عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2 محرم 1433هـ/27-11-2011م, 09:54 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب مالا يعمل فيه ما قبله من الفعل
الذي يتعدى إلى المفعول ولا غيره
لأنه كلامٌ قد عمل بعضه في بعض فلا يكون إلاّ مبتدأ لا يعمل فيه شيء قبله لأنّ ألف الاستفهام تمنعه من ذلك.
وهو قولك قد علمت أعبد الله ثمّ أم زيدٌ وقد عرفت أبو من زيدٌ وقد عرفت أيّهم أبوه وأما ترى أي برقٍ هاهنا. فهذا في موضع مفعول كما أنّك إذا قلت عبد الله هل رأيته فهذا الكلام في موضع المبنىّ على المبتدأ الذي يعمل فيه فيرفعه.
ومثل ذلك ليت شعري أعبد الله ثمّ أم زيدٌ وليت شعري هل رأيته فهذا في موضع خبر ليت. فإنّما أدخلت هذه الأشياء على قولك أزيدٌ ثمّ أم عمرو وأيّهم أبوك لما احتجت إليه من المعاني. وسنذكر ذلك في باب التسوية.
ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ: {لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} وقوله تعالى: {فلينظر أيها أزكى طعاما}.
ومن ذلك قد علمت لعبد الله خيرٌ منك. فهذه اللام تمنع العمل كما تمنع ألف الاستفهام لأنّها إنّما هي لام الابتداء وإنما أدخلت عليه علمت لتؤكد وتجعله يقيناً قد علمته ولا تحيل على علم غيرك. كما أنّك إذا قلت قد علمت أزيدٌ ثمّ أم عمروٌ أردت أن تخبر أنّك قد علمت أيّهما ثمّ وأردت أن تسوى علم المخاطب فيهما كما استوى علمك في المسألة حين قلت أزيدٌ ثمّ
أم عمرٌ و. ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ: {ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاقٍ}.
ولو لم تستفهم ولم تدخل لام الابتداء لأعملت علمت كما تعمل عرفت ورأيت وذلك قولك قد علمت زيداً خيرا منك كما قال تعالى جدّه: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت} وكما قال جلّ ثناؤه: {لا تعلمونهم الله يعلمهم} كقولك لا تعرفونهم الله يعرفهم. وقال سبحانه: {والله يعلم المفسد من المصلح} ). [الكتاب: 1/235-237] (م)
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (واعلم أن الفاء لا تضمر فيها أن في الواجب ولا يكون في هذا الباب إلا الرفع وسنبين لم ذلك وذلك قوله إنه عندنا فيحدثنا وسوف آتيه فأحدثه ليس إلا إن شئت رفعته على أن تشرك بينه وبين الأول وإن شئت كان منقطعاً لأنك قد أوجبت أن تفعل فلا يكون فيه إلا الرفع وقال عز وجل: {فلا تكفر فيتعلمون} فارتفعت لأنه لم يخبر عن الملكين أنهما قالا لا تكفر فيتعلمون ليجعلا كفره سبباً لتعليم غيره ولكنه على كفروا فيتعلمون
ومثله: {كن فيكون} كأنه قال إنما أمرنا ذاك فيكون). [الكتاب: 3/38-39]
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وهذه اللام تصرف إن إلى الابتداء كما تصرف عبد الله إلى الابتداء إذا قلت قد علمت لعبد الله خيرٌ منك فعبد الله هنا بمنزلة إن في أنه يصرف إلى الابتداء.
ولو قلت قد علمت أنه لخير منك لقلت قد علمت لزيداً خيراً منك ورأيت لعبد الله هو الكريم فهذه اللام لا تكون مع أن ولا عبد الله إلا وهما مبتدءان.
ونظير ذلك قوله عز وجل: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} فهو ههنا مبتدأ.
ونظير إن مكسورةً إذا لحقتها اللام قوله تعالى: {ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون} وقال أيضاً: {هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد} فإنكم ههنا بمنزلة أيهم إذا قلت ينبئهم أيهم أفضل.
وقال الخليل مثله: (إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيءٍ) فما ههنا بمنزلة أيهم ويعلم معلقة). [الكتاب: 3/148]
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (ويكون أيضا: يَفْعَلُ لما وقع ولما لم يقع. مثل قوله:

ولقد أمر على اللئيم يسبني = فمضيت عنه وقلت: لا يعنيني
كأنه قال: ولقد مررت أنه قال فمضيت عنه. وقال الآخر:
وإني لآتيكم تشكر ما مضى = من الأمر واستيجاب ما كان في غد
أي: ما يكون في غد.
وقال الله عز وجل: {واتبعوا ما تتلو الشياطين}، أي: ما تلت). [الأضداد: 116-117]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال نهشل بن حري:
...

فا أيهذا المؤتلي إن نهشلا = عصوا قبل ما آليت ملك بني نضر
قال الرياشي: مَلْكَ يعني المَلِكَ. والمُلْكُ: السُّلطان). [النوادر في اللغة: 448] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وأما قول الله عز وجل: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرةً} فهذا هو الوجه؛ لأنه ليس بجواب؛ لأن المعنى في قوله: {ألم تر} إنما هو: انتبه وانظر. أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا.

وليس كقولك: ألم تأت زيداً فيكرمك؛ لأن الإكرام يقع بالإتيان. وليس اخضرار الأرض واقعاً من أجل رؤيتك.
وكذلك قوله عز وجل: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنةٌ فلا تكفر فيتعلمون} لأنه لم يجعل سبب تعليمهم قوله لا تكفر؛ كما تقول: لا تأتني فأضربك؛ لأنه يقول: إنك إن أتيتني ضربتك. وقوله: فلا تكفر حكاية عنهم، وقوله: فيتعلمون ليس متصلاً به. ولو كان كذلك كان لا تكفر فتتعلم يا فتى، ولكن هو محمول على قوله: {يعلمون الناس السحر} فيتعلمون منهم. لا يصح المعنى إلا على هذا أو على القطع أي: منهم يتعلمون). [المقتضب: 2/19] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ألا ترى أنه لا يدخل على الاستفهام من الأفعال إلا ما يجوز أن يلغى؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. وهذه الأفعال هي التي يجوز ألا تعمل خاصةً، وهي ما كان من العلم والشك فعلى هذا: {لنعلم أي الحزبين}، {ولقد علموا لمن اشتراه}؛ لأن هذه اللام تفصل ما بعدها مما قبلها. فتقول: علمت لزيدٌ خير منك). [المقتضب: 3/297] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ويشرى يباع. قال الله عز وجل: {لبئس ما شروا به أنفسهم}، أي: باعوا. وقال يزيد بن مفرغ الحميري:

وشريت بردًا ليتني = من قبل بردٍ كنت هامه
أي: بعته). [شرح المفضليات: 721]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (والرعى هو اسم الذي يرعى ويؤكل، والرعى الفعل. ويقال: ما رعيت إلا على نفسك، أي ما أبقيت. ويقال: أرعني سمعك، أي استمع إلى. وراعنا سمعك، وهو من قوله عز وجل: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا}، وللجمع راعونا أسماعكم. وقرأ ابن مسعود: {لَا تَقُولُوا رَاعِنًا} أي كذبًا وسخريًا وحمقًا.
وكذا: أنقه لي سمعك، مثل أرعني). [مجالس ثعلب: 215]

