عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م, 06:46 AM
أم أسماء باقيس أم أسماء باقيس غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 529
افتراضي بيان وجوب الإيمان بالقرآن الكريم

مناظرة عبد العزيز بن يحيى المكّيّ لبشر بن غياثٍ المرّيسيّ بحضرة المأمون
..

قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): (باب ذكر مناظرات الممتحنين بين أيدي الملوك الجبّارين الّذين دعوا النّاس إلى هذه الضّلالة
مناظرة عبد العزيز بن يحيى المكّيّ لبشر بن غياثٍ المرّيسيّ بحضرة المأمون
أخبرنا الشّيخ الإمام أبو الحسين عليّ بن عبيد اللّه بن نصر بن الزّاغونيّ، قال: أخبرنا الشّيخ أبو القاسم عليّ بن أحمد بن محمّد بن عليّ بن البسريّ، قال: أخبرنا أبو عبد اللّه عبيد اللّه بن محمّد بن محمّد بن حمدان بن بطّة رضي اللّه عنه إجازةً، قال:
- حدّثنا أبو حفصٍ عمر بن محمّد بن رجاءٍ قال: حدّثنا أبو أيّوب عبد الوهّاب بن عمرٍو النّزليّ، قال: حدّثني أبو القاسم العطّاف بن مسلمٍ، قال: حدّثني الحسين بن بشرٍ، ودبيسٌ الصّائغ، ومحمّد بن فرقدٍ، قالوا: قال لنا عبد العزيز بن يحيى المكّيّ الكنانيّ: أرسل لي أمير المؤمنين المأمون فأحضرني، وأحضر بشر بن غياثٍ المرّيسيّ فدخلنا عليه، فلمّا جلسنا بين يديه قال: إنّ النّاس قد أحبّوا أن تجتمعا وتتناظرا، فأردت أن يكون ذلك بحضرتي فأصّلا فيما بينكما أصلًا إن اختلفتما في فرعٍ رجعتما إلى الأصل، فإن انقضي فيما بينكما أمره إلّا كانت لكما عودةٌ.
قال عبد العزيز: " قلت: يا أمير المؤمنين إنّي رجلٌ لم يسمع أمير المؤمنين كلامي قبل هذا اليوم، وقد سمع كلام بشرٍ ودار في مسامعه، فصار دقيق كلامه جليلًا عند أمير المؤمنين وفي بعض كلامي دقّةٌ، فإن رأى أمير المؤمنين أن أتكلّم فأقدّم من كلامي شيئًا يتبيّن به الكلمة الّتي تدقّ على سامعها ولا تغبي إذا طرّت على أهل المجلس قال: ونزّهته أن أواجهه بها "
فقال: قل يا عبد العزيز.
قال: " قلت: يا أمير المؤمنين إنّه من ألحد في كتاب اللّه جاحدًا أو زائدًا، لم يناظر بالتّأويل ولا بالتّفسير ولا بالحديث "
قال: فبم يناظر؟
قلت له: " بالتّنزيل. قال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {كذلك أرسلناك في أمّةٍ قد خلت من قبلها أممٌ لتتلو عليهم الّذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرّحمن} [الرعد: 30] " وقال: {إنّما أنذركم بالوحي} [الأنبياء: 45]، وقال لليهود حين ادّعت تحريم أشياء لم يحرّمها: {قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} [آل عمران: 93]، وإنّما يكون التّأويل والتّفسير لمن قرأ التّنزيل، فأمّا من ألحد في تنزيل القرآن وخالفه، لم يناظر بتأويله ولا بالحديث.
قال عبد العزيز: " فقال المأمون: أو يخالفك في التّنزيل؟
قلت: نعم يا أمير المؤمنين، يخالفني في التّنزيل، أو ليتركنّ قوله " قال: فقال: سله.
قلت له: «يا بشر ما حجّتك بأنّ القرآن مخلوقٌ؟ انظر أحدّ سهمٍ في كنانتك فارمني به، ولا تكن بك حاجةٌ إلى معاودةٍ».
فقال: قوله {خالق كلّ شيءٍ} [الزمر: 62] .
قال: " فقلت للمأمون: يا أمير المؤمنين من أخذ بمكيالٍ فعليه أن يعطي به " فقال لي: ذاك يلزمه.
فقال له: أخبرني عن قوله: {خالق كلّ شيءٍ} [الزمر: 62]، هل بقي شيءٌ لم يأت عليه هذا الخبر؟
فقال لي: لا.
