عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م, 06:46 AM
أم أسماء باقيس أم أسماء باقيس غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 529
افتراضي

صفات من قرأ القرآن لا يريد به الله عز وجل

قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّيُّ (360هـ): (قال محمّد بن الحسين: قد ذكرت أخلاق الصّنف الّذين قرؤوا القرآن يريدون الله عزّ وجلّ بقراءتهم، وأنا أذكر الصّنفين اللّذين يريدان بقراءتهما الدّنيا والجدل، وأصف أخلاقهم حتّى يعرفها من اتّقى الله جلّت عظمته، فيحذرها.
باب: أخلاق من قرأ القرآن لا يريد به الله عزّ وجلّ
قال محمّد بن الحسين رحمه الله: فأمّا من قرأ القرآن للدّنيا ولأبناء الدّنيا، فإنّ من أخلاقه: أن يكون حافظاً لحروف القرآن، مضيّعاً لحدوده، متعظّماً في نفسه، متكبّراً على غيره.
قد اتّخذ القرآن بضاعةً يتأكّل به الأغنياء، ويستقضي به الحوائج، يعظّم أبناء الدّنيا، ويحقّر الفقراء، إن علّم الغني رفق به طمعاً في دنياه، وإن علّم الفقير زجره وعنّفه، لأنّه لا دنيا له يطمع فيها، يستخدم به الفقراء، ويتيه به على الأغنياء، إن كان حسن الصّوت أحبّ أن يقرأ للملوك، ويصلّي بهم طمعاً في دنياهم، وإن سأله الفقراء الصّلاة بهم ثقل ذلك عليه، لقلّة الدّنيا في أيديهم، إنّما طلبه الدّنيا حيث كانت ربض عندها.
يفخر على النّاس بالقرآن، ويحتجّ على من دونه في الحفظ بفضل ما معه من القراءات، وزيادة المعرفة بالغرائب من القراءات، الّتي لو عقل لعلم أنّه يجب عليه أن لا يقرأ بها، فتراه تائهاً متكبّراً، كثير الكلام بغير تمييزٍ، يعيب كلّ من لم يحفظ كحفظه، ومن علم أنّه يحفظ كحفظه طلب عيبه.
متكبّراً في جلسته، متعاظماً في تعليمه لغيره، ليس للخشوع في قلبه موضعٌ، كثير الضّحك والخوض فيما لا يعنيه، يشتغل عمّن يأخذ عليه بحديث من جالسه، هو إلى استماع حديث جليسه أصغى منه إلى استماع من يجب عليه أن يستمع له، يري أنّه لما يستمع حافظاً، فهو إلى كلام النّاس أشهى منه إلى كلام الرّبّ عزّ وجلّ، لا يخشع عند استماع القرآن، ولا يبكي، ولا يحزن، ولا يأخذ نفسه بالفكر فيما يتلى عليه، وقد ندب إلى ذلك.
راغبٌ في الدّنيا، وما قرّب منها، لها يغضب ويرضى.
إن قصّر رجلٌ في حقّه، قال: أهل القرآن لا يقصّر في حقوقهم، وأهل القرآن تقضى حوائجهم، يستقضي من الناّس حقّ نفسه، ولا يستقضي من نفسه ما لله عليها.
يغضب على غيره زعم لله، ولا يغضب على نفسه لله، ولا يبالي من أين اكتسب: من حرامٍ أو حلالٍ، قد عظمت الدّنيا في قلبه، إن فاته منها شيءٌ لا يحلّ له أخذه، حزن على فوته.
لا يتأدّب بأدب القرآن، ولا يزجر نفسه عن الوعد والوعيد. لاهٍ غافلٌ عمّا يتلو أو يتلى عليه. همّته حفظ الحروف، إن أخطأ في حرفٍ ساءه ذلك، لئلا ينقص جاهه عند المخلوقين، فتنقض رتبته عندهم، فتراه محزوناً مغموماً بذلك، وما قد ضيّعه فيما بينه وبين الله تعالى ممّا أمر به في القرآن، أو نهي عنه، غير مكترثٍ به.
أخلاقه في كثير من أموره أخلاق الجهّال الّذين لا يعلمون، لا يأخذ نفسه بالعمل بما أوجب عليه القرآن، إذ سمع الله عزّ وجلّ قال {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر 59/7]، فكان الواجب عليه أن يلزم نفسه طلب العلم لمعرفة ما نهى عنه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فينتهي عنه.
قليل النّظر في العلم الّذي هو واجبٌ عليه، فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ، كثير النّظر في العلم الّذي يتزيّن به عند أهل الدّنيا، ليكرموه بذلك، قليل المعرفة بالحلال والحرام الّذي ندب الله إليه، ثمّ رسوله، ليأخذ الحلال بعلمٍ، ويترك الحرام بعلمٍ، لا يرغب في معرفة علم النّعم، ولا في علم شكر المنعم.
تلاوته للقرآن تدلّ على كرهٍ في نفسه، وتزيّنٍ عند السّامعين منه، ليس له خشوعٌ فيظهر على جوارحه، إذا درس القرآن أو درسه عليه غيره همّته متى يقطع، ليس همّته متى يفهم، لا يتفكّر عند التّلاوة بضروب أمثال القرآن، ولا يقف عند الوعد والوعيد، يأخذ نفسه برضى المخلوقين، ولا يبالي بسخط ربّ العالمين. يحبّ أن يعرف بكثرة الدّرس، ويظهر ختمه للقرآن ليحظى عندهم، قد فتنه حسن ثناء الجهلة من جهله، يفرح بمدح الباطل، وأعماله أعمال أهل الجهل، يتّبع هواه فيما تحبّ نفسه، غير متصفّحٍ لما زجره القرآن عنه.
إن كان ممّن يقرئ غضب على من قرأ على غيره، إن ذكر عنده رجلٌ من أهل القرآن بالصّلاح كره ذلك، وإن ذكر عنده بمكروهٍ سرّه ذلك، يسخر بمن دونه، يهمز بمن فوقه، يتتبّع عيوب أهل القرآن ليضع منهم، ويرفع من نفسه، يتمنّى أن يخطئ غيره، ويكون هو المصيب.
ومن كانت هذه صفته، فقد تعرّض لسخط مولاه الكريم، وأعظم من ذلك أن أظهر على نفسه شعار الصّالحين بتلاوة القرآن، وقد ضيّع في الباطن ما يجب لله، وركب ما نهاه عنه مولاه الكريم، كلّ ذلك بحبّ الرّياسة، والميل إلى الدّنيا.
قد فتنه العجب بحفظ القرآن، والإشارة إليه بالأصابع. إن مرض أحد أبناء الدّنيا أو ملوكها، فسأله أن يختم عليه سارع إليه، وسرّ بذلك، وإن مرض الفقير المستور، فسأله أن يختم عليه ثقل ذلك عليه.
يحفظ القرآن ويتلوه بلسانه، وقد ضيّع الكثير من أحكامه.
أخلاقه أخلاق الجهّال: إن أكل فبغير علمٍ، وإن شرب فبغير علمٍ، وإن نام فبغير علمٍ، وإن لبس فبغير علمٍ، وإن جامع أهله فبغير علمٍ، وإن صحب أقواماً، أو زارهم، أو سلّم عليهم أو استأذن عليهم، فجميع ذلك يجري بغير علمٍ من كتابٍ أو سنّةٍ. وغيره ممّن يحفظ جزءاً من القرآن مطالبٌ لنفسه بما أوجب الله عزّ وجلّ عليه من علم أداء فرائضه، واجتناب محارمه، وإن كان لا يؤبه له، ولا يشار إليه بالأصابع.
قال محمّد بن الحسين رحمه الله: فمن كانت هذه أخلاقه صار فتنةً لكلّ مفتونٍ لأنّه إذا عمل بالأخلاق الّتي لا تحسن بمثله اقتدى به الجهّال، فإذا عيب على الجاهل، قال: فلانٌ الحامل لكتاب الله فعل هذا، ونحن أولى أن نفعله، ومن كانت هذه حاله فقد تعرّض لعظيمٍ، وثبتت عليه الحجّة، ولا عذر له إلا أن يتوب.
وإنّما حداني على ما بيّنت من قبيح هذه الأخلاق: نصيحةً مني لأهل القرآن، ليتعلّقوا بالأخلاق الشّريفة، ويتجافوا عن الأخلاق الدّنيّة، والله يوفّقنا وإيّاهم للرّشاد.
واعلموا - رحمنا الله وإيّاكم - أنّي قد رويت فيما ذكرت أخباراً تدلّ على ما كرهته لأهل القرآن، فأنا أذكر منها ما حضرني، ليكون النّاظر في كتابنا ينصح نفسه عند تلاوته القرآن، فيلزم نفسه الواجب، والله تعالى الموفّق.
- حدّثنا جعفر بن محمّدٍ الفريابيّ ثنا إبراهيم بن العلاء الزّبيديّ ثنا بقيّة بن الوليد عن شعبة عن سعيدٍ الجريريّ عن أبي نضرة عن أبي فراسٍ عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: (لقد أتى علينا حينٌ، وما نرى أنّ أحداً يتعلّم القرآن يريد به إلا الله تعالى، فلمّا كان ههنا بآخرةٍ، خشيت أنّ رجالاً يتعلّمونه يريدون به النّاس وما عندهم، فأريدوا الله تعالى بقراءتكم وأعمالكم، فإنّا كنّا نعرفكم إذ فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإذ ينزل الوحي، وإذ ينبئنا الله من أخباركم، فأمّا اليوم، فقد مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وانقطع الوحي، وإنّما أعرفكم بما أقول: من أعلن خيراً أحببناه عليه، وظننّا به خيراً، ومن أظهر شرّاً أبغضناه عليه، وظننّا به شرّاً، سرائركم فيما بينكم وبين ربّكم عزّ وجلّ).
- حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن يحيى بن سليمان المروزيّ قال: ثنا عبيد الله بن محمّدٍ العيشيّ قال: ثنا حمّاد بن سلمة قال: أنا الجريريّ عن أبي نضرة عن أبي فراسٍ أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: (يا أيّها النّاس..). وذكر نحواً من حديث الفريابيّ.
قال محمّد بن الحسين: فإذا كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قد خاف على قومٍ قرأوا القرآن في ذلك الوقت بميلهم إلى الدّنيا، فما ظنّك بهم اليوم !.
وقد أخبرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه يكون أقوامٌ يقرأون القرآن يقيمونه كما يقيمون القدح، يتعجّلونه، ولا يتأجّلونه، يعني: يطلبون به عاجلة الدّنيا، ولا يطلبون به الآخرة.
- حدّثنا أبو محمّدٍ الحسن بن علويه القطّان ثنا خلف بن هشامٍ البزّار ثنا خالد بن عبد الله الواسطيّ عن حميدٍ الأعرج عن محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعجميّ والأعرابيّ، قال: فاستمع، فقال: «اقرءوا، فكلٌّ حسنٌ، وسيأتي قومٌ يقيمونه كما يقيمون القدح، يتعجّلونه، ولا يتأجّلونه».
- حدّثنا أبو محمّدٍ يحيى بن محمّد بن صاعدٍ ثنا الحسين بن الًحسن المروزيّ أنا ابن المبارك أنا موسى بن عبيدة الرّبذيّ عن عبد الله بن عبيدة وهو أخوه عن سهل بن سعدٍ السّاعديّ قال: بينا نحن نقترئ، إذ خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «الحمد لله، كتاب الله واحدٌ، وفيكم الأخيار، وفيكم الأحمر والأسود، اقرأوا القرآن، اقرأوا قبل أن يأتي أقوامٌ يقرأونه، يقيمون حروفه، كما يقام السّهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجّلون أجره، ولا يتأجّلونه».). [أخلاق حملة القرآن: --] (م)


رد مع اقتباس