عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:26 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّموات والأرض في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثًا}؛ يقول تعالى ذكره: إنّ سيّدكم ومصلح أموركم أيّها النّاس، هو المعبود الّذي له العبادة من كلّ شيءٍ، الّذي خلق السّموات والأرض في ستّة أيّامٍ، وذلك يوم الأحد والاثنين والثّلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، قال: بدء الخلق: العرش والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء، وكان بدء الخلق يوم الأحد والاثنين والثّلاثاء والأربعاء والخميس، وجمع الخلق في يوم الجمعة، وتهوّدت اليهود يوم السّبت، ويومٌ من السّتّة الأيّام كألف سنةٍ ممّا تعدّون.
{ثمّ استوى على العرش}
، وقد ذكرنا معنى الاستواء واختلاف النّاس فيه فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.

وأمّا قوله: {يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثًا} فإنّه يقول: يورد اللّيل على النّهار فيلبسه إيّاه، حتّى يذهب نضرته ونوره. {يطلبه} يقول: يطلب اللّيل النّهار، {حثيثًا} يعني سريعًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {يطلبه حثيثًا}؛ يقول: سريعًا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثًا}، قال: يغشي اللّيل النّهار بضوئه، ويطلبه سريعًا حتّى يدركه.
القول في تأويل قوله تعالى: {والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين}؛
يقول تعالى ذكره: إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّموات والأرض والشّمس والقمر والنّجوم، كلّ ذلك بأمره، أمرهنّ اللّه فأطعن أمره، ألا للّه الخلق كلّه، والآمر الّذي لا يخالف ولا يردّ أمره دون ما سواه من الأشياء كلّها، ودون ما عبده المشركون من الآلهة والأوثان الّتي لا تضرّ ولا تنفع ولا تخلق ولا تأمر، تبارك اللّه معبودنا الّذي له عبادة كلّ شيءٍ ربّ العالمين.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا هشامٌ أبو عبد الرّحمن، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، قال: حدّثني عبد الغفّار بن عبد العزيز الأنصاريّ، عن عبد العزيز الشّاميّ، عن أبيه، وكانت، له صحبةٌ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«من لم يحمد اللّه على ما عمل من عملٍ صالحٍ، وحمد نفسه، قلّ شكره وحبط عمله ومن زعم أنّ اللّه جعل للعباد من الأمر شيئًا فقد كفر بما أنزل اللّه على أنبيائه»، لقوله: {ألا له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين}). [جامع البيان: 10/ 245-247]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثًا والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين (54)}
قوله تعالى: {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السماوات والأرض}
- حدّثنا أبو يونس محمّد بن أحمد بن يزيد بن عبد اللّه بن يزيد الجمحيّ بمكّة، ثنا إبراهيم بن حمزة، عن عبد العزيز بن محمّدٍ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة أنّه قال: نزلت هذه الآية إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيّامٍ لقي ركبٌ عظيمٌ لا يرون إلا أنّهم من العرب فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: من الجنّ خرجنا من المدينة أخرجتنا هذه الآية.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة، ثنا ابن إسحاق قال: ابتدع السّموات والأرض ولم يكونا إلا بقدرته، ولم يستعن على ذلك بأحدٍ من خلقه، ولم يشركه في شيءٍ من أمر سلطانه القاهر، وقوله النّافذ الّذي يقول له لمّا أراد أن يكون كن فيكون، ففرغ من خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ.
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، أخبرني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول: قال عزيرٌ: يا ربّ أمرت الماء فجمد على وسط الهوا فجعلت منه سبعًا وسمّيتها السّموات، ثمّ أمرت الماء ينفتق من التّراب، ثمّ أمرت التّراب أن يتميّز من الماء فكان كذلك فسمّيت جميع ذلك الأرضين وجميع الماء البحار.
قوله تعالى: {في ستّة أيّامٍ}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {خلق السماوات والأرض في ستّة أيّامٍ}؛ قال: يومٌ مقداره ألف سنةٍ.
قوله تعالى: {ثمّ استوى على العرش}
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة في قول اللّه تعالى: {ثمّ استوى على العرش}؛ قال: اليوم السّابع.
