الموضوع: سورة المزمل
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 4 ربيع الثاني 1434هـ/14-02-2013م, 01:46 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي

قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) }

قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال:(ومن سورة المزمل
وعن قوله عز وجل: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو أنقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا} ففرض الله عز وجل قيام الليل في أول هذه السورة فقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت أقدامهم فأمسك الله خاتمتها حولا ثوم أنزل الله عز وجل التخفيف في آخرها قال عز وجل: {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه} فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من قيام الليل فجعل قيام الليل تطوعا بعد فريضة وقال: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وهما فريضتان لا رخصة لأحد فيهما ).[الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/50]
قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري (ت: 124هـ) قال: (وقال تعالى في سورة المزمل: {قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً. أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً}.
فنسخها قوله تعالى: {علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن}.... إلى قوله تعالى: {وآتوا الزكاة}. *
وقال تعالى: {إن ناشئة الليل هي أشد وطأً وأقوم قيلا}.

وناشئة الليل: أوله، كانت صلواتهم في أول الليل، يقول: هو أجدر أن تحصوه، وما فرضت عليكم قيام الليل. وذلك أن أحدهم كان إذا نام ما يدري متى يستيقظ، فقال تعالى: {وأقوم قيلا}. يعني القرآن ومنفعتهم به. يقول: حتى يفهم القرآن ويتدبر آياته ويفقه ما فيه. وقال عز وجل: {إن لك في النهار سبحاً طويلاً}.
يقول: فراغاً طويلاً. يقول: من أول الليل يكون النوم، والتهجد يكون في وسطه وفي آخره ولا يشتغل بالحاجات).. [الناسخ والمنسوخ للزهري: 34-35]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (أولاهن: قوله تعالى {يا أيها المزمل قم الليل...} [1، 2 / المزمل / 73] نسخت بقوله تعالى: {إلا قليلا}).[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 62]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ):
(
قال اللّه تعالى {يا أيّها المزّمّل قم اللّيل إلّا قليلًا} [المزمل: 2] الآية، فجاز أن يكون هذا ندبًا وحضًّا، وأن يكون حتمًا وفرضًا، غير أنّ بابه أن يكون حتمًا وفرضًا إلّا أن يدلّ دليلٌ على غير ذلك والدّلائل تقوّي أنّه كان حتمًا وفرضًا وذلك أنّ النّدب والحضّ لا يقع
على بعض اللّيل دون بعضٍ لأنّ قيامه ليس مخصوصًا به وقتٌ دون وقتٍ، وأيضًا فقد جاء التّوقيف بما سنذكره - إن شاء اللّه - وجاز أن يكون هذا حتمًا وفرضًا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحده، وجاز أن يكون عليه وعلى أمّته فجاء التّوقيف: بأنّه كان عليه وعلى المؤمنين ثمّ نسخ
كما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدّثنا خالد بن الحارث، قال: حدّثنا سعيدٌ، قال: حدّثنا قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشامٍ، قال: انطلقنا إلى عائشة فاستأذنّا عليها فقلت: أنبئيني بقيام رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: ألست تقرأ هذه السّورة يا أيّها المزّمّل؟، قلت: بلى، قالت: إنّ اللّه تعالى افترض القيام في أوّل {يا أيّها المزّمّل} [المزمل: 1] على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعلى أصحابه حولًا حتّى انتفخت أقدامهم فأمسك اللّه تعالى خاتمتها اثني عشر شهرًا، ثمّ أنزل التّخفيف في أخر هذه السّورة فصار قيام اللّيل تطوّعًا بعد أن كان فريضةً " قال أبو عبد الرّحمن مختصرٌ
قال أبو جعفرٍ: فتبيّن بهذا الحديث أنّه كان فرضًا عليه وعلى أصحابه ثمّ نسخ
وقول عائشة حولًا يبيّن لك ما في النّاسخ والمنسوخ ممّا يشكل على قومٍ وذلك أنّه قيل لهم: صلّوا كذا إلى حولٍ، أو قيل لهم: صلّوا كذا ثمًّ نسخ بعد فقد كان في معنى قوله: صلّوا كذا أنّه إلى وقت كذا وإن لم يذكر فعلى هذا يكون النّسخ
وقرئ على محمّد بن جعفر بن حفصٍ، عن يوسف بن موسى، قال: حدّثنا وكيعٌ، ويعلى، قالا: حدّثنا مسعرٌ، عن سماكٍ الحنفيّ، قال: سمعت ابن عبّاسٍ، يقول: " لمّا نزلت أوّل {يا أيّها المزّمّل} [المزمل: 1] كانوا يقومون نحوًا من قيامهم في شهر رمضان حتّى نزلت آخرها وكان بين أوّلها وبين آخرها نحوٌ من سنةٍ "
قال أبو جعفرٍ: وحدّثني جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، {يا أيّها المزّمّل قم اللّيل إلّا قليلًا} [المزمل: 2] " فلمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة نسختها هذه الآية {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثيّ اللّيل ونصفه وثلثه وطائفةٌ من الّذين معك واللّه يقدّر اللّيل والنّهار} [المزمل: 20] إلى آخرها "
حدّثنا محمّد بن رمضان بن شاكرٍ، قال: حدّثنا الرّبيع بن سليمان، قال: حدّثنا محمّد بن إدريس الشّافعيّ، قال: وممّا نقل بعض من سمعت منه من أهل العلم: " أنّ اللّه تعالى أنزل فرضًا في الصّلاة قبل فرض الصّلوات الخمس فقال: {يا أيّها المزّمّل قم اللّيل إلّا قليلًا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلًا}[المزمل: 2] ثمّ نسخ هذا في السّورة معه فقال: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثيّ اللّيل ونصفه وثلثه وطائفةٌ من الّذين معك} [المزمل: 20] إلى {وآتوا الزّكاة} [المزمل: 20] ولمّا ذكر اللّه تعالى بعد أمره بقيام اللّيل نصفه إلّا قليلًا أو الزّيادة عليه فقال: {أدنى من ثلثيّ اللّيل ونصفه وثلثه وطائفةٌ من الّذين معك} [المزمل: 20] فخفّف فقال: {علم أن سيكون منكم مرضى} [المزمل: 20] إلى {فاقرءوا ما تيسّر منه} كان بيّنًا في كتاب اللّه تعالى نسخ قيام اللّيل ونصفه والنّقصان من النّصف والزّيادة عليه بقول اللّه تعالى {فاقرءوا ما تيسّر منه}
ثمّ احتمل قول اللّه تعالى {فاقرءوا ما تيسّر منه} معنيين:
أحدهما: أن يكون فرضًا ثابتًا لأنّه أزيل به فرضٌ غيره.
والآخر: أن يكون فرضًا منسوخًا أزيل بغيره كما أزيل به غيره وذلك لقول اللّه تعالى {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79]، فاحتمل قوله تعالى {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً} [الإسراء: 79] أن يتهجّد بغير الّذي فرض عليه ممّا تيسّر منه

قال الشّافعيّ: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسّنّة على أحد المعنيين فوجدنا سنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم تدلّ على أنّ لا واجب من الصّلاة إلا الخمس " ). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 3/126-129]

قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الأولى قوله تعالى {يا أيّها المزمل قم اللّيل إلّا قليلا} أمره الله تعالى بقيام اللّيل عن أخّره ثمّ استثناه بقوله {إلّا قليلاً} ثمّ نسخ القليل منه بنصفه فقال {نصفه أو انقص منه قليلاً} إلى الثّلث فنسخ الله تعالى من اللّيل ثلثه ثمّ قال {أو زد عليه} أي من النّصف إلى الثّلثين). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 186]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: {قم اللّيل إلاّ قليلاً، نصفه أو انقص منه قليلاً}. قال المفسّرون، المعنى: انقص من النّصف قليلا أو زد على النّصف فجعل له سعةً في مدّة قيامه، إذ لم تكن محدودةً فكان (يقوم) ومعه طائفةٌ من المؤمنين فشقّ ذلك عليه وعليهم، وكان يقوم اللّيل كلّه مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب، فنسخ اللّه ذلك عنه وعنهم بقوله: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل} هذا مذهب جماعةٍ من المفسّرين.
وقالوا ليس في القرآن سورةٌ نسخ آخرها أوّلها سوى هذه السّورة وذهب قومٌ إلى أنّه نسخ قيام اللّيل في حقّه بقوله: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك} ونسخ في حقّ المؤمنين بالصّلوات
الخمس وقيل: نسخ عن الأمّة وبقي فرضه عليه أبدًا، وقيل إنّما كان مفروضًا عليه دونهم.
أخبرنا ابن ناصرٍ، قال: أبنا عليّ بن أيّوب قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أبو بكرٍ النّجّاد، قال: أبنا أبو داود، قال بنا أحمد بن محمد، قال: بنا عليّ بن الحسين، عن أبيه عن يزيد النّحويّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ {قم اللّيل إلاّ قليلاً} نسختها {علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسّر من القرآن}.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريشٍ، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل بن العبّاسيّ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا زيد بن أخرم، قال: بنا بشر بن عمر، قال: بنا حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيدٍ عن أبي المتوكّل، عن جابر بن عبد اللّه،
قال: كتب علينا قيام اللّيل فقمنا حتّى انتفخت أقدامنا وكنّا في مغزًى لنا فأنزل اللّه الرّخصة {أن سيكون منكم مرضى} إلى آخر السورة.