تفسير قوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وأنت إذا قلت: أعطيت زيداً مائة درهم، أو كسوته ثوبين فإنما أوصلت إليه هذا القدر بعينه من الدراهم، والثياب؛ فلذلك لم يجز أن تقيم المصدر مقام الفاعل إذا كان معه مفعول على الحقيقة، ولكنه قد يجوز أن تقيم المصادر، والظروف من الأمكنة والأزمنة مقام الفاعل إذا دخل المفعول من حروف الجر ما يمنعه أن يقوم مقام الفاعل، وذلك نحو قولك: سير بزيد سير شديد، وضرب بزيد عشرون سوطاً. المعنى: بسبب زيد، ومن أجله، وسير بزيد يوم الجمعة، واختلف به شهران، ومضى به فرسخان، ومشي به ميلان. أقمت هذه الأشياء مقام الفاعل، وقد يجوز نصبها في هذا الموضع وإن كان المفعول مجروراً على ما أصف لك.
فمن ذلك أنك إذا قلت: سير بزبد فرسخاً أضمرت السير؛ لأن سير يدل على السير، فلم تحتج إلى ذكره معه؛ كما تقول: من كذب كان شراً له، تريد: كان الكذب شراً له، فلم تذكر الكذب؛ لأن كذب قد دل عليه.
ونظيره قول الله عز وجل: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً} فلم يذكر البخل لذكره يبخلون.
وجاز أن يكون المضمر الطريق. فكأنه قال: سير عليه الطريق فرسخاً، فحذف لعلم المخاطب بما يعنى.
وجائز أن تقيم المجرور مع المصدر والظروف مقام الفاعل، فتقول: سير يزيد فرسخاً، فلا يمنعه حرف الجر من أن يكون فاعلاً؛ كما قال: ما من أحد، ف أحد فاعل وإن كان مجروراً بمن. وكذلك قوله: {أن ينزل عليكم من خير من ربكم} إنما هو خير من ربكم. ف من لم تغير المعنى وإن غيرت اللفظ. فهذا الذي ذكرته مشبه بذلك في هذا الموضع إذا نصبت المصادر والظروف على مواضعها، فلم تجعلها مفعولات على السعة). [المقتضب: 4/51-52] (م)

تفسير قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) }
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (قال أبو إسماعيل بن القاسم البغدادي: قرأ أبو عمرو بن العلاء: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسأها}.
على معنى أو نؤخرها.
والعرب تقول: نسأ اللّه في أجلك، وأنسأ اللّه أجلك، أي أخر أجلك.
وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من سرّه النّساء في الأجل، والسعة في الرزق، فليصل رحمه والنساء: التأخير، يقال: بعته بنساء وبنسيئة، أي بتأخير، وأنسأته البيع.
وقال اللّه عز وجل: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} [التوبة: 37] ، والمعنى فيه على ما.
حدّثني أبو بكر بن الأنباري، رحمه الله: أنهم كانوا إذا صدروا عن منى قام رجل من بني كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة، فقال: أنا الذي لا أعاب، ولا يرد لي قضاء، فيقولون له: أنسئنا شهرًا، أي أخر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفرٍ، وذلك أنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا تمكنهم الإغارة فيها، لأن معاشهم كان من الإغارة، فيحل لهم المحرم ويحرم عليهم صفرا، فإذا كان في السنة المقبلة حرم عليهم المحرم وأحل لهم صفرا، فقال اللّه عز وجل: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} [التوبة: 37] ، وقال الشاعر:
ألسنا الناسئين على معد = شهور الحل نجعلها حراما
وقال الآخر:
وكنا الناسئين على معد = شهورهم الحرام إلى الحليل
وقال الآخر:
نسئوا الشهور بها وكانوا أهلها = من قبلكم والعز لم يتحول
). [الأمالي: 1/4]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) }

تفسير قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) }

تفسير قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) }

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) }

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (قوله تعالى جدّه: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أجرى الأوّل على لفظ الواحد والآخر على المعنى). [الكتاب: 1/65]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو قلت: أي الرجلين هندٌ ضاربها أبوها، لم يكن كلاماً؛ لأن أيّاً ابتداءٌ ولم تأت له بخبر.
فإن قلت: هند ضاربها أبوها في موضع خبره لم يجز؛ لأن الخبر إذا كان غير الابتداء فلا بد من راجع إليه.
ولو قلت: أي من في الدار إن يأتيا نأته، كان جيد. كأنك قلت: أي القوم إن يأتنا نأته؛ لأن من تكون جمعاً على لفظ الواحد وكذلك الاثنان. قال الله عز وجل: {ومنهم من يستمع إليك} وقال: {ومنهم من يستمعون إليك} وقال: {ومنهم من يؤمن به} فحمل على اللفظ. وقال: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسنٌ فله أجره عند ربه ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} فحمل مرة على اللفظ، ومرة على المعنى. وقال الشاعر، فحمل على المعنى:

تعش، فإن عاهدتني لا تخونني = نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فهذا مجاز هذه الحروف.
فأما من فإنه لا يعنى بها في خبرٍ ولا استفهام ولا جزاءٍ إلا ما يعقل. لا تقول في جواب من عندك?: فرسٌ ولا متاع، إنما تقول: زيدٌ أو هند. قال الله عز وجل: {فمن كان يرجو لقاء ربه} وقال عز وجل يعني الملائكة: {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته} وقال جل اسمه: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض}.
فأما ما فتكون لذوات غير الآدميين، ولنعوت الآدميين. إذا قال: ما عندك? قلت: فرسٌ، أو بعيرٌ، أو متاع أو نحو ذلك. ولا يكون جوابه زيدٌ ولا عمرو. ولكن يجوز أن يقول: ما زيدٌ? فتقول: طويلٌ أو قصير أو عاقل أو جاهل.
فإن جعلت الصفة في موضع الموصوف على العموم جاز أن تقع على ما يعقل.
ومن كلام العرب: سبحان ما سبح الرعد بحمده، وسبحان ما سخركن لنا.
وقال عز وجل: {والسماء وما بناها}. فقال قوم: معناه: ومن بناها. وقال آخرون: إنما هو: والسماء وبنائها. كما تقول: بلغني ما صنعت، أي صنيعك؛ لأن ما إذا وصلت بالفعل كانت مصدراً.
وكذلك قوله عز وجل: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} قال قوم: معناه: أو ملك أيمانهم. وقال آخرون: بل هو: أو من.
فأما أي والذي فعامتان، تقعان على كل شيءٍ على ما شرحته لك في أي خاصةً). [المقتضب: 2/294-295] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (
الحرب أول ما تكون فتيةً = تسعى بزينتها لكل جهول
منهم من ينشد: الحرب أول ما تكون فتيةً يجعل أول ابتداءً ثانياً، ويجعل الحال يسد مسد الخبر وهو فتيةً فيكون هذا كقولك: الأمير أخطب ما يكون قائماً، وقد بينا نصب هذا في قول سيبويه، ودللنا على موضع الخبر في مذاهبهم وما كان الأخفش يختار، وهو الذي لا يجوز غيره. فأما تصييره فتية حالاً لأول، أول مذكر، وفتية مؤنثة، فلأن المعنى مشتمل عليها. فخرج هذا مخرج قول الله عز وجل: {ومنهم من يستمعون إليك}؛ لأن من وإن كان موحد اللفظ فإن معناه هاهنا الجمع، وكذلك: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين}، وهذا كثيرٌ جداً. ومنه قول الشاعر:
تعش فإن عاهدتني لا تخوننـي = نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
أراد مثل اثنين ومثل اللذين. وقرأ القراء: (ومن تقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً). وأما أبو عمرو فقرأ: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً}، فحمل ما يلي على اللفظ، وما تباعد منها على المعنى، ونظير ذلك قوله عز وجل: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسنٌ فله أجره عند ربه} فهذا على لفظ من، ثم قال: {ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} على المعنى. وهذا كثيرٌ جداً). [المقتضب: 3/252-253]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فـ"من" تقع للواحد والاثنين والجميع والمؤنث على لفظ واحد، فإن شئت حملت خبرها على لفظها فقلت: من في الدار يحبك، عنيت جميعًا أو اثنين أو واحدًا أو مؤنثًا، وإن شئت حملته على المعنى فقلت: يحبانك، وتحبك إذا عنيت امرأة ويحبونك إذا عنيت جميعًا كل ذلك جائز جيد، وقال الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ}. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي}. وقال فحمل على المعنى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}. وقرأ أبو عمرو: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا} فحمل الأول على اللفظ والثاني على المعنى. وفي القرآن: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}.
فهذا كله على اللفظ، ثم قال: {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} على المعنى). [الكامل: 1/478] (م)


رد مع اقتباس