- حدّثنا يزيد بن سنانٍ البصريّ نزيل مصر، ثنا يزيد بن أبي حكيمٍ، حدّثني الحكم بن أبان قال: سمعت عكرمة يقول: إنّ اللّه بدأ خلق السّماوات والأرض وما بينهما يوم الأحد، ثمّ استوى على العرش يوم الجمعة في ثلاث ساعاتٍ، فخلق في ساعةٍ منها الشّموس كي يرغّب النّاس إلى ربّهم في الدّعاء والمسألة، وخلق في ساعةٍ النّتن الّذين يقع على ابن آدم إذا مات لكي يقبر.
قوله تعالى: {على العرش}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ وإنّما سمّي العرش عرشًا لارتفاعه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا أبو أسامة، ثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ قال: سمعت سعدًا الطّائيّ يقول: العرش: ياقوتةٌ حمراء.
- قرئ على بحر بن نصرٍ الخولانيّ المصريّ، ثنا أسد بن موسى، ثنا يوسف بن زيادٍ، عن ابن إلياس ابن ابنة وهب بن منبّهٍ، عن وهب بن منبّهٍ قال: إنّ اللّه خلق العرش من نوره.
قوله تعالى: {يغشي اللّيل النّهار}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: {يغشي اللّيل النّهار}؛ قال: يغشي الليل فيذهب بضوئه
قوله تعالى: {يطلبه حثيثًا}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {يطلبه حثيثًا}؛ يقول: سريعًا- وروي، عن السّدّيّ مثل ذلك.
قوله تعالى: {والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره}
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم، ثنا الوليد بن مسلمٍ، عن الأوزاعيّ، عن حسّان بن عطيّة قال: {الشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ في فلكٍ من السّماء والأرض}.
قوله تعالى: {ألا له الخلق والأمر}
- حد، ثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلا، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إلا من عفا عنه فالأمر أمره ثمّ قال: ألا له الخلق والأمر.
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا يزيد بن خالدٍ الرّمليّ، ثنا إسماعيل بن عليّة قال: سمعت رجا بن أبي سلمة قال: سمعت يزيد بن عبد اللّه بن موهبٍ يقول: سمعت أبا خالدٍ يعني عبد اللّه بن موهبٍ قال: قال أبو هريرة رضي اللّه عنه:
«الخلق خلق اللّه والأمر أمره».
- حدّثنا أحمد بن أصرمٍ المزنيّ، ثنا يعقوب بن دينارٍ، ثنا بشّار بن موسى قال: كنّا عند سفيان بن عيينة فقال سفيان: {ألا له الخلق والأمر}؛ فالخلق هو الخلق والأمر هو الكلام.
- حدّثنا أبي، ثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ، ثنا أبو زرعة الخراسانيّ قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول في قول اللّه:
{ألا له الخلق والأمر}؛ قال: الخلق ما دون العرش، والأمر ما فوق ذلك.
قوله تعالى: {تبارك اللّه}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلا، ثنا عثمان بن سعيد بن الزّيّات، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ تبارك تفاعل. من البركة.
قوله تعالى: {ربّ العالمين}
- حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، ثنا زيد بن الحباب، عن حسين بن واقدٍ، عن مطرٍ الورّاق، عن قتادة في قول اللّه: {ربّ العالمين}؛ قال: ما وصف من خلقه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1496-1499]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض} .
- عن عبد اللّه بن بسرٍ قال: خرجت من حمص، فآواني اللّيل إلى البقيعة، فحضرني من أهل الأرض، فقرأت هذه الآية من الأعراف {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض} إلى آخر الآية، فقال بعضهم لبعضٍ: احرسوه الآن حتّى يصبح، فلمّا أصبحت ركبت دابّتي.
رواه الطّبرانيّ، وفيه المسيّب بن واضحٍ، وهو ضعيفٌ، وقد وثّق). [مجمع الزوائد: 7/ 24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج أبو الشيخ عن سميط قال: دلنا ربنا تبارك وتعالى على نفسه في هذه الآية: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض} الآية.
- وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء والخطيب في تاريخه عن الحسن بن علي قال: أنا ضامن لمن قرأ هذه العشرين آية أن يعصمه الله من كل سلطان ظالم ومن كل شيطان مريد ومن كل سبع ضار ومن كل لص عاد، آية الكرسي وثلاث آيات من الأعراف: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض}، وعشرا من أول الصافات وثلاث آيات من الرحمن {يا معشر الجن} [الرحمن: 33] وخاتمة سورة الحشر.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة قال: نزلت هذه الآية: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} 7 لقي ركب عظيم لا يرون إلا أنهم من العرب فقالوا لهم: من أنتم قالوا: من الجنة خرجنا من المدينة أخرجتنا هذه الآية.
- وأخرج أبو الشيخ عن عبيد بن أبي مرزوق قال: من قرأ عند نومه: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض} الآية، بسط عليه ملك جناحه حتى يصبح وعوفي من السرق.
- وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن قيس صاحب عمر بن عبد العزيز قال: مرض رجل من أهل المدينة فجاءه زمرة من أصحابه يعوذونه فقرأ رجل منهم: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض} الآية كلها، وقد أصمت الرجل فتحرك ثم استوى جالسا ثم سجد يومه وليلته حتى كان من الغد من الساعة التي سجد فيها قال له أهله: الحمد لله الذي عافاك قال: بعث إلى نفسي ملك يتوفاها فلما قرأ صاحبكم الآية التي قرأ سجد الملك وسجدت بسجوده فهذا حين رفع رأسه ثم مال فقضى.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {خلق السماوات والأرض في ستة أيام}، قال: لكل يوم منها اسم، أبي جاد هواز حطى كلمون صعفص قرشات.
- وأخرج سمويه في فوائده عن زيد بن أرقم قال: إن الله عز وجل خلق السموات والأرض في ستة أيام قال: كل يوم مقداره ألف سنة.
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد قال: بدء الخلق العرش والماء والهواء وخلقت الأرض من الماء وكان بدء الخلق يوم الأحد ويوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وجميع الخلق في يوم الجمعة وتهودت اليهود يوم السبت ويوم من الستة أيام كألف سنة مما تعدون.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: إن الله بدأ خلق السموات والأرض وما بينهما يوم الأحد ثم استوى على العرش يوم الجمعة في ثلاث ساعات فخلق في ساعة منها الشموس كي يرغب الناس إلى ربهم في الدعاء والمسألة وخلق في ساعة النتن الذي يقع على ابن آدم إذا مات لكي يقبر.
- وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن حيان الأعرج قال: كتب يزيد بن أبي سلم إلى جابر بن زيد يسأله عن بدء الخلق قال: العرش والماء والقلم والله أعلم أي ذلك بدأ قبل.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة وجعل كل يوم ألف سنة.
- وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال:
«يا أبا هريرة إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش فخلق التربة يوم السبت والجبال يوم الأحد والشجر يوم الإثنين وآدم يوم الثلاثاء والنور يوم الأربعاء والدواب يوم الخميس وآدم يوم الجمعة في آخر ساعة من النهار».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ثم استوى على العرش}؛ قال: يوم السابع.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار قال: إن الله حين خلق الخلق استوى على العرش فسبحه العرش.
وأخرج ابن مردويه واللالكائي في السنة عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها في قوله: {ثم استوى على العرش}، قالت: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان والجحود به كفر.
- وأخرج اللالكائي عن ابن عيينة قال: سئل ربيعة عن قوله: {استوى على العرش} كيف استوى قال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق
- وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عبد الله بن صالح بن مسلم قال: سئل ربيعة، فذكره.
- وأخرج اللالكائي عن جعفر بن عبد الله قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال له: يا أبا عبد الله استوى على العرش كيف استوى قال: فما رأيت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرحضاء - يعني العرق - وأطرق القوم قال: فسرى عن مالك فقال: الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وإني أخاف أن تكون ضالا وأمر به فأخرج.
- وأخرج البيهقي عن عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} كيف استواؤه فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: {الرحمن على العرش استوى} كما وصف نفسه ولا يقال له كيف وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه، قال: فأخرج الرجل.