قلت له: أخبرني عن علم اللّه الّذي أخبر عنه في خمسة مواضع، فقال: في البقرة {ولا يحيطون بشيءٍ من علمه} [البقرة: 255]، وقال في النّساء {لكن اللّه يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه} [النساء: 166]، وقال {فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنّما أنزل بعلم اللّه} [هود: 14]، وقال في فاطر {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلّا بعلمه} [فاطر: 11]، وقال في سجدة المؤمن {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلّا بعلمه} [فاطر: 11] أفمقرٌّ أنت أنّ للّه علمًا كما أخبر عن علمه أو تخالف التّنزيل؟
قال عبد العزيز: " فحاد بشرٌ عن جوابي وأبى أن يصرّح بالكفر، فيقول: ليس للّه علمٌ، فأرجع بالمسألة وعلم ما يلزمه فأقول له: أخبرني عن علم اللّه داخلٍ في قوله {خالق كلّ شيءٍ} [الزمر: 62]، فلزم الحيدة واجتلب كلامًا لم أسأله عنه، فقال: معنى ذلك لا يجهل. فقلت: يا أمير المؤمنين فلا يكون الخبر عن المعنى قبل الإقرار بالشّيء يقرّ أنّ للّه علمًا، فإن سألته ما معنى العلم ليس هذا ممّا أسأله عنه، فيجيب بهذا إن كان هذا جوابًا حاد عن الجواب ولزم سبيل الكفّار.
فقال لي بشرٌ: وتعرف الحيدة؟
قال: قلت: نعم، إنّي لأعرف الحيدة من كتاب اللّه وهي سبيل الكفّار الّتي اتّبعتها "
فقال لي المأمون: والحيدة نجدها في كتاب اللّه؟
قلت: نعم، وفي سنّة المسلمين، وفي اللّغة.
فقال لي: فأين هي من كتاب اللّه؟
قال عبد العزيز: " قلت: إنّ إبراهيم عليه السّلام، قال لقومه: {هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرّون} [الشعراء: 73]، فكانوا بين أمرين: أن يقولوا: يسمعوننا حين ندعو أو ينفعوننا أو يضرّوننا، فيشهد عليهم من يسمع قولهم أنّهم قد كذبوا، أو يقولوا: لا يسمعوننا حين ندعو ولا يضرّوننا ولا ينفعوننا، فينفوا عن آلهتهم المقدرة، فبأيّ الخبرين أجابوا كانت الحجّة عليهم لإبراهيم عليه السّلام، فحادوا عن جوابه واجتلبوا كلامًا من غير فنّ كلامه، فقالوا: {وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} [الشعراء: 74]، ولم يكن هذا جوابًا عن مسألة إبراهيم، ويروى أنّ عمر بن الخطّاب، قال لمعاوية وقد قدم عليه فنظر إليه يكاد يتفقّا شحمًا، فقال: ما هذه الشّحمة يا معاوية، لعلّها من نومة الضّحى وردّ الخصم؟ فقال: يا أمير المؤمنين إذًا تصونني يرحمك اللّه، فقد صدّق بشرٌ أنّ اللّه لا يجهل، إنّما سألته أن يقرّ بالعلم الّذي أخبر اللّه عنه، فأبى أن يقرّ به وحاد عن جوابي إلى نفي الجهل، فليقل: إنّ للّه علمًا وأنّ اللّه لا يجهل، ثمّ التفت إليّ بشرٌ فقلت: يا بشر أنا وأنت نقول أنّ اللّه لا يجهل، وأنا أقول أنّ للّه علمًا وأنت تأبى أن تقول، فدع ما تقول، وأقول ما لا يقول ولا أقول، وإنّما مناظرتي إيّاك فيما أقول ولا تقول، أو تقول ولا أقول، قال: وهو في ذلك يأبى أن يقرّ أنّ للّه علمًا، ويقول: إنّ اللّه لا يجهل، فلمّا أكثر، قلت: يا أمير المؤمنين إنّ نفي السّوء لا يثبت المدحة، وكنت متّكئًا على أسطوانةٍ، قلت: هذه الأسطوانة لا تجهل ولا تعلم، فليس نفي الجهل بإثباتٍ للعلم، فإثباته ما أثبت اللّه أولى به لأنّ على النّاس أن يثبتوا ما أثبت اللّه، وينفوا ما نفى اللّه، ويمسكوا حيث أمسك اللّه. ثمّ قلت: يا أمير المؤمنين لم يمدح اللّه ملكًا ولا نبيًّا ولا مؤمنًا بنفي الجهل، بل دلّ على إثبات العلم، فقال تعالى للملائكة {كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون} [الانفطار: 11]، ولم يقل: لا يجهلون. وقال للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين} [التوبة: 43] . وقال {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء} [فاطر: 28]، ولم يقل: الّذين لا يجهلون، فمن أثبت العلم نفى الجهل، ومن نفى الجهل لم يثبت العلم، فما اختار بشرٌ للّه اختار اللّه لنفسه، ولا من حيث اختار لملائكته ولرسله وللمؤمنين؟
