عرض مشاركة واحدة
  #37  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:23 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (127) إلى الآية (129) ]

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}

قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه ابن مجاهد عن ابن عباس في مصحف ابن مسعود: [وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ وَيَقُولَانِ رَبَّنَا]، وفيه: [وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ]، وفيه: [وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ يَقُولُونَ أَخْرِجُوا].
قال أبو الفتح: في هذا دليل على صحة ما يذهب إليه أصحابنا من أن القول مراد مقدَّر
[المحتسب: 1/108]
في نحول هذه الأشياء، وأنه ليس كما يذهب إليه الكوفيون من أن الكلام محمول على معناه، دون أن يكون القول مقدرًا معه؛ وذلك كقول الشاعر:
رَجْلانِ من ضبة أخبرانا ... إنا رأينا رجلا عريانا
فهو عندنا نحن على: قالا: إنا رأينا، وعلى قولهم لا إضمار قول هناك؛ لكنه لما كان أخبرانا في معنى قالا لنا؛ صار كأنه: قالا لنا، فأما على إضمار قالا في الحقيقة فلا.
وقد رأيت إلى قراءة ابن مسعود كيف ظهر فيها ما نقدره من القول؛ فصار قاطعًا على أنه مراد فيما يجري مجراه.
وكذلك قوله:
يدعون عنترُ والرماح كأنها
فيمن ضم الراء من عنتر؛ أي: يقولون: يا عنتر، وكذلك من فتح الراء، وهو يريد: يا عنترة.
وكذلك {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي: يقولون، وقد كثر حذف القول من الكلام جدًّا). [المحتسب: 1/109]

قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأرنا مناسكنا... (128).
قرأ ابن كثير ويعقوب: (وأرنا) و(ربّ أرني) و(أرنا اللّذين أضلّانا)، ونحو ذلك، بتسكين الراء.
وروى شبل عن ابن كثير: (وأرنا) بين الإسكان والكسر.
وقرأ أبو عمرو في رواية اليزيدي، وعبد الوارث، وهارون، وعبيد، وعلي بن نصر: (وأرنا) و(أرني) بين الإسكان والكسر، وهو مذهب أبي عمرو في هذا الباب، لا يجزم ولا يثقل.
[معاني القراءات وعللها: 1/178]
وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم مثل قراءة ابن كثير ويعقوب في (حم السجدة) فقط.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص بالتثقيل في جميع القرآن.
قال أبو منصور: القراءة (أرنا) بالكسرة لأن الأصل فيه (أرئنا)، فالكسرة إنما هي كسرة الهمزة التي ألقيت وطرحت حركتها على الراء، وإذا كانت الكسرة دليل الهمزة قبح حذفها. وقراءة أبي عمرو بالكسرة المختلسة جيدة، مأخوذة عن العرب الذين يكرهون التثقيل). [معاني القراءات وعللها: 1/179]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الراء وإسكانها واشمامها الكسر في قوله تعالى: وأرنا مناسكنا [البقرة/ 128].
فقرأ ابن كثير: وأرنا مناسكنا، وربّ أرني [الأعراف/ 142]، وأرنا الّذين [حم السجدة/ 29] ساكنة الراء.
وقال خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: وأرنا بين الكسر والإسكان.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: أرنا بكسر الراء في كل ذلك.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر بكسر الراء:
أرنا مناسكنا، وربّ أرني، وأرنا اللّه جهرةً [النساء/ 152] [بكسر الراء]، وأسكنا الراء في قوله:
أرنا اللذين في هذه وحدها. وروى حفص عنه: أرنا مكسورة الراء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/223]
واختلف عن أبي عمرو في ذلك، فقال عباس بن الفضل: سألت أبا عمرو، فقرأ [وأرنا] مدغمة، كذا قال.
وسألته عن: وأرنا مثقّلة، فقال: لا. فقلت أرني فقال: لا.
كل شيء في القرآن بينهما ليست أرنا ولا أرنا.
وقال عبد الوارث اليزيديّ وهارون الأعور، وعبيد بن عقيل وعلي بن نصر: أرني وأرنا بين الكسر والإسكان.
وقال أبو زيد والخفّاف عن أبي عمرو وأرنا بإسكان الراء.