- وأخرج البيهقي عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: كلما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه.
- وأخرج البيهقي عن إسحاق بن موسى قال: سمعت ابن عيينة يقول: ما وصف الله به نفسه فتفسيره قراءته ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسله صلوات الله عليهم.
- وأخرج عبد بن حميد عن أبي عيسى قال: لما استوى على العرش خر ملك ساجدا فهو ساجد إلى أن تقوم الساعة فإذا كان يوم القيامة رفع رأسه فقال: سبحانك ما عبدتك حق عبادتك إلا أني لم أشرك بك شيئا ولم اتخذ من دونك وليا
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {يغشي الليل النهار}، قال: يغشى الليل النهار فيذهب بضوئه ويطلبه سريعا حتى يدركه.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {حثيثا} قال: سريعا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {يغشي الليل النهار} قال: يلبس الليل النهار، أما قوله تعالى: {والشمس والقمر والنجوم}.
- أخرج الطبراني في الأوسط وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إن الشمس والقمر والنجوم خلقن من نور العرش».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة في قوله: {ألا له الخلق والأمر} قال: الخلق: ما دون العرش والأمر: ما فوق ذلك.
- وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن سفيان بن عيينة قال: الخلق: هو الخلق والأمر هو الكلام.
- وأخرج ابن جرير عن عبد العزيز الشامي عن أبيه وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط ما عمل: ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}»). [الدر المنثور: 6/ 417-425]

تفسير قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزور وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في سر فيكون علانية أبدًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا فيما بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفيةً} [سورة الأعراف: 55]، وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحًا ورضي قوله، فقال: {إذ نادى ربه نداءً خفيًا} [سورة مريم: 3] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 59]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {إنّه لا يحبّ المعتدين} : «في الدّعاء وفي غيره» ). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {إنّه لا يحبّ المعتدين} في الدّعاء زاد أبو ذرٍّ عن الحمويّ والكشميهنيّ وفي غيره وعند النّسفيّ ولا في غيره. وكذا أخرج بن جرير من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عبّاسٍ وقد جاء نحو هذا مرفوعًا أخرجه أحمد وأبو داود من حديث سعد بن أبي وقّاصٍ أنّه سمع ابنًا له يدعو فقال إنّي سمعت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: « إنّه سيكون قومٌ يعتدون في الدّعاء» وقرأ هذه الآية.
- وأخرج أيضًا بن ماجه من حديث عبد اللّه بن مغفّلٍ أنّه سمع ابنًا له يقول: اللّهمّ إنّي أسالك القصر الأبيض عن يمين الجنّة فذكر نحوه لكن لم يقل، وقرأ الآية والاعتداء في الدّعاء يقع بزيادة الرّفع فوق الحاجة أو بطلب ما يستحيل حصوله شرعًا أو بطلب معصيةٍ أو يدعو بما لم يؤثر خصوصًا ما وردت كراهته كالسّجع المتكلّف وترك المأمور وسيأتي مزيدٌ لذلك في كتاب الدّعوات إن شاء اللّه -تعالى). [فتح الباري: 8/ 298]

- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وقال ابن جريجٍ في قوله: {ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً}؛ أي سرا أخرجه ابن المنذر). [فتح الباري: 8/ 301] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو جعفر بن جرير ثنا القاسم ثنا الحسين حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عبّاس: {إنّه لا يحب المعتدين} في الدّعاء ولا في غيره). [تغليق التعليق: 4/ 213] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (إنّه لا يحبّ المعتدين في الدّعاء أشار به إلى قوله تعالى: {أدعوا ربكم تضرعا وخفية أنه لا يحب المعتدين} هكذا في رواية الأكثرين (إنّه لا يحب المعتدين في الدّعاء) وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني والحموي (في الدّعاء وفي غيره) وقال الطّبريّ: حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عبّاس، رضي الله تعالى عنهما: (إنّه لا يحب المعتدين في الدّعاء ولا في غيره) ، والاعتداء في الدّعاء بزيادة السّؤال فوق الحاجة ويطلب ما يستحيل حصوله شرعا ويطلب معصيّة. وبالاعتناء بالأدعية الّتي لم تؤثر خصوصا إذا كان بالسجع المتكلف وبرفع الصّوت والنداء والصياح لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} وأمرنا بأن ندعو بالتضرع والاستكانة والخفية ألا ترى أن الله تعالى ذكر عبدا صالحا ورضي فعله فقال: {إذ نادى ربه نداء خفيا} [مريم: 3] وفي (التّلويح) (إنّه لا يحب المعتدين) إلى قوله، قال غيره: يشبه والله أعلم أنه من قول ابن عبّاس، وقد ذكره من غير عطف لذلك). [عمدة القاري: 18/ 232]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وعن ابن عباس أيضًا، من طريق ابن جريج، عن عطاء عنه مما وصله ابن جرير أيضًا في قوله تعالى: {إنه لا يحب المعتدين} أي (في الدعاء) كالذي يسأل درجة الأنبياء أو على من لا يستحقه أو الذي يرفع صوته عند الدعاء.
وفي حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود أن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
«سيكون قوم يعتدون في الدعاء» وقرأ هذه الآية.
وعند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: يا بني سل الله الجنة وعذبه من النار فإني سمعت رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول:
«يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور». وهكذا أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان به.
(وفي غيره) أي غير الدعاء. وسقط: إنه لا يحب لغير أبوي ذر والوقت، وقوله وفي غيره للمستملي). [إرشاد الساري: 7/ 124]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً إنّه لا يحبّ المعتدين}.
يقول تعالى ذكره: ادعوا أيّها النّاس ربّكم وحده، فأخلصوا له الدّعاء دون ما تدعون من دونه من الآلهة والأصنام. {تضرّعًا} يقول: تذلّلاً واستكانةً لطاعته. {وخفيةً} يقول: بخشوع قلوبكم وصحّة اليقين منكم بوحدانيّته فيما بينكم وبينه، لا جهارًا مراءاةً، وقلوبكم غير موقنةٍ بوحدانيّته وربوبيّته، فعل أهل النّفاق والخداع للّه ولرسوله.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: إن كان الرّجل لقد جمع القرآن وما يشعر جاره، وإن كان الرّجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به النّاس، وإن كان الرّجل ليصلّي الصّلاة الطّويلة في بيته وعنده الزّوّار وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عملٍ يقدرون على أن يعملوه في السّرّ فيكون علانيةً أبدًا. ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدّعاء وما يسمع لهم صوتٌ إن كان إلاّ همسًا بينهم وبين ربّهم، وذلك أنّ اللّه يقول: {ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً}، وذلك أنّ اللّه ذكر عبدًا صالحًا، فرضي فعله فقال: {إذ نادى ربّه نداءً خفيًّا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي عثمان النّهديّ، عن أبي موسى، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاةٍ، فأشرفوا على وادٍ يكبّرون ويهلّلون ويرفعون أصواتهم، فقال:
«أيّها النّاس، اربعوا على أنفسكم، إنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا، إنّكم تدعون سميعًا قريبًا معكم».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً}، قال: السّرّ.
وأمّا قوله: {إنّه لا يحبّ المعتدين}، فإنّ معناه: إنّ ربّكم لا يحبّ من اعتدى فتجاوز حدّه الّذي حدّه لعباده في دعائه ومسألته ربّه، ورفعه صوته فوق الحدّ الّذي حدّ لهم في دعائهم إيّاه ومسألتهم وفي غير ذلك من الأمور.
- كما حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، قال: أنبأنا إسماعيل بن حمّاد بن أبي سليمان، عن عبّاد بن عبّادٍ، عن علقمة، عن أبي مجلزٍ: {ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً إنّه لا يحبّ المعتدين}، قال: لا يسأل منازل الأنبياء عليهم السّلام.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {إنّه لا يحبّ المعتدين} في الدّعاء ولا في غيره قال ابن جريجٍ: إنّ من الدّعاء اعتداءٌ، يكره رفع الصّوت والنّداء والصّياح بالدّعاء، ويؤمر بالتّضرّع والاستكانة). [جامع البيان: 10/ 247-249]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً إنّه لا يحبّ المعتدين (55)}
قوله تعالى: {ادعوا ربّكم}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، وابن نميرٍ ووكيعٌ، وعقبة، عن الأعمش، عن ذرٍّ، عن يسيع بن السّميط، عن النّعمان بن بشيرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«الدّعاء هو العبادة».
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السماوات والأرض} إلى آخر الآية: قال: لمّا أنبأكم اللّه بقدرته وعظمته وجلاله بيّن لكم كيف تدعونه على تفئه ذلك فقال: ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً إنّه لا يحبّ المعتدين
قوله تعالى: {تضرّعًا وخفيةً}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {ادعوا ربّكم تضرّعًا }؛ يعني مستكينًا
قوله تعالى: {وخفيةً}
- وبه عن سعيدٍ قوله:{وخفيةً} يعني في خفضٍ وسكونٍ في حاجاتكم من أمر الدّنيا والآخرة.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن عبد اللّه الأويسيّ، ثنا ابن أبي الرّجال، عن زيد بن أسلم أنّه قال: في قول اللّه: {ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً} قال زيد: عني بذلك القراءة.
قوله تعالى: {إنه لا يحب المعتدين}
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ الطّائيّ الحمصيّ، ثنا آدم، ثنا شعبة، ثنا زياد بن مخراقٍ البصريّ قال: سمعت قيس بن عباية يحدّث، عن مولًى لسعد بن مالكٍ أنّ ابنًا لسعد بن مالكٍ دعا فذكر الجنّة فقال: اللّهمّ إنّي أسألك نعيمها وأزواجها وثمارها ونحوها وذكر النّار قال: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من سلاسلها وأغلالها وسعيرها ونحو هذا. فقال له سعد بن مالكٍ: لقد سألت نعيمًا طويلاً، وتعوّذت من شرٍّ عظيمٍ، وإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول:
«سيكون بعدي قومٌ يعتدون في الدّعاء»وتلا هذه الآية: {ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً إنّه لا يحبّ المعتدين}، ثمّ قال: بحسبك أن تقول:«اللهم إن أسألك الجنّة وما قرّب إليها من قولٍ وعملٍ، وأعوذ بك من النّار وما قرّب إليها من قولٍ وعملٍ».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {إنّه لا يحبّ المعتدين} يقول: لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشّرّ اللّهمّ اخزه والعنه ونحو ذلك. فإنّ ذلك عدوان.
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة، عن المعتمر، عن إسماعيل بن حمّاد بن أبي سليمان، عن عبّاد بن عبّاد بن علقمة، عن أبي مجلزٍ: {إنّه لا يحبّ المعتدين}، قال: لا تسألوا منازل الأنبياء.
- وحدّثنا أبي، ثنا أبو الجماهر وسليمان بن شرحبيل والحكم بن موسى قالوا:، ثنا عبد الرّحمن بن أبي الرّجال، عن زيد بن أسلم في قول اللّه تعالى: {ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً إنّه لا يحبّ المعتدين}؛ قال: كان يرى أنّ الجهر بالدّعاء الاعتداء
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً أنبأ محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه: {إنّه لا يحبّ المعتدين}؛ قال: لا يحبّ الاعتداء في الدّعاء ولا في غيره). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1499-1500]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} قال: السر، {إنه لا يحب المعتدين} في الدعاء ولا في غيره.
- وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: التضرع: علانية والخفية: سر
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ادعوا ربكم تضرعا} يعني مستكينا، {وخفية} يعني في خفض وسكون في حاجاتكم من أمر الدنيا والآخرة {إنه لا يحب المعتدين}؛ يقول: لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشر: اللهم اخزه والعنه ونحو ذلك فإن ذلك عدوان.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي مجلز في قوله: {إنه لا يحب المعتدين}؛ قال: لا تسألوا منازل الأنبياء.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم: كان يرى أن الجهر بالدعاء الاعتداء.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض} إلى قوله: {تبارك الله رب العالمين} قال: لما أنبأكم الله بقدرته وعظمته وجلاله بين لكم كيف تدعونه على تفئه ذلك فقال: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} قال: تعلموا أن في بعض الدعاء اعتداء فاجتنبوا العدوان والاعتداء إن استطعتم ولا قوة إلا بالله، قال: وذكر لنا أن مجالد بن مسعود أخا بني سليم سمع قوما يعجون في دعائهم فمشى إليهم فقال: أيها القوم لقد أصبتم فضلا على من كان قبلكم أو لقد هلكتم فجعلوا يتسللون رجلا رجلا حتى تركوا بقعتهم التي كانوا فيها قال: وذكر لنا أن ابن عمر أتى على قوم يرفعون أيديهم فقال: ما يتناول هؤلاء القوم فو الله لو كانوا على أطول جبل في الأرض ما ازدادوا من الله قربا، قال قتادة: وإن الله إنما يتقرب إليه بطاعته فما كان من دعائكم الله فليكن في سكينة ووقار وحسن سمت وزي وهدي وحسن دعة.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وأبو داود، وابن ماجة، وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن مغفل، أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإني سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:
«سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور».
- وأخرج الطيالسي، وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص، أنه سمع ابنا له يدعو ويقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها واستبرقها ونحو هذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها فقال: لقد سألت الله خيرا وتعوذت به من شر كل كثير وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء وقرأ هذه الآية: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} وإن بحسبك أن تقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
- وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في الآية قال: إياك أن تسأل ربك أمرا قد نهيت عنه أو ما ينبغي لك.
- وأخرج ابن المبارك، وابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن قال: لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله يقول: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} وذلك أن الله ذكر عبدا صالحا فرضي له قوله فقال: {إذ نادى ربه نداء خفيا} [مريم: 2].
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في الآية قال: إن من الدعاء اعتداء يكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء ويؤمر بالتضرع والاستكانة). [الدر المنثور: 6/ 425-429]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفًا وطمعًا إنّ رحمة اللّه قريبٌ من المحسنين}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}: لا تشركوا باللّه في الأرض ولا تعصوه فيها، وذلك هو الفساد فيها.
وقد ذكرنا الرّواية في ذلك فيما مضى وبيّنّا معناه بشواهده.
{بعد إصلاحها}؛ يقول: بعد إصلاح اللّه إيّاه لأهل طاعته بابتعاثه فيهم الرّسل دعاةً إلى الحقّ، وإيضاحه حججه لهم.
{وادعوه خوفًا وطمعًا}، يقول: وأخلصوا له الدّعاء والعمل، ولا تشركوا في عملكم له شيئًا غيره من الآلهة والأصنام وغير ذلك، وليكن ما يكون منكم في ذلك خوفًا من عقابه وطمعًا في ثوابه، وإنّ من كان دعاؤه إيّاه على غير ذلك فهو بالآخرة من المكذّبين، لأنّ من لم يخف عقاب اللّه ولم يرج ثوابه لم يبال ما ركب من أمرٍ يسخطه اللّه ولا يرضاه {إنّ رحمة اللّه قريبٌ من المحسنين}، يقول تعالى ذكره: إنّ ثواب اللّه الّذي وعد المحسنين على إحسانهم في الدّنيا قريبٌ منهم. وذلك هو رحمته، لأنّه ليس بينهم وبين أن يصيروا إلى ذلك من رحمته وما أعدّ لهم من كرامته، إلاّ أن تفارق أرواحهم أجسادهم.
ولذلك من المعنى ذكر قوله: {قريبٌ}، وهو من خبر الرّحمة والرّحمة مؤنّثةٌ، لأنّه أريد به القرب في الوقت لا في النّسب، والأوقات بذلك المعنى، إذا رفعت أخبارًا للأسماء أجرتها العرب مجرى الحال فوحّدتها مع الواحد والاثنين والجميع وذكّرتها مع المؤنّث، فقالوا: كرامة اللّه بعيدٌ من فلانٍ، وهي قريبٌ من فلانٍ، كما يقولون: هند قريبٌ منّا، والهندان منّا قريبٌ، والهندات منّا قريبٌ، لأنّ معنى ذلك: هي في مكانٍ قريبٍ منّا، فإذا حذفوا المكان وجعلوا القريب خلفًا منه، ذكّروه ووحّدوه في الجمع، كما كان المكان مذكّرًا وموحّدًا في الجمع. وأمّا إذا أنّثوه أخرجوه مثنًّى مع الاثنين ومجموعًا مع الجميع، فقالوا: هي قريبةٌ منّا، وهما منّا قريبتان، كما قال عروة بن الورد:
عشيّة لا عفراء منك قريبةٌ ....... فتدنو ولا عفراء منك بعيد
فأنّث قريبةٌ، وذكّر بعيدًا على ما وصفت. ولو كان القريب من القرابة في النّسب لم يكن مع المؤنّث إلاّ مؤنّثًا، ومع الجمع إلاّ مجموعًا.
وكان بعض نحويّي البصرة يقول: ذكّر قريبٌ وهو صفةٌ للرّحمة، وذلك كقول العرب: ريحٌ خريقٌ، وملحفةٌ جديدٌ، وشاةٌ سديسٌ. قال: وإن شئت قلت: تفسير الرّحمة ههنا المطر ونحوه، فلذلك ذكّر كما قال: {وإن كان طائفةٌ منكم آمنوا} فذكّر لأنّه أراد النّاس، وإن شئت جعلته كبعض ما يذكّرون من المؤنّث، كقول الشّاعر:
ولا أرض أبقل إبقالها
وقد أنكر ذلك من قيله بعض أهل العربيّة، ورأى أنّه يلزمه إن جاز أن يذكّر قريبًا توجيهًا منه للرّحمة إلى معنى المطر أن يقول: هند قام، توجيهًا منه لهند وهي امرأةٌ إلى معنى إنسانٍ، ورأى أنّ ما شبّه به قوله: {إنّ رحمة اللّه قريبٌ من المحسنين} بقوله: {وإن كان طائفةٌ منكم آمنوا} غير مشبهةٍ، وذلك أنّ الطّائفة فيما زعم مصدرٌ بمعنى الطّيف، كما الصّيحة والصّياح بمعنًى، ولذلك قيل: {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة}). [جامع البيان: 10/ 249-251]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفًا وطمعًا إنّ رحمة اللّه قريبٌ من المحسنين (56)}
قوله تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض}
- حدّثنا أبي، ثنا أسد بن زيدٍ، ثنا عمرٌو قال أبو محمّدٍ، هو ابن شمرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي صالحٍ: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}؛ قال: بعد ما أصلحتها الأنبياء وأصحابهم.
- حدّثنا أبي، ثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ، ثنا سنيدٌ قال: قيل لأبي بكر بن عيّاشٍ: ما قوله في كتابه؟ ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها فقال أبو بكرٍ: إنّ اللّه بعث محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهل الأرض وهم في فسادٍ فأصلحهم اللّه بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمّدٌ فهو من المفسدين في الأرض.
قوله تعالى: {وادعوه خوفًا}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو عبد الرّحمن الحارثيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك خوفًا وطمعًا قال: الخوف الصّواعق.
قوله تعالى: {وطمعًا}
- وبه، عن الضّحّاك خوفًا وطمعًا الطّمع الغيث.
قوله تعالى: {إنّ رحمت اللّه قريبٌ من المحسنين}
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن أبي زيادٍ، ثنا سيّارٌ، ثنا جعفرٌ قال: سمعت مطر الورّاق يقول: تنجزوا موعود اللّه بطاعة اللّه فإنّه قضى أنّ رحمته قريبٌ من المحسنين). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1501]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}؛ قال: بعدما أصلحها الأنبياء وأصحابهم.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر بن عياش، أنه سئل عن قوله: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}؛ فقال: إن الله بعث محمدا إلى أهل الأرض وهم في فساد فأصلحهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو من المفسدين في الأرض.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي سنان في قوله: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} قال: قد أحللت حلالي وحرمت حرامي وحددت حدودي فلا تعتدوها.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس: {وادعوه خوفا وطمعا} قال: خوفا منه وطمعا لما عنده {إن رحمة الله قريب من المحسنين} يعني من المؤمنين ومن لم يؤمن بالله فهو من المفسدين
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مطر الوراق قال: تنجزوا موعود الله بطاعة الله فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين). [الدر المنثور: 6/ 429-430]


رد مع اقتباس