فقال لي أمير المؤمنين: فإذا أقرّ أنّ للّه علمًا يكون ماذا؟
قلت: يا أمير المؤمنين اسأله عن علم اللّه، أداخلٌ هو في جملة الأشياء المخلوقة حين احتجّ بقوله {خالق كلّ شيءٍ} [الزمر: 62] وزعم أنّه لم يبق شيءٌ إلّا وقد أتى عليه هذا الخبر، فإن قال: نعم، فقد شبّه اللّه بخلقه الّذين أخرجهم اللّه من بطون أمّهاتهم لا يعلمون شيئًا، وكلّ من تقدّم وجوده علمه فقد دخل عليه الجهل فيما بين وجوده إلى حدوث علمه، وهذه صفة المخلوقين الّذين أخرجهم اللّه من بطون أمّهاتهم لا يعلمون شيئًا، فيكون بشرٌ قد شبّه اللّه بخلقه "،
فقال لي أمير المؤمنين: أحسنت أحسنت يا عبد العزيزثمّ التفت إلى بشرٍ، فقال: يأبى عليك عبد العزيز إلّا أن تقرّ أنّ للّه علمًا، " ثمّ قال لي أمير المؤمنين: تقول إنّ اللّه عالمٌ؟
قلت: نعم. "
قال: وتقول أنّ للّه علمًا؟
قلت: «نعم» .
قال: تقول أنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ؟
قلت: «نعم يا أمير المؤمنين»
قال: فتقول أنّ للّه سمعًا وبصرًا كما قلت أنّ للّه علمًا؟
قال: " قلت: لا يا أمير المؤمنين "
فقال لي: فرّق بين هذين.
قال: فأقبل بشرٌ، فقال: يا أمير المؤمنين يا أفقه النّاس يا أعلم النّاس يقول اللّه عزّ وجلّ: {بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهقٌ ولكم الويل ممّا تصفون} [الأنبياء: 18] .
قال: " قلت: قد قدّمت إلى أمير المؤمنين فيما احتججت به أنّ على المؤمنين أن يثبتوا ما أثبت اللّه وينفوا ما نفى اللّه، ويمسكوا ما أمسك اللّه، فأخبرني اللّه أنّه عالمٌ، فقلت: إنّه عالمٌ بقوله {عالم الغيب والشّهادة} [الأنعام: 73]، وأخبرني أنّ له علمًا بقوله {فاعلموا أنّما أنزل بعلم اللّه} [هود: 14]، وأخبرني أنّه سميعٌ بصيرٌ، فقلت بالخبر ولم يخبرني أنّ له سمعا وبصرًا، فأمسكت "
فقال المأمون: ما هو مشبّهًا، لا تكذبوا عليه.
فقال لي بشرٌ: فما معنى العلم لو أنّ رجلين وردا عليك فقالا ما معنى العلم؟ فحلف أحدهما بالطّلاق أنّ العلم هو اللّه، وقال الآخر: أنّ العلم غير اللّه، ما كان جوابك؟
قلت: أمّا مسألتك إيّاي ما معنى العلم، فإنّك تسألني عمّا لم يخبرني اللّه به ولم يخبر أحدًا، فأمرتني أن أقول على اللّه ما لم أعلم كما أمر الشّيطان، فأولى الأمرين بي أن أمسك عمّا حرّم اللّه عليّ أن أقول به، وأمرني الشّيطان أن أقوله. قال اللّه عزّ وجلّ {إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانًا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} [الأعراف: 33] . وقال {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ إنّما يأمركم بالسّوء والفحشاء وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} [البقرة: 168] ثمّ أقبلت على المأمون، فقلت: يا أمير المؤمنين إنّ بشرًا قد علم أنّه قد أفحم فلم يكن عنده جوابٌ، فيسأل عمّا لم يكن له أن يسأل عنه ولا يكون لي أن أجيب عنه، فأراد أن يقول إنّ عبد العزيز سأل بشرًا عن مسألةٍ فلم يجبه، فأنا وبشرٌ يا أمير المؤمنين من مسألتي ومسألته على غير السّواء، سألته عمّا أعلمه اللّه به ووقّعه عليه بالإعلام وتعبّده بالإيمان لقوله {وقل آمنت بما أنزل اللّه من كتابٍ} [الشورى: 15]، فأبى أن يقرّ به، وسألني عن معنى العلم وقد ستر اللّه ذلك عنّي وعنه، وإنّما يدخل النّقص عليّ لو كان بشرٌ يعلم أو أحدٌ من العلماء ما العلم، فأمّا ما نجتمع أنا وبشرٌ والخلق في الجهل بمعرفته، فلم يكن الضّرر داخلًا عليّ دونه، وهذه مسألةٌ لا يحلّ لمؤمنٍ أن يسأل عنها ولمؤمنٍ أن يجيب فيها، لأنّ اللّه عزّ وجلّ أمسك عن أن يخبر كيف علمه، فلم يكن لأحدٍ أن يتكلّفه ولا يخبر عنه ولا لسائلٍ أن يسأل عنه، فلمّا كان علينا أن نقول سميعًا بصيرًا، قلنا، وليس لنا أن نقول: سمعٌ وبصرٌ.
قال عبد العزيز: " وقلت لبشرٍ: حين تسألني ما معنى العلم وتشير عليّ أن أقول على اللّه ما لم يقله، هل تجوز هذه المسألة في خلقٍ من خلق اللّه؟ قد قال اللّه عزّ وجلّ {إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم} [آل عمران: 44]، فلو ورد عليّ ثلاثة نفرٍ فحلف أحدهم أنّ الأقلام خشبٌ، وحلف الآخر أنّها قصبٌ، وحلف الآخر أنّها خوصٌ، كان عليّ أن أميّز بين قول هؤلاء؟ وقال اللّه عزّ وجلّ: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبًا} [الأنعام: 76]، فلو ورد عليّ رجلان فحلف أحدهما أنّه الزّهرة، وحلف الآخر أنّه المشتري، أكان عليّ أن أنظر بين هذين أيّهما المصيب من المخطئ؟ وقال اللّه عزّ وجلّ {فأذّن مؤذّنٌ بينهم أن لعنة اللّه على الظّالمين} [الأعراف: 44]، فلو أن ثلاثة نفرٍ حلفوا فقال أحدهم: المؤذّن ملكٌ، وقال الآخر: هو إنسيٌّ، وقال الآخر: هو جنّيٌّ، كان عليّ أو على أحدٍ من النّاس أن يقضي بينهم إلّا أن يكون اللّه أخبر في كتابه كيف ذلك وعلى لسان نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ وإذا لم يوجد شيءٌ من هذا عن اللّه ولا عن رسوله، لم يكن لأحدٍ أن يصل الخبر بتفسيرٍ من تلقاء نفسه، فإذا كان هذا لا يجوز في خلقٍ من خلق اللّه، كيف تجوز المسألة في اللّه وقد حرّم اللّه عزّ وجلّ على النّاس أن يقولوا على اللّه ما لا يعلمون؟ "
قال عبد العزيز: " ورأيته قد حار في يديّ، فقلت: يا أمير المؤمنين احتجّ بشرٌ بقوله تعالى {خالق كلّ شيءٍ} [الزمر: 62]، فليعط بالمكيال الّذي أراد أن يأخذ به إن كان صادقًا " قال اللّه عزّ وجلّ {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} [المائدة: 116]، {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة} [الأنعام: 54] وقال {ويحذّركم اللّه نفسه} [آل عمران: 28] وقال {واصطنعتك لنفسي} [طه: 41]، فأخبر أنّ له نفسًا. وقال {كلّ نفسٍ ذائقة الموت} [العنكبوت: 57]، فلو أنّ ملحدًا ألحد عليّ وعلى بشرٍ، فقال: قد أخبر اللّه أنّ كلّ نفسٍ ذائقة الموت، وأنّ له نفسًا، ما كانت الحجّة لي وله عليه.
قال: فقال بشرٌ: إن كنت تريد نفس ضميرٍ أو توهّم جارحةٍ؟ فقلت: كم ألقي إليك أنّي أقول بالخبر وأمسك عن علم ما ستر عنّي، وإنّما أقول: إنّ للّه نفسًا كما قال، فليكن معناها عندك ما شئت، أهي داخلةٌ في قوله {كلّ نفسٍ ذائقة الموت} [العنكبوت: 57] ؟ إلى كم تفرّ إلى المعاني؟ انظر هل أجري معك حيث تجري؟
قال: فقال المأمون: ويحك يا عبد العزيز كيف هذا؟
قلت: " يا أمير المؤمنين إنّ اللّه عزّ وجلّ أنزل القرآن بأخبارٍ خاصّةٍ وعامّةٍ، ففيها ما يكون مخرجها مخرج العموم ومعناها معنى العموم، ومنه خبرٌ مخرج لفظه مخرجٌ خاصٌّ ومعناه معنًى خاصٌّ، منهما خبران محكمان لا ينصرفان بإلحاد ملحدٍ، ومن القرآن خبرٌ مخرج لفظه خاصٌّ ومعناه عامٌّ، وخبرٌ مخرج لفظه عامٌّ ومعناه خاصٌّ، وفي هذه دخلت الشّبه على من لم يعرف خاصّ القرآن وعامّه، فأمّا الخبر الّذي مخرجه عامٌّ ومعناه عامٌّ، فقوله: {وله كلٌّ شيءٍ} [النمل: 91] فجمع هذا الخبر الخلق والأمر فلم يبق شيءٌ إلّا وقد أخبر أنّه له، فمخرجه عامٌّ ومعناه عامٌّ، أمّا الخبر الّذي مخرجه خاصٌّ ومعناه خاصٌّ فما قدّم في عيسى عليه السّلام أنّه خلق من غير أبٍ، وفي آدم عليه السّلام، وقال: {يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى} [الحجرات: 13]، فلم يتوهّم مؤمنٌ أنّ اللّه عزّ وجلّ عنى آدم وعيسى " وأمّا الخبر الّذي مخرجه خاصٌّ ومعناه عامٌّ، فهو قوله {وأنّه هو ربّ الشّعرى} [النجم: 49]، فهو ربّ الشّعرى وغير الشّعرى. وأمّا الخبر الّذي معناه خاصٌّ، فهو قوله {إلّا آل لوطٍ نجّيناهم بسحرٍ} [القمر: 34]، إنّما كان معناه خاصًّا، لأنّ امرأة لوطٍ لم تعن، ولمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ القرآن على معاني هذه الأخبار، لم يتركها أشباهًا على النّاس، ولكن بيانها خاصٌّ لقومٍ يفهمون، وإذا أنزل اللّه خبرًا مخرج لفظه خاصٌّ ومعناه عامٌّ، بيّن في أكثر ذلك ما بيّنه بأحد بيانين: إمّا أن يستثني من الجملة شيئًا فيكون بيانًا للنّاس أكملهم. أو يقدّم خبرًا خاصًّا فلا يعنيه، فإذا أنزل خبرًا عامًا لم يتوهّم عالمٌ أنّه عني في خبره العامّ خلاف ما خصّه ونصّه.
وأمّا الخبر الّذي بيّن له على العموم ثمّ يستثني ما لم يعنه، فهو قوله {فلبث فيهم ألف سنةٍ إلّا خمسين عامًا} [العنكبوت: 14]، فعقل المؤمنون أنّ الألف سنةٍ لم يستكملها نوحٌ في قومه قبل الطّوفان بقول اللّه عزّ وجلّ {إلّا خمسين عامًا} [العنكبوت: 14]، فكان ابتداء لفظه عامًّا ومعناه خاصٌّ بالاستثناء. وأمّا الخبر الخاصّ الّذي لا يجري عليه الخبر العام، فهو كقوله في إبليس {لأملأنّ جهنّم منك وممّن تبعك منهم أجمعين} [ص: 85]، وقال {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} [الأعراف: 156]، فعقل أهل العلم، عن اللّه أنّه لم يعن إبليس بقوله {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} [الأعراف: 156]، لما قدّم فيه من الخبر الخاصّ باليأس من رحمة اللّه لأنّ من سنّته أن لا يترك الّذي لا يعني حتّى يخرجه بالاستثناء أو محاشاةٍ، فيقدّم فيه خبرًا كقوله {إنّا مهلكو أهل هذه القرية إنّ أهلها كانوا ظالمين} [العنكبوت: 31] . قال إبراهيم عليه السّلام: {إنّ فيها لوطًا نحن أعلم بمن فيها لننجينّه وأهله إلّا امرأته كانت من الغابرين}، فاستثنى لوطًا من أهل القرية، واستثنى امرأة لوطٍ من آل لوطٍ وقال في موضعٍ آخر {إلّا امرأته قدّرناها من الغابرين} [النمل: 57] وقال {منجّوك وأهلك إلّا امرأتك} [العنكبوت: 33]، فخصّ المرأة بالهلاك، وأنزل خبرًا مخرجه مخرجٌ عامٌّ، ومعناه خاصٌّ، فقال {إلّا آل لوطٍ نجّيناهم بسحرٍ} [القمر: 34]، فعقل المؤمنون عن اللّه أنّه لم يعن امرأة لوطٍ بالنّجاة، لما قدّم فيها من الخبر الخاصّ بالهلكة، وكذلك حين قدّم في نفسه خبرًا خاصًّا، فقال {وتوكّل على الحيّ الّذي لا يموت} [الفرقان: 58] . ثمّ قال {كلّ نفسٍ ذائقة الموت} [العنكبوت: 57] لم يكن لأحدٍ أن يتوهّم على اللّه أنّه عنى نفسه، وكذلك حين قدّم في قوله خبرًا خاصًّا، فقال {إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: 40]، فدلّ على قوله باسم معرفةٍ وعلى الشّيء باسم نكرةٍ فكانا شيئين متفرّقين، فقال {إذا أردناه} [النحل: 40] ولم يقل: إذا أردناهما ولم يقل أن يقول لهما ثمّ قال كن فيكون، ففرّق بين القول والشّيء المخلوق. ثمّ قال {خالق كلّ شيءٍ} [الزمر: 62]، فعقل أهل العلم عن اللّه أنّه لم يعن قوله في جملة الأشياء المخلوقة حين قدّم فيه خبرًا أنّه خلق الأشياء بقوله، وإنّما غلط بشرٌ يا أمير المؤمنين ومن قال بقوله بخاصّ القرآن وعامّه.
قال عبد العزيز: " ثمّ أقبلت على المأمون، فقلت: يا أمير المؤمنين إنّ بشرًا خالف كتاب اللّه وسنّة رسوله، وإجماع أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم "
فقال: أوفعل ذلك؟ .
قلت: «نعم يا أمير المؤمنين، أوقفك عليه السّاعة» .
فقال لي: كيف؟ .
قلت: " إنّ اليهود ادّعت تحريم أشياء في التّوراة، فقال اللّه عزّ وجلّ {قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} [آل عمران: 93] فإذا تليت التّوراة فلم يوجد ما ادّعوا، كان إمساك التّوراة مسقطًا لدعواهم، وكذلك يقال لبشرٍ: اتل بما قلت قرآنًا وإلّا فإنّ إمساك القرآن بما تدّعي مسقطٌ لدعواك، وكذلك تنظر في سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإن كانت معه سنّةٌ من رسول اللّه وإلّا كان إمساك سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مسقطٌ لدعواه، وأمّا خلافه أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ أصحاب محمّدٍ اختلفوا في الحلال والحرام ومخارج الأحكام، فلم يخطّئ بعضهم بعضًا فهم من أن يبدّع بعضهم بعضًا أبعد، وهم من أن يكفّر بعضهم بعضًا بالتّأويل أبعد، وبشرٌ ادّعى على الأمّة كلّها كلمةً تأوّلها، ثمّ زعم أنّ من خالفه كافرٌ، فهو خارجٌ من إجماع أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم "
قال بشرٌ: ما ادّعيت إلّا نصّ التّنزيل. قال: " قلت له: هات، فأنا أوّل من يقول بقولك إن كان معك تنزيلٌ ومن خالف فكافرٌ "
قال: فقال محمّد بن الجهم: أولا تقبل منه إلّا نصّ القرآن؟
قلت: لا، لأنّه إذا تأوّل فلخصمه أن يتأوّل معه.
قال: فقال لي محمّد بن الجهم: ومن أين لك من القرآن أنّ هذا الحصير مخلوقٌ؟ قلت: هو في القرآن من حيث لا تعلم، وقد أخبر اللّه أنّه خلق الأنعام وخلق الشّجرة، وهذا الحصير من الشّجر ومن جلود الأنعام، فمعك أنت شيءٌ تخبرني أنّ القرآن من ذلك الشّيء الّذي خلقه اللّه؟ . قال بشرٌ: معي نصّ القرآن. قال: فقلت: فكيف لم تأتني به أوّلًا حين قلت لك: ارمني بأحدّ سهمٍ في كنانتك؟ قال: فقال نعم، قول اللّه عزّ وجلّ {إنّا جعلناه قرآنًا عربيًّا} [الزخرف: 3] قلت: لا أعلم أحدًا من المؤمنين لا يقول إنّ اللّه قد جعل القرآن عربيًّا وكلّ المؤمنين يقولون: إنّ اللّه قد جعل القرآن عربيًّا، فقد قالوا معك بالتّنزيل ولم يخالفوا التّنزيل، وأنت إنّما كفّرت القوم بمعنى جعل لأنّ معنى جعل عندك معنى خلق.
قال بشرٌ: ما بين جعل وخلق فرقٌ. قلت لبشرٍ: أخبرني عن جعل عندك حرفٌ محكمٌ لا يحتمل إلّا معنى خلق؟ قال: نعم، لا يعقل جعل في لغةٍ من اللّغات إلّا معنى خلق.
قلت: فأخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ {وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلًا} [النحل: 91]، معناه معنى خلقتم؟ أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} [البقرة: 224]، معناه: لا تخلقوا؟ أخبرني عن قوله {لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} [النور: 63] . معناه: لا تخلقوا؟ .
قال: فقال لي المأمون: فما معناه؟
قال: قلت: يا أمير المؤمنين هذا رجلٌ جاهلٌ بلغة قومك، إنّ جعل في كتاب اللّه يحتمل معنيين: معنى خلق، ومعنى تصيير غير خلق، فلمّا كان خلق حرفًا محكمًا لا يحتمل معنيين، ولم يكن من صناعة العباد، لم يتعبّد اللّه الخلق به، فيقول: اخلقوا أو لا تخلقوا، إذ لم يكن الخلق من صناعة المخلوقين، ولمّا كان جعل يحتمل معنيين: معنى خلق وهو معنًى تفرّد اللّه به دون الخلق، ويحتمل معنى غير الخلق، خاطب الخلق بالأمر به والنّهي عنه، أفقال: اجعلوا ولا تجعلوا؟ ألم تسمع إلى قوله {لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} [النور: 63] وقوله {واجعلوا بيوتكم قبلةً} [يونس: 87]، ولمّا كان جعل يحتمل معنيين من اللّه: معنى خلق، ومعنى تصيير غير خلق، لم يدع ذلك لبسًا على المؤمنين حتّى جعل على كلّ كلمةٍ علمًا ودليلًا، ففرّق بين معنى جعل الّذي يكون على معنى خلق وبين جعل الّذي معناه غير معنى خلق، فأمّا معنى جعل الّذي هو على معنى خلق، فإنّ اللّه عزّ وجلّ أنزل القرآن به مفصّلًا وهو بيانٌ لقومٍ يفهمون، وأنزل القول مفصّلًا يستغني السّامع إذا أخبر عنه أن يوصل الكلمة بكلمةٍ أخرى من ذلك قوله {الحمد للّه الّذي خلق السّموات والأرض وجعل الظّلمات والنّور}، فسواءٌ قال: جعل أو خلق. وقوله {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} [النحل: 72] وقوله {وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة} [النحل: 78]، فهذا وما كان على مثاله على معنى خلق. وأمّا جعل الّذي معناه على غير معنى الخلق فهذا من القول الموصل، ألم تسمع إلى قوله {ولقد وصّلنا لهم القول لعلّهم يتذكّرون} [القصص: 51]، كقوله {يا داود إنّا جعلناك خليفةً في الأرض}، فلمّا قال {جعلناك خليفةً} [ص: 26] لم يدع الكلمة إذ لم تكن على معنى خلق حتّى وصلها بقوله {خليفةً} [البقرة: 30] وقوله {وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ} [القصص: 7]، فلم يأمرها أن تلقيه في اليمّ إلّا وهو مخلوقٌ، ثمّ قال {إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين} [القصص: 7]، فقد كان في وقتٍ مخلوقًا ولم يكن مرسلًا حتّى جعله مرسلًا. وقوله {فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكًّا} [الأعراف: 143]، وقد كان الجبل مخلوقًا قبل أن يجعله دكًّا، فهذا وما على مثاله من القول الموصل، فنرجع أنا وبشرٌ يا أمير المؤمنين، فيما اختلفنا فيه من قول اللّه {إنّا جعلناه قرآنًا عربيًّا} [الزخرف: 3]، فما كان من القول الموصل، فهو كما قلت أنا: إنّ اللّه جعله عربيًّا، بأن صيّره عربيًّا، وأنزله بلغة العرب، ولم يصيّره أعجميًّا فينزله بلغة العجم. وإن كان الموصل كقوله {وجعل الظّلمات والنّور} [الأنعام: 1]، فهو كما قال بشرٌ. وإنّما دخل عليه الجهل لقلّة معرفته بلغة أهل اللّسان، فلو أنّ رجلًا قال: اللّهمّ اجعل لي ولدًا، لكان يعقل من بحضرته أنّه سأل ربّه أن يخلق له ولدًا، إذ لم يصل الكلمة بكلمةٍ ثانيةٍ، ولو قال: اللّهمّ اجعل ولدي، كان هذا الكلام لا يتمّ بهذا الإخبار عنه، حتّى يقول: اجعله صالحًا، اجعله تقيًّا، فيعقل عنه أنّه إنّما أراد أن يصيّره بارًّا، ولم يرد أن يخلقه، لأنّ اللّه قد خلقه. ألم تسمع إلى قول اللّه {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم ربّنا واجعلنا مسلمين لك} [البقرة: 127]، ولم يرفعا القواعد إلّا وهما مخلوقان، وحين قالا {واجعلنا} [البقرة: 128]، لم يدركا المسألة حتّى قال {مسلمين لك} [البقرة: 128] . فهذا وما كان على أمثاله في القرآن على غير معنى الخلق. ثمّ أقبل المأمون على بشرٍ، فقال: كلّم عبد العزيز، فقال: يا أمير المؤمنين لم أكلّمه؟ هذا رجلٌ يقول بالأخبار وأنا أقول بالقياس.
فقال له المأمون: وهل ديننا إلّا الأخبار؟ . قال: فأردت أن أعلّمه أنّ الكلام في القياس لم يفتني في الموضع الّذي يجب لي القول به، وكان جلس أمير المؤمنين مجلس الحاكم من الخصم، فقلت: يا أمير المؤمنين لو كان لبشرٍ غلامان، وأنا لا آخذ علمهما عن أحدٍ من النّاس إلّا عنه، يقال لأحدهما خالدٌ والآخر يزيد، فكتب إليّ ثمانية عشر كتابًا يقول في كلّ كتابٍ منها: ادفع هذا الكتاب إلى خالدٍ غلامي، وكتب إليّ مائةً وأربعةً وخمسين كتابًا يقول في كلّ كتابٍ منها: ادفع هذا الكتاب إلى يزيد، ولا يقول: غلامي، وكتب إليّ كتابًا، فقال: ادفع هذا الكتاب إلى يزيد وإلى خالدٍ غلاميّ، وكتب إليّ كتابًا واحدًا يقول فيه: خالدٌ غلامي ويزيد، ولم يقل: غلاميّ، فكتبت إليه: إنّي قد دفعت الكتاب إلى يزيد وإلى خالدٍ غلامك، فلقيني فقال: لم لم تكتب إليّ أنّك دفعت الكتاب إلى خالدٍ ويزيد غلاميّ، فقلت له: قد كتبت إليّ مائة كتابٍ وأربعةً وخمسين كتابًا تقول: ادفع هذا الكتاب إلى يزيد، ولا تقول فيها: غلامي، وكتبت إليّ ثمانية عشر كتابًا تقول فيها: إلى خالدٍ غلامي.فقال لي بشرٌ: فرّطت، فحلقت أنا: إنّ بشرًا فرّط وحلف بشرٌ أنّي فرّطت، أيّنا كان المفرّط يا أمير المؤمنين؟
فقال المأمون: إذا كان هكذا، فبشرٌ المفرّط.
فقلت: يا أمير المؤمنين إنّ اللّه عزّ وجلّ أخبرنا عن ذكر القرآن في أربعةٍ وخمسين ومائة موضعٍ، فلم يخبر عن خلقه في موضعٍ واحدٍ، ثمّ جمع بين القرآن والإنسان في موضعٍ واحدٍ، فقال {الرّحمن علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان} [الرحمن: 1]، ففرّق بين القرآن والإنسان، وزعم بشرٌ أنّ اللّه فرّط في الكتاب، إذ كان القرآن مخلوقًا، وعليه يخبر بخلق القرآن.
قال عبد العزيز: فأخبرني أبو كاملٍ الخادم أنّ المأمون كان يقول: ما مرّ بكم مثل المكّيّ قطّ في خالدٍ ويزيد، فأمر له يعني: لعبد العزيز بعشرة آلاف درهمٍ، وأمر أن تجري له الأرزاق، وجرت بينه وبين المأمون بعد أشياء لم تذكر في هذا الكتاب.
- قال أبو أيّوب عبد الوهّاب بن عمرٍو: وأخبرني العطّاف بن مسلمٍ، عن هؤلاء المسلمين، في صدر هذا الكتاب، وعن غيرهم، من أصحاب المكّيّ: أنّ عبد العزيز، قال: " اجتمعت مع أمير المؤمنين بعد هذا المجلس فجرت بيني وبينه مناظراتٌ كثيرةٌ، فقال لي بعدما جرى بيننا: ويحك يا عبد العزيز، قل: القرآن مخلوقٌ، فواللّه لأوطأنّ الرّجال عقبك، ولا نوهن باسمك، فإن لم تقل، فانظر ما ينزل بك منّي "،
فقلت: يا أمير المؤمنين إنّ القلوب لا تردّ بالرّغبة ولا بالرّهبة، ترغّبني فتقول: قل حتّى أفعل بك، وإن لم تفعل، انظر ماذا ينزل بك منّي، فيميل إليك لساني ولا ينطق لك قلبي، فأكون قد نافقتك يا أمير المؤمنين.
فقال: ويحك، فبماذا تردّ القلوب؟
قال: قلت: بالبصائر يا أمير المؤمنين، بصّرني من أين القرآن مخلوقٌ؟ .
فقال لي: صدقت.). [الإبانة الكبرى: 6/ 225-248]


رد مع اقتباس