عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:48 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت مالكا يحدث: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، ثم أمر بالتحويل إلى الكعبة، فتحول إلى الكعبة في صلاة الصبح؛ فذهب ذاهبٌ إلى قباء، فوجدهم في صلاة الصبح، فقال لهم: إن النبي عليه السلام قد أنزل عليه القرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستداروا وهم في الصلاة طائعا لله وإتباعا لأمره، قال: ونزل القرآن: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب}»). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 138-139]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة عن ابن المسيب: «صلوا بمكة وبعدما قدموا المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس» قال معمر وقال الزهري: «ثمانية عشر شهرا»). [تفسير عبد الرزاق: 1/56]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن رجلٍ عن مجاهدٍ في قوله جلّ اسمه: {سيقول السفهاء من الناس} قال: «اليهود» ). [تفسير الثوري: 50]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله تعالى: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}
4486 - حدّثنا أبو نعيمٍ، سمع زهيرًا، عن أبي إسحاق، عن البراء رضي اللّه عنه: «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم صلّى إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنّه صلّى، أو صلّاها، صلاة العصر وصلّى معه قومٌ، فخرج رجلٌ ممّن كان صلّى معه فمرّ على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد باللّه، لقد صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل مكّة، فداروا كما هم قبل البيت، وكان الّذي مات على القبلة قبل أن تحوّل قبل البيت رجالٌ قتلوا، لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل اللّه: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ}» ). [صحيح البخاري: 6/
21]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( قوله باب قوله تعالى: {سيقول السّفهاء من النّاس ماولاهم عن قبلتهم} الآية:

كذا لأبي ذرٍّ وساق غيره إلى قوله مستقيمٍ والسّفهاء جمع سفيهٍ وهو خفيف العقل وأصله من قولهم ثوبٌ سفيهٌ أي خفيف النّسج واختلف في المراد بالسّفهاء فقال البراء كما في حديث الباب وابن عبّاسٍ ومجاهدٌ: «هم اليهود» وأخرج ذلك الطّبريّ عنهم بأسانيد صحيحةٍ وروي من طريق السّدّيّ قال: «هم المنافقون»، والمراد بالسّفهاء الكفّار وأهل النّفاق واليهود أمّا الكفّار فقالوا لمّا حوّلت القبلة رجع محمّدٌ إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا فإنّه علم أنّا على الحقّ وأمّا أهل النّفاق فقالوا إن كان أوّلًا على الحقّ فالّذي انتقل إليه باطلٌ وكذلك بالعكس وأمّا اليهود فقالوا خالف قبلة الأنبياء ولو كان نبيًّا لما خالف فلمّا كثرت أقاويل هؤلاء السّفهاء أنزلت هذه الآيات من قوله تعالى: {ما ننسخ من آية} إلى قوله تعالى: {فلا تخشوهم واخشوني} الآية.
قوله: «ستّة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا
» تقدّم الكلام عليه وعلى شرح الحديث في كتاب الإيمان). [فتح الباري: 8/ 171]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب: {سيقول السفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} .
وفي بعض النّسخ: باب قوله تعالى: {سيقول السّفهاء} ولكن في رواية أبي ذر إلى قوله: {ما ولاهم عن قبلتهما} فقط، والسفهاء جمع سفيه. قال الزّمخشريّ: «{سيقول السّفهاء} أي: خفاف الأحلام وهم اليهود لكراهتهم التّوجّه إلى الكعبة وأنّهم لا يرون النّسخ
»، وقيل: المنافقون بحرصهم على الطعن والاستهزاء، وقيل: المشركون. قالوا: رغب عن قبلة آبائه ثمّ رجع إليها والله ليرجعن

إلى دينهم. قوله: {ما ولاهم} أي: أي شيء رجعهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها وهو بيت المقدّس، قل يا محمّد {لله المشرق والمغرب} أي: بلاد الشرق والغرب والأرض كلها، وهذا جواب لهم أي الحكم والتّصرّف في الأمر كلمة لله {فأينما تولّوا فثم وجه الله} فيأمرهم بالتوجه إلى أي جهة شاء، وقيل: أراد بالمشرق الكعبة لأن المصلّي بالمدينة إذا توجه إلى الكعبة فهو متوجّه للمشرق، وأراد بالمغرب بيت المقدّس لأن المصلّي في المدينة إلى بيت المقدّس متوجّه جهة المغرب.
حدثنا أبو نعيم سمع زهيرا عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه: «أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم صلى إلى بيت المقدّس ستّة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممّن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال أشهد باللّه لقد صليت مع النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قبل مكّة فداروا كما هم قبل البيت وكان الّذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالنّاس لرؤف رحيم}» مطابقته للآية ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وزهير تصغير زهر بن معاوية وأبو إسحق عمرو بن عبد الله السبيعي والبراء هو ابن عازب رضي الله تعالى عنه والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب الصّلاة من الإيمان فإنّه أخرجه هناك بأتم منه عن عمرو بن خالد عن زهير إلى آخره ومر الكلام فيه هناك مطولا، قوله: «أو سبعة عشر» شكّ من الرّاوي، قوله: «قبل البيت» بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهة الكعبة، قوله: «أو صلاها» شكّ من الرّاوي، قوله: «صلاة العصر» بالنّصب بدل من الضّمير المنصوب الّذي في صلاها، قوله: «رجل» قيل هو عباد بن نهيك الخطمي الأنصاريّ قاله أبو عمر في كتاب الاستيعاب وقال ابن بشكوال: هو عباد بن بشر الأشهلي، قوله: «إيمانكم
» أي صلاتكم ). [عمدة القاري: 18/ 94-95]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}:
{سيقول السفهاء} وفي بعض النسخ وعزاه في الفتح لأبي ذر (باب) قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس} المنكرين لتغيير القبلة من مشركي العرب أو أحبار يهود أو المنافقين والجار والمجرور في محل نصب على الحال من السفهاء والعامل فيها سيقول وهي حال مبينة {ما ولاهم} أي ما صرفهم {عن قبلتهم التي كانوا عليها} يعني بيت المقدس، ولا بد من حذف مضاف في عليها أي على توجيهها وجملة الاستفهام في محل نصب بالقول {قل لله المشرق والمغرب}، حيثما وجهنا توجهنا فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا كل يوم مرات إلى جهات متعددة فنحن عبيده وفي تصريفه وخدامه {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} وسقط من قوله: {التي كانوا عليها} إلى آخره لأبي ذر، وقال بعد قوله: {عن قبلتهم} الآية.
- حدّثنا أبو نعيمٍ سمع زهيرًا عن أبي إسحاق، عن البراء رضي الله عنه: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرًا -أو سبعة عشر شهرًا- وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وإنّه صلّى أو صلاّها صلاة العصر، وصلّى معه قومٌ فخرج رجلٌ ممّن كان صلّى معه فمرّ على أهل المسجد، وهم راكعون قال: أشهد باللّه لقد صلّيت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل مكّة، فداروا كما هم قبل البيت وكان الّذي مات على القبلة قبل أن تحوّل قبل البيت رجالٌ قتلوا لم ندر ما نقول فيهم؟ فأنزل اللّه: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ}».
وبه قال: حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين أنه سمع زهيرًا بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- «أن النبي» وفي نسخة «أن رسول الله» «صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى إلى بيت المقدس بالمدينة ستة عشر شهرًا
أو سبعة عشر شهرًا» بالشك من الراوي، وسقط شهرًا الأول لأبي ذر «وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت» بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة البيت العتيق «وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر» بالشك من الراوي ونصب صلاة بدلًا من الضمير المنصوب في صلاها «وصلى معه عليه الصلاة والسلام قوم لم أعرف أسماءهم فخرج رجل هو عباد بن بشر أو عباد بن نهيك ممن كان صلى معه عليه الصلاة والسلام فمرّ على أهل المسجد من بني حارثة والمسجد بالمدينة أو مسجد قباء وهم راكعون» حقيقة أو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل «قال: أشهد» أي أحلف «بالله لقد صليت مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قبل مكة» أي حال كونه متوجهًا إليها «فداروا كما هم» عليه «قبل البيت» جهة البيت العتيق «وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحوّل قبل البيت» الحرام «رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم». ذكر الواحدي في أسباب النزول منهم: أسعد بن زرارة، وأبا أمامة أحد بني النجار، والبراء بن معرور أحد بني سلمة، لكن ذكر أن أسعد بن زرارة مات في السنة الأولى من الهجرة، والبراء بن معرور في صفر قبل قدومه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة بشهر فأنزل الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} صلاتكم إلى بيت المقدس {إن الله بالناس لرؤوف رحيم} فلا يضيع أجورهم، وفي رواية أبي ذر بعد قوله: (وإيمانكم) الآية وسقط ما بعدها. وهذا الحديث سبق في كتاب الإيمان في باب الصلاة من الإيمان). [إرشاد الساري: 7/ 15]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولّاهم عن قبلتهم}:

- أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم، حدّثنا إسحاق، عن زكريّا، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ، قال: «قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة فصلّى نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا، ثمّ إنّه وجّه إلى الكعبة، فمرّ رجلٌ قد كان صلّى مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على قومٍ من الأنصار فقال: أشهد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد وجّه إلى الكعبة فانحرفوا إلى الكعبة
».
10934 - أخبرنا محمّد بن حاتمٍ، أخبرنا حبّان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء، في قوله: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} [البقرة: 142] قال: «هم أهل الكتاب السّفهاء»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 16]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {سيقول السّفهاء من النّاس}:
يعني بقوله جلّ ثناؤه {سيقول السّفهاء} سيقول الجهّال من النّاس وهم اليهود، وأهل النّفاق وإنّما سمّاهم اللّه عزّ وجلّ سفهاءً، لأنّهم سفهوا الحقّ فتجاهلت أحبار اليهود وتعاظمت جهالهم وأهل الغباء منهم عن اتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا كان من العرب ولم يكن من بني إسرائيل، وتحيّر المنافقون فتبلّدوا.
وبما قلنا في السّفهاء إنّهم هم اليهود، أهل نفاقٍ قال أهل التّأويل.
ذكر من قال: هم اليهود:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {سيقول السّفهاء} من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم قال: «اليهود تقوله حين ترك بيت المقدس».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثت عن أحمد بن يونس، عن زهيرٍ، عن أبي إسحاق، عن البراء، {سيقول السّفهاء من النّاس} قال: «اليهود».
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، {سيقول السّفهاء من النّاس} قال: «اليهود».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء، في قوله: {سيقول السّفهاء من النّاس} قال: «أهل الكتاب».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «اليهود».
وقال آخرون: السّفهاء: المنافقون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «نزلت {سيقول السّفهاء من النّاس} في المنافقين
»).[جامع البيان: 2/ 615-617]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}:
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ما ولاّهم} أيّ شيءٍ صرفهم عن قبلهم؟ وهو من قول القائل: ولاّني فلانٌ دبره: إذا حوّل وجهه عنه واستدبره فكذلك قوله: {ما ولاّهم} أيّ شيءٍ حوّل وجوههم؟
وأمّا قوله: {عن قبلتهم} فإنّ قبلة كلّ شيءٍ ما قابل وجهه، وإنّما هي فعلةٌ بمنزلة الجلسة والقعدة؛ وصفوة الشىء من قول القائل: قابلت فلانًا: إذا صرت قبالته أقابله، فهو لي قبلةٌ، وأنا له قبلةٌ، إذا قابل كلّ واحدٍ منهما بوجهه وجه صاحبه.
فتأويل الكلام إذن إذ كان ذلك معناه سيقول السّفهاء من النّاس لكم أيّها المؤمنون (باللّه وبرسوله)، إذا حوّلتم وجوهكم عن قبلة اليهود الّتي كانت لكم قبلةً قبل أمري إيّاكم بتحويل وجوهكم عنها شطر المسجد الحرام: أيّ شيءٍ حوّل وجوه هؤلاء فصرفها عن الموضع الّذي كانوا يستقبلونه بوجوههم في صلاتهم؟، فأعلم اللّه جلّ ثناؤه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما اليهود والمنافقون قائلون من القول عند تحويل الله قبلته وقبلة أصحابه عن الشّام إلى المسجد الحرام، وعلّمه ما ينبغي أن يكون من ردّه عليهم من الجوّاب، فقال له: إذا قالوا ذلك لك يا محمّد، فقل لهم: {للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} وكان سبب ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى نحو بيت المقدس مدّةً سنذكر مبلغها فيما بعد إن شاء اللّه تعالى ثمّ أراد اللّه تعالى صرف قبلة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المسجد الحرام، فأخبره عمّا اليهود قائلوه من القول عند صرفه وجهه ووجه أصحابه شطره، وما الّذي ينبغي أن يكون من مردّه عليهم من الجوّاب.
ذكر المدّة الّتي صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه نحو بيت المقدس، وما كان سبب صلاته نحوه؟ وما الّذي دعا اليهود والمنافقين إلى قيل ما قالوا عند تحويل اللّه قبلة المؤمنين عن بيت المقدس إلى الكعبة:
اختلف أهل العلم في المدّة الّتي صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس بعد الهجرة. فقال بعضهم بما:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قالا جميعًا: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، شكّ محمّدٌ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا صرفت القبلة عن الشّام إلى الكعبة، وصرفت في رجبٍ على رأس سبعة عشر شهرًا من مقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رفاعة بن قيسٍ، وقردم بن عمرٍو، وكعب بن الأشرف، ونافع بن أبي نافعٍ هكذا قال ابن حميدٍ، وقال أبو كريبٍ، ورافع بن أبي رافعٍ، والحجّاج بن عمرٍو حليف كعب بن الأشرف، والرّبيع بن الرّبيع بن أبي الحقيق، وكنانة بن الرّبيع بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمّد ما ولاّك عن قبلتك الّتي كنت عليها وأنت تزعم أنّك على ملّة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك الّتي كنت عليها نتّبعك ونصدّقك وإنّما يريدون فتنته عن دينه. فأنزل اللّه فيهم: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} إلى قوله:
{إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، قال البراء: «صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرًا، وكان يشتهي أن يصرف إلى الكعبة. قال: فبينا نحن نصلّي ذات يومٍ، فمرّ بنا مارٌّ، فقال: ألا هل علمتم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد صرف إلى الكعبة؟ قال: وقد صلّينا ركعتين إلى ها هنا، وصلّينا ركعتين إلى ها هنا قال أبو كريبٍ: فقيل له: فيه أبو إسحاق؟ فسكت»
.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عيّاشٍ، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: «صلّينا بعد قدوم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة ستة عشر شهرًا إلى بيت المقدس»
.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء بن عازبٍ، قال: «صلّيت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا شكّ سفيان ثمّ صرفنا إلى الكعبة».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا النّفيليّ، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان أوّل ما قدم المدينة نزل على أجداده أو أخواله من الأنصار، وأنّه صلّى قبل بيت المقدس ستّة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنّه صلّى صلاة العصر، ومعه قومٌ فخرج رجلٌ ممّن صلّى معه، فمرّ على أهل المسجد وهم ركوعٌ، فقال: أشهد لقد صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل مكّة. فداروا كما هم قبل البيت، وكان يعجبه أن يحوّل قبل البيت. وكان اليهود قد أعجبهم هذا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلمّا ولّى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك»
.
- حدّثني عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: «صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس بعد أن قدم المدينة ستّة عشر شهرًا، ثمّ وجّه نحو الكعبة قبل بدرٍ، بشهرين».
وقال آخرون بما:
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعدٍ الكاتب، قال: حدّثنا أنس بن مالكٍ، قال: «صرف نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس تسعة أشهرٍ أو عشرة أشهرٍ، فبينما هو قائمٌ يصلّي الظّهر بالمدينة، وقد صلّى ركعتين نحو بيت المقدس، انصرف بوجهه إلى الكعبة، فقال السّفهاء:
{ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}».
وقال آخرون بما:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا المسعوديّ، عن عمرو بن مرّة، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ بن جبلٍ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قدم المدينة، فصلّى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرًا».
- حدّثنا أحمد بن المقدام العجليّ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي، قال، حدّثنا قتادة، عن سعيد بن المسيّب: «أنّ الأنصار صلّت للقبلة الأولى قبل قدوم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بثلاث حججٍ، وأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى للقبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستّة عشر شهرًا أو كما قال. وكلا الحديثين يحدّث قتادة عن سعيدٍ».
ذكر السّبب الّذي كان من أجله صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي نحو بيت المقدس قبل أن يفرض عليه التّوجّه شطر الكعبة:
اختلف أهل العلم في ذلك، فقال بعضهم: كان ذلك باختيارٍ من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من غير أن يكون الله فرض ذلك عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ أبو تميلة، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن عكرمة، وعن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، والحسن البصريّ، قالا: «أوّل ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يستقبل صخرة بيت المقدس وهي قبلة اليهود، فاستقبلها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سبعة عشر شهرًا ليؤمنوا به ويتّبعوه، ويدعوا بذلك الأمّيّين من العرب، فقال اللّه عزّ وجلّ:
{وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}».
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: «{سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} يعنون بيت المقدس».
- قال الرّبيع، قال أبو العالية: «إنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيّر بين أن يوجّه وجهه حيث شاء، فاختار بيت المقدس لكي يتألّف أهل الكتاب، فكانت قبله ستّة عشر شهرًا، وهو في ذلك يقلّب وجهه في السّماء ثمّ وجّهه اللّه إلى البيت الحرام
».
وقال آخرون: بل كان فعل ذلك من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بفرض اللّه عزّ ذكره عليهم.
ذكر من قال ذلك:

- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره اللّه أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّ قبلة إبراهيم عليه السّلام، وكان يدعو وينظر إلى السّماء، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} الآية، فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: {ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قل للّه المشرق والمغرب}».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: «صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أوّل ما صلّى إلى الكعبة، ثمّ صرف إلى بيت المقدس، فصلّت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه ثلاث حججٍ، وصلّى بعد قدومه ستّة عشر شهرًا، ثمّ ولاّه اللّه جلّ ثناؤه إلى الكعبة».
ذكر السّبب الّذي من أجله قال من قال {ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}:
اختلف أهل التّأويل في ذلك، فروي عن ابن عبّاس فيه قولان: أحدهما ما:
- حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال ذلك قومٌ من اليهود للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا له: ارجع إلى قبلتك الّتي كنت عليها نتّبعك ونصدّقك، يريدون فتنته عن دينه».
والقول الآخر: ما ذكرت من حديث عليّ بن أبي طلحة عنه الّذي مضى قبل.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} قال: «صلّت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة وصلّى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا ثمّ وجّهه اللّه بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام. فقال في ذلك قائلون من النّاس: {ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} لقد اشتاق الرّجل إلى مولده. فقال اللّه عزّ وجلّ:
{قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}».
وقال اخرون: بل قائلو هذه المقالة المنافقون، وإنّما قالوا: ذلك استهزاءً بالإسلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «لمّا وجّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل المسجد الحرام، اختلف النّاس فيها، فكانوا أصنافًا، فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلةٍ زمانًا، ثمّ تركوها وتوجّهوا غيرها؟ فأنزل اللّه في المنافقين: {سيقول السّفهاء من النّاس} الآية كلّها
»). [جامع البيان: 2/ 617-625]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}.
يعني بذلك عزّ وجلّ: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين قالوا لك ولأصحابك: ما ولاّكم عن قبلتكم من بيت المقدس الّتي كنتم على التّوجّه إليها إلى التّوجّه إلى شطر المسجد الحرام: للّه ملك المشرق والمغرب؛ يعني بذلك ملك ما بين قطري مشرق الشّمس، وقطري مغربها، وما بينهما من العالم، يهدي من يشاء من خلقه فيسدّده، ويوفّقه إلى الطّريق القويم، وهو الصّراط المستقيم. ويعني بذلك إلى قبلة إبراهيم الّذي جعله للنّاس إمامًا. ويخذل من يشاء منهم فيضلّه عن سبيل الحقّ.
وإنّما عنى جلّ ثناؤه بقوله: {يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} قل: يا محمّد إنّ اللّه هدانا بالتّوجّه شطر المسجد الحرام لقبلة إبراهيم وأضلّكم أيّها اليهود، والمنافقون، وجماعة الشّرك باللّه، فخذلكم عمّا هدانا له من ذلك).
[جامع البيان: 2/ 625]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ (142) }:
قوله تعالى:
{سيقول السفهاء من الناس}:
الوجه الأول:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء: {سيقول السّفهاء} قال: «اليهود». وروي عن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ والحسن ونحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «فأنزل اللّه في المنافقين: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولّاهم عن قبلتهم}»).
[تفسير القرآن العظيم: 1/ 247]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ما ولاهم عن قبلتهم}:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء يعني أبا كريبٍ، ثنا ابن أبي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، (تو) عن رجلٍ، عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ، ومجاهدٍ: «يزيد بعضهم على بعضٍ: {ما ولّاهم ما صرفهم}
».
قوله: {ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، أنبأ ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ بن عبّاسٍ: «{سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} يعنون بيت المقدس، فنسخها وصرفه اللّه إلى البيت العتيق
».
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة بن الفضل، قال قال محمّد بن إسحاق حدّثني محمّدٌ مولى آل زيدٍ، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ يهود قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد، ما ولاك عن قبلتك الّتي كنت عليها وأنت تزعم أنّك على ملّة إبراهيم ودينه، ارجع إلى قبلتك الّتي كنت عليها نتّبعك ونصدّقك، وإنّما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل اللّه: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}».

وروي عن سعيد بن جبيرٍ، وقتادة، والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك حدّثنا أبو زرعة، ثنا الحسن بن عطيّة، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ عن سعيد بن جبيرٍ، وقتادة، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا الحسن بن عطيّة، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد صلّى نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحبّ أن يوجّه نحو الكعبة، فأنزل اللّه تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال: فوجّه نحو الكعبة، وقال السّفهاء من النّاس- وهم اليهود- ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها؟ فأنزل اللّه: {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}
».
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة أمره اللّه أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّ قبلة إبراهيم، فكان يدعو اللّه وينظر إلى السّماء، فأنزل اللّه: {ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} فأنزل اللّه عزّ وجلّ فولّوا وجوهكم شطره يعني نحوه فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}».
- أخبرنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قول اللّه: {يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} يقول: «يهديهم إلى المخرج من الشّبهات والضّلالات والفتنة
»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 247-248]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: «السفهاء من الناس هم اليهود قالوا ما ولاهم عن قبلتهم يعني حين ترك بيت المقدس»). [تفسير مجاهد: 90]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي جريح عن مجاهد: {ما ولاهم} يقول: «ما صرفهم»). [تفسير مجاهد: 90]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما قال: «أوّل ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا شأن القبلة، قال اللّه: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] فاستقبل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فصلّى نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق، فقال اللّه تعالى: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} [البقرة: 142] يعنون بيت المقدس فنسختها، وصرفه اللّه إلى البيت العتيق فقال اللّه تعالى: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره} [البقرة: 150]» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه بهذه السّياقة ).
[المستدرك: 2/ 294] (م)
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت س) - البراء بن عازب رضي الله عنهما: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوّل ما قدم المدينة نزل على أجداده - أو قال: أخواله - من الأنصار، وأنّه صلّى قبل بيت المقدس ستّة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنّه صلّى أوّل صلاةٍ صلّاها صلاة العصر، وصلّى معه قومٌ، فخرج رجلٌ ممّن صلّى معه، فمرّ على أهل مسجدٍ وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة، فداروا - كما هم قبل البيت - وكانت اليهود قد أعجبهم ; إذ كان يصلّي قبل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلمّا ولّى وجهه قبل البيت، أنكروا ذلك».
قال: وفي رواية: «أنه مات على القبلة - قبل أن تحوّل - رجالٌ وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم؟ فأنزل الله عز وجل: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}[البقرة: 143] ».
وفي أخرى: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّ أن يوجّه إلى الكعبة، فأنزل اللّه عز وجل {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} فتوجّه نحو الكعبة، فقال السّفهاء - وهم اليهود -: {ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم} [البقرة: 142]» هذه رواية البخاري ومسلم.
وأخرجه الترمذي قال: «لمّا قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة، صلّى نحو بيت المقدس ستّة - أو سبعة - عشر شهراً، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يحبّ أن يوجّه إلى الكعبة، فأنزل الله تبارك وتعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} فوجّه نحو الكعبة، وكان يحبّ ذلك، فصلّى رجلٌ معه العصر، قال: ثم مرّ على قومٍ من الأنصار وهم ركوعٌ في صلاة العصر نحو بيت المقدس. فقال: هو يشهد أنّه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد وجّه إلى الكعبة، فانحرفوا وهم ركوعٌ».
وأخرجه النسائي قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فصلى نحو بيت المقدس ستّة عشر شهراً، ثمّ إنّه وجّه إلى الكعبة، فمرّ رجلٌ قد كان صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم على قومٍ من الأنصار، فقال: أشهد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجّه إلى الكعبة، فانحرفوا إلى الكعبة
».
شرح الغريب:

(قبل البيت) أي: حذاءه، وجهته التي تقابله.
(شطر الشيء) جهته ونحوه).
[جامع الأصول: 2/ 10-12]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}:
أخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن حبان والبيهقي في "سننه" عن البراء بن عازب: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله من الأنصار وأنه صلى إلى بيت المقدس ستة أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت وأن أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة فداروا كما هم قبل البيت ثم أنكروا ذلك وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجالا وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم}
».
وأخرج ابن إسحاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن البراء قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله فأنزل الله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة الآية 144] فقال رجال من المسلمين: وددنا لو علمنا من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} وقال السفهاء من الناس وهم من أهل الكتاب: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله {سيقول السفهاء من الناس} إلى آخر الآية».
وأخرج الترمذي والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن البراء قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يجب أن يصلي نحو الكعبة فكان يرفع رأسه إلى السماء فأنزل الله {قد نرى تقلب وجهك} الآية، فوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس وهم اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله:
{قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي عن ابن عباس قال: «أول ما نسخ في القرآن القبلة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم وكان يدعو الله وينظر إلى السماء فأنزل الله: {قد نرى تقلب وجهك} إلى قوله: {فولوا وجوهكم شطره} يعني نحوه فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله: {قل لله المشرق والمغرب} وقال: {أينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة الآية 115]».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه والنحاس والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما تحول إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرفه الله إلى الكعبة».
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال: «أول ما نسخ من القرآن القبلة وذلك أن محمدا كان يستقبل صخرة بيت المقدس وهي قبلة اليهود فاستقبلها سبعة عشر شهرا ليؤمنوا به وليتبعوه وليدعوا بذلك الأميين من العرب، فقال الله: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} وقال: {قد نرى تقلب وجهك} الآية».
وأخرج ابن جرير عن عكرمة مرسلا.
وأخرج أبو داود في ناسخه عن أبي العالية: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نظر نحو بيت المقدس فقال لجبريل: «وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها» فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك ولا أملك لك شيئا إلا ما أمرت فادع ربك وسله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل فأنزل الله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} [البقرة الآية 144] يقول: إنك تديم النظر إلى السماء للذي سألت {فول وجهك شطر المسجد الحرام} يقول فحول وجهك في الصلاة نحو المسجد الحرام {وحيث ما كنتم} يعني من الأرض {فولوا وجوهكم} في الصلاة {شطره} نحو الكعبة».
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: «صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس وقردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ونافع بن نافع والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف والربيع بن أبي الحقيق وكنانة بن أبي الحقيق فقالوا له: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك وإنما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل الله: {سيقول السفهاء من الناس} إلى قوله: {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} أي ابتلاء واختبارا {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} أي ثبت الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يقول: صلاتكم بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم وإتباعكم إياه إلى القبلة الآخرة أي ليعطينكم أجرهما جميعا {إن الله بالناس لرؤوف رحيم} إلى قوله:
{فلا تكونن من الممترين}».

وأخرج وكيع، وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن البراء في قوله: {سيقول السفهاء من الناس} قال: «اليهود».
وأخرج أبو داود في ناسخه من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: «أول آية نسخت من القرآن القبلة ثم الصلاة الأولى».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: «صلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومن معه نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم حولت القبلة بعد»
.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن الزهري قال: «صرفت القبلة نحو المسجد الحرام في رجب على ستة عشر شهرا من مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء وهو يصلي نحو بيت المقدس فأنزل الله حين وجهه إلى البيت الحرام {سيقول السفهاء من الناس} وما بعدها من الآيات فأنشأت اليهود تقول: قد اشتاق الرجل إل بلده وبيت أبيه وما لهم حتى تركوا قبلتهم يصلون مرة وجها ومرة وجها آخر وقال رجال من الصحابة: فكيف بمن مات وهو يصلي قبل بيت المقدس وفرح المشركون وقالوا: إن محمد قد التبس عليه أمره ويوشك أن يكون على دينكم فأنزل الله في ذلك هؤلاء الآيات»
.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: «لما وجه النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام اختلف الناس فيها فكانوا أصنافا، فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها وتوجهوا غيرها، وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس هل يقبل الله منا ومنهم أم لا، وقال اليهود: إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن نكون يكون هو صاحبنا الذي ننتظر وقال المشركون من أهل مكة: تحير على محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم وعلم أنكم أهدى منه ويوشك أن يدخل في دينكم فأنزل الله في المنافقين {سيقول السفهاء من الناس} إلى قوله {إلا على الذين هدى الله} وأنزل في الآخرين الآيات بعدها»
.
وأخرج مالك وأبو داود في ناسخه، وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن المسيب: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم تحولت القبلة إلى الكعبة قبل بدر بشهرين».
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الدلائل من طريق سعيد بن المسيب قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما قدم المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم حول بعد ذلك قبل المسجد الحرام قبل بدر بشهرين».
وأخرج أبو داود في ناسخه عن سعيد بن عبد العزيز: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس من شهر ربيع الأول إلى جمادى الآخرة»
.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب: «أن الأنصار صلت للقبلة الأولى قبل قدوم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة بثلاث حجج وأن النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلى للقبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا».
وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلى للقبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا».
وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرا».
وأخرج البزار، وابن جرير عن أنس قال: «صلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس انصرف بوجهه إلى الكعبة فقال السفهاء: {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}».
وأخرج البخاري عن أنس قال: «لم يبق ممن صلى للقبلتين غيري».
وأخرج أبو داود في ناسخه وأبو يعلى والبيهقي في "سننه" عن أنس: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس فلما نزلت هذه الآية {فول وجهك شطر المسجد الحرام} مر رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة مرتين فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبة».
وأخرج مالك، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه والنسائي عن الن عمر قال: «بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة القرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوهم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة
».
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن عثمان بن عبد الرحمن قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي انتظر أمر الله في القبلة وكان يفعل أشياء لم يؤمر بها ولم ينه عنها من فعل أهل الكتاب فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر في مسجده قد صلى ركعتين إذ نزل عليه جبريل فأشار له أن صل إلى البيت وصلى جبريل إلى البيت وأنزل الله {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} و{وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون} قال: فقال المنافقون: حن محمد إلى أرضه وقومه، وقال المشركون: أراد محمد أن يجعلنا له قبلة ويجعلنا له وسيلة وعرف أن ديننا أهدى من دينه، وقال اليهود للمؤمنين: ما صرفكم إلى مكة وترككم به القبلة قبلة موسى ويعقوب والأنبياء والله إن أنتم إلا تفتنون، وقال المؤمنون: لقد ذهب منا قوم ماتوا ما ندري أكنا نحن وهم على قبلة أو لا قال: فأنزل الله عز وجل في ذلك {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} إلى قوله {إن الله بالناس لرؤوف رحيم}».
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة قال:
«كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص صلت الأنصار حولين قبل قدوم النبي
وصلى نبي الله بعد قدومه المدينة نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام فقال في ذلك قائلون من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها لقد اشتاق الرجل إلى مولده قال الله عز وجل: {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} وقال أناس من الناس: لقد صرفت القبلة إلى البيت الحرام فكيف أعمالنا التي عملنا في القبلة الأولى فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم} وقد يبتلي الله عباده بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر ليعلم من يطيعه ممن يعصيه وكل ذلك مقبول في درجات في الإيمان بالله والإخلاص والتسليم لقضاء الله
».
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة عن عمارة بن أوس الأنصاري قال: «صلينا إحدى صلاتي العشي فقام رجل على باب المسجد ونحن في الصلاة فنادى أن الصلاة قد وجبت نحو الكعبة فحول أو انحرف أمامنا نحو الكعبة والنساء والصبيان».
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار عن أنس بن مالك قال: «جاءنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن القبلة قد حولت إلى بيت الله الحرام وقد صلى الإمام ركعتين فاستداروا فصلوا الركعتين الباقيتين نحو الكعبة».
وأخرج ابن سعد عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: «صليت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرفت القبلة إلى البيت ونحن في صلاة الظهر فاستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا فاستدرنا معه».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} قال: «
يهديهم إلى المخرج من الشبهات والضلالات والفتن».
وأخرج أحمد والبيهقي في "سننه" عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنهم - يعني أهل الكتاب - لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى قولنا خلف الإمام آمين»
.
وأخرج الطبراني عن عثمان بن حنيف قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم من مكة يدعو الناس إلى الإيمان بالله في تصديق به قولا وعملا والقبلة إلى بيت المقدس فلما هاجر إلينا نزلت الفرائض ونسخت المدينة مكة والقول فيها ونسخ البيت الحرام بيت المقدس فصار الإيمان قولا وعملا
»
وأخرج البزار والطبراني عن عمرو بن عوف قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا ثم حولت إلى الكعبة»). [الدر المنثور: 2/ 5-17]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) }
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا رشدين بن سعد، قال: أخبرني ابن أنعم المعافري، عن حبان ابن أبي جبلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى إسرافيل، فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي؟ هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم ربي قد بلغته جبريل، فيدعى جبريل فيقال: هل بلغك إسرافيل عهدي؟ فيقول: نعم ربي قد بلغني، فيخلى عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلغت عهدي؟ فيقول جبريل: نعم، قد بلغت الرسل، فيدعى الرسل، فيقول: بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم ربنا، فيخلى عن جبريل، ثم يقال للرسل: هل بلغتم عهدي؟ فيقولون: قد بلغنا أممنا، فتدعا الأمم، فيقال لهم: هل بلغتكم الرسل عهدي؟ فمنهم المصدق، ومنهم المكذب، فيقول الرسل: إن لنا عليهم شهداء يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك، فيقول: من يشهد لكم؟ فيقولون: أمة أحمد فتدعا أمة أحمد، فيقول: أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه؟ فيقولون: نعم رب شهدنا قد بلغوا، فتقول تلك الأمم: رب، كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول الرب: كيف تشهدون على من لم تدركوا؟ فيقولون: ربنا، بعثت إلينا رسولًا، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا، فيقول الرب: صدقوا، فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا}، والوسط: العدل {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا} [سورة البقرة:143].
قال ابن أنعم: فبلغني أنه تشهد يومئذٍ أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إلا من كان في قلبه حنة على أخيه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 743-744]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن أنعمٍ، عن حبّان بن أبي جبلة يرفعه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآية: «{وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً} الوسط: العدل، {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرسول عليكم شهيداً}، إنّ أمّة محمدٍ تدعى فيقال: أتشهدون أنّ رسلي هؤلاء قد بلّغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه، فيقولون: نعم، ربّ، نشهد أنّهم قد بلغوا»). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 130-131]