قال أبو علي: قوله عز وجل: أرنا مناسكنا يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون منقولًا من رأيت الذي يراد به إدراك البصر، نقلت بالهمزة فتعدت إلى مفعولين، والتقدير حذف المضاف، كأنه: أرنا مواضع مناسكنا.
والمناسك: جمع منسك، وهو مصدر جمع لاختلاف ضروبه، والمعنى: عرّفنا هذه المواضع التي يتعلق النسك بها لنفعله، ونقضي نسكنا فيها على حدّ ما يقتضيه توقيفنا عليها، وذلك نحو: المواقيت التي يحرم منها، ونحو الموضع الذي يوقف به من عرفات، وموضع الطواف، وموضع رمي الجمار، فهذا من: رأيت الموضع، وأريته زيداً.
والآخر: أن يكون أرنا منقولًا من رأيت التي لا يراد بها رؤية العين، ولكن التوقيف على الأمر، وضرب من العلم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/224]
وأنت تقول فلان يرى رأي الخوارج، فتقصر على مفعول واحد، وليس هناك شيء يبصر. وإلى هذا ذهب أبو عبيدة في تأويل الآية فقال: وأرنا مناسكنا أي: علّمنا. وأنشد لحطائط بن يعفر:
أريني جواداً مات هزلا لأنني * أرى ما ترين أو بخيلًا مخلّداً قال: أراد: دلّيني، ولم يرد رؤية العين. وأما قوله تعالى: ربّ أرني أنظر إليك [الأعراف/ 142] فهو من رأيت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، يراد به إدراك البصر، والمفعول الثاني حذف من اللفظ، لأن ما يتعلق بالفعل الثاني يدل عليه، ومعنى الكلام يقتضيه.
وقوله تعالى: أرنا الّذين أضلّانا من الجنّ والإنس [السجدة/ 29] فهو من رأيت المتعدية إلى مفعول واحد، فلما نقل بالهمزة تعدى إلى اثنين.
وجاء في الحديث: أرنا الّذين أضلّانا من الجنّ والإنس قال: هما ابن آدم الذي قتل أخاه وإبليس.
[الحجة للقراء السبعة: 2/225]
وقد ذكرنا وجه الإسكان فيما تقدم. فأما من اعتلّ بأن الوجه الإشباع أو الإخفاء دون الإسكان لأن الحرف قد حذف منه؛ فليس اعتلاله بذاك، لأن الحذف إذا وجب بقياس، وعلى باب مطّرد، كان هو والإثبات سواء في المساغ. ألا ترى أنهم قالوا:
ر رأيك، وش ثوبك، وف بوعدك. فبقي في ذلك كلّه الكلمة على حرف واحد. فكذلك إذا أوجب ضرب من القياس فيه الإسكان فهو بمنزلة ما يوجب حذف الهمزة من التخفيف، وأوجب حذف اللام للأمر، ويقوي ذلك اتفاقهم، أو اتفاق أكثرهم، في قوله: لكنّا هو اللّه ربّي [الكهف/ 38] فلزم فيه حذف بعد حذف). [الحجة للقراء السبعة: 2/226]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأرنا مناسكنا وتب علينا}
قرأ أبو عمرو {وأرنا} مختلسا وقرأ ابن كثير {وأرنا} ساكنة في جميع القرآن وحجته أن الرّاء في الأصل ساكنة وأصلها أرئينا على وزن أكرمنا فحذفت الياء للجزم ثمّ تركت الهمزة كما تركت في يرى وترى وبقيت الياء محذوفة كما كانت والأجود أن تقول نقلنا حركة الهمزة إلى الرّاء ثمّ حذفنا لكثرة الحركات
وقرأ الباقون {أرنا} بكسر الرّاء وحجتهم في ذلك أن الكسرة
[حجة القراءات: 114]
إنّما هي كسرة همزة ألغيت وطرحت حركتها على الرّاء فالكسرة دليل الهمزة فحذفها قبيح). [حجة القراءات: 115]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {وَأَرْنا} [آية/ 128]:-
بسكون الراءِ، قرأها ابن كثير ويعقوبُ، وكذلك {أَرْنا} و{أَرْنِي} في كل القرآن، ووافقهما ابن عامر و- ياش- عن عاصم في {أَرْنا} فقط.
[الموضح: 301]
وأبو عمرو يختلس في الجميع.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي و- ص- عن عاصم بكسر الراء في الجميع.
القراءة بالسكون ههنا حسنة، وليست تقبح قبح الإسكان في {يَأْمُرْكُمْ} و{يَنْصُرْكُمْ} و{بَارِئكُم} وأمثالها؛ لأن الحركات في هذه الكلم حركات الإعراب فيقبح الإسكان فيها كراهة زوال علم الإعراب، وليست حركة {أرْنا} و{أَرْنِي} بحركة الإعراب، فالإسكان ههنا حسن، إلا أنه على تشبيه المنفصل بالمتصل، وذلك أن {أَرْنِي} بمنزلة: فخذ، فلهذا جاز الإسكان.
وأما اختلاس أبي عمرو فقد مضى الكلام فيه.
وأما كسر الباقين فعلى الأصل). [الموضح: 302]

قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال ابن مجاهد: قال عباس: سألت أبا عمرو عن {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} فقال: أهل الحجاز يقولون: [يعلِّمُهم ويلْعَنُهم] مثقلة، ولغة تميم: [يُعْلِمْهم ويلْعَنْهم].
قال أبو الفتح: أما التثقيل فلا سؤال عنه ولا فيه؛ لأنه استيفاء واجب الإعراب؛ لكن من حذف فعنه السؤال، وعلته توالي الحركات مع الضمات، فيثقل ذلك عليهم فيخففون بإسكان حركة الإعراب، وعليه قراءة أبي عمرو: [فَتُوبُوا إِلَى بَارِئْكُمْ] فيمن رواه بسكون الهمزة. وحكى أبو زيد: [بَلَى وَرُسُلْنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ] بسكون اللام.
وأنشدنا أبو علي لجرير:
[المحتسب: 1/109]
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى فلا تعرفْكم العرب
يريد: تعرفُكم. ومن أبيات الكتاب:
فاليوم أشربْ غير مُستَحقِبٍ ... إثمًا من الله ولا واغِلِ
أي: أشربُ.
وأما اعتراض أبي العباس هنا على الكتاب، فإنما هو على العرب لا على صاحب الكتاب؛ لأنه حكاه كما سمعه، ولا يمكن في الوزن أيضًا غيره.
وقول أبي العباس: إنما الرواية: "فاليوم فاشرب"، فكأنه قال لسيبويه: كذبتَ على العرب، ولم تَسمع ما حكيته عنهم. وإذا بلغ الأمر هذا الحد من السرَف فقد سقطت كلفة القول معه.
وكذلك إنكاره عليه أيضًا قول الشاعر:
"وقد بدا هَنْكِ من المئزر
[المحتسب: 1/110]
فقال: إنما الرواية:
وقد بدا ذاك من المئزر
وما أطيب العرس لولا النفقة!
وكذلك الاعتراض عليه في إنشاده قوله:
لا بارك الله في الغواني هل ... يُصبحن إلا لهن مُطَّلَبُ
وقول الأصمعي: "في الغواني ما" يريد: في الغواني أَما، ويخفف الهمزة. وقول غيره: "في الغوان أَما"، ولو كان إلى الناس تخير ما يحتمله الموضع والتسبب إليه لكان الرجل أقوم من الجماعة به، وأوصل إلى المراد منه، وأنفى لشغب الزيغ والاضطراب عنه.
فأما قول لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حِمامُها
فحملوه على هذا؛ أي: أو يرتبط بعض النفوس حمامها؛ معناه: إلا أن يرتبط، فأسكن المفتوح لإقامة الوزن واتصال الحركات.
وقد يمكن عندي أن يكون يرتبط عطفًا على أرضها؛ أي: أنا تراك أمكنة إذا لم أرضها ولم يرتبط نفسي حمامها؛ أي: ما دمت حيًّا فأنا متقلقل في الأرض من هذه إلى هذه، ألا ترى إلى قوله:
قَوَّال مُحكَمَة جوَّاب آفاق
وهو كثير في الشعر، فكذلك قول بني تميم: [يُعلِّمْهم ويلْعَنْهم] على ما ذكرنا). [المحتسب: 1/111] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس