سابور، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {غير باغٍ ولا عادٍ} قال: «غير باغٍ في الميتة ولا عادٍ في أكله».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن الحجّاج، عن القاسم، عن مجاهدٍ: {غير باغ ولا عاد} قال: «العاد: المخيف للسّبيل»، وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السدي: «أما العاد:
فيعتدي في أكله، فيأكل حتّى يشبع، ولكن يأكل قوتا ما يمسك به نفسه حتّى يبلغ حاجته».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا الحسن بن عمرو بن عونٍ الباهليّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: «{فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} في أكله أن يتعدّى حلالا إلى حرامٍ وهو يجد عنه مندوحةً»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 284-285]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فلا إثم عليه}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: «{فلا إثم عليه} في أكله حين اضطرّ إليه». وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 285]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}:
قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل ابن حيان، قوله: «{إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} فيما أكل في اضطرارٍ وبلغنا واللّه أعلم، أنّه لا يزاد على ثلاث لقمٍ».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: «{إنّ اللّه غفورٌ} يعني: أكل من الحرام» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 285]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {رحيمٌ}:
به عن سعيد بن جبيرٍ: «يعني رحيمًا به، إذ أحلّ له الحرام في الاضطرار). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 285]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {غير باغ ولا عاد} يقول: «غير قاطع السبيل ولا مفارق الأئمة ولا خارج في معصية الله عز وجل»). [تفسير مجاهد: 94]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم}:
أخرج أحمد، وابن ماجه والدارقطني والحاكم، وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحلت لنا ميتتان ودمان، السمك والجراد والكبد والطحال»). [الدر المنثور: 2/ 133]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {وما أهل به} الآية:
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وما أهل به} قال: «ذبح».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: «{وما أهل به لغير الله} يعني ما أهل للطواغيت».
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد: {وما أهل به} قال: «ما ذبح لغير لله».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية: {وما أهل به لغير الله} يقول: «ما ذكر عليه اسم غير الله».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: «{فمن اضطر} يعني إلى شيء مما حرم {غير باغ ولا عاد} يقول: من أكل شيئا من هذه وهو مضطر فلا حرج ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى».
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {غير باغ} قال: «في الميتة، قال: في الأكل».
وأخرج سفيان بن عينية وآدم بن أبي إياس وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في المعرفة وفي السنن عن مجاهد في قوله: {غير باغ ولا عاد} قال: «غير باغ على المسلمسن ولا معتد عليهم من خرج يقطع الرحم أو يقطع سبيل أو يفسد في الأرض أو مفارقا للجاعة والأئمة أو خرج في معصية الله فاضطر إلى الميتة لم تحل له».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} قال: «العادي الذي يقطع الطريق لا رخصة له {فلا إثم عليه} يعني في أكله حين اضطر إليه {إن الله غفور} يعني لما أكل من الحرام {رحيم} به إذ أحل له الحرام في الاضطرار».
وأخرج وكيع عن إبراهيم والشعبي قالا: «إذا اضطر إلى الميتة أكل منها قدر ما يقيمه».
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مسروق قال: «من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فتركه تقذرا ولم يأكل ولم يشرب ثم مات دخل النار».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} قال: «غير باغ في أكله ولا عاد بتعدي الحلال إلى الحرام وهو يجد عنه بلغة ومندوحة»). [الدر المنثور: 2/ 133-135]


رد مع اقتباس