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني مالك في قول الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: «هي صلاة المؤمنين إلى بيت المقدس من قبل أن تصرف القبلة إلى الكعبة؛ فلما صرف الله القبلة أنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم للصلاة}، التي كانوا يصلونها تلقاء بيت المقدس»). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 131]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة قال في قوله: {أمة وسطا} قال: «عدولا لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا أن قد بلغ ما أرسل به»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60-61]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن زيد بن أسلم: «قوم نوح يقولون يوم القيامة لم يبلغنا نوح قال: فيدعى نوح فيسأل هل بلغتهم؟، قال: فيقول نعم قد بلغتهم، فيقال: من شهودك؟، فيقول: أحمد وأمته فيدعون فيسألون فيقولون: نعم قد بلغهم، قال: فيقول قوم نوح وكيف تشهدون علينا ولم تدركونا، قال: فيقولون قد جاءنا نبي فأخبرنا أنه قد بلغكم وأنزل عليه أنه قد بلغكم فصدقناه، فيصدق نوح ويكذبون، قال: {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 61]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال زيد بن أسلم: «إن الأمم يقولون يوم القيامة والله لقد كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء كلهم لما يرون الله أعطاهم»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 61]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {لكبيرة إلا على الذين هدى الله} قال: «كبيرة حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 61-62]

قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ في قوله تبارك وتعالى: {وكذلك جعلنكم أمة وسطا} قال: «عدلا» ). [تفسير الثوري: 50]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ في قوله جل جلاله: {لتكونوا شهداء على الناس} قال: «على الأمم بأنّ الرّسل قد بلغوا»).
[تفسير الثوري: 50-51]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ في قوله تبارك وتعالى: {ويكون الرّسول عليكم شهيدا} قال: «شهيدًا عليكم فيما فعلتم»). [تفسير الثوري: 51]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن يحيى بن سعيدٍ عن سعيد بن المسيّب في قوله جلّ وعزّ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: «صلّى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قبل بدرٍ بشهرين نحو بيت المقدس وكان يرفع بصره إلى السّماء ويحبّ أن يصرف فنزلت فيه: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}»).
[تفسير الثوري: 51]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن عبد اللّه بن دينار عن ابن عمر قال: «بينا نحن في مسجد قباء في صلاة الصّبح إذ جاء رجلٌ فقال: أنزل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلم اللّيلة قرآنٌ فأمر أن يتحوّل إلى الكعبة فقالوا (هكذي)؟ ووصف ذلك ثمّ استداروا إلى القبلة»).
[تفسير الثوري: 51-52]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء بن عازبٍ قال: «صلّينا إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا ثمّ صرفنا إلى القبلة»). [تفسير الثوري: 52]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان الثوري: فقيل للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فكيف يصنع بمن قد مضى من أصحابنا؟ يعنون من قد صلّى إلى بيت المقدس فمات فنزلت: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم»).
[تفسير الثوري: 52]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن جابرٍ الجعفيّ قال: «أقسم باللّه الشّعبيّ ما ردّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على أهل بيت المقدس إلّا لسخطه على أهل بيت المقدس»).
[تفسير الثوري: 52-53]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري في قول اللّه جلّ وعزّ: {وإن كانت لكبيرةً إلا على الذين هدى الله} قال: «اليهود»). [تفسير الثوري: 53]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى:
{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، قال: نا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلًا» {لتكونوا شهداء على النّاس} قال: «يؤتى بالنّبيّ يوم القيامة معه رجلٌ لم يتّبعه غيره، والنّبيّ معه الرّجلان لم يتّبعه أكثر من ذلك، فيقال للنّبيّ: هل بلّغت هؤلاء؟ فيقول: نعم، فيقول لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، فيقال لهم: من يشهد لكم أنكم قد بلغتم؟ فيقولون: محمّدٌ وأمّته، فيشهدون لهم بالبلاغ، فيقال لهم: ما يدريكم؟ فيقولون: أخبرنا نبيّنا أنّ الرّسل قد بلّغوا، فصدّقنا بذلك، فذلك قوله عزّ وجلّ: {جعلناكم أمّةً وسطًا}» يقول: «عدلًا» {لتكونوا شهداء على النّاس}، قال: «على هذه الأمم أنّهم قد بلّغوا» ).
[سنن سعيد بن منصور: 2/ 618-619]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ (143) قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}:

- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، نا أبو إسحاق الهمداني، عن البراء بن عازب قال: «صلّيت مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ستّة عشر شهرًا، حتى نزلت الآية التي في القبلة: {وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره} فنزلت بعدما صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فانطلق رجلٌ من القوم، فمرّ بأناسٍ من الأنصار، وهم يصلّون، فحدّثهم الحديث، فولّوا وجوههم قبل البيت».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: «صلّى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قبل بيت المقدس ستّة عشر شهرًا، ثمّ أمر أن يصلّي قبل الكعبة، فخرج رجلٌ، فرأى ناسًا من الأنصار، يصلّون قبل بيت المقدس، فقال: أشهد أنّي رأيت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يصلّي قبل الكعبة، فتحوّلوا جميعًا قبل الكعبة».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء، في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم نحو بيت المقدس»
.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، عن يعلى بن عطاءٍ، عن يحيى بن قمطة قال: «رأيت عبد اللّه بن عمرٍو، ونظر إلى الكعبة ممّا يلي الميزاب، فقال: هذه الّتي قال اللّه:
{فلنولّينّك قبلةً ترضاها}».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية، في قوله عزّ وجلّ: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «تلقاء المسجد الحرام»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 621-628]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
4487 - حدّثنا يوسف بن راشدٍ، حدّثنا جريرٌ، وأبو أسامة واللّفظ لجريرٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، وقال أبو أسامة: حدّثنا أبو صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة، فيقول: لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمّته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته، فتشهدون أنّه قد بلّغ: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} فذلك قوله جلّ ذكره: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا
» والوسط: العدل.

باب قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلّا على الّذين هدى اللّه وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ}
4488 - حدّثنا مسدّدٌ، حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما: «بينا النّاس يصلّون الصّبح في مسجد قباءٍ، إذ جاء جاءٍ فقال: أنزل اللّه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قرآنًا أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجّهوا إلى الكعبة»). [صحيح البخاري: 6/ 21-22]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله: باب قوله تعالى:
{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدا}:
كذا لأبي ذرٍّ، وساق غيره الآية إلى مستقيمٍ وسيأتي الكلام على الآية في كتاب الاعتصام إن شاء اللّه تعالى.
قوله: (حدّثنا قتيبة حدّثنا جريرٌ وأبو أسامة واللّفظ لجريرٍ) أي لفظ المتن قوله: (وقال أبو أسامة حدّثنا أبو صالحٍ) يعني قال أبو أسامة عن الأعمش حدّثنا أبو صالحٍ. فأفاد تصريح الأعمش بالتّحديث، وقد أخرجه في الاعتصام من وجهٍ آخر عن أبي أسامة وصرّح في روايته أيضًا بالتّحديث، وسيأتي في رواية أبي أسامة مفردةً في الاعتصام.
قوله: «يدعى نوحٌ يوم القيامة، فيقول: لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟، فيقول: نعم» زاد في الاعتصام: «نعم يا ربّ».
قوله: «فيقول من يشهد لك؟» في الاعتصام: «فيقول: من شهودك؟».
قوله: «فيشهدون» في الاعتصام: «فيجاء بكم فتشهدون».
وقد روى هذا الحديث أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد أتمّ من سياق غيره وأشمل ولفظه: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرّجل ويجيء النّبيّ ومعه الرّجلان ويجيء النّبيّ ومعه أكثر من ذلك، قال: فيقال لهم: أبلّغكم هذا؟، فيقولون: لا، فيقال للنّبيّ: أبلّغتهم، فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟». الحديث أخرجه أحمد عنه والنّسائيّ وبن ماجه والإسماعيليّ من طريق أبي معاوية أيضًا.
قوله: «فيشهدون أنّه قد بلّغ» زاد أبو معاوية: «فيقال: وما علّمكم؟ فيقولون: أخبرنا نبيّنا أن الرّسل قد بلغوا فصدّقناه». ويؤخد من حديث أبيّ بن كعبٍ تعميم ذلك فأخرج بن أبي حاتمٍ بسندٍ جيّدٍ عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ في هذه الآية قال: «{لتكونوا شهداء} وكانوا شهداء على النّاس يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوحٍ وقوم هودٍ وقوم صالحٍ وقوم شعيبٍ وغيرهم أنّ رسلهم بلّغتهم وأنّهم كذّبوا رسلهم»، قال أبو العالية وهي قراءة أبيٍّ: (لتكونوا شهداء على النّاس يوم القيامة)، ومن حديث جابرٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما من رجلٍ من الأمم إلّا ودّ أنّه منّا أيّتها الأمّة، ما من نبيٍّ كذّبه قومه إلّا ونحن شهداؤه يوم القيامة أن قد بلّغ رسالة اللّه ونصح لهم».
قوله: «فذلك قوله عزّ وجل: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}» في الاعتصام: «ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
قوله: «والوسط العدل» هو مرفوعٌ من نفس الخبر وليس بمدرجٍ من قول بعض الرّواة كما وهم فيه بعضهم، وسيأتي في الاعتصام بلفظ: «وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا عدلًا». وأخرج الإسماعيليّ من طريق حفص بن غياثٍ عن الأعمش بهذا السّند في قوله: {وسطًا} قال: «عدلًا» كذا أورده مختصرًا مرفوعًا، وأخرجه الطّبريّ من هذا الوجه مختصرًا مرفوعًا، ومن طريق وكيعٍ عن الأعمش بلفظ: «والوسط العدل» مختصرًا مرفوعًا، ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش مثله، وكذا أخرجه التّرمذيّ والنّسائيّ من هذا الوجه وأخرجه الطّبريّ من طريق جعفر بن عونٍ عن الأعمش مثله وأخرجه عن جماعةٍ من التّابعين كمجاهدٍ وعطاءٍ وقتادة ومن طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ مثله قال الطّبريّ: «الوسط في كلام العرب الخيار يقولون فلانٌ وسطٌ في قومه وواسطٌ إذا أرادوا الرّفع في حسبه». قال: «والّذي أرى أنّ معنى الوسط في الآية الجزء الّذي بين الطّرفين والمعنى أنّهم وسطٌ لتوسّطهم في الدّين فلم يغلوا كغلوّ النّصارى ولم يقصّروا كتقصير اليهود ولكنّهم أهل وسطٍ واعتدالٍ»، قلت: لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحًا لمعنى التّوسّط أن لا يكون أريد به معناه الآخر كما نصّ عليه الحديث فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دلّ عليه معنى الآية واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/ 172-173]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: باب قول اللّه تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتبع الرّسول} الآية.

كذا لأبي ذرٍّ وساق غيره إلى قوله: {رءوف رحيم} ثمّ أورد حديث بن عمر في تحويل القبلة أورده مختصرًا وقد تقدم شرحه في أوائل الصّلاة مستوفي قوله: باب قوله تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} الآية وفي رواية كريمة إلى {عمّا تعملون}.
- قوله عن أنسٍ صرّح في رواية الإسماعيليّ وأبي نعيمٍ بسماع سليمان له من أنسٍ قوله: «لم يبق ممّن صلّى القبلتين غيري» يعني الصّلاة إلى بيت المقدس وإلى الكعبة وفي هذا إشارةٌ إلى أنّ أنسًا آخر من مات ممّن صلّى إلى القبلتين والظّاهر أنّ أنسًا قال ذلك وبعض الصّحابة ممّن تأخّر إسلامه موجودٌ ثمّ تأخّر أنسٌ إلى أن كان آخر من مات بالبصرة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قاله عليّ بن المدينيّ والبزّار وغيرهما، بل قال بن عبد البرّ: «هو آخر الصّحابة موتًا مطلقًا لم يبق بعده غير أبي الطّفيل» كذا قال وفيه نظرٌ فقد ثبت لجماعةٍ ممّن سكن البوادي من الصّحابة تأخّرهم عن أنسٍ وكانت وفاة أنسٍ سنة تسعين أو إحدى أو ثلاث وهو أصح ما قيل فيها وله مائةٌ وثلاث سنين على الأصحّ أيضًا وقيل أكثر من ذلك وقيل أقلّ، وقوله تعالى: {فلنولينك قبلة ترضاها} هي الكعبة وروى الحاكم من حديث بن عمر في قوله: {فلنولينك قبلة ترضاها} قال: «نحو ميزاب الكعبة» وإنّما قال ذلك لأن تلك الجهة قبلة أهل المدينة).
[فتح الباري: 8/ 173]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (بابٌ قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدٍ}:
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم} الآية، هذا هكذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره إلى قوله: {لرؤوف رحيم} قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} أي: كما اخترنا إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، وأولاده وأنعمنا عليهم بالحنيفية جعلناكم أمة وسطا. وقال ابن كثير في تفسيره: «يقول الله تعالى: إنّما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكن بالفضل». وقال الزّمخشريّ: «وكذلك جعلناكم، ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا أي خياراً، ويستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث
».

- حدّثنا يوسف بن راشدٍ حدثنا جريرٌ وأبو أسامة واللّفظ ل جريرٍ عن الأعمش عن أبي صالح. وقال أبو أسامة حدثنا أبو صالحٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة فيقول لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟، فيقول: نعم، فيقال لأمّته: هل بلّغكم؟، فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، فيقول: من يشهد لك؟، فيقول: محمّدٌ وأمّته، فيشهدون أنّه قد بلّغ، ويكون الرّسول عليكم شهيداً فذالك قوله جلّ ذكره: {وكذالك جعلناكم أمّةٍ وسطاً لتكونوا شهداءٍ على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيداً} والوسط العدل
». (انظر الحديث 3339 وطرفه).
مطابقته للآية ظاهرة. ويوسف هو ابن موسى بن راشد بن بلال القطّان الكوفي، وجرير هو ابن عبد الحميد، وأبو أسامة حمّاد بن أسامة، والأعمش سليمان، وأبو صالح ذكوان، وأبو سعيد الخدريّ سعد بن مالك بن سنان.
والحديث مضى في كتاب الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام، في: باب قوله تعالى: {إنّا أرسلنا نوحًا} [نوح: 1] ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: «والوسط: العدل» قيل، هو مرفوع من نفس الخبر وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهمه بعضهم. قلت: فيه تأمل، وقال ابن جرير: «الوسط العدل والخيار»، وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الّذي بمعنى الجزء الّذي هو بين الطّرفين مثل: وسط الدّار، وروي أن الرب عز وجل إنّما وصفهم بذلك لتوسطهم في الدّين فلاهم أهل غلو فيه كالنصارى ولاهم أهل تقصير فيه كاليهود، وقال الزّمخشريّ: «وقيل للخيار: وسط»، لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعواز والأوساط محفوظة).
[عمدة القاري: 18/ 95]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( بابٌ قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ}
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرّسول} إلى هنا رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية الّتي ذكرناها. قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} يعني: وما جعلنا القبلة الّتي تحب أن تستقبلها الجهة الّتي كنت عليها أولا بمكّة وما رددناك إليها إلاّ امتحاناً للنّاس وابتلاءً لنعلم الثّابت على الإسلام الصّادق فيه ممّن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد. قوله: {وإن كانت}، كلمة: إن المخففة الّتي تلزمها اللّام الفارقة، والضّمير في: كانت، يرجع إلى التحويلة أو إلى القبلة. قوله: {لكبيرة}، أي: لثقيلة شاقة {إلاّ على الّذين هدى الله} وهم التائبون الصادقون في اتّباع الرّسول. قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي: ثباتكم على الإيمان، وعن ابن عبّاس: «{وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي: بالقبلة الأولى، وتصديقكم نبيكم باتباعه إلى القبلة الأخرى، أي: ليعطيكم أجرهما جميعًا».
[عمدة القاري: 18/ 95]
- حدّثنا مسدّدٌ حدثنا يحيى عن سفيان عن عبد الله بن دينارٍ عن ابن عمر رضي الله عنهما: «بينا النّاس يصلّون الصّبح في مسجد قباءٍ إذ جاء فقال أنزل الله على النبيّ صلى الله عليه وسلم قرآناً أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فتوجّهوا إلى الكعبة».
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: (أنزل الله على النّبي قرآنًا أن يستقبل القبلة) ويحيى هو ابن سعيد القطّان، وسفيان هو الثّوريّ. والحديث مضى في أوائل الصّلاة في: باب ما جاء في القبلة فإنّه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر الحديث).
[عمدة القاري: 18/ 96]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
{وكذلك} ولأبي ذر: باب قوله تعالى: {وكذلك} أي وكما جعلناكم مهديين إلى الصراط المستقيم وجعلنا قبلتكم أفضل القبل، {جعلناكم أمة وسطًا} أي خيارًا أو عدولًا، وجعل بمعنى صير فيتعدى لاثنين فالضمير مفعول أوّل وأمة ثان ووسطًا نعت وهو بالتحريك اسم لما بين الطرفين، ويطلق على خيار الشيء، وقيل: كل ما صلح فيه لفظ بين يقال بالسكون وإلا فبالتحريك تقول: جلست وسط القوم بالتحريك، وقيل المفتوح في الأصل مصدر والساكن ظرف، {لتكونوا شهداء على الناس} يوم القيامة {ويكون الرسول عليكم شهيدًا} علة للجعل.
[إرشاد الساري: 7/ 15]
- حدّثنا يوسف بن راشدٍ، حدّثنا جريرٌ وأبو أسامة واللّفظ لجريرٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، وقال أسامة: حدّثنا أبو صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة فيقول: لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيقال لأمّته هل بلّغكم: فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته فتشهدون أنّه قد بلّغ، {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} فذلك قوله جلّ ذكره {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}، والوسط: العدل».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (يوسف بن راشد) هو يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان الكوفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (وأبو أسامة) حماد بن أسامة (واللفظ) أي لفظ المتن (لجرير عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (وقال أبو أسامة): حماد يعني عن الأعمش (حدّثنا أبو صالح) ذكوان ففيه تصريح الأعمش بالتحديث (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب. فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير. فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: يشهد لي محمد وأمته فيشهدون له أنه قد بلغ» زاد أبو معاوية عن الأعمش عند النسائي فقال: «وما علمكم؟ فيقولون: أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقنا، {ويكون الرسول عليكم شهيدًا} فذلك قوله جل ذكره: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا} والوسط: العدل» هو مرفوع من نفس الخبر لا مدرج كما قاله في الفتح، وسقط لأبي ذر لفظ جل ذكره. وقد سبق الحديث في كتاب الأنبياء).
[إرشاد الساري: 7/ 16]

- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ}:
{وما} ولأبي ذر باب قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قيل: القبلة مفعول أول والتي كنت عليها ثان، فإن الجعل بمعنى التصيير أي الجهة التي كنت عليها وهي الكعبة، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصلّي إليها بمكة ثم لما هاجر أمر بالصلاة إلى بيت المقدس تألفًا لليهود أي أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وما جعلنا قبلتك بيت المقدس {إلا لنعلم} لنختبر ونتبين {من يتبع الرسول} في الصلاة إلى الكعبة {ممن ينقلب على عقبيه} من يرتد عن دينه بعد، ومن: موصول، ويتبع صلته، والموصول وصلته في محل المفعول بنعلم، وعلى عقبيه في محل نصب على الحال.
قال البيضاوي: «فإن قلت: كيف يكون علمه تعالى غاية الجعل وهو لم يزل عالمًا؟ وأجاب: بأن هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء والمعنى ليتعلق علمنا به موجودًا، وقيل ليعلم رسوله والمؤمنون، لكنه أسند إلى نفسه لأنهم خواصه أو ليتميز الثابت عن المتزلزل كقوله تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب} [الأنفال: 37] فوضع العلم موضع التميز المسبب عنه».
{وإن كانت} أي التحويلة أو القبلة {لكبيرة} لثقيلة شاقة وإن مخففة من الثقيلة دخلت على ناسخ الابتداء والخبر واللام للفرق بينها وبين النافية {إلاّ على الّذين هدى الله} وهم التائبون الصادقون في اتّباع الرسول والاستثناء مفرغ وجاز ذلك وإن لم يتقدمه نفي ولا شبهه لأنه في معنى النفي {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي بالقبلة المنسوخة أو صلاتكم إليها {إن الله بالناس لرؤوف رحيم}. ولأبي ذر بعد قوله: {من يتبع الرسول} الآية وسقط ما بعدها عنده.
- حدّثنا مسدّدٌ، حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: «بينا النّاس يصلّون الصّبح في مسجد قباءٍ إذ جاء جاءٍ فقال: أنزل اللّه على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرآنًا أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فتوجّهوا إلى الكعبة».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: حدّثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: «بينا الناس» بغير ميم «يصلون الصبح في مسجد قباء» بالصرف على الأشهر «إذ جاء جاء» هو عباد بن بشر «فقال» لهم: «أنزل الله على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قرآنًا» هو قوله تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السماء} الآيات. «أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها» بكسر الموحدة على الأمر في اليونينية وفرعها وبفتحها على الخبر «فتوجهوا إلى الكعبة» من غير أن تتوالى خطاهم عند التوجه بل كانت مفرقة. وهذا الحديث سبق في باب ما جاء في القبلة في أوائل كتاب الصلاة).
[إرشاد الساري: 7/ 17]

قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: أخبرنا جعفر بن عونٍ، قال: أخبرنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ فيقال: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، وما أتانا من أحدٍ، فيقال: من شهودك؟ فيقول محمّدٌ وأمّته، قال: فيؤتى بكم تشهدون أنّه قد بلّغ، فذلك قول الله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} والوسط: العدل». هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، عن الأعمش، نحوه).
[سنن الترمذي: 5/ 57]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا هنّادٌ، وأبو عمّارٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا وجّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل اللّه تعالى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} الآية». هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/ 58]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}:
- أخبرنا محمّد بن المثنّى، عن هشام بن عبد الملك، حدّثنا أبو معاوية، أخبرنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: {جعلناكم أمّةً وسطًا} قال:
«عدلًا».
- أخبرنا محمّد بن آدم بن سليمان، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجيء النّبيّ يوم القيامة معه الرّجل، ويجيء النّبيّ معه الرّجلان، ويجيء النّبيّ معه أكثر من ذلك، فيقال له: هل بلّغت قومك؟ فيقول: نعم، فيدعون فيقال: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فتدعى أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم فيقال: هل بلّغ هذا؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم بذلك؟ فيقولون: أخبرنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم أنّ الرّسل قد بلّغوا فصدّقناه، فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: عدلًا {لتكونوا شهداء على النّاس}»).
لسنن الكبرى للنسائي: 10/ 18]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}:
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} كما هديناكم أيّها المؤمنون بمحمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام، وبما جاءكم به من عند اللّه، فخصصناكم بالتّوفيق لقبلة إبراهيم وملّته، وفضّلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل؛ كذلك خصصناكم ففضّلناكم على غيركم من أهل الأديان بأن جعلناكم أمّةً وسطًا. وقد بيّنّا أنّ الأمّة هي القرن من النّاس، والصّنف منهم وغيرهم.
وأمّا الوسط فإنّه في كلام العرب: الخيار، يقال منه: فلان واسط الحسب في قومه: أي متوسّط الحسب، إذا أرادوا بذلك الرّفع في حسبه، وهو وسطٌ في قومه، وواسطٌ، كما يقال: شاةٌ يابسة اللّبن، ويبسة اللّبن، وكما قال جلّ ثناؤه: {فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا} وقال زهير بن أبي سلمى، في الوسط:


هم وسطٌ يرضى الأنام بحكمهم ....... إذ نزلت إحدى اللّيالي بمعظم

قال: وأنا أرى أنّ الوسط في هذا الموضع هو الوسط الّذي بمعنى الجزء الّذي هو بين الطّرفين، مثل وسط الدّار محرّكة الوسط مثقّلته، غير جائزٍ في سينه التّخفيف. وأرى أنّ اللّه تعالى ذكره إنّما وصفهم بأنّهم وسط لتوسّطهم في الدّين، فلا هم أهل غلوٍّ فيه، غلوّ النّصارى الّذين غلوا بالتّرهّب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصيرٍ فيه تقصير اليهود الّذين بدّلوا كتاب اللّه وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربّهم وكفروا به؛ ولكنّهم أهل توسّطٍ واعتدالٍ فيه، فوصفهم اللّه بذلك، إذ كان أحبّ الأمور إلى اللّه أوسطها.
وأمّا التّأويل فإنّه جاء بأنّ الوسط العدل، وذلك معنى الخيار؛ لأنّ الخيار من النّاس عدولهم.
ذكر من قال: الوسط: العدل.
- حدّثنا سلم بن جنادة، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثنا مجاهد بن موسى، ومحمّد بن بشّارٍ قالا: حدّثنا جعفر بن عونٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، مثله.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثني عليّ بن عيسى، قال: حدّثنا سعيد بن سليمان، عن حفص بن غياثٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {أمّةً وسطًا} قال: «عدولاً».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} يقول: «جعلكم أمّةً عدلاً».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن رشدين بن سعدٍ، قال: أخبرنا ابن أنعمٍ المعافريّ، عن حبّان بن أبي جبلة، يسنده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «الوسط: العدل».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، ومجاهدٍ، وعبد اللّه بن كثيرٍ {أمّةً وسطًا} قالوا: «عدولاً، قال مجاهدٌ: «عدولاً».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «هم وسطٌ بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبين الأمم»).[جامع البيان: 2/ 626-629]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
والشّهداء جمع شهيدٍ.
فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمّةً عدلاً لتكونوا شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنّها قد بلّغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها، ويكون رسولي محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم شهيدًا عليكم بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندي.
وقيل: معنى عليكم فى قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} لكم. كأن تأويله عندهم: ويكون الرسول شهيدا لكم.
وقال قائل هذه المقاله: هذا نظير قوله: {وما ذبح على النّصب} إنما هو: وما ذبح على النّصب.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا حفصٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى بنوحٍ عليه السّلام يوم القيامة، فيقال له: هل بلّغت ما أرسلت به؟ فيقول: نعم، فيقال لقومه: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذيرٍ، فيقال له: من يعلم ذاك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته فهو قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}».
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، قال، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه، إلاّ أنّه زاد فيه: «فتدعون فيشهدون أنّه قد بلّغ».
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ: «{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس} بأنّ الرّسل قد بلّغوا {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} بما عملتم أو فعلتم».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أبي مالكٍ الأشجعيّ، عن المغيرة بن عتيبة بن النّهّاس، أنّ مكتبًا لهم حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّي وأمّتي لعلى كومٍ يوم القيامة مشرفين على الخلائق ما أحدٌ من الأمم إلاّ ودّ أنّه منا أيّتها الأمّة، وما من نبيٍّ كذّبه قومه إلاّ نحن شهداؤه يوم القيامة أنّه قد بلّغ رسالات ربّه ونصح لهم قال: {والرّسول عليكم شهيدًا}».
- حدّثني عصام بن روّاد بن الجرّاح العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبد اللّه بن أبى الفضل، عن أبي هريرة، قال: «خرجت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في جنازةٍ، فلمّا صلّى على الميّت، قال النّاس: نعم الرّجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت»، ثمّ خرجت معه في جنازةٍ أخرى، فلمّا صلّوا على الميّت، قال النّاس: بئس الرّجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت». فقام إليه أبيّ بن كعبٍ، فقال: يا رسول اللّه، ما قولك وجبت؟ قال: «قول اللّه عزّ وجلّ: {لتكونوا شهداء على النّاس}».
- حدّثني عليّ بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: حدّثني أبو عمرٍو عن يحيى، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي الفضل المدينيّ، قال: حدّثني أبو هريرة قال: «أتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بجنازةٍ، فقال النّاس: نعم الرّجل». ثمّ ذكر نحو حديث عصامٍ، عن أبيه.
- حدّثنا العباس بن الوليد، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا الأوزاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: حدّثني عبد اللّه، قال: حدّثني أبو هريرة، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ، قال: حدّثنا عكرمة بن عمّارٍ،
قال: حدّثني إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فمرّ عليه بجنازةٍ فأثنى عليها ثناءٍ حسنٍ، فقال: وجبت»، ومرّ عليه بجنازةٍ أخرى، فأثنى عليها دون ذلك، فقال: «وجبت»، قالوا: يا رسول اللّه ما وجبت؟ قال: «الملائكة شهداء اللّه في السّماء وأنتم شهداء اللّه في الأرض فما شهدتم عليه من شىء وجبت ثمّ قرأ: {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون} الآية».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{لتكونوا شهداء على النّاس} تكونوا شهداء لمحمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام على الأمم اليهود، والنّصارى، والمجوس».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: «يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة بإذنه ليس معه أحدٌ، فتشهد له أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قد بلّغهم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن أبيه أنّه سمع عبيد بن عميرٍ يقول. فذكر مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: حدّثني ابن أبي نجيحٍ، عن أبيه قال: «يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة»، فذكر مثله، ولم يذكر عبيد بن عميرٍ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس} أي إنّ رسلهم قد بلّغت قومها عن ربّها {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} على أنّه قد بلّغ رسالات ربّه إلى أمّته».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس} لتكون هذه الأمّة شهداء على النّاس أنّ الرّسل قد بلّغتهم، ويكون الرّسول على هذه الأمّة شهيدًا، أن قد بلّغ ما أرسل به».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن أسلم: «أنّ قوم نوحٍ يقولون يوم القيامة: لم يبلّغنا نوحٌ. فيدعى نوحٌ عليه السّلام فيسأل: هل بلّغتهم؟ فيقول: نعم، قد بلّغتهم فيقال: من شهودك؟ فيقول: أحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته. فتدعون فتسألون، فتقولون: نعم، قد بلّغهم. فتقول قوم نوحٍ عليه السّلام: كيف تشهدون علينا ولم تدركونا؟ قالوا: قد جاءنا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرنا أنّه قد بلّغكم، وأنزل عليه أنّه قد بلّغكم، فصدّقناه. قال: فيصدّق نوحٌ ويكذّبون هم،قال: {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن أسلم: «أنّ الأمم يقولون يوم القيامة: واللّه لقد كادت هذه الأمّة أن تكون أنبياء كلّهم لما يرون اللّه أعطاهم».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن رشدين بن سعدٍ، قال: أخبرني ابن أنعم المعافريّ، عن حبّان بن أبي جبلة، يسنده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا جمع اللّه عباده يوم القيامة، كان أوّل من يدعى إسرافيل، فيقول له ربّه: ما فعلت في عهدي هل بلّغت عهدي؟ فيقول: نعم ربّ قد بلّغته جبريل عليهما السّلام، فيدعى جبريل، فيقال له: هل بلّغت إسرافيل عهدي؟ فيقول: نعم ربّ قد بلّغني. فيخلّى عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلّغت عهدي؟ فيقول: نعم، قد بلّغت الرّسل فتدعى الرّسل فيقال لهم: هل بلّغك إسرافيل عهدي فيقولون: نعم ربّنا، فيخلّى عن جبريل، ثمّ يقال للرّسل: ما فعلتم بعهدي؟ فيقول: بلّغنا أممنا. فتدعى الأمم فيقال: هل بلّغكم الرّسل عهدي؟ فمنهم المكذّب ومنهم المصدّق، فتقول الرّسل: إنّ لنا عليهم شهودًا يشهدون أن قد بلّغنا مع شهادتك. فيقول: من يشهد لكم؟ فيقول: أمّة محمّدٍ. فتدعى أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيقول: أتشهدون أنّ رسلي هؤلاء قد بلّغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه؟ فيقولون: نعم ربّنا، شهدنا أن قد بلّغوا، فتقول تلك الأمم: ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول لهم الرّبّ تبارك وتعالى: كيف يشهدون على من لم يدركوا؟ فيقولون: ربّنا بعثت إلينا رسولاً، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنّهم قد بلّغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا. فيقول الرّبّ: صدقوا فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} والوسط: العدل {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}»، قال ابن أنعم: فبلغني أنّه يشهد يومئذٍ أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ من كان في قلبه حنةٌ على أخيه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: «{لتكونوا شهداء على النّاس} يعني بذلك الّذين استقاموا على الهدى، فهم الّذين يكونون شهداء على النّاس يوم القيامة لتكذيبهم رسل اللّه، وكفرهم بآيات اللّه».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {لتكونوا شهداء على النّاس} يقول: «لتكونوا شهداء على الأمم الّذين خلوا من قبلكم بما جاءتهم به رسلهم، وبما كذّبوهم، فقالوا يوم القيامة وعجبوا: أنّ أمّةً لم يكونوا في زماننا، فآمنوا بما جاءت به رسلنا، وكذّبنا نحن بما جاءوا به. فعجبوا كلّ العجب».
قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} يعني بإيمانهم به، وبما أنزل عليه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: «{لتكونوا شهداء على النّاس} يعني أنّهم شهداء على القرون بما سمّى اللّه عزّ وجلّ لهم».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ: «ما قوله: {لتكونوا شهداء على النّاس} قال: أمّة محمّدٍ شهداء على من ترك الحقّ حين جاءه والإيمان والهدى ممّن كان قبلنا» ، وقالها عبد اللّه بن كثيرٍ، قال: وقال عطاءٌ: «هم شهداء على من ترك الحقّ من تركه من النّاس أجمعين، جاء ذلك أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابهم: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} على أنّهم قد آمنوا بالحقّ حين جاءهم وصدّقوا به».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «شاهدٌ على أمّته، وهم شهداء على الأمم، وهم أحد الأشهاد الّذي قال اللّه عزّ وجلّ: {ويوم يقوم الأشهاد} والأشهاد أربعة الملائكة الّذين يحصون أعمالنا لنا وعلينا. وقرأ قوله: {وجاءت كلّ نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ} وقال: هذا يوم القيامة قال: والنّبيّون شهداء على أممهم قال: وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم شهداء على الأمم. قال: والأطوار: الأجساد والجلود»). [جامع البيان: 2/ 629-637]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}:
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} ولم نجعل صرفك عن القبلة الّتي كنت على التّوجّه إليها يا محمّد فصرفناك عنها إلاّ لنعلم من يتّبعك ممّن ينقلب على عقبيه.
والقبلة الّتي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليها الّتي عناها اللّه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} هي القبلة الّتي كنا يتوجّه إليها قبل أن يصرفه إلى الكعبة. كما.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباط، عن السّدّيّ: «{وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} يعني بيت المقدس».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} قال: «القبلة: بيت المقدس».
وإنّما ترك ذكر الصّرف عنها اكتفاءٍ بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره.
وإنّما قلنا ذلك معناه؛ لأنّ محنة اللّه أصحاب رسوله في القبلة إنّما كانت فيما تظاهرت به الأخبار عند التّحويل من بيت المقدس إلى الكعبة، حتّى ارتدّ فيما ذكر رجالٌ ممّن كان قد أسلم واتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأظهر كثيرٌ من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم، وقالوا: ما بال محمّدٍ يحوّلنا مرّةً إلى ها هنا، ومرّةً إلى ها هنا؟ وقال المسلمون في أنفسهم وفى من مضى من إخوانهم المسلمين، وهم يصلّون نحو بيت المقدس: بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت. وقال المشركون: تحيّر محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم في دينه. فكان ذلك فتنةً للنّاس وتمحيصًا للمؤمنين، فلذلك قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بمعنى: وما جعلنا صرفك عن القبلة الّتي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً للنّاس} بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرّؤيا الّتي، أريناك؛ وذلك أنّه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري لم يكن فيه على أحدٍ فتنةٌ، وكذلك القبلة الأولى الّتي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحدٍ فتنةٌ ولا محنةٌ.
ذكر الأخبار الّتي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ،
عن قتادة قال: «كانت القبلة فيها بلاءٌ وتمحيصٌ، صلّت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينه، وصلّى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثمّ وجّهه اللّه بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال في ذلك قائلون من النّاس: {ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} لقد اشتاق الرّجل إلى مولده قال اللّه عزّ وجلّ: {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} فقال أناسٌ لمّا صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} وقد يبتلي اللّه العباد بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه. وكلّ ذلك مقبولٌ إذا كان في إيمانٍ باللّه، وإخلاصٍ له، وتسليمٍ لقضائه».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي قبل بيت المقدس، فنسختها الكعبة. فلمّا وجّه قبل المسجد الحرام، اختلف النّاس فيها، فكانوا أصنافًا؛ فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلةٍ زمانًا، ثمّ تركوها وتوجّهوا إلى غيرها؟ وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس، هل تقبّل اللّه منّا ومنهم أو لا؟ وقالت اليهود: إنّ محمّدًا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن يكون هو صاحبنا الّذي ننتظر، وقال المشركون من أهل مكّة، تحيّر محمّدٍ على دينه، فتوجّه بقبلته إليكم، وعلم أنّكم كنتم أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل اللّه جلّ ثناؤه في المنافقين: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} إلى قوله: {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} وأنزل في الآخرين الآيات بعدها».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «قلت لعطاءٍ {إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} فقال عطاءٌ: يبتليهم ليعلم من يسلّم لأمره»، قال ابن جريجٍ: «بلغني أنّ ناسًا ممّن أسلم رجعوا فقالوا مرّةً: هاهنا ومرّةً هاهنا».
فإن قال لنا قائلٌ: أوما كان اللّه عالمًا بمن يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه إلاّ بعد اتّباع المتّبع، وانقلاب المنقلب على عقبيه، حتّى قال: ما فعلنا الّذي فعلنا من تحويل القبلة إلاّ لنعلم المتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المنقلب على عقبيه؟
قيل: إنّ اللّه جلّ ثناؤه هو العالم بالأشياء كلّها قبل كونها وليس قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بخبر عن أنّه لم يعلم ذلك إلاّ بعد وجوده.
فإن قال: فما معنى ذلك؟
قيل له: أما معناه عندنا فإنّه: وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه.
فقال جلّ ثناؤه: {إلاّ لنعلم} ومعناه: ليعلم رسولي وأوليائي، إذ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأولياؤه من حزبه، وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرّئيس إلى الرّئيس، وما فعل بهم إليه نحو قولهم: فتح عمر بن الخطّاب سواد العراق، وجبى خراجها، وإنّما فعل ذلك أصحابه عن سببٍ كان منه في ذلك.
وكالّذي روي في نظيره عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: [يقول اللّه جلّ ثناؤه: مرضت فلم يعدني عبدي، واستقرضته فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني].
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن محمّد بن جعفرٍ، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: [يقول اللّه: استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني يقول: وادهراه، وأنا الدّهر، أنا الدّهر].
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
فأضاف تعالى ذكره الاستقراض، والعيادة إلى نفسه، وإن كان ذلك بغيره إذ كان ذلك عن سببه.
وقد حكي عن العرب سماعًا: أجوع في غير بطني، وأعرى في غير ظهري، بمعنى جوع أهله، وعياله وعري ظهورهم، فكذلك قوله: {إلاّ لنعلم} بمعنى يعلم أوليائي وحزبي. وبنحو الّذي قلنا في ذلك قالت جماعه من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال ابن عبّاسٍ: «لنميّز أهل اليقين من أهل الشّرك والرّيبة».
وقد قال بعضهم: إنّما قيل ذلك من أجل أنّ العرب تضع العلم مكان الرّؤية، والرّؤية مكان العلم، كما قال جلّ ذكره: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل} فزعم أنّ معنى: {ألم تر} ألم تعلم، وزعم أنّ معنى قوله: {إلاّ لنعلم} بمعنى: إلاّ لنرى من يتّبع الرّسول. وزعم أنّ قول القائل: رأيت وعلمت وشهدت حروفٌ تتعاقب فيوضع بعضها موضع بعضٍ، كما قال جرير ابن عطيّة:

كأنّك لم تشهد لقيطًا، وحاجبًا ....... وعمرو بن عمرٍو إذ دعا يال دارم

بمعنى: كأنّك لم تعلم لقيطًا؛ لأنّ بين هلك لقيطٍ، وحاجبٍ وزمان جريرٍ ما لا يخفى بعده من المدّة؛ وذلك أنّ الّذين ذكرهم هلكوا في الجاهليّة، وجريرٌ كان بعد برهةٍ مضت من مجيء الإسلام.
وهذا تأويلٌ بعيدٌ، من أجل أنّ الرّؤية، وإن استعملت في موضع العلم من أجل أنّه مستحيلٌ أن يرى أحدٌ شيئًا، فلا توجب له رؤيته إيّاه علمًا بأنّه قد رآه إذا كان صحيح الفطرة، فجاز من الوجه الّذي أثبته رؤية أن يضاف إليه إثباته إيّاه علمًا، وصحّ أن يدلّ بذكر الرّؤية على معنى العلم من أجل ذلك. فليس ذلك وإن جاز في الرّؤية لما وصفنا بجائزٍ في العلم، فيدلّ بذكر الخبر عن العلم على الرّؤية؛ لأنّ المرء قد يعلم أشياء كثيرةً لم يرها، ولا يراها ويستحيل أن يرى شيئًا إلاّ علمه، على ما قد قدّمنا البيان، مع أنّه غير: موجودٍ في شيءٍ من كلام العرب أن يقال: علمت كذا بمعنى رأيته، وإنّما يجوز توجيه معاني ما في كتاب اللّه الّذي أنزله على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من الكلام إلى ما كان موجودًا مثله في كلام العرب دون ما لم يكن موجودًا في كلامها، فموجودٌ في كلامها رأيت بمعنى علمت، وغير موجودٍ في كلامها علمت بمعنى رأيت، فيجوز توجيه {إلاّ لنعلم} إلى معنى: إلاّ لنرى.
وقال آخرون: إنّما قيل: {إلاّ لنعلم} من أجل أنّ المنافقين واليهود وأهل الكفر باللّه أنكروا أن يكون اللّه تعالى ذكره يعلم الشّيء قبل كونه، وقالوا: إذ قيل لهم: إنّ قومًا من أهل القبلة سيرتدّون على أعقابهم، إذا حوّلت قبلة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة: ذلك غير كائنٍ، أو قالوا: ذلك باطلٌ. فلمّا فعل اللّه ذلك، وحوّل القبلة، وكفر من أجل ذلك من كفر، قال اللّه جلّ ثناؤه: ما فعلت إلاّ ليعلم عندكم أيّها المنكرون علمي بما هو كائنٌ من الأشياء قبل كونه، أنّي عالمٌ بما هو كائنٌ ممّا لم يكن بعد.
فكأنّ معنى قائلي هذا القول في تأويل قوله: {إلاّ لنعلم} إلاّ ليتبيّن لكم أنّا نعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه. وهذا، وإن كان وجهًا له مخرجٌ، فبعيدٌ من المفهوم.
وقال آخرون: إنّما قيل: {إلاّ لنعلم} وهو بذلك عالمٌ قبل كونه وفي حالٍ كونه على وجه التّرفّق بعباده، واستمالتهم إلى طاعته، كما قال جلّ ثناؤه: {قل اللّه وإنّا أو إيّاكم لعلى هدًى أو في ضلالٍ مبينٍ} وقد علم أنّه على هدًى وأنّهم على ضلالٍ مبينٍ، ولكنّه رفق بهم في الخطّاب، فلم يقل: إنّا على هدًى، وأنتم على ضلالٍ. فكذلك قوله: {إلاّ لنعلم} معناه عندهم: إلاّ لتعلموا أنتم إذ كنتم جهّالاً به قبل أن يكون؛ فأضاف العلم إلى نفسه رفقًا بخطابهم.
وقد بيّنّا القول الّذي هو أولى ذلك بالحقّ.
فأمّا قوله: {من يتّبع الرّسول} فإنّه يعني: الّذي يتّبع محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يأمره اللّه به، فيتوجّه نحو الوجه الّذي يتوجّه نحوه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وأمّا قوله: {ممّن ينقلب على عقبيه} فإنّه يعني به: من الّذي يرتدّ عن دينه، فينافق، أو يكفر، أو يخالف محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك ممّن يظهر اتّباعه كما.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال: «من إذا دخلته شبهةٌ رجع عن اللّه، وانقلب كافرًا على عقبيه».
وأصل المرتدّ على عقبيه: وهو المنقلب على عقبيه الرّاجع مستدبرًا في الطّريق الّذي قد كان قطعه منصرفًا عنه، فقيل ذلك لكلّ راجعٍ عن أمرٍ كان فيه من دينٍ أو خبرٍ، ومن ذلك قوله: {فارتدّا على آثارهما قصصًا} بمعنى رجعا في الطّريق الّذي كانا سلكاه.
وإنّما قيل للمرتدّ: مرتدّ من ذلك لرجوعه عن دينه وملّته الّتي كان عليها، وإنّما قيل رجع على عقبيه لرجوعه دبرًا على عقبيه إلى الوجه الّذي كان فيه بدء سيره قبل مرجعه عنه، فجعل ذلك مثلاً لكلّ تاركٍ أمرًا وآخذٍ آخر غيره إذا انصرف عمّا كان فيه إلى الّذي كان له تاركًا فأخذه، فقيل ارتدّ فلانٌ على عقبيه، وانقلب على عقبيه). [جامع البيان: 2/ 638-646]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه}:
اختلف أهل التّأويل في الّتي وصفها اللّه جلّ وعزّ بأنّها كانت كبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه.
فقال بعضهم: عنى جلّ ثناؤه بالكبيرة: التّولية من بيت المقدس شطر المسجد الحرام والتّحويلة، وإنّما أنّث الكبيرة لتأنيث التّولية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاويه بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «قال اللّه: {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} يعني تحويلها».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى بن ميمونٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «ما أمروا به من التّحوّل إلى الكعبة من بيت المقدس».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «كبيرةً حين حوّلت القبلة إلى المسجد الحرام، فكانت كبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه».
وقال آخرون: بل الكبيرة هي القبلة بعينها الّتي كان صلّى اللّه عليه وسلّم يتوجّه إليها من بيت المقدس قبل التّحويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{وإن كانت لكبيرةً} أي قبلة بيت المقدس {إلاّ على الّذين هدى اللّه}».
وقال بعضهم: بل الكبيرة: هي الصّلاة الّتي كانوا صلّوها إلى القبلة الأولى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «صلاتكم حتّى يهديكم اللّه القبلة».
- حدّثني، يونس مرّةً أخرى قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، {وإن كانت لكبيرةً} قال: «صلاتكم ها هنا يعني إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرًا وانحرافكم ها هنا».
وقال بعض نحويّي البصرة: أنّثت الكبيرة لتأنيث القبلة، وإيّاها عنى جلّ ثناؤه بقوله: {وإن كانت لكبيرةً}.
وقال بعض نحويّي الكوفة: بل أنّثت الكبيرة لتأنيث التّولية والتّحويلة.
فتأويل الكلام على ما تأوّله قائلو هذه المقالة: وما جعلنا تحويلتنا إيّاك عن القبلة الّتي كنت عليها، وتوليتناك عنها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه، وإن كانت تحويلتنا إيّاك عنها وتوليتناك لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه.
وهذا التّأويل أولى التّأويلات عندي بالصّواب، لأنّ القوم إنّما كبر عليهم تحويل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وجهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى لا عين القبلة ولا الصّلاة؛ لأنّ القبلة الأولى والصّلاة قد كانت وهى غير كبيرةٍ عليهم إلاّ أن يوجّه موجّهٌ تأنيث الكبيرة إلى القبلة، ويقول: اجتزئ بذكر القبلة من ذكر التّولية والتّحويلة لدلالة الكلام على معنى ذلك، كما قد وصفنا ذلك في نظائره، فيكون ذلك وجهًا صحيحًا ومذهبًا مفهومًا.
ومعنى قوله: {لكبيرةً} عظيمةً.
- كما حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «كبيرةٌ في صدور النّاس فيما يدخل الشّيطان به ابن آدم. قال: ما لهم صلّوا إلى ها هنا ستّة عشر شهرًا ثمّ انحرفوا فكبر في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين. فقالوا: أيّ شيءٍ هذا الدّين؟ وأمّا الّذين آمنوا فثبّت اللّه جلّ ثناؤه ذلك في قلوبهم. وقرأ قول اللّه {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: صلاتكم حتّى يهديكم إلى القبلة».
وأمّا قوله: {إلاّ على الّذين هدى اللّه} فإنّه يعنى به: وإن كانت نقلتناك عن القبلة الّتي كنت عليها لعظيمةً إلاّ على من وفقّه اللّه جلّ ثناؤه فهداه لتصديقك، والإيمان بذلك، واتّباعك فيه وفيما أنزل اللّه تعالى ذكره عليك.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} يقول: «إلاّ على الخاشعين، يعني المصدّقين بما أنزل اللّه تبارك وتعالى»). [جامع البيان: 2/ 646-650]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قيل: عنى بالإيمان في هذا الموضع الصّلاة.
ذكر الأخبار الّتي رويت بذلك وذكر قول من قاله:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وعبيد اللّه، وحدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، جميعًا عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا وجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا: كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك وهم يصلّون نحو بيت المقدس؟ فأنزل اللّه جلّ ثناؤه: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
- حدّثني إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء في قول اللّه عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم نحو بيت المقدس».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء نحوه.
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن نفيلٍ، الحرّانيّ، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: «مات على القبلة قبل أن تحوّل إلى البيت رجالٌ وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ العقديّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: «قال أناسٌ من النّاس لمّا صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه جلّ ثناؤه: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثني عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «لمّا توجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل المسجد الحرام، قال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس، هل تقبّل اللّه منّا ومنهم أم لا؟ فأنزل اللّه جلّ ثناؤه فيهم: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: صلاتكم قبل بيت المقدس، يقول: إنّ تلك كانت طاعةٌ، وهذه طاعةٌ».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: قال «ناسٌ لمّا صرفت القبلة إلى البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه تعالى ذكره: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} الآية».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، أخبرني داود بن أبي عاصم، قال: «لمّا صرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة، قال المسلمون: هلك أصحابنا الّذين كانوا يصلّون إلى بيت المقدس فنزلت: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} يقول: «صلاتكم الّتي صلّيتم من قبل أن تكون القبلة فكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلّى منهم أن لا تقبل صلاتهم».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم».
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الضراريّ، قال: أخبرنا المؤمّل، قال: حدّثنا سفيان، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، في هذه الآية: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم نحو بيت المقدس».
قال أبو جعفرٍ: «قد دلّلنا فيما مضى على أنّ معنى الإيمان التّصديق، وأنّ التّصديق قد يكون بالقول وحده وبالفعل وحده وبهما جميعًا.
فمعنى قوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} على ما تظاهرت به الرّواية من أنّه الصّلاة: وما كان اللّه ليضيع تصديقكم رسوله عليه الصّلاة والسّلام بصلاتكم الّتي صلّيتموها نحو بيت المقدس عن أمره؛ لأنّ ذلك كان منكم تصديقًا لرسولي، واتّباعًا لأمري، وطاعةً منكم لي. وإضاعته إيّاه جلّ ثناؤه لو أضاعه ترك إثابة أصحابه وعامليه عليه، فيذهب ضياعًا ويصير باطلاً كهيئة إضاعة الرّجل ماله، وذلك إهلاكه إيّاه فيما لا يعتاض منه عوضًا في عاجلٍ ولا آجلٍ، فأخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّه لم يكن بالذى يبطل عمل عاملٍ عمل له عملاً، وهو له طاعةٌ فلا يثيبه عليه، وإن نسخ ذلك الفرض بعد عمل العامل إيّاه على ما كلّفه من عمله.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قال اللّه جلّ ثناؤه: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} فأضاف الإيمان إلى الأحياء المخاطبين، والقوم المخاطبون بذلك إنّما كانوا أشفقوا على إخوانهم الّذين كانوا ماتوا وهم يصلّون نحو بيت المقدس، وفي ذلك من أمرهم أنزلت هذه الآية؟
قيل: إنّ القوم، وإن كانوا قد أشفقوا من ذلك، فإنّهم أيضًا قد كانوا مشفقين من حبوط ثواب صلاتهم الّتي صلّوها إلى بيت المقدس قبل التّحويل إلى الكعبة، وظنّوا أنّ عملهم ذلك قد بطل وذهب ضياعًا، فأنزل اللّه جلّ ثناؤه هذه الآية حينئذٍ، فوجّه الخطاب بها إلى الأحياء، ودخل فيهم الموتى منهم؛ لأنّ من شأن العرب إذا اجتمع في الخبر المخاطب والغائب أن يغلّبوا المخاطب، فيدخلوا الغائب في الخطّاب، فيقولوا لرجلٍ خاطبوه على وجه الخبر عنه، وعن آخر غائبٍ غير حاضرٍ: فعلنا بكما وصنعنا بكما كهيئة خطابهم لهما وهما حاضران، ولا يستجيزون أن يقولوا: فعلنا بهما وهم يخاطبون أحدهما فردّوا المخاطب إلى عداد الغائب). [جامع البيان: 2/ 650-654]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ}:
ويعني بقوله جلّ ثناؤه: {إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ} إنّ اللّه بجميع عباده ذو رأفةٍ. والرّأفة أعلى معاني الرّحمة، وهي عامّةٌ لجميع الخلق في الدّنيا ولبعضهم في الآخرة. وأمّا الرّحيم، فإنّه ذو الرّحمة للمؤمنين في الدّنيا والآخرة على ما قد بيّنّا فيما مضى قبل.
وإنّما أراد جلّ ثناؤه بذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ أرحم بعباده من أن يضيّع لهم طاعةً أطاعوه بها فلا يثيبهم عليها، وأرأف بهم من أن يؤاخذهم بترك ما لم يفرضه عليهم. أي ولا تأسوا على موتاكم الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس، فإنّي لهم على طاعتهم إيّاي بصلاتهم الّتي صلّوها كذلك مثيبٌ، لأنّي أرحمٌ بهم من أن أضيّع لهم عملاً عملوه لي، ولا تحزنوا عليهم، فإنّي غير مؤاخذهم بتركهم الصّلاة إلى الكعبة؛ لأنّي لم أكن فرضت ذلك عليهم، وأنا أرأف بخلقي من أن أعاقبهم على تركهم ما لم آمرهم بعمله.
وفي الرّءوف لغاتٌ: إحداها رؤفٌ على مثال فعلٌ كما قال الوليد بن عقبة:


وشرّ الطّالبين ولا ت‍كنه ....... بقاتل عمّه الرّؤف الرّحيم

وهي قراءة عامّة قرّاء أهل الكوفة والأخرى رءوفٌ على مثال فعولٌ، وهي قراءة عامّة قرّاء أهل المدينة. ورئفٌ وهي لغة غطفان، على مثال فعلٌ مثل حذرٌ. ورأفٌ على مثال فعلٌ بجزم الهمز، وهي لغةٌ لبني أسدٍ.
والقراءة على أحد الوجهين الأوّلين). [جامع البيان: 2/ 654-655]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلّا على الّذين هدى اللّه وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ (143)}:
قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}:
- حدّثنا الحسن بن عرفة، وأحمد بن سنانٍ، والحسن بن محمّد بن الصّبّاح قالوا: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «
عدلا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 248-249]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}:
الوجه الأول:

- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم: فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، وما أتانا من أحدٍ فيقال لنوحٍ: من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته، فذلك قوله: جعلناكم أمّةً وسطًا الوسط: العدل. قال: فتدعون فتشهدون له بالبلاغ، ثمّ يشهد عليكم بعده»
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قوله: «{لتكونوا شهداء على النّاس} أي عدلا على النّاس».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن ميمونٍ الإسكندرانيّ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، عن أبي عمرٍو الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن أبي الفضل المدينيّ، حدّثني أبو هريرة قال: أتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بجنازةٍ يصلّي عليها فقال النّاس. نعم الرّجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت». وأتي بجنازةٍ أخرى فقال النّاس: بئس الرّجل. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت» قال أبيّ بن كعبٍ: ما قولك وجبت؟ فقال: «قال اللّه عزّ وجلّ: {لتكونوا شهداء على النّاس}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 249]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {على النّاس}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع، عن أبي العالية: {لتكونوا شهداء على النّاس} يقول: «لتكونوا شهداء على الأمم الّتي خلت قبلكم، بما جاءتهم به رسلهم وبما كذّبوهم» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 249]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
- حدّثنا عمرٌو الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة، فيقال له: هل بلّغت: فيقول نعم. فتدعون للشّهادة بالبلاغ. قال: ثمّ أشهد عليكم بعده».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال: «يشهد أنّهم قد آمنوا بالحقّ إذ جاءهم وقبلوه وصدّقوا به» وروي عن أبي العالية، وعكرمة، وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} أي: «عدلا».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: «{لتكونوا شهداء على النّاس}: فكانوا شهداء على النّاس يوم القيامة، كانوا شهداء على قوم نوحٍ وقوم هودٍ وقوم صالحٍ وقوم شعيبٍ، وآل فرعون، أنّ رسلهم قد بلّغتهم وأنّهم كذّبوا» وهي في قراءة أبيّ بن كعبٍ: (وتكونوا شهداء على النّاس يوم القيامة) ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال قلت لعطاءٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} قال لي عطاءٌ: «بيت المقدس».
وروي عن عطيّة والسّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه::
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال ابن عبّاسٍ: «لنميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة».
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة بن الفضل، قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني مولى آل زيدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: «{إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} أي: ابتلاءً واختبارًا».
وروى الحسن و، عطاء، وقتادة، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250-251]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإن كانت لكبيرةً}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول: «ما أمروا به من التّحوّل إلى الكعبة من بيت المقدس»، وروي عن أبي العالية، وقتادة، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: «قال اللّه عزّ وجلّ: {وإن كانت لكبيرةً إلّا على الذين هدى الله} يعني: تحويلها على أهل الشّكّ والرّيبة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 251]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلا على الّذين هدى اللّه}:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة بن الفضل، قال قال محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّدٌ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{
وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} أي: الّذين ثبّت اللّه».
وروي عن قتادة قال: «عصم اللّه».
- حدّثنا أبي، قال قرأت على أبي معمرٍ المنقريّ، ثنا عبد الوارث، ثنا محمّد بن ذكوان، عن مجالد بن سعيدٍ، قال الحجّاج للحسن: أخبرني برأيك في أبي ترابٍ. قال الحسن: «سمعت اللّه يقول: {وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} فعليٌّ ممّن هدى اللّه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 251]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}:
الوجه الأول:
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شريكٌ، وحديجٌ، عن أبي إسحاق. عن البراء بن عازبٍ، قال: «مات قومٌ كانوا يصلون نحو بيت المقدس فقالوا: فكيف بأصحابنا الّذين ماتوا وهم يصلّون نحو بيت المقدس فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {
وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}. قال: صلاتكم إلى بيت المقدس».
- حدّثنا أبي. ثنا محمد عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة بن الفضل، قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد آل زيدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «وما كان اللّه ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيّكم، واتّباعه إلى القبلة الأخرى، أي: ليعطينّكم أجرهما جميعًا، إنّ اللّه بالناس لرؤف رحيمٌ».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قوله: «وما كان اللّه ليضيع إيمانكم أي: ما كان اللّه ليضيع محمّدًا وانصرافكم معه حيث انصرف، إنّ اللّه بالناس لرؤف رحيم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 251-252]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إن الله بالناس لرؤف رحيم}:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الجماهر، أنبأ سعيد بن بشيرٍ، عن سعيد بن أبي عروبة: «{لرؤف رحيمٌ} يعني: رءوفٌ رفيقٌ».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى، ثنا عبد اللّه، حدّثنا عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه عزّ وجل: {لرؤف}قال: «يرأف بكم».
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق: {رحيمٌ} قال: «يرحم اللّه العباد على ما فيهم».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: في قول الله:{رحيم} «يعني بالمؤمنين»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 252]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{جعلناكم أمة وسطا} أي عدلا {لتكونوا شهداء على الناس} على الأمم كلها اليهود والنصارى والمجوس» قال ورقاء حدثني ابن أبي نجيح أنه سمع أباه يقول قال عبيد بن عمير: «يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ناديه ليس معه أحد فتشهد له أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغ» ). [تفسير مجاهد: 90]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ك نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{وإن كانت لكبيرة} يعني ما أمروا به من التحويل من قبلة بيت المقدس إلى الكعبة فلما حولوا إلى الكعبة حول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال»).
[تفسير مجاهد: 91]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا الشّيخ أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأ محمّد بن غالبٍ، ثنا عيسى بن إبراهيم البركيّ، ثنا المعافى بن عمران الموصليّ، ثنا مصعب بن ثابتٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، قال: «كنت مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم في جنازةٍ فينا في بني سلمة، وأنا أمشي إلى جنب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال رجلٌ: نعم المرء ما علمنا إن كان لعفيفًا مسلمًا إن كان. فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أنت الّذي تقول؟» قال: يا رسول اللّه، ذاك بدا لنا واللّه أعلم بالسّرائر، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت» قال: وكنّا معه في جنازة رجلٍ من بني حارثة - أو من بني عبد الأشهل - فقال رجلٌ: بئس المرء ما علمنا إن كان لفظًّا غليظًا إن كان، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أنت الّذي تقول؟» قال: يا رسول اللّه، اللّه أعلم بالسّرائر فأمّا الّذي بدا لنا منه فذاك، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت» ثمّ تلا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}. «هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه إنّما اتّفقا على وجبت فقط» ).
[المستدرك: 2/ 294]

قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن سلمان الفقيه، قال: قرئ عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي سعيدٍ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلًا» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه ).[المستدرك: 2/ 295]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبيّ، ثنا سعيد بن مسعودٍ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا إسرائيل، ثنا سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: «لمّا وجّه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا: يا رسول اللّه، فكيف بالّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل اللّه: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} إلى آخر الآية» قال عبيد اللّه بن موسى: «هذا الحديث يخبرك أنّ الصّلاة من الإيمان» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه ). [المستدرك: 2/ 295]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت س) - البراء بن عازب رضي الله عنهما: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوّل ما قدم المدينة نزل على أجداده - أو قال: أخواله - من الأنصار، وأنّه صلّى قبل بيت المقدس ستّة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنّه صلّى أوّل صلاةٍ صلّاها صلاة العصر، وصلّى معه قومٌ، فخرج رجلٌ ممّن صلّى معه، فمرّ على أهل مسجدٍ وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة، فداروا - كما هم قبل البيت - وكانت اليهود قد أعجبهم ; إذ كان يصلّي قبل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلمّا ولّى وجهه قبل البيت، أنكروا ذلك».
قال: وفي رواية: «أنه مات على القبلة - قبل أن تحوّل - رجالٌ وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم؟ فأنزل الله عز وجل {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
وفي أخرى: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّ أن يوجّه إلى الكعبة، فأنزل اللّه عز وجل {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} فتوجّه نحو الكعبة، فقال السّفهاء - وهم اليهود -: {ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم}». هذه رواية البخاري ومسلم.
وأخرجه الترمذي قال: «لمّا قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة، صلّى نحو بيت المقدس ستّة - أو سبعة - عشر شهراً، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يحبّ أن يوجّه إلى الكعبة، فأنزل الله تبارك وتعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} فوجّه نحو الكعبة، وكان يحبّ ذلك، فصلّى رجلٌ معه العصر، قال: ثم مرّ على قومٍ من الأنصار وهم ركوعٌ في صلاة العصر نحو بيت المقدس. فقال: هو يشهد أنّه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد وجّه إلى الكعبة، فانحرفوا وهم ركوعٌ».
وأخرجه النسائي قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فصلى نحو بيت المقدس ستّة عشر شهراً، ثمّ إنّه وجّه إلى الكعبة، فمرّ رجلٌ قد كان صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم على قومٍ من الأنصار، فقال: أشهد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجّه إلى الكعبة، فانحرفوا إلى الكعبة».
شرح الغريب:
(قبل البيت) أي: حذاءه، وجهته التي تقابله.
(شطر الشيء) جهته ونحوه). [جامع الأصول: 2/ 12] (م)

قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت د) - ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما وجّه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذي ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم... } الآية»، أخرجه الترمذي وأبو داود). [جامع الأصول: 2/ 13]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ ت) - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء نوحٌ وأمّته، فيقول الله: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، أي ربّ، فيقول لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيٍّ، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمدٌ وأمّته، فنشهد أنّه قد بلّغ، وهو قوله عز وجلّ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس}». أخرجه البخاري والترمذي.
إلا أن في رواية الترمذي. فيقولون: «ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحدٍ» وذكر الآية إلى آخرها - ثم قال: «والوسط: العدل».
واختصره الترمذي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً} قال: «عدلاً»). [جامع الأصول: 2/ 13-14]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}:
- عن أبي سعيدٍ الخدريّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله عزّ وجلّ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}: قال: «عدلًا».
رواه أحمد، ورجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 6/ 316]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا أبو يعلى حدّثنا أبو خيثمة حدّثنا وكيعٌ عن إسرائيل عن سماكٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: «لما وجّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا كيف بمن مات من إخواننا وهم يصلون نحو بيت المقدّس فأنزل الله عز وجل {وما كان الله ليضيع إيمانكم}»). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/ 425]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا أحمد بن عليّ المثنى حدّثنا أبو خيثمة حدّثنا أبو معاوية عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً} قال: «عدلا» ). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/ 425]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم}:
أخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي والنسائي وصححه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان والاسماعيلي في صحيحه والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: «عدلا».
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النّبيّ في قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: «عدلا».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: {جعلناكم أمة وسطا} قال: «جعلكم أمة عدلا».
وأخرج ابن سعد عن القاسم بن عبد الرحمن قال: «قال رجل لابن عمر: من أنتم؟ قال: ما تقولون؟ قال: نقول إنكم سبط وتقول إنكم وسط، فقال: سبحان الله، إنما السبط في بني إسرائيل والأمة الوسط أمة محمد جميعا».
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي، وابن جرير والن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعو قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم».
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي، وابن ماجه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: عدلا {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق ما من الناس أحد إلا ود أنه منا وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه بلغ رسالة ربه».

وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله: «{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} بأن الرسل قد بلغوا {ويكون الرسول عليكم شهيدا} بما عملتم».
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه، عن جابر قال: «شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في بني سلمة وكنت إلى جانبه فقال بعضهم: والله يا رسول الله لنعم المرء كان لقد كان عفيفا مسلما وأثنوا عليه خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تقول فقال: يا رسول الله بدا لنا والله أعلم بالسرائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت»، قال: «وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل فقال رجل: بئس المرء ما علمنا إن كان لفظا غليظا إن كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تقول فقال: يا رسول الله الله أعلم بالسرائر فأما الذي بدا لنا منه فذاك، فقال: «وجبت» ثم تلا رسول الله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: مروا بجنازة فأثني عليه خير فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت وجبت» ومر بجنازة فأثني عليه بشر فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت» فسأله عمر، فقال: «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض»، زاد الحكيم الترمذي: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكذلك جعلناكم
أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن عمر: «أنه مرت به جنازة فأثني على صاحبها خير فقال: وجبت وجبت ثم مر بأخرى فأثني شر فقال عمر: وجبت، فقال أبو الأسود: وما وجبت قال: قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدله الله الجنة، فقلنا: وثلاثة، فقال: وثلاثة، فقلنا: واثنان، فقال: واثنان ولم نسأله عن الواحد».
وأخرج أحمد، وابن ماجة والطبراني والبغوي والحاكم في الكنى والدارقطني في الأفراد والحاكم في المستدرك والبيهقي في "سننه" عن أبي زهير الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناوة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم»، قال: بم يا رسول الله قال: «بالثناء الحسن والثناء السيء أنتم شهداء الله في الأرض».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: «أتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم بجنازة يصلي عليها فقال الناس: نعم الرجل، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت»، وأوتي بجنازة أخرى فقال الناس: بئس الرجل، فقال: «وجبت»، قال أبي بن كعب: ما قولك فقال: «قال تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يموت فتشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه لا خيرا إلا قال الله: قد قبلت شهادتكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون».
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد، وابن جرير والطبراني عن سلمة بن الأكوع قال: «مر على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل من الأنصار فأثني عليها خيرا فقال: «وجبت»، ثم مر عليه بجنازة أخرى فأثني عليها دون ذلك فقال: «وجبت»، فقال: يا رسول الله وما وجبت قال: «الملائكة شهود الله في السماء وأنتم شهود الله في الأرض».
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت فيشهد له رجلان من جيرانه الأدنين فيقولان اللهم لا نعلم إلا خيرا إلا قال الله للملائكة: اشهدوا أني قد قبلت شهادتهما وغفرت ما لا يعلمان».
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن كعب قال: «أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء كان النّبيّ يقال له: بلغ ولا حرج وأنت شهيد على قومك وادع أجبك، وقل لهذه الأمة {ما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج الآية 78] وقال {لتكونوا شهداء على الناس} وقال: {ادعوني استجب لكم} [غافر الآية 60]».
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم: «أن الأمم يقولون يوم القيامة: والله لقد كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء كلهم لما يرون الله أعطاهم».
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى اسرافيل فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم رب قد بلغته جبريل، فيدعى جبريل فيقال: هل بلغك اسرافيل عهدي؟، فيقول: نعم، فيخلى عن اسرافيل ويقول لجبريل: هل بلغت عهدي؟، فيقول: نعم قد بلغت الرسل، فتدعى الرسل فيقال لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟، فيقولون: نعم، فيخلى جبريل ثم يقال للرسل: هل بلغتم عهدي؟، فيقولون: نعم بلغناه الأمم، فتدعى الأمم فيقال لهم: هل بلغتكم الرسل عهدي؟، فمنهم المكذب ومنهم المصدق، فتقول الرسل: إن لنا عليهم شهداء، فيقول: من؟، فيقولون: أمة محمد، فتدعى أمة محمد فيقال لهم: أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم؟، فيقولون: نعم، فتقول الأمم: يا ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول الله: كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم؟، فيقولون: يا ربنا أرسلت إلينا رسولا وأنزلت علينا كتابا وقصصت علينا فيه أن قد بلغوا فنشهد بما عهدت إلينا، فيقول الرب: صدقوا فذلك قوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} والوسط العدل {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}».
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب في الآية قال: «{لتكونوا شهداء على الناس} يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوح وعلى قوم هود وعلى قوم صالح وعلى قوم شعيب وعندهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم»، قال أبو العالية: «وهي في قراءة أبي (لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة)».
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {ويكون الرسول عليكم شهيدا} قال: «يشهد أنهم قد آمنوا بالحق إذ جاءهم وقبلوه وصدقوا به».
وأخرج عبد بن حميد عن عبيد بن عمير قال: «يأتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم بإذنه ليس معه أحد فتشهد له أمة محمد أنه قد بلغهم».
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: «يقال: يا نوح قد بلغت؟، قال: نعم يا رب، قال: فمن يشهد لك؟، قال: رب أحمد وأمته، قال: فكلما دعي نبي كذبه قومه شهدت له هذه الأمة بالبلاغ فإذا سأل عن هذه الأمة لم يسأل عنها إلا نبيها».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حبان بن أبي جبلة قال: «بلغني أن ترفع أمة محمد على كوم بين يدي الله تشهد للرسل على أممها بالبلاغ فإنما يشهد منهم يومئذ من لم يكن في قلبه احنة على أخيه المسلم».
وأخرج مسلم وأبو دلود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: «لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة»). [الدر المنثور: 2/ 17-25]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قال: «
يعني بيت المقدس» {إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: «يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {إلا لنعلم} قال: «إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك {وإن كانت لكبيرة} يعني تحويلها على أهل الشك والريب».
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: «بلغني أن أناسا من الذين أسلموا رجعوا فقالوا مرة ههنا ومرة ههنا».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وإن كانت لكبيرة} يقول: «ما أمر به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس».
وأخرج وكيع والفريابي والطيالسي وأحمد، وعبد بن حميد والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: «لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة قالوا: يا رسول الله فكيف بالذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم}».
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم نحو بيت المقدس».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يقول: «صلاتكم التي صليتم من قبل أن تكون القبلة وكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لايقبل صلاتهم».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {رؤوف} قال: «يرأف بكم»). [الدر المنثور: 2/ 25-27]


تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) }
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (باب الناسخ: وهذا كتاب الناسخ والمنسوخ:
وأخبرني القاسم بن عبد اللّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخاطب عن زيد بن أسلم أنّه قال: «قال اللّه: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها}، وقال الله: {وإذا بدلنا آيةً}، {والله أعلم بما ينزل}، وقال: {يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}، فقال زيدٌ: فأوّل ما نسخ من القرآن نسخت القبلة، كان محمّدٌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يستقبل صخرة بيت المقدس، وهي قبلة اليهود، سبعة عشر شهرًا ليؤمنوا به، ويتبعونه وينصرونه من الأمّيّين من العرب، فقال اللّه: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إن الله واسعٌ عليمٌ}، ثمّ قال: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}»). [الجامع في علوم القرآن: 3/ 64-65]
(م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: «لما قدم رسول الله صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو قال سبعة عشر شهرا وكان يجب أن تحول نحو الكعبة فنزلت قد نرى تقلب وجهك في السماء فيه فصرف إلى الكعبة فمر رجل صلى مع رسول الله على نفر من الأنصار وهم يصلون نحو بيت المقدس فقال رسول الله قد صلى إلى الكعبة فانحرفوا نحو الكعبة قبل أن يركعوا وهم في صلاتهم»).
[تفسير عبد الرزاق: 1/ 56]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} قال: «كان النبي يقلب وجهه إلى السماء يحب أن يصرفه الله تعالى إلى الكعبة حتى صرفه الله تعالى إليها»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 62]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا هشيم عن يعلى بن عطاء عن يحيى بن قمطة قال: «رأيت عبد الله بن عمرو جالسا في المسجد الحرام بإزاء الميزاب فتلا هذه الآية فلنوليك قبلة ترضاها فقال هذه القبلة هذه القبلة»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 62]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «نحو المسجد الحرام {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} أي تلقاءه» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 62]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن يحيى بن سعيدٍ عن سعيد بن المسيّب في قوله جلّ وعزّ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: «صلّى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قبل بدرٍ بشهرين نحو بيت المقدس وكان يرفع بصره إلى السّماء ويحبّ أن يصرف فنزلت فيه: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}» ). [تفسير الثوري: 51] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري في قول اللّه جلّ وعزّ: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «تلقاءه»). [تفسير الثوري: 53]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ (143) قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}
...
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، عن يعلى بن عطاءٍ، عن يحيى بن قمطة، قال: «رأيت عبد اللّه بن عمرٍو، ونظر إلى الكعبة ممّا يلي الميزاب، فقال: هذه الّتي قال اللّه: {فلنولّينّك قبلةً ترضاها}»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 627] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} إلى: {عمّا تعملون}:

- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا معتمرٌ، عن أبيه، عن أنسٍ رضي اللّه عنه، قال: «لم يبق ممّن صلّى القبلتين غيري»). [صحيح البخاري: 6/ 22]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: باب {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آية ما تبعوا قبلتك} الآية:
كذا لأبي ذرٍّ ولغيره إلى لمن الظّالمين ذكر فيه حديث بن عمر المشار إليه قبل بابٍ من وجهٍ آخر قوله: باب {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}، كذا لأبي ذرٍّ ولغيره إلى آخر الآية وساق فيه حديث بن عمر المذكور من وجه آخر). [فتح الباري: 8/ 174]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب قول الله تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} إلى {عمّا تعلمون}:
أي: هذا باب في بيان قوله: {قد نرى} إلى آخره، والمذكور على هذا الوجه رواية كريمة. وفي رواية غيرها: إلى قوله: {في السّماء}.
- حدّثنا عليّ بن عبد الله حدثنا معتمرٌ عن أبيه عن أنسٍ رضي الله عنه قال: «لم يبق ممّن صلّى القبلتين غيري».
مطابقته للآية تؤخذ من قوله: «ممّن صلى القبلتين»، لأن الآية مشتملة على أمر القبلتين، وعلي بن عبد الله المعروف بابن المدينيّ، ومعتمر على وزن إسم فاعل من الاعتمار ابن سليمان بن طرخان. والحديث أخرجه النّسائيّ أيضا في التّفسير عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: «ممّن صلى القبلتين» يعني: الصّلاة إلى بيت المقدّس وإلى الكعبة، وقال أنس: «ذلك في آخر عمره»، ولعلّ مراده: أنه آخر من مات بالبصرة، ممّن صلى إلى القبلتين، وهم المهاجرون الأولون والسّابقون، وقد ثبت لجماعة ممّن سكن البوادي من الصّحابة تأخرهم عن أنس). [عمدة القاري: 18/ 96]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}:
(باب) {قد نرى} ولأبي ذر باب قوله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} أي تردد وجهك في جهة السماء تطلعًا للوحي قبل، وقد يصرف المضارع إلى معنى المضي كهذه الآية وأشبهها، وقول الزمخشري: «{قد نرى} ربما نرى ومعناه كثرة الرؤية كقوله:
قد أترك القرن مصفرًا أنامله»
تعقبه أبو حيان بأنه شرح قوله: {قد نرى} «بربما نرى»، ورب عند المحققين لتقليل الشيء في نفسه أو لتقليل نظيره، ثم قال: «ومعناه كثرة الرؤية» فهو مضاد لمدلول رب على مذهب الجمهور ثم ما ادّعاه من كثرة الرؤية لا يدل عليه اللفظ لأنه لم يوضع للكثرة قد مع المضارع سواء أريد المضي أم لا، وإنما فهمت من التقلب.
{فلنولينك قبلة ترضاها} تحبها وتتشوق إليها لمقاصد دينية وافقت مشيئة الله تعالى وحكمه والجملة في على نصب صفة لقبلة {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} نحوه وجهته، ولغير أبي ذر بعد قوله: {في السماء} إلى {عما يعملون} وسقط ما بعدها.
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا معتمرٌ، عن أبيه عن أنسٍ -رضي الله عنه- قال: «لم يبق ممّن صلّى القبلتين غيري».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا معتمر) بضم الميم الأولى وسكون العين وفتح الفوقية وكسر الميم آخره راء (عن أبيه) سليمان بن طرخان (عن أنس رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: «لم يبق ممن صلّى القبلتين») أي الصلاة إلى بيت المقدس وإلى الكعبة من المهاجرين والأنصار «غيري» وهذا قاله أنس في آخر عمره). [إرشاد الساري: 7/ 17]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يحدّث عن ابن عمر، قال: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي على راحلته تطوّعًا حيثما توجّهت به وهو جاءٍ من مكّة إلى المدينة ثمّ قرأ ابن عمر، هذه الآية: {وللّه المشرق والمغرب} الآية. فقال ابن عمر: ففي هذا أنزلت هذه الآية». هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. [سنن الترمذي: 5/ 55]
ويروى عن قتادة، أنّه قال في هذه الآية: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال قتادة: «هي منسوخةٌ نسخها قوله: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} أي تلقاءه».
حدّثنا بذلك محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة. ويروى عن مجاهدٍ، في هذه الآية: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: «فثمّ قبلة اللّه».
حدّثنا بذلك أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ، بهذا). [سنن الترمذي: 5/ 56] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ، قال: «لمّا قدم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة صلّى نحو بيت المقدس ستّة أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّ أن يوجّه إلى الكعبة، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} فوجّه نحو الكعبة، وكان يحبّ ذلك، فصلّى رجلٌ معه العصر، قال: ثمّ مرّ على قومٍ من الأنصار وهم ركوعٌ في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد أنّه صلّى مع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وأنّه قد وجّه إلى الكعبة، قال: فانحرفوا وهم ركوعٌ». هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد رواه سفيان الثّوريّ، عن أبي إسحاق.
حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن عبد الله بن دينارٍ، عن ابن عمر، قال: «كانوا ركوعًا في صلاة الفجر».
وفي الباب عن عمرو بن عوفٍ المزنيّ، وابن عمر، وعمارة بن أوسٍ، وأنس بن مالكٍ. حديث ابن عمر حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/ 57-58]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها}:
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، عن مالكٍ، عن عبد الله بن دينارٍ، عن عبد الله بن عمر، قال: «
بينما النّاس بقباء في صلاة الصّبح جاءهم آتٍ فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أنزل عليه اللّيلة وأمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشّام فاستداروا إلى الكعبة».
- أخبرنا محمّد بن حاتم بن نعيمٍ، أخبرنا حبّان، أخبرنا عبد الله، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: «صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا، وكان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يحبّ أن يصلّي نحو الكعبة، فكان يرفع رأسه إلى السّماء، فأنزل الله عزّ وجلّ: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها، فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال البراء: والشّطر فينا قبله، وقال في قول الله تعالى: {ليضيع إيمانكم} قال: ما كان الله ليضيع صلاة من مات وهو يصلّي نحو بيت المقدس
».
- أخبرنا محمّد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيبٍ، أخبرنا اللّيث، حدّثنا خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلالٍ، قال: أخبرني مروان بن عثمان، أنّ عبيد بن حنينٍ، أخبره، عن أبي سعيد بن المعلّى، قال: «كنّا نغدوا للسوق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنمرّ على المسجد فنصلّي فيه، فمررنا يومًا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعدٌ على المنبر، فقلت: لقد حدث أمرٌ فجلست فقرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} حتّى فرغ من الآية، قلت لصاحبي: تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنكون أوّل من صلّى، فتوارينا فصلّينا، ثمّ نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى للنّاس الظّهر يومئذٍ».
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا يحيى بن آدم، حدّثنا أبو زبيدٍ، عن سليمان التّيميّ، عن أنسٍ، قال: «ما بقي أحدٌ صلّى القبلتين غيري»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 17-18]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}:
- أخبرنا أبو بكر بن نافعٍ، حدّثنا بهزٌ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا ثابتٌ، عن أنسٍ: «أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه كانوا يصلّون نحو بيت المقدس، فلمّا نزلت هذه الآية: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} مرّ رجلٌ من بني سلمة فناداهم وهم ركوعٌ في صلاة الفجر: ألا إنّ القبلة قد حوّلت إلى الكعبة، فمالوا ركوعًا»).
[السنن الكبرى للنسائي: 10/ 19]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}:
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قد نرى يا محمّد نحن تقلّب وجهك في السّماء. ويعني بالتّقلّب: التّحوّل والتّصرّف. ويعني بقوله: {في السّماء} نحو السّماء وقبلها.
وإنّما قيل له ذلك صلّى اللّه عليه وسلّم فيما بلغنا، لأنّه كان قبل تحويل قبلته من بيت المقدس إلى الكعبة يرفع بصره إلى السّماء تنظرا من اللّه جلّ ثناؤه أمره بالتّحول نحو الكعبة.
- كما حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} قال: «كان صلّى اللّه عليه وسلّم يقلّب وجهه إلى السّماء يحبّ أن يصرفه اللّه عزّ وجلّ إلى الكعبة حتّى صرفه اللّه إليها».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: «{قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} فكان نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي نحو بيت المقدس، يهوى ويشتهي القبلة نحو البيت الحرام، فوجّهه اللّه جلّ ثناؤه لقبلةٍ كان يهواها ويشتهيها».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثني إسحاق،قال: حدّثني ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} يقول: «نظرك في السّماء. وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقلّب وجهه في الصّلاة وهو يصلّي نحو بيت المقدس، وكان يهوى قبلة البيت الحرام، فولاّه اللّه قبلةً كان يهواها».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «كان النّاس يصلّون قبل بيت المقدس، فلمّا قدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة على رأس ثمانية عشر شهرًا من مهاجره، كان إذا صلّى رفع رأسه إلى السّماء ينظر ما يؤمر، وكان يصلّي قبل بيت المقدس. فنسختها الكعبة. فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّ أن يصلّي قبل الكعبة فأنزل اللّه جلّ ثناؤه: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} الآية».
ثمّ اختلف في السّبب الّذي من أجله كان صلّى اللّه عليه وسلّم يهوى قبلة الكعبة. فقال بعضهم: كره قبلة بيت المقدس، من أجل أنّ اليهود قالوا. يتّبع قبلتنا ويخالفنا في ديننا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: «قالت اليهود: يخالفنا محمّدٌ، ويتّبع قبلتنا فكان يدعو اللّه، ويستفرض القبلة، فنزلت: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} وانقطع قول يهود: يخالفنا ويتّبع قبلتنا في صلاة الظّهر. فجعل الرّجال مكان النّساء، والنّساء مكان الرّجال».
- حدّثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعته يعني ابن زيدٍ، يقول: قال اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هؤلاء قومٌ يهود يستقبلون بيتًا من بيوت اللّه لبيت المقدس لو أنّا استقبلناه»، فاستقبله النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ستّة عشر شهرًا، فبلغه أن يهود تقول: واللّه ما درى محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم. فكره ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ورفع وجهه إلى السّماء، فقال اللّه جلّ ثناؤه: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} الآية».
وقال آخرون: بل كان يهوى ذلك من أجل أنّه كان قبلة أبيه إبراهيم عليه السّلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره اللّه عزّ وجلّ أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّ قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السّماء، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} الآية».
وأمّا قوله: {فلنولّينّك قبلةً ترضاها} فإنّه يعني: فلنصرفنّك عن بيت المقدس إلى قبلةٍ ترضاها ويعنى بقوله: {ترضاها} تهواها وتحبّها.
وأمّا قوله: {فولّ وجهك} فإنه يعني به اصرف وجهك وحوّله.
وقوله: {شطر المسجد الحرام} يعني بالشّطر: النّحو والقصد والتّلقاء، كما قال الهذليّ:


إنّ العسير بها داءٌ مخامرها ....... فشطرها نظر العينين محسور

يعني بقوله شطرها: نحوها. وكما قال ابن أحمر:

تعدو بنا شطر جمعٍ وهي عاقدةٌ ....... قد كارب العقد من إيفادها الحقبا

وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي العالية {شطر المسجد الحرام} قال: «تلقاءه».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «{شطر المسجد الحرام} نحوه».
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: «{فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} نحوه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: «{فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} أي تلقاء المسجد الحرام».
- حدّثنا الحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «نحو المسجد الحرام».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} أي تلقاءه».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «شطره: نحوه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء، {فولّوا وجوهكم شطره} قال: «قبله».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «{شطره} ناحيته جانبه، قال: وجوانبه: شطوره».
ثمّ اختلفوا في المكان الّذي أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يولّي وجهه إليه من المسجد الحرام. فقال بعضهم: القبلة الّتي حوّل إليها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعناها اللّه تعالى ذكره بقوله: {فلنولّينّك قبلةً ترضاها} حيال ميزاب الكعبة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد اللّه بن أبي زيادٍ، قال: حدّثنا عثمان، قال: أنا شعبة، عن يعلى بن عطاءٍ، عن يحيى بن قمطة، عن عبد اللّه بن عمرٍو: «{فلنولّينّك قبلةً ترضاها} حيال ميزاب الكعبة».
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن يعلى بن عطاءٍ، عن يحيى يعنى ابن قمطة، قال: «رأيت عبد اللّه بن عمرٍو جالسًا في المسجد الحرام بإزاء الميزاب، وتلا هذه الآية: {فلنولّينّك قبلةً ترضاها} قال: «هذه القبلة هذه القبلة».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، بإسناده عن عبد اللّه بن عمرٍو، نحوه: «إلاّ أنّه قال استقبل الميزاب فقال: هذا القبلة الّتي قال اللّه لنبيّه: {فلنولّينّك قبلةً ترضاها}».
وقال آخرون: بل ذلك البيت كلّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عمران بن موسى القزاز، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: حدّثنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «البيت كلّه قبلةٌ، وقبلةٌ البيت الباب».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ مثله.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «البيت كلّه قبلةٌ، وهذه قبلة البيت، يعني الّتي فيها الباب».
والصّواب من القول في ذلك عندي ما قال اللّه جلّ ثناؤه: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} فالمولّي وجهه شطر المسجد الحرام هو المصيب القبلة. وإنّما على من توجّه إليه النّيّة بقلبه أنّه إليه متوجّهٌ، كما أنّ على من ائتمّ بإمامٍ فإنّما عليه الائتمام به، وإن لم يكن محاذيًا بدنه بدنه، وإن كان في طرف الصّفّ والإمام في طرفٍ آخر عن يمينه أو عن يساره، بعد أن يكون من خلفه مؤتمًّا به مصلّيًا إلى الوجه الّذي يصلّي إليه الإمام. فكذلك حكم القبلة، وإن لم يحاذها كلّ مصلٍّ ومتوجّهٌ إليها ببدنه غير أنّه متوجّهٌ إليها، وإن كان عن يمينها أو عن يسارها مقابلها فهو مستقبلها بعد ما بينه وبينها، أو قرب من عن يمينها أو عن يسارها بعد أن يكون غير مستدبرها، ولا منحرفٍ عنها ببدنه ووجهه.
- كما حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عميرة بن زيادٍ الكنديّ، عن عليٍّ، {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «شطره فينا قبله،
وقبلة البيت الحرام بابه».
- كما حدّثني يعقوب بن إبراهيم، والفضل بن الصّبّاح، قالا: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاءٍ، قال: قال أسامة بن زيدٍ: «رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين خرج من البيت أقبل بوجهه إلى الباب فقال: «هذه القبلة، هذه القبلة».
- حدّثنا ابن حميدٍ، وسفيان بن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، قال: حدّثني أسامة بن زيدٍ، قال: «خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من البيت، فصلّى ركعتين مستقبلاً بوجهه الكعبة، فقال: «هذه القبلة مرّتين».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحيم بن سليمان، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، عن أسامة بن زيدٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه.
- حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ،
قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ، سمعت ابن عبّاسٍ، يقول: إنّما أمرتم بالطّواف، ولم تؤمروا بدخوله. قال: لم يكن ينهى عن دخوله، ولكنّي سمعته يقول: أخبرني أسامة بن زيدٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا دخل البيت دعا في نواحيه كلّها، ولم يصلّ حتّى خرج، فلمّا خرج ركع في قبل القبلة ركعتين وقال: «هذه القبلة».
فأخبر صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ البيت هو القبلة، وأنّ قبلة البيت بابه). [جامع البيان: 2/ 656-665]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}.
يعني جلّ ثناؤه بذلك: فأينما كنتم من الأرض أيّها المؤمنون فحوّلوا وجوهكم في صلاتكم نحو المسجد الحرام وتلقاءه. والهاء الّتي في شطره عائدةٌ إلى المسجد الحرام فأوجب جلّ ثناؤه بهذه الآية على المؤمنين فرض التّوجّه نحو المسجد الحرام في صلاتهم حيث كانوا من أرض اللّه تبارك وتعالى. وأدخلت الفاء في قوله: {فولّوا} جوابًا للجزاء، وذلك أنّ قوله: {حيثما كنتم} جزاءً، ومعناه: حيثما تكونوا فولّوا وجوهكم شطره). [جامع البيان: 2/ 665]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم}. يعني بقوله جلّ ثناؤه: وإنّ الّذين أوتوا الكتاب أحبار اليهود وعلماء النّصارى.
وقد قيل إنّما عنى بذلك اليهود خاصّةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا موسى بن هارون،
قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{وإنّ الّذين أوتوا الكتاب} أنزل ذلك في اليهود».
وقوله: {ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم} يعني به هؤلاء الأحبار، والعلماء من أهل الكتاب، يعلمون أنّ التّوجّه نحو المسجد الحرام الحقّ الّذي فرضه اللّه عزّ وجلّ على إبراهيم وذرّيّته، وسائر عباده بعده.
ويعني بقوله: {من ربّهم} أنّه الفرض الواجب على عباد اللّه تعالى ذكره، وهو الحقّ من عند ربّهم فرضه عليهم). [جامع البيان: 2/ 665-666]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}:
يعني بذلك تبارك وتعالى: وليس اللّه بغافلٍ عمّا تعملون أيّها المؤمنون في اتّباعكم أمره وانتهائكم إلى طاعته فيما ألزمكم من فرائضه وإيمانكم به في صلاتكم نحو بيت المقدس ثمّ صلاتكم من بعد ذلك شطر المسجد الحرام، ولا هو ساهٍ عنه، ولكنّه جلّ ثناؤه يحصيه لكم ويدّخره لكم عنده حتّى يجازيكم به أحسن جزاءٍ، ويثيبكم عليه أفضل ثوابٍ). [جامع البيان: 2/ 666]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره وإنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (144)}:
قوله: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء}:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرزاق أنبأ إسرائيل، عن أبي
إسحاق عن البراء، قال: «لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة صلّى نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّ أن يحوّل نحو الكعبة فنزلت: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} فصرف إلى الكعبة».
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «كان أوّل ما نسخ اللّه من القرآن القبلة، وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لمّا هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره اللّه أن يستقبل بيت المقدس فاستقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّ قبلة إبراهيم، فكان يدعو اللّه وينظر إلى السّماء فأنزل اللّه: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء}».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} يقول: «قد نرى نظرك إلى السّماء» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 252-253]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فلنولّينّك قبلةً ترضاها}:
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا هشيمٌ، عن يعلى بن عطاءٍ، عن يحيى بن قمطة ، قال: «رأيت عبد اللّه بن عمرٍو وهو بإزاء الميزاب فقال: إنّ اللّه تعالى قال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {فلنولّينّك قبلةً ترضاها} قال: نحو ميزان الكعبة فهذه القبلة، هذه القبلة».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{فلنولّينّك قبلةً ترضاها} وذلك أنّ الكعبة كانت أحبّ القبلتين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان يقلّب وجهه في السّماء، وكان يهوى الكعبة، فولاه اللّه قبلةً كان يهواها ويرضاها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 253]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فولّ وجهك}:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو سفيان يعني المعمريّ، عن معمرٍ، عن قتادة، قوله: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «توجه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 253]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {شطر المسجد الحرام}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ المروزيّ، ثنا النّضر بن شميلٍ، أنبأ يونس بن أبي إسحاق عن البراء: في قوله: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «
وسطه».
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن داود بن أبي هند قال: قلت لأبي العالية: قوله: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «هو عندك النّصف، قال: لا، هو: تلقاءه» وروي عن مجاهدٍ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل المنقريّ، ثنا وهيبٌ، عن داود، عن رفيعٍ: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «تلقاءه بلسان الحبش»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 254]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ الفضل بن دكينٍ، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عميرة بن زيادٍ الكنديّ، عن عليٍّ: {وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره} قال: «شطره فينا قبله» وروي عن البراء بن عازبٍ، وابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وقتادة، نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع، عن أبي العالية، قوله: «{فولّوا وجوهكم شطره} أي تلقاءه» وروي عن قتادة، والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 254]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما الله بغافل عما يعملون}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: «ثمّ أنزل اللّه في اليهود: {وإنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما الله بغافل عما يعملون}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 254]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: «{شطره} يعني نحوه»). [تفسير مجاهد: 91]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أنبأ أبو المثنّى، ثنا محمّد بن كثيرٍ، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمير بن زيادٍ الكنديّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «شطره: قبله» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2/ 295]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن أحمد بن بالويه، ثنا محمّد بن غالبٍ، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة، عن يعلى بن عطاءٍ، عن يحيى بن قمطة، قال: «رأيت عبد اللّه بن عمرٍو جالسًا في المسجد الحرام، بإزاء الميزاب، فتلا هذه الآية: {فلنولّينّك قبلةً ترضاها} قال: نحو ميزاب الكعبة» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2/ 295]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت س) - البراء بن عازب رضي الله عنهما: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوّل ما قدم المدينة نزل على أجداده - أو قال: أخواله - من الأنصار، وأنّه صلّى قبل بيت المقدس ستّة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنّه صلّى أوّل صلاةٍ صلّاها صلاة العصر، وصلّى معه قومٌ، فخرج رجلٌ ممّن صلّى معه، فمرّ على أهل مسجدٍ وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة، فداروا - كما هم قبل البيت - وكانت اليهود قد أعجبهم ; إذ كان يصلّي قبل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلمّا ولّى وجهه قبل البيت، أنكروا ذلك. قال: وفي رواية: «أنه مات على القبلة - قبل أن تحوّل - رجالٌ وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم؟ فأنزل الله عز وجل {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
وفي أخرى: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّ أن يوجّه إلى الكعبة، فأنزل اللّه عز وجل {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} فتوجّه نحو الكعبة، فقال السّفهاء - وهم اليهود -: {ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم}» هذه رواية البخاري ومسلم.
وأخرجه الترمذي قال: «لمّا قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة، صلّى نحو بيت المقدس ستّة - أو سبعة - عشر شهراً، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يحبّ أن يوجّه إلى الكعبة، فأنزل الله تبارك وتعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} فوجّه نحو الكعبة، وكان يحبّ ذلك، فصلّى رجلٌ معه العصر، قال: ثم مرّ على قومٍ من الأنصار وهم ركوعٌ في صلاة العصر نحو بيت المقدس. فقال: هو يشهد أنّه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد وجّه إلى الكعبة، فانحرفوا وهم ركوعٌ».
وأخرجه النسائي قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فصلى نحو بيت المقدس ستّة عشر شهراً، ثمّ إنّه وجّه إلى الكعبة، فمرّ رجلٌ قد كان صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم على قومٍ من الأنصار، فقال: أشهد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجّه إلى الكعبة، فانحرفوا إلى الكعبة».
شرح الغريب:
(قبل البيت) أي: حذاءه، وجهته التي تقابله.
(شطر الشيء): جهته ونحوه). [جامع الأصول: 2/ 10-12] (م)

قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م د) - أنس بن مالك رضي الله عنه: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلّي نحو بيت المقدس، فنزلت: {قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} فمرّ رجلٌ من بني سلمة وهم ركوعٌ في صلاة الفجر قد صلّوا ركعة، فنادى: ألا إنّ القبلة قد حوّلت، فمالوا كما هم نحو القبلة». أخرجه مسلم، وأخرجه أبو داود، وقال: «فيه نزلت الآية، فمرّ رجلٌ من بني سلمة، وهم ركوعٌ في صلاة الفجر، نحو بيت المقدس. فقال: ألا إنّ القبلة قد حوّلت إلى الكعبة - مرّتين - قال: فمالوا كما هم ركوعاً إلى الكعبة»). [جامع الأصول: 2/ 12-13]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ط ت س) - ابن عمر - رضي الله عنهما: قال: «بينما الناس بقباء، في صلاة الصّبح، إذ جاءهم آتٍ، فقال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآنٌ، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة». أخرجه الجماعة إلا أبا داود). [جامع الأصول: 2/ 14-15]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ط) - ابن المسيب رضي الله عنه قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة ستّة عشر شهراً نحو بيت المقدس، ثم حوّلت القبلة قبل بدرٍ بشهرين». أخرجه الموطأ). [جامع الأصول: 2/ 15]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فلنولّينّك قبلةً ترضاها}:
- عن عبد اللّه بن عمرٍو في قوله: {فلنولّينّك قبلةً ترضاها} قال: «نحو ميزاب الكعبة».
رواه الطّبرانيّ من طريقين، ورجال إحداهما ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6/ 316]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون}:
أخرج ابن ماجه عن البراء قال: «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ثمانية
عشر شهرا وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله المدينة بشهرين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى إلى بيت المقدس أكثر تقلب وجهه في السماء وعلم الله من قلب نبيه أنه يهوى الكعبة فصعد جبريل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره وهو يصعد بين السماء والأرض ينظر ما يأتيه به فأنزل الله {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جبريل
كيف حالنا في صلاتنا إلى بيت المقدس فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم}».
وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا ثم أنزل الله أنه يأمره فيها بالتحول إلى الكعبة فقال: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآية».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته إلى بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء فأنزل الله {قد نرى تقلب وجهك} الآية».
وأخرج النسائي والبزار، وابن المنذر والطبراني عن أبي سعيد بن المعلى قال: «كنا نغدو إلى المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنمر على المسجد فنصلي فيه فمررنا يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقلت: لقد حدث أمر، فجلست، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {قد نرى تقلب وجهك في السماء} حتى فرغ من الآية فقلت لصاحبي: تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكون أول من صلى فتوارينا فصلينا ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى للناس الظهر يومئذ إلى الكعبة».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها} قال: «هو يومئذ يصلي نحو بيت المقدس وكان يهوى قبلة نحو البيت الحرام فولاه الله قبلة كان يهواها ويرضاها {فول وجهك شطر المسجد الحرام} قال: تلقاء المسجد الحرام».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد قال: قالت اليهود: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا، فقال: «يدعو الله ويستفرض القبلة فنزلت {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآية فانقطع قول يهود حين وجه للكعبة وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال».
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في الكبير وصححه عن عبد الله بن عمرو في قوله: {فلنولينك قبلة ترضاها} قال: «قبلة إبراهيم نحو الميزاب».
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن البراء في قوله: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «قبله».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والدينوري في المجالسة والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن علي في قوله:{فول وجهك شطر المسجد الحرام} قال: «شطره قبله».
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال: «شطره نحوه».
وأخرج آدم والدينوري في المجالسة والبيهقي عن مجاهد في قوله: «{شطره} يعني نحوه».
وأخرج وكيع وسفيان بن عينية، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير والدينوري عن أبي العالية في قوله: {شطر المسجد الحرام} قال: «تلقاءه».
وأخرج ابن أبي حاتم عن رفيع قال: «{شطره} تلقاءه بلسان الحبش».
وأخرج أبو بكر بن أبي داود في المصاحف عن أبي رزين قال:«في قراءة عبد الله (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم قبله)».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «البيت كله قبلة وقبلة البيت الباب».
وأخرج البيهقي في "سننه" عن ابن عباس مرفوعا: «البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي».
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {وإن الذين أوتوا الكتاب} قال: «أنزل ذلك في اليهود».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم} قال: «يعني بذلك القبلة».
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن جرير عن أبي العالية في قوله: {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم} يقول: «ليعلمون أن الكعبة كانت قبلة إبراهيم والأنبياء ولكنهم تركوها عمدا {وإن فريقا منهم ليكتمون الحق} [البقرة الآية 146] يقول: «يكتمون صفة محمد وأمر القبلة»). [الدر المنثور: 2/ 27-32]


رد مع اقتباس