عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 06:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتّقوا اللّه إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور (7) يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون (8) وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ (9) والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}
يقول تعالى مذكرًا عباده المؤمنين نعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدّين العظيم، وإرساله إليهم هذا الرّسول الكريم، وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في مبايعته على متابعته ومناصرته ومؤازرته، والقيام بدينه وإبلاغه عنه وقبوله منه، فقال [تعالى] {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} وهذه هي البيعة الّتي كانوا يبايعون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليها عند إسلامهم، كما قالوا: "بايعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على السّمع والطّاعة، في منشطنا ومكرهنا، وأثرةٍ علينا، وألّا ننازع الأمر أهله"، وقال تعالى: {وما لكم لا تؤمنون باللّه والرّسول يدعوكم لتؤمنوا بربّكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين} [الحديد: 8] وقيل: هذا تذكارٌ لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود في متابعة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم والانقياد لشرعه، رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ. وقيل: هو تذكارٌ بما أخذ تعالى من العهد على ذرّيّة آدم حين استخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم: {ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا} [الأعراف: 172] قاله مجاهدٌ، ومقاتل بن حيّان. والقول الأوّل أظهر، وهو المحكيّ عن ابن عبّاسٍ، والسّدّي. واختاره ابن جريرٍ.
ثمّ قال تعالى: {واتّقوا اللّه} تأكيدٌ وتحريضٌ على مواظبة التّقوى في كلّ حالٍ.
ثمّ أعلمهم أنّه يعلم ما يتخالج في الضّمائر والسّرائر من الأسرار والخواطر، فقال: {إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/61-62]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه} أي: كونوا قوّامين بالحقّ للّه، عزّ وجلّ، لا لأجل النّاس والسّمعة، وكونوا {شهداء بالقسط} أي: بالعدل لا بالجور. وقد ثبت في الصّحيحين، عن النّعمان بن بشيرٍ أنّه قال: نحلني أبي نحلا فقالت أمّي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتّى تشهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فجاءه ليشهده على صدقتي فقال: "أكلّ ولدك نحلت مثله؟ " قال: لا. قال: "اتّقوا اللّه، واعدلوا في أولادكم". وقال: "إنّي لا أشهد على جور". قال: فرجع أبي فردّ تلك الصّدقة.
وقوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا} أي: لا يحملنكم بغض قومٍ على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل في كلّ أحدٍ، صديقًا كان أو عدوًّا؛ ولهذا قال: {اعدلوا هو أقرب للتّقوى} أي: عدلكم أقرب إلى التّقوى من تركه. ودلّ الفعل على المصدر الّذي عاد الضّمير عليه، كما في نظائره من القرآن وغيره، كما في قوله: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} [النّور: 28]
وقوله: {هو أقرب للتّقوى} من باب استعمال أفعل التّفضيل في المحلّ الّذي ليس في الجانب الآخر منه شيءٌ، كما في قوله [تعالى] {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] وكقول بعض الصّحابيّات لعمر: أنت أفظّ وأغلظ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ثمّ قال تعالى: {واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون} أي: وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم الّتي عملتموها، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ؛ ولهذا قال بعده: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/62]

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ} أي: لذنوبهم {وأجرٌ عظيمٌ} وهو: الجنّة الّتي هي من رحمته على عباده، لا ينالونها بأعمالهم، بل برحمةٍ منه وفضلٍ، وإن كان سبب وصول الرّحمة إليهم أعمالهم، وهو تعالى الّذي جعلها أسبابًا إلى نيل رحمته وفضله وعفوه ورضوانه، فالكلّ منه وله، فله الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 3/62-63]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} وهذا من عدله تعالى، وحكمته وحكمه الّذي لا يجور فيه، بل هو الحكم العدل الحكيم القدير). [تفسير القرآن العظيم: 3/63]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم} قال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، ذكره عن أبي سلمة، عن جابرٍ؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نزل منزلًا وتفرّق النّاس في العضاه يستظلّون تحتها، وعلّق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سلاحه بشجرةٍ، فجاء أعرابيٌّ إلى سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخذه فسلّه، ثمّ أقبل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: من يمنعك منّي؟ قال: "اللّه"! قال الأعرابيّ مرّتين أو ثلاثًا: من يمنعك منّي؟ والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "اللّه"! قال: فشام الأعرابيّ السّيف، فدعا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابيّ، وهو جالسٌ إلى جنبه ولم يعاقبه -وقال معمرٌ: وكان قتادة يذكر نحو هذا، وذكر أنّ قومًا من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأرسلوا هذا الأعرابيّ، وتأوّل: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية.
وقصّة هذا الأعرابيّ -وهو غورث بن الحارث-ثابتةٌ في الصّحيح.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم} وذلك أنّ قومًا من اليهود صنعوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولأصحابه طعامًا ليقتلوهم فأوحى اللّه تعالى إليه بشأنهم، فلم يأت الطّعام، وأمر أصحابه فلم يأتوه رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال أبو مالكٍ: نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه، حين أرادوا أن يغدروا بمحمّدٍ [صلّى اللّه عليه وسلّم] وأصحابه في دار كعب بن الأشرف. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وذكر محمّد بن إسحاق بن يسار، ومجاهدٌ وعكرمة، وغير واحدٍ: أنّها نزلت في شأن بني النّضير، حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الرحى، لمّا جاءهم يستعينهم في دية العامريين، ووكّلوا عمرو بن جحّاش بن كعبٍ بذلك، وأمروه إن جلس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرّحى من فوقه، فأطلع اللّه رسوله على ما تمالؤوا عليه، فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه، فأنزل اللّه [تعالى] في ذلك: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} ثم أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يغدو إليهم فحاصرهم، حتّى أنزلهم فأجلاهم.
وقوله تعالى: {وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} يعني: من توكّل على اللّه كفاه اللّه ما أهمّه، وحفظه من شرّ النّاس وعصمه). [تفسير القرآن العظيم: 3/63-64]

رد مع اقتباس