قال أبو بكر: وبنا عبد اللّه بن محمّد بن خلاد، قال: بنا يزيد، قال: بنا مباركٌ عن الحسن، قال: لمّا نزلت: {يا أيها المزّمّل قم اللّيل إلاّ قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه} كان قيام اللّيل فريضةً، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سنةً قال الحسن: أما واللّه ما كلّهم قام بها فخفّف اللّه فأنزل آخر السّورة{علم أن سيكون منكم مرضى}، إلى آخر الآية.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه قال أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: أبنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: بنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشامٍ عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: "كان اللّه افترض قيام اللّيل في أوّل سورة المزّمّل، فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه حولا حتّى انتفخت أقدامهم، وأمسك خاتمتها في السّماء اثني عشر شهرًا ثمّ أنزل اللّه آيةٌ فيها يسرٌ وتخفيفٌ فصار قيام اللّيل تطوّعًا بعد فريضةٍ".
قال قتادة: "نسختها {فاقرأوا ما تيسّر من القرآن} الآية".
قال أحمد: وبنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ رضي الله
عنهما {يا أيها المزمل قم اللّيل} قال: فلمّا قدم المدينة نسختها هذه الآية {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل} الآية.
قال أحمد: وبنا عبد الصّمد عن همّامٍ عن قتادة، قال: فرض قيام اللّيل في أوّل سورة المزّمّل، فقام أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى انتفخت أقدامهم، وأمسك اللّه خاتمتها في السّماء حولا ثمّ أنزل اللّه التّخفيف في آخرها، فقال: {علم أن سيكون منكم مرضى} فنسخ ما كان قبلها).[نواسخ القرآن: 496-497]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الأولى: {قم اللّيل إلّا قليلاً نصفه} كان قيام الليل فرضا عليه وعلى أمته ثم نسخ بقوله {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل ونصفه} وقيل نسخ عن الأمة وبقي فرضا عليه وقيل بل كان فرضا عليه دونهم ). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 58]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة المزمل: قوله عز وجل: {قم الليل إلا قليلا} [المزمل: 2] قالوا: أمره الله بقيام الليل عن آخره ثم استثنى بقوله: {إلا قليلا} الآية [المزمل: 2] ثم نسخ القليل بنصفه فقال: {نصفه أو انقص منه قليلا} [المزمل: 3] إلى الثلث، فنسخ الله من الليل ثلثه ثم قال: {أو زد عليه} الآية [المزمل: 4] أي: من النصف إلى الثلث، وهذا كما تراه خبط صادر عن عدم التحصيل، وإنما المعنى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت حاله تختلف في قيام الليل، فيقوم مرة نصف الليل، ومرة يقوم قبل النصف، ومرة يقوم بعده ولا يحصي وقتا واحدا، فقال له الله عز وجل مهونا عليه أمره في ذلك: {قم الليل إلا قليلا * نصفه} الآية [المزمل: 2-3] فنصفه بدل من الليل، أي: قم نصف الليل إلا قليلا، ولم يأمره بقيام الليل كله.
{أو انقص منه قليلا} الآية [المزمل: 3] أي: انقص من النصف قليلا، ولم ينسخ الله بهذا من الليل ثلثه كما زعم من تقدم ذكره.
ثم قال عز وجل: {أو زد عليه} الآية [المزمل: 4] يجوز أن تكون الهاء: عائدة على النصف وهو الظاهر لقوله عز وجل: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل} الآية [المزمل: 20] أي: أقل من ثلثي الليل، وهذا تصريح بالزيادة على النصف، وقيل: يجوز أن تكون الهاء عائدة على القليل، كأنه قيل: قم نصف الليل إلا قليلا أو زد على القليل.
وكذلك قالوا في الهاء في {منه} إنها عائدة على القليل أيضا.
قال الزمخشري: فيكون التخيير على هذا فيما وراء النصف فيما بينه وبين الثلث، وهذا غير مستقيم؛ لأن القليل المستثنى من النصف غير معلوم فكيف تعقل الزيادة عليه أو النقصان منه، ويدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل تطوعا قوله عز وجل: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل} الآية [المزمل: 20] وهذا هو الزيادة على النصف {ونصفه} فيمن قرأ بالنصب {وثلثه} أي: وتقوم النصف والثلث، وفي قراءة الخفض في النصف والثلث، المعنى: وتقوم أدنى من النصف والثلث، والمعنى أن الله عز وجل قد رضي منك هذه الأحوال كلها، فأيما اتفق لك فهو حسن، ولا يريد الله بك وبمن يقوم معك العسر فيضيق عليكم بوقت تتكلفونه، وقد {علم أن سيكون منكم مرضى} الآية [المزمل: 20] يجدون خفة في بعض هذه الأوقات دون بعض، ومسافرون لا يمكنهم مع أحوال السفر إلا التخفيف، والمجاهدون كذلك.
