عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 رجب 1437هـ/20-04-2016م, 05:23 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

بيان وجوب العمل بالعلم

والعمل بالعلم شأنه عظيم، فثواب العاملين بالعلم ثواب عظيم كريم، كما قال الله تعالى:
{فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين}، وعقوبة تارك العمل عظيمة شنيعة، والقوارع عليهم في الكتاب والسنة شديدة، كما قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
- وقال تعالى:
{مثل الذين حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين}.
- وقال تعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
- وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((يُؤتَى بالرجل يوم القيامة فيُلْقى في النار، فَتَنْدَلِقُ أَقتابُ بطْنِهِ، فَيَدُورُ بها كما يدُور الحمار في الرَّحَى، فيجتمع إليه أهلُ النار، فيقولون: يا فلانُ ما لك؟ أَلم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فيقول: بلى، كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه، وأَنْهَى عن المنكر وآتيه)) والعياذ بالله.
- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدّم - في أول من تسعر بهم النار - أنه يُقال لقارئ القران:
((مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟)).
- وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ ما عَمِلَ بهِ، وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبهُ وفيم أنفقَهُ، وعن جسمهِ فيما أبلاهُ)). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
- وعن أبي برزة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((مَثَلُ الذي يُعلِّمُ النَّاسَ الخيرَ ويَنسَى نفسَهُ مثلُ الفتيلةِ تُضِيءُ للنَّاسِ وتُحرِقُ نفسَها)). رواه البزار و صححه الألباني.
- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت، يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا: سنبلغ، وإن أساءوا قالوا: سيغفر لنا، إنا لا نشرك بالله شيئا). رواه الدارمي موقوفاً على معاذ، وله شواهد.
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «ما استغنى أحد بالله إلا احتاج الناس إليه، وما عمل أحد بما علمه الله عز وجل إلا احتاج الناس إلى ما عنده» رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.

حكم العمل بالعلم
والأصل في العمل بالعلم أنه واجب، وأن من لا يعمل بعلمه مذموم بكل حال، وعند التفصيل نجد أن العمل بالعلم على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: ما يلزم منه البقاء على دين الإسلام وهو التوحيد واجتناب نواقض الإسلام، والمخالف في هذه الدرجة كافر غير مسلم؛ فإن ادّعى الإسلام فهو منافق النفاق الأكبر، وإن كان يتعاطى العلم ويعلّمه، فإنّ من يرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام من غير عذر إكراه ولا جهل ولا تأويل يعذر بمثله فإنّه خارج عن دين الإسلام، فالمخالف في العمل بهذه الدرجة من العلم ليس من أهل الإسلام والعياذ بالله.
والدرجة الثانية: ما يتأكّد وجوب العمل به كالفرائض واجتناب الكبائر، والمخالفة في هذه الدرجة فاسق من عصاة الموحّدين.
الدرجة الثالثة: ما يستحبّ العمل به وهو نوافل العبادات واجتناب المكروهات.
فمن عَلِمَ وجوبَ فريضة من الفرائض وَجَب عليه أداؤها، ومَن علم تحريم شيء من المحرمات وجب عليه اجتنابه، ومن العمل بالعلم ما هو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.

والمقصود أنه يجب على طالب العلم أن يكون حريصاً على أداء الواجبات واجتناب المحرمات في المقام الأول، ثم يؤدي من السنن والمستحبات ما يتيسر له ويفتح الله له به عليه.

تنبيه:
ومن الخطأ أن يُظن أن أحاديث الوعيد في ترك العمل بالعلم خاصة بالعلماء وطلاب العلم؛ بل هي عامة في كل من عَلم حكمًا شرعيًا وخالف العمل بمقتضاه، كل من عَلم حكمًا شرعيًا فإنه يجب عليه أن يعمل بمقتضاه، ويستحق الذم على ترك العمل به إذا تركه.

هدي السلف الصالح في العمل بالعلم
كان من هدي السلف الصالح تربية أنفسهم على العمل بالعلم ، والتواصي به، وإلزام النفس بالعمل بما تعلّمت ولو مرّة واحدة ليكونوا منه أهله وليخرجوا من مذمّة ترك العمل بالعلم، وذلك إذا لم في الأمر وجوب يقتضي تكرار العمل به أو كان تكراره من السنن المؤكّدة.

- قال الحسن البصري: « كان الرّجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشُّعِه وهَدْيِه ولسانِه وبصرِه ويدِه ».
- وقال الإمام أحمد:
(ما كتبت حديثا إلاّ وقد عملتُ به، حتى مرَّ بي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة ديناراً، فاحتجمت وأعطيت الحجام ديناراً).
-
وقال سفيان الثوري: (ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط إلاّ عملت به ولو مرّة واحدة).
-
وقال عمرو بن قيس السكوني: (إذا سمعت بالخير فاعمل به ولو مرة واحدة تكن من أهله).
- وعن وكيع بن الجرّاح والشعبي وإسماعيل بن إبراهيم بن مجمع وغيرهم أنهم قالوا:
(كنّا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به).
فإذا وطّن طالب العلم نفسه على العمل بما يتعلمه من العلم ولو مرة واحدة؛ كان ذلك تدريبًا له وتعويدًا على العمل، والنفس إذا عُوّدت على أمرٍ تعودت عليه وسَهُل عليها، فتتعود نفسه على العمل ويترقّى بذلك العبدُ في مراقي العبودية لله تعالى ، ولا يزال العبد يزداد بذلك من التوفيق والفضل العظيم، ويجد من البركة في حياته وأعماله ما هو من ثمرات امتثاله واحتسابه في العمل بما تعلّم، نسأل الله من فضله.
وقد قال الإمام مالك بن دينار -رحمه الله-:
(ما من أعمال البرّ شيء إلا ودونه عُقَيْبة فإن صبر صاحبها أفضت به إلى رَوْح، وإن جزع رجع).
الرَّوْح هو الارتياح والانبساط وسهولة الأمر عليه، (وإن جزع) أي سخط وتبرّم ، ولم يصبر، (رجع) أي عاد خائباً، نعوذ بالله من
الحور بعد الكور، ومن الزيغ بعد الرشاد، ومن الضلال بعد الهدى.

ومن أعظم ما يعين على العمل بالعلم؛ أن يُربّي الإنسان نفسه على اليقين والصبر؛ ولذلك تجد الإنسان لا يعصي الله تعالى إلا حين يضعف يقينه، أو يضعف صبره.
وسأضرب لكم مثلًا يوضح هذا الأمر: ألا ترون أنّ من كان على يقين بوجود سمّ في طعامٍ مقرَّبٍ إليه أنّه لا يتناوله مهما مُدِح له ذلك الطعام، وكان مما يُشتهى ويرغب فيه، وذلك ليقينه بوجود السمّ فيه، ومعرفته بعاقبة تناول السمّ وضرره عليه؛ فكذلك اليقين بسوء عاقبة المعاصي على العبد العاصي، يجعل العبد لا يُقدِم على المعصية لاستنارة بصيرته ومعرفته بسوء عاقبة العصيان، وأنّه لا يجدي عليه نفعاً، وكذلك إذا كان على يقين بعظم الثواب على الطاعات، فإنه لا يفرّط فيها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم عن المنافقين في شأن صلاة الفجر والعشاء:
((وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا))؛ فكان ضعف العلم اليقيني بالثواب سبباً في زهدهم فيها.
والصبر مُعينٌ على امتثال الأمر، ونهي النفس عن الهوى، وقد قال الله تعالى
: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}.

وينبغي لطالب العلم أن يظهر عليه آثار التعلم وآدابه؛ من حسن السَّمت والرّفق وحسن التعامل والصدق في الحديث والمعاملة، وأن يعمل بما يتعلمه من العلم، فإن بركة العلم تكون بامتثاله وبظهور آثاره وثمراته على المتعلم؛ أما الذي يتعلم ولا يظهر عليه شيء من آثار العلم فهو جدير بأن يُحرم بركة العلم والعياذ بالله.

المؤلفات في بيان وجوب العمل بالعلم
ولأهمية هذا الأمر اعتنى العلماء ببيانه والتأليف فيه حتى أفردت فيه بعض المصنفات، وأفرد له بعض العلماء فصولاً من كتبهم، ومن ذلك:

- كتاب "اقتضاء العلم العمل" للخطيب البغدادي.
- ورسالة في "ذم من لا يعمل بعلمه" للحافظ ابن عساكر.
- وأفرد له ابن عبد البر فصلًا في "جامع بيان العلم وفضله".
- وقبله الآجري في "أخلاق العلماء".

- وكذلك ابن القيم في "مفتاح دار السعادة"
- وابن رجب في "فضل علم السلف على علم الخلف".
وغيرهم.


التوقيع :

رد مع اقتباس