عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:49 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ ولنكوننّ من الصّالحين (75) فلمّا آتاهم من فضله بخلوا به وتولّوا وهم معرضون (76) فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون (77) ألم يعلموا أنّ اللّه يعلم سرّهم ونجواهم وأنّ اللّه علام الغيوب (78)}
يقول تعالى: ومن المنافقين من أعطى اللّه عهده وميثاقه: لئن أغناه من فضله ليصّدّقنّ من ماله، وليكوننّ من الصّالحين. فما وفّى بما قال، ولا صدق فيما ادّعى، فأعقبهم هذا الصّنيع نفاقًا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقون اللّه، عزّ وجلّ، يوم القيامة، عياذًا باللّه من ذلك.
وقد ذكر كثيرٌ من المفسّرين، منهم ابن عبّاسٍ، والحسن البصريّ: أنّ سبب نزول هذه الآية الكريمة في "ثعلبة بن حاطبٍ الأنصاريّ".
وقد ورد فيه حديثٌ رواه ابن جريرٍ هاهنا وابن أبي حاتمٍ، من حديث معان بن رفاعة، عن عليّ بن يزيد، عن أبي عبد الرّحمن القاسم بن عبد الرّحمن، مولى عبد الرّحمن بن يزيد بن معاوية، عن أبي أمامة الباهليّ، عن ثعلبة بن حاطبٍ الأنصاريّ، أنّه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ادع الله أن يرزقني مالًا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ويحك يا ثعلبة قليلٌ تؤدّي شكره خيرٌ من كثيرٍ لا تطيقه". قال: ثمّ قال مرّةً أخرى، فقال: "أما ترضى أن تكون مثل نبيّ اللّه، فوالّذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبًا وفضّةً لسارت". قال: والّذي بعثك بالحقّ لئن دعوت اللّه فرزقني مالًا لأعطينّ كلّ ذي حقٍّ حقّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّهمّ ارزق ثعلبة مالًا". قال: فاتّخذ غنمًا، فنمت كما ينمو الدّود، فضاقت عليه المدينة، فتنحّى عنها، فنزل واديًا من أوديتها، حتّى جعل يصلّي الظّهر والعصر في جماعةٍ، ويترك ما سواهما. ثمّ نمت وكثرت، فتنحّى حتّى ترك الصّلوات إلّا الجمعة، وهي تنمو كما ينمو الدّود، حتّى ترك الجمعة. فطفق يتلقّى الرّكبان يوم الجمعة، يسألهم عن الأخبار، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما فعل ثعلبة"؟ فقالوا: يا رسول اللّه، اتّخذ غنمًا فضاقت عليه المدينة. فأخبروه بأمره فقال: "يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة". وأنزل اللّه جلّ ثناؤه: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها} الآية [التّوبة: 103] قال: ونزلت عليه فرائض الصّدقة، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلين على الصّدقة: رجلًا من جهينة، ورجلًا من سليمٍ، وكتب لهما كيف يأخذان الصّدقة من المسلمين، وقال لهما: "مرا بثعلبة، وبفلانٍ -رجلٌ من بني سليمٍ -فخذا صدقاتهما". فخرجا حتّى أتيا ثعلبة، فسألاه الصّدقة، وأقرآه كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: ما هذه إلّا جزيةٌ. ما هذه إلّا أخت الجزية. ما أدري ما هذا انطلقا حتّى تفرغا ثمّ عودا إليّ. فانطلقا وسمع بهما السّلميّ، فنظر إلى خيار أسنان إبله، فعزلها للصّدقة، ثمّ استقبلهما بها فلمّا رأوها قالوا: ما يجب عليك هذا، وما نريد أن نأخذ هذا منك. قال: بلى، فخذوها، فإنّ نفسي بذلك طيّبةٌ، وإنّما هي له. فأخذوها منه. فلمّا فرغا من صدقاتهما رجعا حتّى مرّا بثعلبة، فقال: أروني كتابكما فنظر فيه، فقال: ما هذه إلّا أخت الجزية. انطلقا حتّى أرى رأيي. فانطلقا حتّى أتيا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا رآهما قال: "يا ويح ثعلبة" قبل أن يكلّمهما، ودعا للسّلميّ بالبركة، فأخبراه بالّذي صنع ثعلبة والّذي صنع السّلميّ، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ} إلى قوله: {وبما كانوا يكذبون} قال: وعند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتّى أتاه فقال: ويحك يا ثعلبة. قد أنزل اللّه فيك كذا وكذا. فخرج ثعلبة حتّى أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله أن يقبل منه صدقته، فقال: "إنّ اللّه منعني أن أقبل منك صدقتك". فجعل يحثو على رأسه التّراب، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " [هذا] عملك، قد أمرتك فلم تطعني". فلمّا أبى أن يقبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجع إلى منزله، فقبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يقبل منه شيئًا. ثمّ أتى أبا بكرٍ، رضي اللّه عنه، حين استخلف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول اللّه، وموضعي من الأنصار، فاقبل صدقتي. فقال أبو بكرٍ: لم يقبلها منك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأبى أن يقبلها، فقبض أبو بكرٍ ولم يقبلها. فلمّا ولي عمر، رضي اللّه عنه، أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، اقبل صدقتي. فقال: لم يقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا أبو بكرٍ، وأنا أقبلها منك! فقبض ولم يقبلها؛ ثمّ ولي عثمان، رضي اللّه عنه، [فأتاه] فسأله أن يقبل صدقته، فقال: لم يقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا أبو بكرٍ ولا عمر، وأنا أقبلها منك! فلم يقبلها منه، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان
وقوله تعالى: {بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} أي: أعقبهم النّفاق في قلوبهم بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم، كما جاء في الصّحيح، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" وله شواهد كثيرةٌ، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 183-184]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ألم يعلموا أنّ اللّه يعلم سرّهم ونجواهم وأنّ اللّه علام الغيوب} يخبرهم تعالى أنّه يعلم السّرّ وأخفى، وأنّه أعلم بضمائرهم وإن أظهروا أنّه إن حصل لهم أموالٌ تصدّقوا منها وشكروا عليها، فإنّه أعلم بهم من أنفسهم؛ لأنّه تعالى علّام الغيوب، أي: يعلم كلّ غيبٍ وشهادةٍ، وكلّ سرٍّ ونجوى، ويعلم ما ظهر وما بطن). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 184]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات والّذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر اللّه منهم ولهم عذابٌ أليمٌ (79)}
وهذه أيضًا من صفات المنافقين: لا يسلم أحدٌ من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتّى ولا المتصدّقون يسلمون منهم، إن جاء أحدٌ منهم بمالٍ جزيلٍ قالوا: هذا مراءٌ، وإن جاء بشيءٍ يسيرٍ قالوا: إنّ اللّه لغنيٌّ عن صدقة هذا. كما قال البخاريّ:
حدّثنا عبيد اللّه بن سعيدٍ، حدّثنا أبو النّعمان البصريّ، حدّثنا شعبة، عن سليمان، عن أبي وائلٍ، عن أبي مسعودٍ قال: لمّا نزلت آية الصّدقة كنّا نتحامل على ظهورنا، فجاء رجلٌ فتصدّق بشيءٍ كثيرٍ، فقالوا: مرائي. وجاء رجلٌ فتصدّق بصاعٍ، فقالوا: إنّ اللّه لغنيٌّ عن صدقة هذا. فنزلت {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات والّذين لا يجدون إلا جهدهم} الآية.
وقد رواه مسلمٌ أيضًا في صحيحه، من حديث شعبة به
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، حدّثنا الجريريّ، عن أبي السّليل قال: وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع فقال: حدّثني أبي -أو: عمّي أنّه رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالبقيع، وهو يقول: "من يتصدّق بصدقةٍ أشهد له بها يوم القيامة"؟ قال: فحللت من عمامتي لوثًا أو لوثين، وأنا أريد أن أتصدّق بهما، فأدركني ما يدرك ابن آدم، فعقدت على عمامتي. فجاء رجلٌ لم أر بالبقيع رجلًا أشدّ سوادًا [ولا] أصغر منه، ولا أدمّ ببعيرٍ ساقه، لم أر بالبقيع ناقةً أحسن منها، فقال: يا رسول اللّه، أصدقةٌ؟ قال: "نعم" فقال: دونك هذه النّاقة. قال: فلمزه رجلٌ فقال: هذا يتصدّق بهذه فواللّه لهي خيرٌ منه. قال: فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كذبت بل هو خيرٌ منك ومنها" ثلاث مرّاتٍ، ثمّ قال: "ويلٌ لأصحاب المئين من الإبل" ثلاثًا. قالوا: إلّا من يا رسول اللّه؟ قال: "إلّا من قال بالمال هكذا وهكذا"، وجمع بين كفّيه عن يمينه وعن شماله، ثمّ قال: "قد أفلح المزهد المجهد" ثلاثًا: المزهد في العيش، المجهد في العبادة
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية، وقال: جاء عبد الرّحمن بن عوفٍ بأربعين أوقيّةً من ذهبٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجلٌ من الأنصار بصاعٍ من طعامٍ، فقال بعض المنافقين: واللّه ما جاء عبد الرّحمن بما جاء به إلّا رياءً. وقالوا: إن كان اللّه ورسوله لغنيّين عن هذا الصّاع
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج إلى النّاس يومًا فنادى فيهم: أن اجمعوا صدقاتكم. فجمع النّاس صدقاتهم، ثمّ جاء رجلٌ من آخرهم بصاعٍ من تمرٍ، فقال: يا رسول اللّه، هذا صاعٌ من تمرٍ بتّ ليلتي أجرّ بالجرير الماء، حتّى نلت صاعين من تمرٍ، فأمسكت أحدهما، وأتيتك بالآخر. فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن ينثره في الصّدقات. فسخر منه رجالٌ، وقالوا: إنّ اللّه ورسوله لغنيّان عن هذا. وما يصنعان بصاعك من شيءٍ. ثمّ إنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هل بقي أحدٌ من أهل الصّدقات؟ فقال "لا" فقال له عبد الرّحمن بن عوفٍ: فإنّ عندي مائة أوقيّةٍ من ذهبٍ في الصّدقات. فقال له عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه: أمجنونٌ أنت؟ قال: ليس بي جنونٌ. قال: فعلت ما فعلت؟ قال: نعم، مالي ثمانية آلافٍ، أمّا أربعة آلافٍ فأقرضها ربّي، وأمّا أربعة آلافٍ فلي. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بارك اللّه لك فيما أمسكت وفيما أعطيت". ولمزه المنافقون فقالوا: واللّه ما أعطى عبد الرّحمن عطيّته إلّا رياءً. وهم كاذبون، إنّما كان به متطوّعًا، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، عذره وعذر صاحبه المسكين الّذي جاء بالصّاع من التّمر، فقال تعالى في كتابه: {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات} الآية.
وكذا روي عن مجاهدٍ، وغير واحدٍ.
وقال ابن إسحاق: كان المطوّعون من المؤمنين في الصّدقات: عبد الرّحمن بن عوفٍ، تصدق بأربعة آلاف درهمٍ، وعاصم بن عديٍّ أخا بني العجلان، وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رغّب في الصّدقات، وحضّ عليها، فقام عبد الرّحمن بن عوفٍ فتصدّق بأربعة آلافٍ، وقام عاصمٌ فتصدّق بمائة وسقٍ من تمرٍ، فلمزوهما وقالوا: ما هذا إلّا رياءٌ. وكان الّذي تصدّق بجهده: أبو عقيلٍ أخو بني أنيفٍ الإراشيّ حليف بني عمرو بن عوفٍ، أتى بصاعٍ من تمرٍ فأفرغه في الصّدقة، فتضاحكوا به وقالوا: إنّ اللّه لغنيٌّ عن صاع أبي عقيل.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا طالوت بن عبّادٍ، حدّثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "تصدّقوا فإنّي أريد أن أبعث بعثًا". قال: فجاء عبد الرّحمن بن عوفٍ فقال: يا رسول اللّه، عندي أربعة آلافٍ، ألفين أقرضهما ربّي، وألفين لعيالي. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بارك اللّه لك فيما أعطيت وبارك لك فيما أمسكت". وبات رجلٌ من الأنصار فأصاب صاعين من تمرٍ، فقال: يا رسول اللّه، أصبت صاعين من تمرٍ: صاعٌ أقرضه لربّي، وصاعٌ لعيالي. قال: فلمزه المنافقون وقالوا: ما أعطى الّذي أعطى ابن عوفٍ إلّا رياءً! وقالوا: ألم يكن اللّه ورسوله غنيّين عن صاع هذا؟ فأنزل اللّه: {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات والّذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم [سخر اللّه منهم]} الآية
ثمّ رواه عن أبي كاملٍ، عن أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه مرسلًا قال: ولم يسنده أحدٌ إلّا طالوت.
وقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيعٍ، حدّثنا زيد بن الحباب، عن موسى بن عبيدة، حدّثني خالد بن يسارٍ، عن ابن أبي عقيلٍ، عن أبيه قال: بتّ أجرّ الجرير على ظهري، على صاعين من تمرٍ، فانقلبت بأحدهما إلى أهلي يتبلّغون به، وجئت بالآخر أتقرّب [به] إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته، فقال: "انثره في الصّدقة". قال: فسخر القوم وقالوا: لقد كان اللّه غنيًّا عن صدقة هذا المسكين. فأنزل اللّه: {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات} الآيتين
وكذا رواه الطّبرانيّ من حديث زيد بن الحباب به. وقال: اسم أبي عقيلٍ: حبابٌ. ويقال: عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن ثعلبة.
وقوله: {فيسخرون منهم سخر اللّه منهم} وهذا من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين؛ لأنّ الجزاء من جنس العمل، فعاملهم معاملة من سخر بهم، انتصارًا للمؤمنين في الدّنيا، وأعدّ للمنافقين في الآخرة عذابًا أليما). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 184-188]

تفسير قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم ذلك بأنّهم كفروا باللّه ورسوله واللّه لا يهدي القوم الفاسقين (80)}
يخبر تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّ هؤلاء المنافقين ليسوا أهلًا للاستغفار، وأنّه لو استغفر لهم، ولو سبعين مرّةً فإنّ اللّه لا يغفر لهم.
وقد قيل: إنّ السّبعين إنّما ذكرت حسمًا لمادّة الاستغفار لهم؛ لأنّ العرب في أساليب كلامها تذكر السّبعين في مبالغة كلامها، ولا تريد التّحديد بها، ولا أن يكون ما زاد عليها بخلافها.
وقيل: بل لها مفهومٌ، كما روى العوفيّ عن ابن عبّاسٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لمّا نزلت هذه الآية: "أسمع ربّي قد رخّص لي فيهم، فواللّه لأستغفرنّ أكثر من سبعين مرّةً، لعلّ اللّه أن يغفر لهم! فقال اللّه من شدّة غضبه عليهم: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين} [المنافقون:6]
وقال الشّعبيّ: لمّا ثقل عبد اللّه بن أبيٍّ، انطلق ابنه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّ أبي قد احتضر، فأحبّ أن تشهده وتصلّي عليه. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما اسمك". قال الحباب بن عبد اللّه. قال: "بل أنت عبد اللّه بن عبد اللّه، إنّ الحباب اسم شيطانٍ". قال: فانطلق معه حتّى شهده وألبسه قميصه وهو عرقٌ، وصلّى عليه، فقيل له: أتصلّي عليه [وهو منافقٌ] ؟ قال: "إنّ اللّه قال: {إن تستغفر لهم سبعين مرّةً} ولأستغفرنّ له سبعين وسبعين وسبعين".
وكذا روي عن عروة بن الزّبير ومجاهد بن جبير، وقتادة بن دعامة. رواها ابن جرير بأسانيده). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 188]


رد مع اقتباس