فإن قيل: كيف يكون تطوعا وقد قال عز وجل: {فتاب عليكم} الآية [المزمل: 20]؟ قلت: {فتاب عليكم} كقوله عز وجل: {فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم}الآية [المجادلة: 13] أي: رخص لكم فلا تبعة عليكم، فلما كانت حالهم في أن لا تبعة حال التائب عبر من الترخيص بالتوبة، ويلزم من قال بالوجوب أن تكون الآية منسوخة؛ لأنه قد ثبت أن لا فرض من الصلاة إلا الخمس، وهو إجماع المسلمين.
وقول الأعرابي: "هل غير ذلك"؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا إلا أن تطوع)).
ولا بد من ذكر أقوال العلماء؛ لأنه من غرض الناسخ والمنسوخ: قال أكثرهم: كان قيام الليل فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، ثم خفف عنهم في الآيتين في آخر السورة، فنسخ بهما أولها.
وقد قلت: إن ذلك ليس بنسخ وإنما هو تخفيف في المقدار؛ لأنهم لا يحصونه.
وقيل: كان فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده ثم نسخ بآخر السورة.
وقيل: كان ندبا، وهو الصواب إن شاء الله، والقول بأنه كان تطوعا أوضح منه.
وقوله عز وجل: {قم الليل} الآية [المزمل: 2] أي: دم على ما تطوعت به، مدحا لحاله، وتحسينا لها.
وقال ابن عباس: (كان بين أول السورة وآخرها سنة).
وعن عائشة رضي الله عنها: (لما نزلت {يا أيها المزمل} الآية [المزمل: 1] كان الرجل يربط الحبل ويتعلق به، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر، فرأى الله عز وجل ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردهم إلى الفريضة وترك قيام الليل). وأنت في هذه الرواية بين أمور ثلاثة:
إما إبطال قول من يقول إن المزمل من أول ما نزل؛ لأن عائشة رضي الله عنها لم تكن هناك في ذلك الوقت.
وإما أن يصح أن المزمل من أول ما نزل فتبطل هذه الرواية.
وإما أن تقول إن عائشة رضي الله عنها سمعت ذلك من غيرها فأخبرت به، ومما يدل على أن عائشة رضي الله عنها أخبرت عن مشاهدة لا عن سماع أنها سئلت: ما كان تزميله؟ قالت: (كان مرطا طوله أربع عشرة ذراعا، نصفه علي وأنا نائمة ونصفه عليه وهو يصلي).
فقيل لها: فما كانت؟ فقالت: (والله ما كان خزا ولا قزا، كان سداه شعر ولحمته وبر).
ويؤيد هذا ما دلت عليه السورة من كثرة المسلمين بقوله: {وطائفة من الذين معك} الآية [المزمل: 20].
وفي قوله: {وطائفة من الذين معك} دليل على أنه لم يكن فرضا، إذ لو كان فرضا لقام الكل ولم يخص طائفة منهم.
وقال ابن جبير: مكث النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل كما أمره الله عز وجل عشر سنين ثم خفف عنهم بعد عشر سنين.
وقال عكرمة: {قم الليل إلا قليلا} الآية [المزمل: 2] نسختها التي في آخرها: {علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن} الآية [المزمل: 20].
وقد ثبت أن ذلك في القيام المقدر والوقت المعين، علم أن لن تحصوا ذلك فاقرءوا ما تيسر من القرآن؛ لأنه يلزم من قراءة ما تيسر من القرآن قيام ما اتفق من الأوقات.
وقال قتادة: قاموا حولين حتى انتفخت أقدامهم وسوقهم، فأنزل الله عز وجل تخفيفا في آخر السورة.
فهذه أقوال العلماء، فإن حملت أول السورة على التطوع أو على الندب، وآخرها على ترك المؤاخذة بالمقدار كان الآيتان محكمتين، وإن حملت أولها على الوجوب كان آخرها ناسخا لأولها، وكانوا في آخرها مأمورين بأن يصلوا ما تيسر لهم، ثم كان آخرها أيضا منسوخا بالصلوات الخمس.
جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه). [جمال القراء:1/383-385]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس