عرض مشاركة واحدة
  #47  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 06:17 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (165) إلى الآية (167) ]

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولو يرى الّذين ظلموا... (165).
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب: (ولو ترى الذين ظلموا) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
وقوله: (إذ يرون العذاب... (165).
قرأ ابن عامر وحده: (إذ يرون العذاب) بضم الياء.
وقرأ الباقون: (إذ يرون) بفتحها.
قال أبو منصور: من قرأ: (ولو ترى الذين ظلموا) فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -
[معاني القراءات وعللها: 1/186]
والمراد به الأمة، ومن قرأ بالياء فهو للظالمين.
وقوله جلّ وعزّ: (أنّ القوّة للّه جميعًا وأنّ اللّه... (165).
قرأ يعقوب وحده: (إنّ القوّة للّه جميعًا وإنّ اللّه شديد العذاب) بكسر الألف فيهما.
قال أبو منصور: الاختيار: (أنّ القوّة) و(أنّ اللّه) بفتح الألفين.
وقرأ يعقوب بالكسر على إضمار جواب (لو)، والتقدير: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لقلت: إن القوة لله جميعا وإن الله.
وكذلك إذا قرئ بالياء؛ لأن المعنى: لعلموا أن القوة لله جميعا). [معاني القراءات وعللها: 1/187]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله جل وعزّ: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ: ولو يرى، الّذين ظلموا بالياء.
وقرأ نافع وابن عامر: ولو ترى بالتاء. وكلّهم قرأ: إذ يرون العذاب بفتح الياء إلّا ابن عامر فإنه قرأ: إذ يرون العذاب بالضم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/258]
قال أبو علي: يرى من رؤية العين، يدلك على ذلك تعدّيه إلى مفعول واحد تقديره: ولو يرون أن القوة لله جميعاً.
أي: لو يرى الكفار ذلك. فإن قلت: فلم لا تكون المتعدية إلى مفعولين، وقد سدّت أنّ مسدّهما؟.
قيل: يدل على أنها المتعدية إلى مفعول واحد قول من قرأ بالتاء فقال: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165] ألا ترى أن هذا متعدّ إلى مفعول واحد لا يسدّ مسدّ مفعولين، ويدلّك على أنه متعدّ إلى مفعول واحد قوله تعالى: إذ يرون العذاب [البقرة/ 165] وقوله: وإذا رأى الّذين ظلموا العذاب فلا يخفّف عنهم [النحل/ 85] فتعدّى إلى مفعول واحد وكذلك قوله عزّ وجلّ: ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودّةٌ [الزمر/ 60] الأظهر أنّه متعدّ إلى مفعول واحد، أي: يعاينونهم كذلك. والجملة في موضع الحال، لا في موضع المفعول الثاني.
وقد روي في التفسير في قوله تعالى: يعرف المجرمون بسيماهم [الرحمن/ 41] قال: سواد الوجوه وزرقة الأعين، فسواد الوجوه دلت عليه هذه الآية، وزرقة الأعين:
قوله: ونحشر المجرمين يومئذٍ زرقاً [طه/ 102] فكما أن الرؤية في هذه المواضع رؤية البصر. كذلك في قوله: ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب [البقرة/ 165] وقوله: أنّ القوّة للّه جميعاً [البقرة/ 165] في تعذيبهم، فهو قريب من قوله: وإذا رأى الّذين ظلموا العذاب فلا يخفّف عنهم [النحل/ 85].
[الحجة للقراء السبعة: 2/259]
فإن قلت: فكيف جاء إذ في قوله: ولو يرى الّذين ظلموا إذ [البقرة/ 165] وهذا أمر مستقبل وإذ لما مضى؟.
فالقول فيه: إنه إنما جاء على لفظ المضي لإرادة التقريب في ذلك، كما جاء وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر أو هو أقرب [النحل/ 77] وما يدريك لعلّ السّاعة قريبٌ [الشورى/ 42] فلما أريد فيها من التحقيق والتقريب، جاء على لفظ المضيّ وعلى هذا جاء في ذلك المعنى أمثلة الماضي كقوله: ونادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة [الأعراف/ 50] ومما جاء على لفظ المضيّ للتقريب من الحال قول المقيم المفرد: قد قامت الصلاة. يقول ذلك قبل إيقاعه التحريم بالصلاة لقرب ذلك من قوله. وعلى هذا قول رؤبة:
أوديت إن لم تحب حبو المعتنك فإنما أراد بذلك تقريب معاينة الهلاك وإشفاءه عليه. فأتى بمثال الماضي لما أراد به من مشارفته، وجعله سادّاً مسدّ الجواب من حيث كان معناه الاستقبال في الحقيقة، وأن الهلاك لم يقع بعد، ولولا ذلك لم يجز، ألا ترى أنّه لا يكون: قمت إن قمت، إنما تقول: أقوم إن قمت، وقوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 2/260]
وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنّبيّ [الأحزاب/ 50] فيمن كسر إن ينبغي أن يحمله على فعل آت يضمره، ولا يحمله على الماضي المتقدّم الذي هو أحللنا، وعلى ما ذكرنا جاء كثير مما في التنزيل، من هذا الضرب كقوله: ولو ترى إذ وقفوا على ربّهم [الأنعام/ 30] ولو ترى إذ وقفوا على النّار [الأنعام/ 27] ولو ترى إذ الظّالمون موقوفون عند ربّهم [سبأ/ 31] ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت [سبأ/ 51] ولو ترى إذ يتوفّى الّذين كفروا الملائكة [الأنفال/ 50]. فكما جاءت هذه الآي التي يراد بها الاستقبال بإذ، كذلك جاء ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب [البقرة/ 165]، فأما حذف جواب لو في هذه الآي، فلأن حذفه أفخم لذهاب المخاطب المتوعّد إلى كل ضرب من الوعيد، وتوقّعه له، واستشعاره إياه، ولو ذكر له ضرب منه لم يكن مثل أن يبهم عليه، لما يمكّن من توطينه نفسه على ذلك المذكور، وتخفيفه عليه، ومن وطّن نفسه على شيء لم يصعب عليه صعوبته على من لم يوطّن عليه نفسه.
وحجّة من قرأ: ولو يرى الّذين ظلموا بالياء أن المتوعّدين لم يعلموا قدر ما يشاهدون ويعاينون من العذاب كما علمه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمون. فالفعل ينبغي أن يكون مسنداً إليهم في قوله تعالى: ولو يرى الّذين ظلموا.
ومن حجّتهم أن المتقدم لقوله: ولو يرى غيبة، فينبغي أن يكون المعطوف عليه مثله، وهو قوله جلّ وعزّ:
[الحجة للقراء السبعة: 2/261]
ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً [البقرة/ 165] بعد قوله:
إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ [البقرة/ 161] والذين ظلموا هم الذين كفروا، ألا ترى قوله: والكافرون هم الظّالمون [البقرة/ 254] والذين كفروا هم المتخذون من دون الله أنداداً.
فلفظ الغيبة أولى من لفظ الخطاب من حيث كان أشبه بما قبله، وهو أيضاً أشبه بما بعده، وهو كقوله: كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ [البقرة/ 167].
وحجّة من قال: ولو ترى فجعل الخطاب للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: كثرة ما جاء في التنزيل من قوله: جلّ وعزّ: ولو ترى من الآي التي تلوناها، ولم يقصد عليه السلام بالمخاطبة لأنه لم يعلم، ولكن في قصده بالمخاطبة تنبيه لغيره، ألا ترى أنه قد يخاطب، فيكون خطابه خطاباً للكافّة، كقوله تعالى: يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى [الأنفال/ 70] ويا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم [الطلاق/ 1] وعلى هذا جاء: ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ [البقرة/ 106] ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض [البقرة/ 107] فجاء الخطاب للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، والمراد به الكافّة، فكذلك قوله: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165].
وأما فتح أنّ في قوله أنّ القوّة للّه جميعاً
[الحجة للقراء السبعة: 2/262]
[البقرة/ 165] فيمن قرأ بالتاء والياء، فمن قرأ بالياء فإنّ أنّ معموله يرى، تقديره: ولو يرون أنّ القوّة لله جميعاً. وأما من قرأ بالتاء فقال: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165] فلا يخلو من أن يجعل ترى من رؤية العين أو المتعدية إلى مفعولين. فإن جعلتها من رؤية البصر لم يجز أن يتعدّى إلى أنّ، لأنها قد استوفت مفعولها الذي تقتضيه، وهو الّذين ظلموا ولا يجوز أن يكون بدلًا من المفعول، لأنها ليست الّذين ظلموا ولا بعضهم ولا مشتملًا عليهم، ولا يجوز أن تكون المتعدية إلى مفعولين، لأن المفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى.
وقوله: أنّ القوّة للّه جميعاً لا يكون الّذين ظلموا وإذا لم يكن إياهم، لم يجز أن يكون مفعولًا ثانياً، فإذا لم يجز أن ينتصب أنّ ب ترى فيمن قرأ بالتاء، جعلها المتعدية إلى مفعول أو مفعولين، ثبت أنه منتصب بفعل آخر غير ترى الظاهرة، وذلك الفعل هو الذي يقدّر جواباً للو، كأنّه: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب، لرأوا أن العزّة لله جميعاً. والمعنى أنهم شاهدوا من قدرته سبحانه ما تيقّنوا معه أنه قوي عزيز، وأن الأمر ليس على ما كانوا عليه من جحودهم، لذلك، أو شكّهم فيه.
ومذهب من قرأ بالياء أبين، لأنهم ينصبون أنّ بالفعل الظاهر دون المضمر، وهذه الجوابات في هذا النحو من الآي
[الحجة للقراء السبعة: 2/263]
تجيء محذوفة. فإذا أعمل الجواب في شيء صار بمنزلة الأشياء المذكورة في اللفظ. فحمل المفعول عليه، فخالف ما عليه سائر هذا النحو من الآي التي حذفت الأجوبة معها ليكون أبلغ في باب التوعّد.
فأمّا قوله عزّ وجلّ: إذ يرون العذاب [البقرة/ 165] وهي قراءتهم إلا ابن عامر، فحجتهم في ذلك قوله: وإذا رأى الّذين ظلموا العذاب فلا يخفّف عنهم [النحل/ 85] وقال تعالى: ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب [البقرة/ 166] فكما بني الفعل للفاعل الرائي دون المفعول به في هذا الباب، كذلك ينبغي أن يكون في قوله: يرون العذاب ولا يكون: يرون. كما لم يكن: وأروا العذاب.
وحجة ابن عامر أنه قد جاء: كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ [البقرة/ 167] فإذا كانوا مفعولًا بهم في الفعل المنقول بالهمزة المتعدي إلى مفعولين، كذلك يحسن أن يبنى الفعل لهم، إذا كان متعدياً إلى مفعول واحد، فتقول: يرون كما جاء ضميرهم مفعولًا في قوله: يريهم ألا ترى أنّك إذا قلت: يريهم فبنيت الفعل للمفعول به، قلت: يرون أعمالهم حسرات؟ وقوله: يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ منقول من رأى عمله حسرة، فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعول آخر، وصار الفاعل قبل النقل المفعول الأول). [الحجة للقراء السبعة: 2/264]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوّة لله جميعًا وأن الله شديد العذاب}
قرأ نافع وابن عامر (ولو ترى الّذين ظلموا) بالتّاء وحجتهما قوله {ولو ترى إذ الظّالمون} {ولو ترى إذ يتوفى الّذين كفروا} وجواب لو مكفوف المعنى ولو ترى يا محمّد هؤلاء المشركين عند رؤيتهم العذاب لرأيت أمرا عظيما ينزل بهم {وإن} بمعنى لأن القوّة لله جميعًا ولأن الله شديد العذاب ويجوز أن يكون العامل في {أن القوّة} الجواب المعنى فلو ترى يا ممد الّذين ظلموا لرأيت
[حجة القراءات: 119]
أن القوّة لله جميعًا وهذا خطاب للنّبي صلى الله عليه يراد به النّاس أي لرأيتم أيها المخاطبون أن القوّة لله أو لرأيتم أن الأنداد لم تنفع وإنّما بلغت الغاية في الضّرر ولا يجوز أن يكون العامل في أن ترى لأنّه قد عمل في الّذين
وقرأ الباقون {ولو يرى الّذين ظلموا} بالياء وحجتهم ما جاء في التّفسير لو رأى الّذين كانوا يشركون في الدّنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه أن القوّة لله جميعًا قال الزّجاج أما من قرأ {أن القوّة} فموضع أن نصب بقوله ولو يرى الّذين ظلموا شدّة عذاب الله وقوته لعلموا مضرّة اتخاذهم الأنداد وقد جرى ذكر الأنداد ويجوز أن يكون العامل في أن الجواب أي ولو رأى الّذين كانوا يشركون في الدّنيا أن القوّة لله جميعًا وكذلك نصب أن الثّانية والمعنى لو يرى الّذين ظلموا في الدّنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه {أن القوّة لله جميعًا وأن الله شديد العذاب}
قرأ ابن عامر {إذ يرون العذاب} بضم الياء على ما لم يسم فاعله فعل يقع بهم تقول أريته كذا وكذا أي أظهرته له وقرأ الباقون {إذ يرون} بفتح الياء يعني الكفّار). [حجة القراءات: 120]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (91- قوله: {ولو يرى} قرأه نافع وابن عامر بالتاء، على المخاطبة للنبي عليه السلام؛ لأن عليه نزل القرآن، فهو المخاطب به، وهو الفاعل لـ «ترى» ويقوي ذلك قوله: {ويوم القيامة ترى الذين} «الزمر 60» وقوله: {ولو ترى إذ وقفوا} «الأنعام 27» و{ترى إذا فزعوا} «سبأ 51» و{لو ترى إذ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/271]
يتوفى} «الأنفال 50» فكله إجماع على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فجرى هذا على نظائره، الجمع عليها، ومعنى الخطاب للنبي هو التنبيه لغيره، وخطاب الله عز وجل للنبي خطاب للخلق كافة لأنه صلى الله عليه وسلم قد كان عالمًا بحال ما يصير إليه الذين ظلموا عند رؤيتهم العذاب، ويجوز أن يكون الخطاب للظالمين، والتقدير: قل يا محمد للظالم: لو ترى الذين ظلموا، فتكون القراءتان بمعنى واحد على هذا التأويل، وقرأ الباقون بالياء، جعلوا الفعل للذين ظلموا، لأنهم لم يعلموا قدر ما يصيرون إليه من العذاب كما علمه النبي والمؤمنون، فهم أولى أن يُسند إلى إليهم الفعل، لجهلهم بما يؤول إليه أمرهم، من أن يسند إلى النبي عليه السلام؛ لأنه كان عالمًا بذلك، وأيضًا فقد تقدم قبله لفظ غيبة، في قوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا} بعد قوله: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار} «161» فهم الظالمون المذكورون بعد {ترى}، فجرى لفظه على الغيبة؛ لما تقدم من ذكرهم على لفظ الغيبة أيضًا، فإن بعده لفظ خبر عن غيب في قوله: {كذلك يريهم الله أعمالهم} «167»، وقوله {ولو ترى}، في قراءة من قرأ بالتاء، يحتمل أن يكون من رؤية البصر، وأن القوة هي المفعول، ويحتمل أن يكون من رؤية القلب، فيسدان مسد المفعولين، وإذا قرئ بالتاء بعد أن يكون من رؤية البصر؛ لأن {الذين ظلموا} مفعول {ترى} لأنه إنما يتعدى إلى مفعول واحد، فتبقى «أن» لا عامل فيها، ويبعد أيضًا أن يكون من رؤية القلب؛ لأنه ليس في الكلام مفعول ثان لأنه يتعدى إلى مفعولين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/272]
الأول «الذين ظلموا» ولا مفعول ثان في الكلام، ولا يحسن أن يكون «أن القوة» المفعول الثاني لأن الثاني في هذا الباب هو الأول في المعنى لأنه إنما يدخل على الابتداء والخبر، وليس «أن القوة» هي «الذين ظلموا» فلابد من إضمار فعل يعمل في «أن»، تقديره: لرأيت يا محمد أن القوة، أو لعلمت أن القوة، أو لرأوا أن القوة، أو لعلموا أن القوة، ونحوه، ولابد أن يقتصر بـ «ترى» على رؤية البصر، إذ ليس في الكلام مفعول ثان، فالقراءة بالياء أقوى في المعنى، وفي الإعراب، وفي قلة الإضمار، وعليها أكثر القراء، وعلى الياء حض ابن مسعود وابن عباس، وهو اختيار أبي عبيد، وبه قرأ مجاهد وابن محيصن وابن أبي إسحاق وطلحة وعيسى بن عمر والأعمش). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/273]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (92- قوله: {إذ يرون} قرأه ابن عامر بضم الياء، على ما لم يُسم فاعله، فلم يضف الفعل إليهم، كما قال: {كذلك يريهم الله} فلم يضف الفعل إليهم، وقرأ الباقون بفتح الياء، على أنه أضاف الفعل إلى «الظالمين» كما قال: {وإذا رأى الذين ظلموا العذاب} «النحل 85» وقال: {ورأوا العذاب} «البقرة 166» فأضاف الفعل إليهم، فحمل هذا على ذلك، وهو الاختيار، وعليه الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/273]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (55- {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [آية/ 165]:-
بالتاء، قرأها نافع وابن عامر ويعقوب.
وذلك لأنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقصد هو عليه
[الموضح: 307]
السلام بالمخاطبة؛ لأنه كان عالمًا بذلك، ولكن كان في ذلك تنبيه غيره؛ لأنه عليه السلام قد يخاطب، فيكون المقصود خطاب العامة نحو: {يا أيّها النَبِيُّ} و{إِذَا طَلّقتُم} و{يا أيّها النَبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُم}، وقد جاء مثل هذه اللفظة كثيرًا على الخطاب في القرآن نحو {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزعُوا} {وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا} {وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفّى}.
وقرأ الباقون بالياء على الغيبة، وذلك أنه أشبه بما قبله، وهو {وَمِنَ النّاس مَنْ يَتّخِذُ} وما بعده، وهو {كذلك يُريهم الله}، وهما على الغيبة، ثم إن المتوعدين لم يعلموا من مقدار العذاب المعاين ما علمه صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، فإسناد الفعل إليهم أقرب). [الموضح: 308]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (56- {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} [آية/ 165]:-
بضم الياء، قرأها ابن عامر وحده.
ووجهها أن الفعل مبني للمفعول به؛ لأنه قد جاء مثل ذلك نحو {يُرِيهِمُ الله أعْمالَهُم}.
فكما أنهم مفعول بهم في هذه الآية، كذلك ههنا.
وقرأ الباقون {يَرَوْنَ} بفتح الياء.
[الموضح: 308]
ووجه ذلك أنه قد جاء مثله نحو {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ} {وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}). [الموضح: 309]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (57- {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ الله} [آية/ 165]:-
بكسر الألف فيهما، قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه استئناف؛ لأنه لما قال {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} كان المعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدة بأس الله تعالى عند رؤيتهم العذاب لأيقنوا مضرة اتخاذ الأنداد، ثم استأنف بعد ذلك فقال {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ} أي إن القدرة له لا للأنداد.
وقال الفراء: هو على إضمار القول، والتقدير لقالوا إن القوة لله جميعًا، فجعل {إنّ} محكيًا لقالوا، وقالوا جواب لو.
وقرأ الباقون {أَنَّ القُوَّةَ} {وأَنَّ الله} بفتح الألف فيهما.
[الموضح: 309]
والوجه أن قوله {أَنَّ القُوّةَ} مفعول {يرى}، والتقدير: ولو يرى الذين ظلموا أَنَّ القوةَ لله جميعًا لعلموا مضرَّةَ اتّخاذِ الأنداد.
ويجوز أن يكون بإضمار اللام الجارة، والتقدير: لأن، والمعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدة عذاب الله إذ يرون العذاب لندموا على اتخاذ الأنداد؛ لأن القوة لله لا للأنداد.
وعند بعضهم أنه على إضمار علموا، ويكون هو جواب لو، والتقدير ولو يرى الذين ظلموا شدة العذاب لعلموا أن القوة لله جميعًا.
ومن قرأ بالتاء من {ترى} فيجوز على قراءته أن يكون {أَنَّ القُوَّةَ} بدلاً من {العذاب}.
ويجوز أن يكون على إضمار رأيت، فيكون رأيت جوابًا للو، والتقدير: ولو ترى أنت أيها المخاطب وقت رؤيتهم العذاب لرأيت أن القوة لله جميعًا). [الموضح: 310]

قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)}

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس