عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 20 ذو القعدة 1431هـ/27-10-2010م, 05:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 36 إلى 56]

{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)}

تفسير قوله تعالى:{ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن...}
يريد: ومن يعرض عنه، ومن قرأها: (ومن يَعْشَ عن), يريد: يعم عنه). [معاني القرآن: 3/32]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطاناً}: تظلم عينه عنه, كأن عليها غشاوة، يقول: من يمل عنه عاشياً إلى غيره، وهو أن يركبه على غير تبين .
قال الحطيئة:

متـى تأتـه تعشـو إلـى ضـوء نــاره = تجد خير نارٍ عندها خير موقد ).
[مجاز القرآن: 2/204]


قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرينٌ}
وقال: {ومن يعش عن ذكر الرحمن}: وهو ليس من "أعشى" , و"عشو": إنما هو في معنى قول الشاعر:
إلى مالكٍ أعشو إلى مثل مالك

كأن "أعشو": أضعف, لأنه حين قال "اعشو إلى مثل مالك" كان "العشو": الضعف لأنه حين قال: "اعشو" , "إلى مثل مالك" أخبر أنه يأتيه غير بصير ولا قوي, كما قال:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره = تجد حطباً جزلاً وناراً تأجّجا
أي: متى ما تفتقر , فتقصد إلى ضوء ناره يغنك.). [معاني القرآن: 4/13-14]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( {ومن يعش عن ذكر الرحمن}: يعرض عنه. يتعاشى والعشى ضعف البصر ).[غريب القرآن وتفسيره: 333-334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({ومن يعش عن ذكر الرّحمن} أي: يظلم بصره, هذا قول أبي عبيدة.
قال الفراء: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن}: أي: يعرض عنه. ومن قرأ: {ومن يعش} بنصب الشين أراد: من يعم عنه, وقال في موضع آخر: {الّذين كانت أعينهم في غطاءٍ عن ذكري}
ولا أرى القول إلا قول أبي عبيدة. ولم أر أحدا يجيز «عشوت عن الشيء»: أعرضت عنه، إنما يقال: «تعاشيت عن كذا»: أي : تغافلت عنه، كأني لم أره, ومثله: «تعاميت».
والعرب تقول: «عشوت إلى النار»: إذا استدللت إليها ببصر ضعيف.
قال الخطيئة:
متـى تأتـه تعشـو إلــى ضــوء نــاره = تجد خير نار عندها خير موقد
ومنه حديث ابن المسيب: «إن إحدى عينيه ذهبت، وهو يعشو بالأخرى»: أي: يبصر بها بصرا ضعيفا). [تفسير غريب القرآن: 397-398]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا فهو له قرين}
ويقرأ: {ومن يعش}: بفتح الشين من عشي يعشى، أي من يعم عن ذكر الرحمن.
{نقيّض له شيطانا}: نسبب له شيطانا، يجعل اللّه له ذلك جزاءه.). [معاني القرآن: 4/411-412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين}
روى سعيد , عن قتادة قال:
{يعش}: يعرض.
وقال أبو عبيدة: {يعش}: تظلم عينه.
وروى عكرمة, عن ابن عباس: يعمى.
قال أبو جعفر: يجب على قول ابن عباس أن تكون القراءة, و{من يعش} بفتح الشين.
وأما قول قتادة: (يعش): يعرض, وهو قول الفراء, فغير معروف في اللغة إنما يقال: عشا, يعشو: إذا مشى ببصر ضعيف.
قال الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره = تجد خير نار عندها خير موقد
ونظير هذا: عرج الرجل, يعرج, أي: مشى مشية الأعرج, وعرج يعرج: صار أعرج.
وأصح ما في هذا قول أبي عبيدة قال الله جل وعز: {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري}
وفي الحديث: أن سعيد بن المسيب ذهبت إحدى عينيه , وكان يعشو بالأخرى, أي : يبصر بها بصرا ضعيفا.
وقوله جل وعز: {نقيض له شيطانا فهو له قرين}
قيل: جزاء على ما فعل.
وقال سعيد الجريري في قوله تعالى: {نقيض له شيطانا}, قال: بلغنا أن الكافر إذا خرج من قبره سفع شيطان بيده فلا يزال معه حتى يدخله الله عز وجل النار, فذلك قوله جل وعز: {قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}, ويوكل بالمؤمن ملك فلا يزال معه حتى يقضي الله بين الخلق, أو يصير إلى ما شاء الله).
[معاني القرآن: 6/355-358]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَمَن يَعْشُ}: أي: يعرض, ومن فتح الشين, فمعناه: يعمى عنه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَعْشُ}: يعرض). [العمدة في غريب القرآن: 268]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل...}.
يريد الشيطان , وهو في مذهب جمع، وإن كان قد لفظ به واحدا يقول: {وإن الشياطين ليصدونهم عن السبيل ويحسبون هم أنهم مهتدون}).
[معاني القرآن: 3/32]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون}
أي: الشياطين, تصدهم عن السبيل، ويحسب الكفار أنّهم مهتدون).
[معاني القرآن: 4/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون}
أي: وإن الشياطين ليصدون الكافر عن السبيل, و{يحسبون} أي: ويحسب الكفار أنهم مهتدون).
[معاني القرآن: 6/359]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {حتّى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين...}.
فيقال: {جاءنا}: لأحدهما، وجاءنا الإنسي وقرينه، فقرأها (جاءانا) بالتثنية عاصم, والسّلمي, والحسن.

وقرأها أصحاب عبد الله يحيى بن وثاب, وإبراهيم بن يزيد النخعي {جاءنا}على التوحيد، وهو ما يكفي واحده من اثنيه, ومثله قراءة من قرأ (كلاّ لينبذانّ): يقول: ينبذ هو وماله: {ولينبّذنّ}, والمعنى واحد.
وقوله: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين...}.
يريد: ما بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ويقال: إنه أراد المشرق والمغرب: فقال المشرقين، وهو أشبه الوجهين بالصواب؛ لأن العرب قد تجمع الاسمين على تسمية أشهرهما، فيقال:قد جاءك الزهدمان، وإنما أحدهما زهدم.
قال الشاعر:
أخذنا بآفاق السماء عليكم = لنـا قمراهـا والنجـوم الطوالـع
يريد: الشمس والقمر.
وقال الآخر:

قسموا البلاد فما بها لمقيلهم = تضغيـث مفتصـل يبـاع فصيـلـه
فقرى العراق مسير يوم واحد = فالبـصـرتـان فـواســط تكـمـيـلـه
يريد: البصرة والكوفة.
قال، وأنشدني رجل من طيء:
فبصـرة الأزد منـا، والعـراق لنـا = والموصلان ومنا مصر فالحرم
يريد: الجزيرة، والموصل). [معاني القرآن: 3/33-34]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {حتّى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}
ويقرأ: {جاءانا}, فمن قرأ {جاءانا} فالمعنى: حتى إذا جاء الكافر وشيطاته, ومن قرأ {حتّى إذا جاءنا}: فعلى الكافر وحده.
{قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}
معنى {المشرقين} ههنا: بعد المشرق والمغرب، فلما جعلا اثنين غلب لفظ المشرق كما قال:
لنا قمراها والنجوم الطوالع

يريد الشمس والقمر، وكما قالوا سنة العمرين: يراد سنة أبي بكر وعمر رحمة اللّه عليهما). [معاني القرآن: 4/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}
قال قتادة:{حتى إذا جاءنا }, قال الكافر: وقرينه جميعا .
قال أبو جعفر: ويقرأ:{ حتى إذا جاءنا }: يراد به الكافر في الظاهر, والمعنى لهما جميعا, لأنه قد عرف ذلك بما بعده كما قال:
وعيـن لـهـا حــدرة بــدرة = شقت مآقيهما من أخر
وقوله تعالى: {قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين} في معناه قولان:
أحدهما: أنه يراد مشرق الشتاء, ومشرق الصي .
والآخر: أنه يراد المشرق والمغرب, فجاء على كلام العرب؛ لأنهم إذا اجتمع الشيئان في معنى غلب أحدهما كما قال الشاعر:
أخذنا بآفاق السماء عليكم = لنا قمراها والنجـوم الطوالـع
وأنشد أبو عبيدة بيت جرير:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم = والـطـيـبـان أبــــو بــكـــر ولا عــمـــر
وأنشد سيبويه:
قدني من نصر الخبيبين قدي
يريد عبد الله, ومصعبا ابني الزبير, وإنما أبو خبيب عبد الله
وفي الحديث: أن أصحاب الجمل قالوا لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أعطنا سنة العمرين, يعنون: أبا بكر وعمر). [معاني القرآن: 6/359-362]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظّلمتم أنّكم في العذاب مشتركون}.
يقول: لن ينفعكم اشتراككم يعني الشيطان وقرينه, وأنكم في موضع رفع). [معاني القرآن: 3/34]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنّكم في العذاب مشتركون}
المعنى: لن تنفعكم الشركة في العذاب.
قال محمد بن يزيد في جواب هذه الآية: إنّهم منعوا روح التّأسّي لأن التّأسّي يسهّل المصيبة، فأعلموا أن لن ينفعهم الاشتراك في العذاب, وأن اللّه عزّ وجلّ لا يجعل فيه أسوة.
قال: وأنشدني في المعنى للخنساء:

