عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون (59) قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل (60) وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به واللّه أعلم بما كانوا يكتمون (61) وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يعملون (62) لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون (63)}
يقول تعالى: قل يا محمّد، لهؤلاء الّذين اتّخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من أهل الكتاب: {هل تنقمون منّا إلا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل} أي: هل لكم علينا مطعنٌ أو عيبٌ إلّا هذا؟ وهذا ليس بعيبٍ ولا مذمّةٍ، فيكون الاستثناء منقطعًا كما في قوله: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد} [البروج:8] وكقوله: {وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} [التّوبة:74] وفي الحديث المتّفق عليه: "ما ينقم ابن جميل إلّا أن كان فقيرًا فأغناه اللّه".
وقوله: {وأنّ أكثركم فاسقون} معطوفٌ على {أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل} أي: وآمنّا بأنّ أكثركم فاسقون، أي: خارجون عن الطّريق المستقيم). [تفسير القرآن العظيم: 3/142]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه} أي: هل أخبركم بشرّ جزاءٍ عند اللّه يوم القيامة ممّا تظنّونه بنا؟ وهم أنتم الّذين هم متّصفون بهذه الصّفات القصيرة، فقوله: {من لعنه اللّه} أي: أبعده من رحمته {وغضب عليه} أي: غضبًا لا يرضى بعده أبدًا، {وجعل منهم القردة والخنازير} كما تقدّم بيانه في سورة البقرة. وكما سيأتي إيضاحه في سورة الأعراف [إن شاء اللّه تعالى]
وقد قال سفيان الثّوريّ: عن علقمة بن مرثد، عن المغيرة بن عبد اللّه، عن المعرور بن سويد، عن ابن مسعودٍ قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن القردة والخنازير، أهي ممّا مسخ اللّه [تعالى] ؟ فقال إنّ اللّه لم يهلك قومًا -أو قال: لم يمسخ قومًا-فيجعل لهم نسلا ولا عقبًا وإنّ القردة والخنازير كانت قبل ذلك".
وقد رواه مسلمٌ من حديث سفيان الثّوريّ ومسعر كلاهما، عن مغيرة بن عبد اللّه اليشكريّ، به.
وقال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا داود بن أبي الفرات، عن محمّد بن زيدٍ، عن أبي الأعين العبديّ، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعودٍ قال: سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن القردة والخنازير، أهي من نسل اليهود؟ فقال: "لا إنّ اللّه لم يلعن قومًا فيمسخهم فكان لهم نسلٌ، ولكن هذا خلقٌ كان، فلمّا غضب اللّه على اليهود فمسخهم، جعلهم مثلهم".
ورواه أحمد من حديث داود بن أبي الفرات، به.
وقال ابن مردويه: حدّثنا عبد الباقي، حدّثنا أحمد بن صالحٍ حدّثنا الحسن بن محبوبٍ، حدّثنا عبد العزيز بن المختار، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الحيّات مسخ الجنّ، كما مسخت القردة والخنازير". هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا.
وقوله: {وعبد الطّاغوت} وقرئ {وعبد الطّاغوت} على أنّه فعلٌ ماضٍ، "والطّاغوت" منصوبٌ به، أي: وجعل منهم من عبد الطّاغوت. وقرئ: {وعبد الطّاغوت} بالإضافة على أنّ المعنى: وجعل منهم خدم الطّاغوت، أي: خدّامه وعبيده. وقرئ {وعبد الطّاغوت} على أنّه جمع الجمع: عبد وعبيد وعبد، مثل ثمارٍ وثمر. حكاها ابن جريرٍ عن الأعمش. وحكي عن بريدة الأسلميّ أنّه كان يقرؤها: "وعابد الطّاغوت"، وعن أبيٍّ، وابن مسعودٍ: "وعبدوا"، وحكى ابن جريرٍ عن أبي جعفرٍ القارئ أنّه كان يقرؤها: {وعبد الطّاغوت} على أنّه مفعول ما لم يسمّ فاعله، ثمّ استبعد معناها. والظّاهر أنّه لا بعد في ذلك؛ لأنّ هذا من باب التّعريض بهم، أي: وقد عبدت الطّاغوت فيكم، وكنتم أنتم الّذين تعاطوا ذلك.
وكلّ هذه القراءات يرجع معناها إلى أنّكم يا أهل الكتاب الطّاعنين في ديننا، والّذي هو توحيد اللّه وإفراده بالعبادات دون [ما] سواه، كيف يصدر منكم هذا وأنتم قد وجد منكم جميع ما ذكر؟ ولهذا قال: {أولئك شرٌّ مكانًا} أي: ممّا تظنّون بنا {وأضلّ عن سواء السّبيل} وهذا من باب استعمال أفعل التّفضيل فيما ليس في الطّرف الآخر مشاركةٌ، كقوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/142-144]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} وهذه صفة المنافقين منهم، أنّهم يصانعون المؤمنين في الظّاهر وقلوبهم منطويةٌ على الكفر؛ ولهذا قال: {وقد دخلوا [بالكفر وهم قد خرجوا به]} أي عندك يا محمّد {بالكفر} أي: مستصحبين الكفر في قلوبهم، ثمّ خرجوا وهو كامنٌ فيها، لم ينتفعوا بما قد سمعوا منك من العلم، ولا نجعت فيهم المواعظ ولا الزّواجر؛ ولهذا قال: {وهم [قد] خرجوا به} فخصّهم به دون غيرهم.
وقوله: {واللّه أعلم بما كانوا يكتمون} أي: واللّه عالمٌ بسرائرهم وما تنطوي عليهم ضمائرهم وإن أظهروا لخلقه خلاف ذلك، وتزيّنوا بما ليس فيهم، فإنّ عالم الغيب والشّهادة أعلم بهم منهم، وسيجزيهم على ذلك أتمّ الجزاء). [تفسير القرآن العظيم: 3/144]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت} أي: يبادرون إلى ذلك من تعاطي المآثم والمحارم والاعتداء على النّاس، وأكلهم أموالهم بالباطل {لبئس ما كانوا يعملون} أي: لبئس العمل كان عملهم وبئس الاعتداء اعتداؤهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/144]

تفسير قوله تعالى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قوله: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون} يعني: هلّا كان ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن تعاطي ذلك. والرّبّانيّون وهم: العلماء العمّال أرباب الولايات عليهم، والأحبار: وهم العلماء فقط.
{لبئس ما كانوا يصنعون} وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: يعني الرّبّانيّين، أنّهم: بئس ما كانوا يصنعون. يعني: في تركهم ذلك.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: قال لهؤلاء حين لم ينهوا، ولهؤلاء حين علموا. قال: وذلك الأركان. قال: "ويعملون"و "ويصنعون" واحدٌ. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا ابن عطيّة، حدّثنا قيس، عن العلاء بن المسيّب، عن خالد بن دينارٍ عن ابن عبّاسٍ قال: ما في القرآن آيةٌ أشدّ توبيخًا من هذه الآية: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون} قال: كذا قرأ.
وكذا قال الضّحّاك: ما في القرآن آيةٌ أخوف عندي منها: إنّا لا ننهى. رواه ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: ذكره يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود، حدّثنا محمّد بن مسلمٍ عن أبي الوضّاح، حدّثنا ثابت بن سعيدٍ الهمذاني، قال: رأيته بالرّيّ فحدّث عن يحيى بن يعمر قال: خطب عليّ بن أبي طالبٍ فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي، ولم ينههم الرّبّانيّون والأحبار، فلمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الرّبّانيّون والأحبار أخذتهم العقوبات. فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن ينزل بكم مثل الّذي نزل بهم، واعلموا أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لا يقطع رزقًا ولا يقرّب أجلًا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا، شريك، عن أبي إسحاق، عن المنذر بن جريرٍ، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما من قومٍ يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعزّ منه وأمنع، لم يغيّروا، إلّا أصابهم اللّه منه بعذابٍ".
تفرّد به أحمد من هذا الوجه.
ورواه أبو داود، عن مسدّد، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن المنذر بن جريرٍ، عن جريرٍ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "ما من رجلٍ يكون في قومٍ يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون أن يغّيروا عليه، فلا يغيّرون إلّا أصابهم اللّه بعقابٍ قبل أن يموتوا".
وقد رواه ابن ماجه عن عليّ بن محمّدٍ، عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيد اللّه بن جريرٍ، عن أبيه، به.
قال الحافظ المزّي: وهكذا رواه شعبة، عن إسحاق، به). [تفسير القرآن العظيم: 3/144-145]

رد مع اقتباس