عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 01:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ ذلكم اللّه فأنّى تؤفكون (95) فالق الإصباح وجعل اللّيل سكنًا والشّمس والقمر حسبانًا ذلك تقدير العزيز العليم (96) وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر قد فصّلنا الآيات لقومٍ يعلمون (97)}
يخبر تعالى أنّه فالق الحبّ والنّوى، أي: يشقّه في الثّرى فتنبت الزّروع على اختلاف أصنافها من الحبوب، والثّمار على اختلاف أشكالها وألوانها وطعومها من النّوى؛ ولهذا فسّر [قوله] {فالق الحبّ والنّوى}، بقوله: {يخرج الحيّ من الميّت} أي: يخرج النّبات الحيّ من الحبّ والنّوى، الّذي هو كالجماد الميّت، كما قال: {وآيةٌ لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبًّا فمنه يأكلون * [وجعلنا فيها جنّاتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ وفجّرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون * سبحان الّذي خلق الأزواج كلّها ممّا تنبت الأرض] ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون} [يس: 33 -36].
وقوله: {ومخرج الميّت من الحيّ} معطوفٌ على {فالق الحبّ والنّوى} ثمّ فسّره ثمّ عطف عليه قوله: {ومخرج الميّت من الحيّ}
وقد عبّروا عن هذا [وهذا] بعباراتٍ كلّها متقاربةٌ مؤدّيةٌ للمعنى، فمن قائلٍ: يخرج الدّجاجة من البيضة، والبيضة من الدّجاجة، من قائلٍ: يخرج الولد الصّالح من الكافر، والكافر من الصّالح، وغير ذلك من العبارات الّتي تنتظمها الآية وتشملها.
ثمّ قال: {ذلكم اللّه} أي: فاعل هذه الأشياء هو اللّه وحده لا شريك له {فأنّى تؤفكون} أي: فكيف تصرفون من الحقّ وتعدلون عنه إلى الباطل فتعبدون مع اللّه غيره). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 304]

تفسير قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فالق الإصباح وجاعل اللّيل سكنًا} أي: خالق الضّياء والظّلام، كما قال في أوّل السّورة: {وجعل الظّلمات والنّور} فهو سبحانه يفلق ظلام اللّيل عن غرّة الصّباح، فيضيء الوجود، ويستنير الأفق، ويضمحلّ الظّلام، ويذهب اللّيل بدآدئه وظلام رواقه، ويجيء النّهار بضيائه وإشراقه، كما قال [تعالى]: {يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثًا} [الأعراف: 54]، فبيّن تعالى قدرته على خلق الأشياء المتضادّة المختلفة الدّالّة على كمال عظمته وعظيم سلطانه، فذكر أنّه فالق الإصباح وقابل ذلك بقوله: {وجاعل اللّيل سكنًا} أي: ساجيًا مظلمًا تسكن فيه الأشياء، كما قال: {والضّحى واللّيل إذا سجى} [الضّحى: 1، 2]، وقال {واللّيل إذا يغشى * والنّهار إذا تجلّى} [اللّيل: 1، 2]، وقال {والنّهار إذا جلاها * واللّيل إذا يغشاها} [الشّمس: 3، 4].
وقال صهيبٌ الرّوميّ [رضي اللّه عنه] لامرأته وقد عاتبته في كثرة سهره: إنّ اللّه جعل اللّيل سكنًا إلّا لصهيبٍ، إنّ صهيبًا إذا ذكر الجنّة طال شوقه، وإذا ذكر النّار طار نومه، رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقوله: {والشّمس والقمر حسبانًا} أي: يجريان بحسابٍ مقنّنٍ مقدّرٍ، لا يتغيّر ولا يضطرب، بل كلٌّ منهما له منازل يسلكها في الصّيف والشّتاء، فيترتّب على ذلك اختلاف اللّيل والنّهار طولًا وقصرًا، كما قال [تعالى] {هو الّذي جعل الشّمس ضياءً والقمر نورًا وقدّره منازل [لتعلموا عدد السّنين والحساب]} الآية [يونس: 5]، وكما قال: {لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا اللّيل سابق النّهار وكلٌّ في فلكٍ يسبحون} [يس: 40]، وقال: {والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره} [الأعراف: 54].
وقوله: {ذلك تقدير العزيز العليم} أي: الجميع جارٍ بتقدير العزيز الّذي لا يمانع ولا يخالف العليم بكلّ شيءٍ، فلا يعزب عن علمه مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء، وكثيرًا ما إذا ذكر اللّه تعالى خلق اللّيل والنّهار والشّمس والقمر، يختم الكلام بالعزّة والعلم، كما ذكر في هذه الآية، وكما في قوله: {وآيةٌ لهم اللّيل نسلخ منه النّهار فإذا هم مظلمون * والشّمس تجري لمستقرٍّ لها ذلك تقدير العزيز العليم} [يس: 37، 38].
ولمّا ذكر خلق السموات والأرض وما فيهنّ في أوّل سورة {حم} السّجدة، قال: {وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظًا ذلك تقدير العزيز العليم} [فصّلت: 12]). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 304-305]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر}، قال بعض السّلف: من اعتقد في هذه النّجوم غير ثلاثٍ فقد أخطأ وكذب على اللّه: أنّ اللّه جعلها زينةً للسّماء ورجومًا للشّياطين، ويهتدى بها في ظلمات البرّ والبحر.
وقوله: {قد فصّلنا الآيات} أي: قد بيّنّاها ووضّحناها {لقومٍ يعلمون} أي: يعقلون ويعرفون الحقّ ويجتنبون الباطل). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 305]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ ومستودعٌ قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون (98) وهو الّذي أنزل من السّماء ماءً فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبًّا متراكبًا ومن النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ وجنّاتٍ من أعنابٍ والزّيتون والرّمّان مشتبهًا وغير متشابهٍ انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إنّ في ذلكم لآياتٍ لقومٍ يؤمنون (99)}
يقول تعالى: {وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ} يعني: آدم عليه السّلام، كما قال: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرًا ونساءً} [النّساء: 1].
وقوله: {فمستقرٌ} اختلفوا في معنى ذلك، فعن ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وأبي عبد الرّحمن السّلميّ، وقيس بن أبي حازمٍ ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وإبراهيم النّخعيّ، والضّحّاك وقتادة والسّدّي، وعطاءٍ الخراسانيّ: {فمستقرٌ} أي: في الأرحام قالوا -أو: أكثرهم -: {ومستودعٌ} أي: في الأصلاب.
وعن ابن مسعودٍ وطائفةٍ عكس ذلك. وعن ابن مسعودٍ أيضًا وطائفةٍ: فمستقرٌّ في الدنيا، ومستودعٌ حيث يموت. وقال سعيد بن جبير: {فمستقرٌ} في الأرحام وعلى ظهر الأرض، وحيث يموت. وقال الحسن البصريّ: المستقرّ الّذي [قد] مات فاستقرّ به عمله. وعن ابن مسعودٍ: ومستودعٌ في الدّار الآخرة.
والقول الأوّل هو الأظهر، واللّه أعلم.
وقوله: {قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون} أي: يفهمون ويعون كلام اللّه ومعناه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 305-306]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهو الّذي أنزل من السّماء ماءً} أي بقدرٍ مباركًا، رزقًا للعباد وغياثًا للخلائق، رحمةً من اللّه لخلقه {فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ}، كما قال: {وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ}[الأنبياء: 30] {فأخرجنا منه خضرًا} أي: زرعًا وشجرًا أخضر، ثمّ بعد ذلك يخلق فيه الحبّ والثّمر؛ ولهذا قال: {نخرج منه حبًّا متراكبًا} أي: يركب بعضه بعضًا، كالسّنابل ونحوها {ومن النّخل من طلعها قنوانٌ} أي: جمع قنو وهي عذوق الرّطب {دانيةٌ} أي: قريبةٌ من المتناول، كما قال عليّ بن أبي طلحة الوالبيّ، عن ابن عبّاسٍ: {قنوانٌ دانيةٌ} يعني بالقنوان الدّانية: قصار النّخل اللّاصقة عذوقها بالأرض. رواه ابن جريرٍ.
قال ابن جريرٍ: وأهل الحجاز يقولون: قنوان، وقيسٌ يقولون: قنوان، وقال امرؤ القيس:
فأثّت أعاليه وآدت أصوله ....... ومال بقنوانٍ من البسر أحمرا
قال: وتميمٌ يقولون قنيان بالياء -قال: وهي جمع قنوٍ، كما أنّ صنوانٌ جمع صنوٍ
وقوله: {وجنّاتٍ من أعنابٍ} أي: ونخرج منه جنّاتٍ من أعنابٍ، وهذان النّوعان هما أشرف عند أهل الحجاز، وربّما كانا خيار الثّمار في الدّنيا، كما امتنّ تعالى بهما على عباده، في قوله: {ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} [النّحل: 67]، وكان ذلك قبل تحريم الخمر.
وقال: {وجعلنا فيها جنّاتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ}[يس: 34].
وقوله: {والزّيتون والرّمّان مشتبهًا وغير متشابهٍ} قال قتادة وغيره: يتشابه في الورق، قريب الشّكل بعضه من بعضٍ، ويتخالف في الثّمار شكلًا وطعمًا وطبعًا.
وقوله: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه} أي: نضجه، قاله البراء بن عازبٍ، وابن عبّاسٍ، والضّحّاك، وعطاءٌ الخراسانيّ، والسّدّي، وقتادة، وغيرهم. أي: فكّروا في قدرة خالقه من العدم إلى الوجود، بعد أن كان حطبًا صار عنبًا ورطبًا وغير ذلك، ممّا خلق تعالى من الألوان والأشكال والطّعوم والرّوائح، كما قال تعالى: {وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجنّاتٌ من أعنابٍ وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغير صنوانٍ يسقى بماءٍ واحدٍ ونفضّل بعضها على بعضٍ في الأكل [إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون]} [الرّعد: 4] ولهذا قال هاهنا: {إنّ في ذلكم لآياتٍ}، أي: دلالاتٍ على كمال قدرة خالق هذه الأشياء وحكمته ورحمته {لقومٍ يؤمنون} أي: يصدّقون به، ويتّبعون رسله). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 306-307]


رد مع اقتباس