ولـولا كـثـرة الباكـيـن حـولـي = على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكـن = أعـزي النّفـس عنـه بالتّـأسّـي ).
[معاني القرآن: 4/412-413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون}
المعنى: إن الله عز وجل حرم أهل النار هذا المقدار من الفرح, وهو التأسي, وهو أن ذا البلاء إذا رأى من قد ساواه في المصيبة, سكن ذلك من حزنه كما قالت الخنساء:

فــلـــولا كــثـــرة الـبـاكــيــن حـــولـــي = عــلــى إخـوانـهــم لـقـتـلـت نـفـســي
ومـــــــــا يـــبـــكـــون مــــثـــــل أخــــــــــي = ولكن أعزي النفسي منه بالتأسي ).
[معاني القرآن: 6/362]

تفسير قوله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فإمّا نذهبنّ بك}: مجازها : فإن نذهبن بك). [مجاز القرآن: 2/204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ : {فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون * أو نرينّك الّذي وعدناهم فإنّا عليهم مقتدرون}
دخل "ما" توكيدا للشرط والنون الثقيلة في قوله: {نذهبنّ} دخلت أيضا توكيدا، وإذا دخلت {ما} دخلت معها النون كما تدخل مع لام القسم.
والمعنى : إنا ننتقم منهم إن توفيت, أو نريك ما وعدناهم , ووعدناك فيهم من النصر، فقد أراه اللّه عزّ وجلّ ما وعده فيهم , ووعدهم من إهلاكهم إن كذبوا.
وقد قيل: إنه كانت بعد رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- أشياء لم يحبب اللّه أن يريه إياها). [معاني القرآن: 4/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون}
قال قتادة: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبقيت النقمة , وليس نبي إلا قد رأى النقمة في أمته إلا محمدا, ولكنه أري ما ينزل بأمته من بعده , فما رؤي بعد ذلك ضاحكا منبسطا). [معاني القرآن: 6/363]

تفسير قوله تعالى:{أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون}
قيل المعنى: الذي وعدناهم, ووعدناك عليهم من النصر, وقيل: الذي وعدناهم يرجع إلى قوله تعالى: {والآخرة عند ربك للمتقين} أي: الذي وعدنا المتقين من النصر وقد نصروا). [معاني القرآن: 6/364]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم}
قال قتادة: أي: بالقرآن, {إنك على صراط مستقيم}, قال: على الإسلام, {وإنه لذكر لك ولقومك}, قال: القرآن.
وروى محمد بن يوسف, عن سفيان: {وإنه لذكر لك ولقومك}, قال: شرف لك ولقومك). [معاني القرآن: 6/364]

تفسير قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإنّه لذكرٌ لّك ولقومك...}: لشرف لك ولقومك، يعني: القرآن والدين، وسوف تسألون عن الشكر عليه). [معاني القرآن: 3/34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وإنّه لذكرٌ لك ولقومك} أي: شرف لكم، يعني القرآن.
{وسوف تسألون}: عن الشكر عليه). [تفسير غريب القرآن: 398]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه الذِّكْرُ يُوضَع موضع الشَرَف، لأنَّ الشَّريف يُذْكَر قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يريد أن القرآن شَرَفٌ لكم). [تأويل مشكل القرآن: 147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ: {وإنّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} يريد: أن القرآن شرف لك ولقومك.
وقوله: {وسوف تسألون}: معناه سوف تسألون عن شكر ما جعله اللّه لكم من الشرف). [معاني القرآن: 4/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وسوف تسألون}
قال الفراء: أي, وسوف تسألون عن الشكر عليه). [معاني القرآن: 6/364-365]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}: أي شرف.
{وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} أي: تسألون عن الشكر عليه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك...}.
يقول القائل: وكيف أمر أن يسأل رسلا قد مضوا؟ ففيه وجهان:-
أحدهما: أن يسأل أهل التوراة والإنجيل، فإنهم إنما يخبرونه عن كتب الرسل التي جاءوا بها, فإذا سأل الكتب, فكأنه سأل الأنبياء.
وقال بعضهم: إنه سيسري بك يا محمد, فتلقى الأنبياء فسلهم عن ذلك، فلم يشكك صلى الله عليه ولم يسلهم.
وقوله: {أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون}.
قال: {يعبدون} للآلهة، ولم يقل: تعبد ولا يعبدون، وذلك أن الآلهة تكلّم ويدعّى لها وتعظّم، فأجريت مجرى الملوك والأمراء وما أشبههم). [معاني القرآن: 3/34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} أي: سل من أرسلنا إليه رسولا من رسلنا قبلك، يعني: أهل الكتاب). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله سبحانه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} ففيه تأويلان:
أحدهما: أن تكون المخاطبة لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره من الشّكّاك، لأنّ القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلهم، وهم قد يخاطبون الرّجل بالشيء ويريدون غيره، ولذلك يقول متمثّلهم: «إيّاك أعني واسمعي يا جارة».
ومثله قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد بالوصية والعظة المؤمنون، يدلك على ذلك أنه قال: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}

ولم يقل بما تعمل خبيرا.
ومثل هذه الآية قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ}، أي سل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا، يعني أهل الكتاب، فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم والمراد المشركون). [تأويل مشكل القرآن: 269-270](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهة يعبدون}
في هذه المسألة ثلاثة أوجه:
- جاء في التفسير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به جمع له الأنبياء في بيت المقدس , فأمّهم وصلّى بهم، وقيل له: سلهم فلم يشكك عليه السلام ولم يسل.
- ووجه ثان: وهو الذي أختاره، وهو أن المعنى سل أمم من أرسلنا من قبلك من رسلنا : أجعلنا من دون الرّحمن آلهة يعبدون؟.
ويكون معنى السؤال : ههنا على جهة التقرير كما قال: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه}, فليس يسألهم ههنا عمن خلقهم إلا على جهة التقرير, وكذلك إذا سأل جميع أمم الأنبياء لم يأتوا بأن في كتبهم أن اعبدوا غيري.
- ووجه ثالث: يكون المعنى في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم معناه مخاطبة الأمّة، كأنّه قال: واسألوا، والدليل على أن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم قد يدخل فيها خطاب الأمة قوله:{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}). [معاني القرآن: 4/413-414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون}
قال أبو جعفر: هذه آية مشكلة , وفي معناها قولان:
- روى أبو عوانة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير قال: لقي الرسل صلى الله عليهم ليلة اسري به.
فهذا قول: ومعناه أنه سيسرى بك, وتلقى الرسل, فاسألهم .
- والقول الآخر: وهو قول محمد بن يزيد , وجماعة من العلماء أن في هذا المعنى التوقيف, والتقرير , والتوبيخ , والمعنى.
واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا كما قال تعالى: {واسأل القرية} أي: سل من عبد الملائكة, أو قال إن الله ثالث ثلاثة, أو عبد غير الله جل وعز, هل وجد هذا في شيء من كتب الأنبياء مما أنزل الله عليهم ؟!.
فإنه لا يجد في كتاب نبي أن الله أمر أن يعبد غيره؛ ففي هذا معنى التقرير, والتوبيخ, والتوقيف على أنهم قد كفروا, وفعلوا ما لم يأمر الله به, ونظيره قوله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}.
ويصحح هذا القول أن علي بن الحكم روى عن الضحاك قال: وهي في قراءة عبد الله: {واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك}, قال: يعني: أهل الكتاب.
روى سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: في قراءة عبد الله: {واسأل من أرسلنا إليهم قبلك رسلنا}, فهذه قراءة مفسرة.
وقال قتادة: أي سل أهل الكتاب: أأمر الله إلا بالتوحيد والإخلاص؟!.
وزعم ابن قتيبة أن التقدير: واسأل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا , فحذف إليه لأن في الكلام دلالة عليه , وحذف رسلا لأن من رسلنا يدل عليه , وزعم أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم, والمراد المشركون). [معاني القرآن: 6/365-367]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وسئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} أي: قل, يا محمد, لمن شك في أمرك: سل كتب من أرسلنا, لتعلم أن صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل كتاب أنزلناه). [ياقوتة الصراط: 460]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46)}

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47)
}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما نريهم مّن آيةٍ إلاّ هي أكبر من أختها...} يريد: من الآية التي مضت قبلها). [معاني القرآن: 3/35]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وقالوا يا أيّه السّاحر ادع لنا ربّك بما عهد عندك إنّنا لمهتدون}
إن قال قائل: كيف يقولون لموسى عليه السلام: يا أيّها الساحر, وهم يزعمون أنهم مهتدون؟.
فالجواب: أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالسحر، ومعنى بما عهد عندك , أي: بما عهد عندك فيمن آمن به من كشف العذاب عنه.
الدليل على ذلك قوله: {فلمّا كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} أي: إذا هم ينقضون عهدهم). [معاني القرآن: 4/414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون}
يقال كيف قالوا له أيها الساحر وقد قالوا: {إننا لمهتدون} فيما يستقبل.
قيل: إنهم لما قالوا له هذا قبل أن يدعوه, عرفوه , فنادوه به
وقيل: كانوا يسمون العلماء: سحرة, فالمعنى: يا أيها العالم .
قال مجاهد: في قوله تعالى: {بما عهد عندك} من أنا: إن آمنا, كشف عنا العذاب.
قال أبو جعفر: ويدل على صحة هذا الجواب قوله تعالى: {فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} أي: ينقضون العهد .
وروى سعيد عن قتادة: {إذا هم ينكثون}, قال: يغدرون). [معاني القرآن: 6/368-369]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وقالوا يا أيّه السّاحر ادع لنا ربّك بما عهد عندك إنّنا لمهتدون}
إن قال قائل: كيف يقولون لموسى عليه السلام: يا أيّها الساحر, وهم يزعمون أنهم مهتدون؟
فالجواب: أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالسحر، ومعنى بما عهد عندك, أي: بما عهد عندك فيمن آمن به من كشف العذاب عنه.
الدليل على ذلك قوله: {فلمّا كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} أي: إذا هم ينقضون عهدهم). [معاني القرآن: 4/414](م)

تفسير قوله تعالى:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون .أم أنا خير مّن هذا الّذي هو مهينٌ} مجازها: بل أنا خير من هذا). [مجاز القرآن: 2/204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون}
" مصر " ههنا: يعنى بها مدينة مصر المعروفة، فمصر مذكر سمّي به مؤنث لأن المدينة الغالب عليها التأنيث، وقد يجوز ملك مصر، يذهب به إلى أن مصر اسم لبلد، وهذا فيه بعد من قبل أن أكثر ما يستعمل البلد لما يضم مدنا كبيرة نحو: بلاد الرّوم, وبلاد الشام, وبلد خراسان.
ويجوز أن تصرف مصرا إذا جعلته اسما لبلد عند جميع النحويين من البصريين). [معاني القرآن: 4/414-415]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون}
قال الأخفش: في الكلام حذف, والمعنى : أفلا تبصرون أم تبصرون, كما قال:
فيـا ظبيـة الوعسـاء بيـن جلاجـل = وبين النقا هل أنت أم أم سالم؟
أي: أنت أحسن أم أم سالم؟.
قال أبو زيد: العرب تزيد, والمعنى: أنا خير, وقيل المعنى: أبل.
قال أبو جعفر: وأحسن ما قيل في هذه الآية قول الخليل, وسيبويه: أن المعنى: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء, ويكون أم أنا خير بمعنى أم أنتم خير؛ لأنهم لو قالوا له أنت خير, كانوا عنده بصراء). [معاني القرآن: 6/370]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أم أنا خيرٌ مّن هذا الّذي هو مهينٌ...}.
من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله، وإن شئت رددته على قوله: {أليس لي ملك مصر...}...
- وقد أخبرني بعض المشيخة, أظنه الكسائي: أنه بلغه أن بعض القراء قرأ: {أما أنا خير}, وقال لي الشيخ: لو حفظت الأثر فيه لقرأت به، وهو جيد في المعنى). [معاني القرآن: 3/35]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أم أنا خيرٌ من هذا الّذي هو مهينٌ}, قال أبو عبيدة: أراد: بل أنا خير.
وقال الفراء: أخبرني بعض المشيخة: أنه بلغه القراء قرأ: {أما أنا خير}, وقال لي هذا الشيخ: لو حفظت الأثر لقرأت به، وهو جيد في المعنى). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أفلا تبصرون * أم أنا خير من هذا الّذي هو مهين ولا يكاد يبين}
قال سيبويه, والخليل: عطف " أنا" بـ (أم) على قوله: {أفلا تبصرون}؛ لأن معنى {أم أنا خير}, معناه أم تبصرون كأنّه قال: " أفلا تبصرون أم تبصرون،"
قال: لأنهم إذا قالوا أنت خير منه , فقد صاروا عنده بصراء، فكأنّه قال: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء.
ومعنى {مهين}: قليل, يقال شيء مهين, أي قليل، وهو فعيل من المهانة.
وقوله {ولا يكاد يبين}: قال ذلك لأنه كانت في لسان موسى عليه السلام لثغة، والأنبياء -صلوات اللّه عليهم- أجمعون مبيّنون بلغاء). [معاني القرآن: 4/415]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين}
والمهين : القليل من المهانة .
روى سعيد عن قتادة: {ولا يكاد يبين}, قال: عيي, وقيل: إنما هذا للثغة التي كانت به). [معاني القرآن: 6/370-371 ]

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلولا ألقي عليه أسورةٌ مّن ذهبٍ...}.
يريد: فهلا ألقى عليه أساورة من ذهب، قرأها يحيى بن وثاب {أساورة من ذهب}, وأهل المدينة، وذكر عن الحسن: {أسورة} ,وكل صواب.
ومن قرأ: {أساورة}: جعل واحدها إسوارا، ومن قرأ: {أسورة}, فواحدها سوار، وقد تكون الأساورة جمع اسورة, كما يقول في جمع: الأسقية: أساقي، وفي جمع الأكرع: أكارع). [معاني القرآن: 3/35]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلولا ألقي عليه أسورةٌ مّن ذهبٍ أو جاء معه الملائكة مقترنين}
وقال: {فلولا ألقي عليه أسورةٌ مّن ذهبٍ} لأنه جمع "أساور" و"أسورة", وقال بعضهم: (أساورة) فجعله جمعا للأسورة فأراد: "أساوير" - والله أعلم - فجعل الهاء عوضا من الياء, كما قال "زنادقة", فجعل الهاء عوضا من الياء التي في "زناديق"). [معاني القرآن: 4/14]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: { فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين}
كانه لما وصف نفسه بالملك والرياسة قال: هلّا جاء موسى بشيء يلقى عليه, فيكون ذلك أسورة من ذهب تدل على أنها من عند إلهه الذي يدعوكم إلى توحيده، أو هلّا جاء معه الملائكة مقترنين أي يمشون معه فيدلّون على صحة نبوته، وقد أتى موسى عليه السلام من الآيات بما فيه دلالة على تثبيت النبوة، وليس للذين يرسل إليهم الأنبياء أن يقترحوا من الآيات ما يريدون هم.
وتقرأ: (أساورة من ذهب), ويصلح أن يكون جمع الجمع تقول أسورة وأساورة، كما تقول: أقوال وأقاويل ويجوز أن يكون جمع إسوار وأساورة.
وإنما صرفت أساورة لأنك ضممت الهاء إلى أساور, فصار اسما واحدا, وصار الاسم له مثال في الواحد مثل: علانية وعباقية). [معاني القرآن: 4/415-416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: (فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين)
أي: فهلا ألقي عليه اساورة من عند الله تدل على أنه رسول
و (أساورة) جمع إسوار, وفي قراءه أبي وعبد الله:{ لولا القي عليه أساوير}, وهو بمعنى الأول.
{أو جاء معه الملائكة مقترنين}, قال قتادة: أي متتابعين, وقال مجاهد: أي يمشون معه معاً.
قال أبو جعفر: فاقترحوا هذا بعدما جاءهم ما يدل على نبوته). [معاني القرآن: 6/372]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فاستخفّ قومه...} يريد: استفزهم). [معاني القرآن: 3/35]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين} أي: استفزهم). [معاني القرآن: 6/372]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فاستخف قومه} أي: فاستجهل قومه, {فأطاعوه}). [ياقوتة الصراط: 460]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلمّا آسفونا...}: يريد: أغضبونا). [معاني القرآن: 3/35]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فلمّا آسفونا}: أغضبونا, ويقال: قد أسفت: غضبت). [مجاز القرآن: 2/205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فلمّا آسفونا} أي: أغضبونا, و«الأسف»: الغضب: يقال: أسفت, آسف, أسفا، أي: غضبت). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فإذا رأيت للمّا جوابا فهي لأمر يقع بوقوع غيره، بمعنى «حين»، كقوله تعالى: {فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أي: حين آسفونا، و{لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} أي: حين جاء أمر ربك). [تأويل مشكل القرآن: 542](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين}

معنى {آسفونا}: أغضبونا). [معاني القرآن: 4/416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين}, قال مجاهد وقتادة: أي: أغضبونا). [معاني القرآن: 6/372]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فلما آسفونا} أي: أغضبونا). [ياقوتة الصراط: 461]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({آسَفُونَا} أي: أغضبونا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى:{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فجعلناهم سلفاً} ...
- حدثني القاسم بن معن, عن الأعمش, عن يحيى بن وثاب أنه قرأها: {سلفا} مضمومة مثقلة، وزعم القاسم بن معن أنه سمع: واحدها سليف، والعوام بعد يقرءون: {سلفاً} ...
- حدثنا سفيان بن عيينة: أن الأعرج قرأها: (فجعلناهم سُلُفا), كأن واحدته سُلفة من الناس أي: قطعة من الناس مثل أمّة). [معاني القرآن: 3/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فجعلناهم سلفاً}: قوما تقدموا، {ومثلًا}: عبرة.
وقرأها الأعرج: سلفا، كأن واحدته: «سلفة» أي: عصبة, وفرقة متقدمة من الناس، مثل القطعة, تقول: تقدمت سلفة من الناس.
وقرئت: (سُلُفاً)، كما قيل: خشب وخشب، وثمر وثمر. ويقال: هو جمع: «سليف», وكله من التقدم). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والمثل: العبرة، كقوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ} أي: عبرة لمن بعدهم.

وقوله: {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}أي عبرة). [تأويل مشكل القرآن: 496]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: ({فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين}
جعلناهم سلفا: متقدّمين , ليتعظ بهم الآخرون.
ويقرأ {سلفا} بضم السين واللام، ويقرأ {سلفا} بضم السين وفتح اللام؛ فمن قال: {سلفا} بضمتين, وهو جمع سليف، أي جميع قد مضى.
ومن قرأ {سلفا}: فهو جمع سلف, أي: فرقة قد مضت). [معاني القرآن: 4/416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين}
قال لاحق بن حميد: أي: {جعلناهم سلفا لمن عمل بعملهم, ومثلا لمن لم يعمل بعملهم}
وقال مجاهد: هم قوم فرعون, سلف لكفار أمة محمد, قال: {ومثلا}: أي: عبرة.
وقال قتادة: {سلفا}: إلى النار, {ومثلا} أي: عظة.
قرئ على أبي قاسم -قريب احمد بن منيع -, عن أبي كامل الجحدري, عن عبد الواحد, عن عاصم, عن أبي مجلز: {فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين }, قال: {سلفا}: لمن عمل بمثل عملهم, {ومثلا}: لمن لم يعمل بمثل عملهم.
قال أبو جعفر: هذه الأقوال متقاربة , وأصل السلف في اللغة ما تقدم, ومنه تسلفت من فلان, وأبينها قول قتادة: أي جعلناهم متقدمين في الهلاك, وعظة لمن يأتي بعدهم.
ويقرأ: {سلفا}: جمع سليف.
وقرأ حميد الأعرج: فيما روي عنه: {سلفا}: جمع سلفة, أي: فرقة متقدمة.
وأبينها, وأكثرها فتح السين واللام, كما يقال فلان: يحب السلف). [معاني القرآن: 6/373-374]


رد مع اقتباس