عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 03:02 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} الآية. آية وعد للمؤمنين، قال سفيان بن عبد الله الثقفي: "قلت للنبي عليه الصلاة والسلام: أخبرني بأمر أعتصم به، فقال: قل ربي الله ثم استقم، قلت: فما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه فقال: هذا".
واختلف الناس في مقتضى قوله تعالى: {ثم استقاموا} فذهب الحسن، وقتادة، وجماعة إلى أن معناه: استقاموا بالطاعات واجتناب المعاصي. وتلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية على المنبر، ثم قال: استقاموا - والله - لله بطاعته، ولم يروغوا روغان الثعالب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ذهب رضي الله عنه إلى حمل الناس على الأتم الأفضل، وإلا فيلزم - على هذا التأويل - من دليل خطابه ألا تتنزل الملائكة عند الموت على غير مستقيم على الطاعة، وذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة معه إلى أن المعنى: ثم استقاموا على قولهم: "ربنا الله"، فلم يختل توحيدهم ولا اضطرب إيمانهم، وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال: "قد قالها الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن مات عليها، فهو ممن استقام".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
المعنى: فهو في أول درجات الاستقامة، أمن الخلود، فهذا كقوله عليه الصلاة والسلام: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، وهذا هو المعتقد إن شاء الله تعالى، وذلك أن العصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وغيرها فرقتان: فأما من قضى الله تعالى بالمغفرة له وترك تعذيبه، فلا محالة ممن تتنزل عليه الملائكة بالبشارة، وهو إنما استقام على توحيده فقط، وأما من قضى الله بتعذيبه مدة، ثم بإدخاله الجنة، فلا محالة أنه يلقى جميع ذلك عند موته ويعلمه، وليس يصح أن يكون حاله كحالة الكافر اليائس من رحمة الله تعالى، وإذ قد كان هذا، فقد حصلت له البشارة بألا يخاف الخلود ولا يحزن منه، وبأنه يصير آخرا إلى الخلود في الجنة، وهل العصاة المؤمنون، إلا تحت الوعد بالجنة؟ فهم داخلون فيمن يقال لهم: وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، ومع هذا كله، فلا يختلف أن الموحد المستقيم على الطاعة، أتم حالا وأكمل بشارة، وهو مقصد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعلى نحو ذلك قال سفيان الثوري: "استقاموا": عملوا بنحو ما قالوا، وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله تعالى، وقال الفضل: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية، وبالجملة فكلما كان المرء أشد استعدادا، كان أسرع فوزا بفضل الله تعالى.
وقوله تعالى: {ألا تخافوا ولا تحزنوا} أمنة عامة في كل هم مستأنف، وتسلية تامة عن كل فائت ماض، وقد قال مجاهد: المعنى: لا تخافون ما تقدمون عليه، ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم، وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: [تتنزل عليهم الملائكة لا تخافوا] بإسقاط الألف، بمعنى: يقولون لا تخافوا). [المحرر الوجيز: 7/ 480-482]

تفسير قوله تعالى: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم * ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين * ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}
المتكلم بـ"نحن أولياؤكم" هم الملائكة القائلون: "لا تخافوا ولا تحزنوا"، أي: يقولون للمؤمنين عند الموت وعند مشاهدة الحق: نحن كنا أولياءكم في الدنيا ونحن هم في الآخرة، قال السدي: المعنى: نحن حفظتكم في الدنيا وأولياؤكم في الآخرة. والضمير في قولهم: "فيها" عائد على الآخرة، و"تدعون" معناه: تطلبون). [المحرر الوجيز: 7/ 482]

تفسير قوله تعالى: {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"نزلا" نصب على المصدر، وقراءة الجمهور بضم الزاي، وقرأ أبو حيوة: بإسكانها). [المحرر الوجيز: 7/ 482-483]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن أحسن قولا} الآية. ابتداء توصية لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو لفظ يعم كل من دعا قديما وحديثا إلى الله تبارك وتعالى وإلى طاعته من الأنبياء عليهم السلام ومن المؤمنين، والمعنى: لا أحد أحسن قولا ممن هذه حاله، وإلى العموم ذهب الحسن، ومقاتل، وجماعة، وبين أن حالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت كذلك مبرزة، إلى تخصيصه بالآية ذهب السدي، وابن زيد، وابن سيرين، وقال قيس بن أبي حازم، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وعكرمة: نزلت هذه الآية في المؤذنين، قال قيس: "وعمل صالحا" هو الصلاة بين الآذان والإقامة، وذكر النقاش ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومعنى القول بأنها في المؤذنين أنهم داخلون فيها، وأما نزولها فبمكة بلا خلاف، ولم يكن بمكة آذان، وإنما ترتب بالمدينة، وإن الأذان لمن الدعاء إلى الله تعالى، ولكنه جزء منه، والدعاء إلى الله بقوة، كجهاد الكفار وردع الطغاة وكف الظلمة وغيره أعظم غناء من تولي الأذان; إذ لا مشقة فيه، والأصوب أن يعتقد أن الآية نزلت عامة، قال زيد بن علي: المعنى: ممن دعا إلى الله تعالى بالسيف. وقرأ الجمهور: "إنني من المسلمين" بنونين، وقرأ ابن أبي عبلة: [إني من المسلمين] بنون واحدة، وقال الفضيل بن رفيدة: كنت مؤذنا في أصحاب ابن مسعود، فقال لي عاصم بن هبيرة: إذا أكملت الآذان فقل: إنني من المسلمين، ثم تلا هذه الآية). [المحرر الوجيز: 7/ 483]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم وعظ تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام، ونبهه على أحسن مخاطبة، فقرر أن الحسنة والسيئة لا تستوي، أي: فالحسنة أفضل، وكرر "لا" في قوله تعالى: {ولا السيئة} تأكيدا ليدل على أن المراد: "ولا تستوي الحسنة والسيئة ولا السيئة والحسنة"، فحذف اختصارا ودلت [لا] على هذا الحذف. وقوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن} آية جمعت مكارم الأخلاق وأنواع الحلم، والمعنى: ادفع أمورك وما يعرض لك مع الناس ومخالطتك لهم بالفعلة أو بالسيرة التي هي أحسن الفعلات والسير، فمن ذلك بذل السلام، وحسن الأدب، وكظم الغيظ، والسماحة في القضاء والاقتضاء، وغير ذلك. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا فعل المؤمن هذه الفضائل، عصمه الله تعالى من الشيطان، وخضع له عدوه، وفسر مجاهد وعطاء هذه الآية بالسلام عند اللقاء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا شك أن السلام هو مبدأ الدفع بالتي هي أحسن، وهو جزء منه.
ثم قال تعالى: {كأنه ولي حميم}، فدخل كاف التشبيه; لأن الذي عنده عداوة لا يعود وليا حميما، وإنما يحسن ظاهره، فيشبه بذلك الولي الحميم، و"الحميم" هو القريب الذي يَـحْتَمُّ للإنسان). [المحرر الوجيز: 7/ 483-484]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في قوله تعالى: "يلقاها" عائد على هذه الخلق، التي يتضمنها قوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن}، وقالت فرقة: المراد: وما يلقى لا إله إلا الله، وهذا تفسير لا يقتضيه اللفظ.
وقوله تعالى: {إلا الذين صبروا} مدح بليغ للصبر، وذلك بين للمتأمل; لأن الصبر للطاعات وعن الشهوات، جامع لخصال الخير كلها. و"الحظ العظيم" يحتمل أن يريد: من العقل والفضل، فتكون الآية مدحا، وروي أن رجلا شتم أبا بكر الصديق رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فسكت أبو بكر ساعة، ثم جاش به الغضب، فرد على الرجل، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فاتبعه أبو بكر وقال: يا رسول الله، قمت حين انتصرت؟ فقال: إنه كان يرد عنك ملك، فلما قربت تنتصر، ذهب الملك وجاء الشيطان، فما كنت لأجالسه، ويحتمل أن يريد: ذو حظ عظيم من الجنة وثواب الآخرة، فتكون الآية وعدا، وبالجنة فسر قتادة "الحظ" هنا). [المحرر الوجيز: 7/ 484]

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم * ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون * فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون * ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير}
[إما] شرط، وجواب الشرط قوله تعالى: [فاستعذ]، و"النزغ": فعل الشيطان في قلب أو يد، من إلقاء غضب وحقد أو بطش في اليد، فمن الغضب هذه الآية، ومن الحقد قوله تعالى: {نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي}، ومن البطش قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان في يده، فيلقيه في حفرة من حفر النار"، وندب الله تعالى في هذه الآية المتقدمة إلى مكارم الخلق في الدفع بالتي هي أحسن، ثم أثنى تعالى على من لقيها ووعده، وعلم أن خلقة البشر تغلب أحيانا وتثور بهم ثورة الغضب ونزغ الشيطان، فدلهم على مُذْهِب ذلك وهي الاستعاذة به عز وجل). [المحرر الوجيز: 7/ 485]

رد مع اقتباس