عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 28 ذو الحجة 1435هـ/22-10-2014م, 07:54 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقصص هذه السّورة - التي لا تفهم الآية إلاّ به - أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- كان شديد الحرص على إسلام قريشٍ وأشرافهم، وكان يتحفّى بدعائهم إلى اللّه تعالى، فبينا هو يوماً مع رجلٍ من عظمائهم - قيل: هو الوليد بن المغيرة المخزوميّ. وقيل: عتبة بن ربيعة. وقيل: شيبة. وقيل: العبّاس. وقيل: أميّة بن خلفٍ: وقيل: أبيّ بن خلفٍ.
وقال ابن عبّاسٍ: كان في جمٍعٍ منهم، فيهم عتبة، والعبّاس، وأبو جهلٍ - إذ أقبل عبد اللّه ابن أمّ مكتومٍ القرشيّ الفهريّ من بني عامر بن لؤيٍّ، وهو رجلٌ أعمى يقوده رجلٌ آخر، فأومأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى قائده أن يؤخّره عنه، ففعل فدفعه عبد اللّه وأقبل نحو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: استدنني يا محمّد، علّمني مما علّمك اللّه.
فكان في ذلك كلّه قطعٌ لحديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع الرجل المذكور من قريشٍ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قرأ عليه القرآن وقال له: «أترى بما أقول بأساً؟» فكان ذلك الرجل يقول: لا والدّمى. يعني الأصنام.
ويروى: لا والدّما. يعني الذبائح التي للأصنام.
فلمّا شغب عليه أمر عبد اللّه ابن أمّ مكتومٍ عبس وأعرض عنه، وذهب ذلك الرجل، فيروى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم انصرف إلى بيته، فلوي رأسه، وشخص بصره، وأنزلت عليه السّورة.
قال سفيان الثّوريّ: فكان بعد ذلك إذا رأى ابن أمّ مكتومٍ قال: «مرحباً بمن عاتبني فيه ربّي عزّ وجلّ»، وبسط له رداءه.
قال أنس بن مالكٍ: رأيته يوم القادسيّة وعليه درعٌ ومعه رايةٌ سوداء، واستخلفه النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على المدينة مرتين.
قوله عزّ وجلّ:{عبس وتولّى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعلّه يزّكّى * أو يذّكّر فتنفعه الذّكرى * أمّا من استغنى * فأنت له تصدّى * وما عليك ألّا يزّكّى * وأمّا من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهّى * كلّا إنّها تذكرةٌ * فمن شاء ذكره * في صحفٍ مّكرّمةٍ * مّرفوعةٍ مّطهّرةٍ * بأيدي سفرةٍ * كرامٍ بررةٍ * قتل الإنسان ما أكفره}.
العبوس: تقطيب الوجه واربداده عند كراهية أمرٍ، وفي مخاطبته صلّى اللّه عليه وسلّم بلفظ ذكر الغائب مبالغةٌ في العتب؛ لأنّ في ذلك بعض الإعراض، وقال كثيرٌ من العلماء، وابن زيدٍ، وعائشة، وغيرهما من الصحابة: لو كان رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآيات، وآيات قصّة زيدٍ وزينب بنت جحشٍ.
و(التّولّي) هنا الإعراض، و{أن} مفعولٌ من أجله، وقرأ الحسن: (آن جاءه) بمدّة تقريرٍ وتوقيفٍ، والوقف – على هذه القراءة – على {تولّى} وهي قراءة عيسى.
وذكر اللّه تعالى ابن أمّ مكتومٍ بصفة العمى، الذي شأن البشر احتقاره، وبيّن أمره بذكر ضدّه من عتوّ ذلك الكافر، وفي هذا دليلٌ على أنّ ذكر هذه العاهات متى كانت لمنفعةٍ، أو أنّ شهرتها تعرّف السامع صاحبها دون لبسٍ – جائزٌ، ومنه قول المحدّثين: سليمان الأعمش، وعبد الرحمن الأعرج، وسالم الأفطس، ونحو هذا. ومتى ذكرت هذه الأشياء على جهة التنقّص فتلك الغيبة.
وقد سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عائشة رضي اللّه عنها تذكر امرأةً، فقالت: إنّها لقصيرةٌ. فقال عليه الصلاة والسلام:«لقد قلت كلمةً لو مزجت بالبحر لمزجته» ). [المحرر الوجيز: 8/ 535-536]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم خاطب تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالعتب فقال: {وما يدريك لعلّه يزّكّى أو يذّكّر فتنفعه الذّكرى}؛ أي: وما يطلعك على أمره وعقبى حاله؟
ثمّ ابتدأ القول: {لعلّه يزّكّى} أي: تنمو بركته ويتطهّر لله تعالى، وينفع إيمانه. وأصل {يزّكّى} يتزكّى، فأدغم التاء في الزاي، وكذلك {يذّكّر}.
وقرأ الأعرج: (يذكر) بسكون الذال وضمّ الكاف، ورويت عن عاصمٍ، وقرأ جمهور السبعة: (فتنفعه) بضمّ العين، على العطف، وقرأ عاصمٌ وحده، والأعرج: {فتنفعه} بالنّصب في جواب التّمنّي؛ لأنّ قوله تعالى: {أو يذّكّر} في حكم قوله سبحانه: {لعلّه يزّكّى}). [المحرر الوجيز: 8/ 536-537]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ أكّد تعالى عتب نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله: {أمّا من استغنى}؛ أي: بماله). [المحرر الوجيز: 8/ 537]

تفسير قوله تعالى: {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و{تصدّى} معناه: تتعرّض بنفسك، وقرأ ابن كثيرٍ، ونافعٌ: (تصّدّى) بشدّ الصاد، على إدغام التاء، وقرأ الباقون، والأعرج، والحسن، وأبو رجاءٍ، وقتادة، وعيسى، والأعمش: {تصدّى} بتخفيف الصاد، على حذف التاء.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: (تصدّى) بضمّ التاء وتخفيف الصاد، على بناء الفعل للمفعول، أي: يصدّيك حرصك على هؤلاء الكفّار أن يسلموا؛ تقول: تصدّى الرجل وصدّيته، كما تقول: تكسّب وكسّبته). [المحرر الوجيز: 8/ 537]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ قال تعالى تحقيراً لشأن الكفار: {وما عليك ألاّ يزّكّى} أي: وما يضرّك ألا يفلح؟ فهذا حضٌّ على الإعراض عن أمرهم، وترك الاكتراث بهم). [المحرر الوجيز: 8/ 537]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم قال تعالى مبالغاً في العتب: {وأمّا من جاءك يسعى} أي: يمشي. وقيل: المعنى: يسعى في شؤونه، وأمر دينه، وتقرّبه منك).[المحرر الوجيز: 8/ 537]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ يَخْشَى (9)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({وهو يخشى}: اللّه تعالى). [المحرر الوجيز: 8/ 537]

تفسير قوله تعالى: {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({فأنت عنه تلهّى}؛ أي: تشتغل. تقول: لهيت عن الشيء ألهى. إذا اشتغلت، وليس من اللّهو الذي هو من ذوات الواو، أما إنّ المعنى يتداخل.
وقرأ الجمهور من القرّاء: {تلهّى} بفتح التاء، على حذف التاء الواحدة، وقرأ ابن كثيرٍ – فيما روي عنه -: (تّلهّى) بالإدغام، وقرأ طلحة بن مصرّفٍ: (تتلهّى) بتاءين، وروي عنه: (تلهى) بفتح التاء، وسكون اللام، وتخفيف الهاء المفتوحة.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: (تلهّى) بضمّ التاء، أي: يلهيك حرصك على أولئك الكفّار. وفي حديث النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وما استأثر اللّه بعلمه فاله عنه».
وقوله تعالى في هاتين: {أمّا من}، {وأمّا من} فالسبب ما ذكر من كفار قريشٍ وعبد اللّه ابن أمّ مكتومٍ. ثمّ هي بعد تتناول من شركهم في هذه الأوصاف، فحملة الشرع والعلم والحكّام مخاطبون في تقريب الضّعيف من أهل الخير وتقديمه على الشريف العاري من الخير، بمثل ما خوطب النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه السّورة). [المحرر الوجيز: 8/ 537-538]


رد مع اقتباس