عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 4 شوال 1435هـ/31-07-2014م, 10:40 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: الر تلك آيات الكتاب الحكيم (1) أكان للنّاس عجباً أن أوحينا إلى رجلٍ منهم أن أنذر النّاس وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم قال الكافرون إنّ هذا لساحرٌ مبينٌ (2)
تقدم في أول سورة البقرة ذكر الاختلاف في فواتح السور. وتلك الأقوال كلها تترتب هنا، وفي هذا الموضع قول يختص به، قال ابن عباس وسالم بن عبد الله وابن جبير والشعبي: الر و «حم؟؟» [غافر: 1، فصلت: 1، الشورى: 1، الزخرف: 1، الدخان: 1، الجاثية: 1، الأحقاف: 1] ون [القلم: 1] هو الرحمن قطع اللفظ في أوائل هذه السورة واختلف عن نافع في إمالة الراء والقياس أن لا يمال وكذلك اختلف القرّاء وعلة من أمال الراء أن يدل بذلك على أنها اسم للحرف وليست بحرف في نفسها وإنما الحرف «ر»، وقوله تعالى: تلك قيل هو بمعنى هذه وقد يشبه أن يتصل المعنى ب تلك دون أن نقدرها بدل غيرها والنظر في هذه اللفظة إنما يتركب على الخلاف في فواتح السور فتدبره. والكتاب قال مجاهد وقتادة: المراد به التوراة والإنجيل، وقال مجاهد أيضا وغيره: المراد به القرآن وهو الأظهر، والحكيم فعيل بمعنى محكم كما قال تعالى: هذا ما لديّ عتيدٌ [ق: 23] أي معتد معد، ويمكن أن يكون «حكيم» بمعنى ذو حكمة فهو على النسب، وقال الطبري فهو مثل أليم بمعنى مؤلم ثم قال: هو الذي أحكمه وبيّنه.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية رضي الله عنه: فساق قولين على أنهما واحد). [المحرر الوجيز: 4/ 444-445]

تفسير قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله:أكان للنّاس عجباً الآية، قال ابن عباس وابن جريح وغيرهما نسبت هذه الآية أن قريشا استبعدوا أن يبعث الله رسولا من البشر، وقال الزجاج: إنما عجبوا من إخباره أنهم يبعثون من القبور إذ النذارة والبشارة تتضمنان ذلك، وكثر كلامهم في ذلك حتى قال بعضهم: أما وجد الله من يبعث إلا يتيم أبي طالب، ونحو هذا من الأقاويل التي اختصرتها لشهرتها فنزلت الآية، وقوله: أكان تقرير والمراد ب «الناس» قائلو هذه المقالة، وعجباً خبر كان واسمها أن أوحينا، وفي مصحف ابن مسعود «أكان للناس عجب» وجعل الخبر في قوله أن أوحينا والأول أصوب لأن الاسم معرفة والخبر نكرة وهذا القلب لا يصح ولا يجيء إلا شاذا ومنه قول حسان: [الوافر] يكون مزاجها عسل وماء ولفظة العجب هنا ليست بمعنى التعجب فقط بل معناه أوصل إنكارهم وتعجبهم إلى التكذيب؟
وقرأت فرقة «إلى رجل» بسكون الجيم، ثم فسر الوحي وقسمه على النذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين، و «القدم» هنا ما قدم، واختلف في المراد بها هاهنا فقال ابن عباس ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس وابن زيد: هي الأعمال الصالحة من العبادات، وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة: هي شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال زيد بن أسلم وغيره: هي المصيبة بمحمد صلى الله عليه وسلم في موته، وقال ابن عباس أيضا وغيره: هي السعادة السابقة لهم في اللوح المحفوظ، وهذا أليق الأقوال بالآية، ومن هذه اللفظة قول حسان: [الطويل]
لنا القدم العليا إليك وخلفنا = لأوّلنا في طاعة الله تابع
وقول ذي الرمة: [الطويل]
لكم قدم لا ينكر الناس أنها = مع الحسب العادي طمت على البحر
ومن هذه اللفظة قول النبي صلى الله عليه وسلم في صفة جهنم: «حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط»، أي ما قدم لها من خلقه، هذا على أن الجبار اسم الله تعالى ومن جعله اسم جنس كأنه أراد الجبارين من بني آدم، ف «القدم» على هذا التأويل الجارحة والصدق في هذه الآية بمعنى الصلاح، كما تقول رجل صدق ورجل سوء، وقوله قال الكافرون يحتمل أن يكون تفسيرا لقوله أكان وحينا إلى بشر عجبا قال الكافرون عنه كذا وكذا، وذهب الطبري إلى أن في الكلام حذفا يدل الظاهر عليه تقديره فلما أنذر وبشر قال الكافرون كذا وكذا، وقرأ جمهور الناس وهي قراءة نافع وأبي عمرو وابن عامر «إن هذا لسحر مبين»، وقرأ مسروق بن الأجدع وابن جبير والباقون من السبعة وابن مسعود وأبو رزين ومجاهد وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى بن عمر بخلاف، وابن محيصن وابن كثير بخلاف عنه «إن هذا لساحر»، والمعنى متقارب، وفي مصحف أبي «قال الكافرون ما هذا إلا سحر مبين»، وقولهم في الإنذار والبشارة سحر إنما هو بسبب أنه فرق بذلك كلمتهم وحال بين القريب وقريبه فأشبه ذلك ما يفعله الساحر فظنوه من ذلك الباب).[المحرر الوجيز: 4/ 445-448]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش يدبّر الأمر ما من شفيعٍ إلاّ من بعد إذنه ذلكم اللّه ربّكم فاعبدوه أفلا تذكّرون (3) إليه مرجعكم جميعاً وعد اللّه حقًّا إنّه يبدؤا الخلق ثمّ يعيده ليجزي الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات بالقسط والّذين كفروا لهم شرابٌ من حميمٍ وعذابٌ أليمٌ بما كانوا يكفرون (4)
هذا ابتداء دعاء إلى عبادة الله عز وجل وإعلام بصفاته، والخطاب بها لجميع الناس، وخلق السّماوات والأرض هو على ما تقرر أن الله عز وجل خلق الأرض ثمّ استوى إلى السماء وهي دخان فخلقها، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وقوله في ستّة أيّامٍ قيل هي من أيام الآخرة، وقال الجمهور، وهو الصواب:بل من أيام الدنيا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذلك في التقدير لأن الشمس وجريها لم يتقدم حينئذ وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خلق الله المخلوقات إن الله ابتدأ يوم الأحد كذا ويوم كذا كذا إنما هو على أن نقدر ذلك الزمان ونعكس إليه التجربة من حين ابتدأ ترتيب اليوم والليلة والمشهور أن الله ابتدأ بالخلق يوم الأحد، ووقع في بعض الأحاديث في كتاب مسلم وفي الدلائل أن البداءة وقعت يوم السبت وذكر بعض الناس أن الحكمة في خلق الله تعالى هذه الأشياء في مدة محدودة ممتدة وفي القدرة أن يقول كن فيكون إنما هو ليعلم عباده التؤدة والتماهل في الأمور.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مما لا يوصل تعليله وعلى هذا هي الأجنة في البطون وخلق الثمار وغير ذلك والله عز وجل قد جعل لكل شيء قدرا وهو أعلم بوجه الحكمة في ذلك وقوله ثمّ استوى على العرش قد تقدم القول فيه في المص [الأعراف: 1] وقوله يدبّر الأمر يصح أن يريد ب الأمر اسم الجنس من الأمور ويحتمل أن يريد الأمر الذي هو مصدر أمر يأمر، وتدبيره لا إله إلا هو إنما هو الإنفاذ لأنه قد أحاط بكل شيء علما. وقال مجاهد يدبّر الأمر معناه يقضيه وحده، وقوله ما من شفيعٍ إلّا من بعد إذنه رد على العرب في اعتقادها أن الأصنام تشفع لها، وقوله ذلكم إشارة إلى الله تعالى أي هذا الذي هذه صفاته فاعبدوه، ثم قررهم على هذه الآيات والعبر فقال أفلا تذكّرون أي فيكون التذكر سببا للاهتداء، واختصار القول في قوله ثمّ استوى على العرش [إما] أن يكون استوى بقهره وغلبته وإما أن يكون استوى بمعنى استولى إن صحت اللفظة في اللسان، فقد قيل في قول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق = من غير سيف ودم مهراق
إنه بيت مصنوع. وإما أن يكون فعل فعلا في العرش سماه استوى، واستيعاب القول قد تقدم). [المحرر الوجيز: 4/ 448-449]

تفسير قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله إليه مرجعكم جميعاً الآية، آية إنباء بالبعث من القبور وهي من الأمور التي جوزها العقل وأثبت وقوعها الشرع، وقوله جميعاً حال من الضمير في مرجعكم، وعد اللّه نصب على المصدر، وكذلك قوله حقًّا وقال أبو الفتح حقًّا نعت، وقرأ الجمهور «إنه» بكسر الألف على القطع والاستئناف، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع والأعمش وسهل بن شعيب وعبد الله «أنه» بفتح الألف، وموضعها النصب على تقدير أحق أنه، وقال الفراء: موضعها رفع على تقدير يحق أنه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يجوز عندي أن يكون إنّه بدلا من قوله وعد اللّه، قال أبو الفتح: إن شئت قدرت لأنه يبدأ الخلق أي فمن في قدرته هذا فهو غني عن إخلاف الوعد. وإن شئت قدرته «وعد الله حقا أنه» ولا يعمل فيه المصدر الذي هو وعد اللّه لأنه قد وصف فإذن ذلك بتمامه وقطع عمله، وقرأ ابن أبي عبلة «حقّ» بالرفع فهو ابتداء وخبره «أنه» وقوله يبدؤا الخلق يريد النشأة الأولى، والإعادة هي البعث من القبور، وقرأ طلحة «يبدئ الخلق» بضم الياء وكسر الدال، وقوله ليجزي هي لام كي والمعنى أن الإعادة إنما هي ليقع الجزاء على الأعمال، وقوله بالقسط أي بالعدل في رحمتهم وحسن جزائهم، وقوله والّذين كفروا ابتداء و «الحميم» الحار المسخن وهو فعيل بمعنى مفعول ومنه الحمام والحمة ومنه قول المرقش:
في كل يوم لها مقطرة = وكباء معدة وحميم
وحميم النار فيما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدناه الكافر من فيه تساقطت فروة رأسه، وهو كما وصفه تعالى يشوي الوجوه [الكهف: 29]). [المحرر الوجيز: 4/ 449-450]


رد مع اقتباس