عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:22 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم} آية تعجيز وإقامة حجة، ويروى أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشا. والجمهور على "قل ادعوا" بضم اللام، وروى عباس عن أبي عمرو: "قل ادعوا" بكسر اللام "الذين" يريد الملائكة والأصنام; وذلك أن قريشا والعرب كان منهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يقول: نعبدها لتشفع لنا، ونحو هذا، فنزلت هذه الآية معجزة لكل منهم. ثم جاء بصفة هؤلاء الذين يدعونهم آلهة، من أنهم لا يملكون ملك الاختراع مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، وأنهم لا شرك لهم فيها، وهذان فيهما نوعا الملك: إما استبدادا وإما مشاركة، فنفى عنهم جميع ذلك، ونفى أن يكون منهم لله معين في شيء من قدرته، و"الظهير": المعين. ثم تقرر في الآية بعد أن الذين يظنون أنهم يشفعون لهم لا تصح منهم شفاعة لهم; إذ هؤلاء كفرة، ولا يأذن الله في الشفاعة في كافر).[المحرر الوجيز: 7/ 181-182]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}
المعنى: إن كل من دعوتم إلها من دون الله لا يملكون مثقال ذرة، ولا تنفع شفاعتهم إلا بإذن فيمن آمن، فكأنه قال: ولا هم شفعاء على الحد الذي ظننتم أنتم.
واختلف المتأولون في قوله: {إلا لمن أذن له}، فقالت فرقة: معناه: لمن أراد له، وقالت فرقة: معناه: لمن أذن له أن يشفع هو.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واللفظ يعمهما: لأنه إذا انفرد للشافع فلا شك أن المشفوع فيه معين له، وإذا انفرد للمشفوع فيه فالشافع لا محالة عالم معين لذلك. وانظر أن اللام الأولى تشير إلى المشفوع فيه من قوله: "لمن"، تقول: شفعت لفلان.
وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي بضم الألف من " أذن" -، وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: "أذن" بفتحها، والضمير في "قلوبهم" عائد على الملائكة الذين دعوهم آلهة، ففي الكلام حذف يدل عليه الظاهر، كأنه قال: ولا هم شفعاء كما تحسبون أنتم، بل هم عبدة ومستسلمون أبدا حتى إذا فزع عن قلوبهم.
وتظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية، أعني قوله تعالى: {حتى إذا فزع عن قلوبهم} إنما هي الملائكة إذا سمعت الوحي إلى جبريل بالأمر يأمر الله به سمعت كجر سلسلة الحديد على الصفوان، فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة، وقيل: خوف أن تقوم الساعة، فإذا فرغ ذلك فزع عن قلوبهم، أي: أطير الفزع عنها وكشف، فيقول بعضهم لبعض ولجبريل: ماذا قال ربكم؟ فيقول المسؤولون: قال الحق وهو العلي الكبير، وبهذا المعنى من ذكر الملائكة في صدر الآيات تتسق هذه الآية على الأولى، ومن لم يشعر أن الملائكة مشار إليهم من أول قوله: {الذين زعمتم} لم تتصل لهم هذه الآية بما قبلها، فلذلك اضطرب المفسرون في تفسيرها، حتى قال بعضهم في الكفار - بعد حلول الموت - فزع عن قلوبهم بفقد الحياة فرأوا الحقيقة، وزال فزعهم من شبه ما يقال لهم في حياتهم، فيقال لهم حينئذ: ماذا قال ربكم؟ فيقولون: قال الحق، يقرون حين لا ينفعهم الإقرار. وقالت فرقة: الآية في جميع العالم، وقوله: "حتى إذا" يريد: في القيامة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والتأويل الأول في الملائكة هو الصحيح، وهو الذي تظاهرت به الأحاديث. وهذان بعيدان.
وقرأ الجمهور: "فزع" بضم الفاء وكسر الزاي، ومعناه: أطير الفزع عنهم، وهذه الأفعال جاءت مخالفة لسائر الأفعال، لأن "فعل" أصلها الإدخال في الشيء، وقولك: فزعت زيدا معناه: أزلت الفزع عنه. وكذلك: جزعته: أزلت الجزع عنه، ومنه الحديث: "فدخل ابن عباس على عمر فجزعه"، ومنه مرضت فلانا: أزلت المرض عنه. وانظر أن مضارع هذه الأفعال يلحق بـ"تحنث وتحرج وتفكه وتأثم وتخوف". وقرأ ابن عامر: "فزع" بفتح الفاء والزاي وشد الزاي، وهي قراءة ابن مسعود، وابن عباس، وطلحة، وأبي المتوكل الناجي، واليماني. وقرأ الحسن البصري - بخلاف -: "فزع" بضم الفاء وكسر الزاي وتخفيفها، كأنه بمعنى: أقلع، ومن قال بأنها في العالم أجمعه قال: معنى هذه القراءة: فزع الشيطان عن قلوبهم، أي بادر. وقرأ أيوب عن الحسن أيضا: "فرغ" بالفاء وبراء مشددة وبغين منقوطة، من التفريغ، قال أبو حاتم: رواها عن الحسن نحو من عشرة أنفس، وهي قراءة أبي مجلز. وقرأ مطر الوراق، عن الحسن: "فزع" على بناء الفعل للفاعل، وهي قراءة مجاهد، وقرأ الحسن أيضا: "فرغ" بالراء المهملة مخففة، من الفراغ. قال أبو حاتم: وما أظن الثقات رووها عن الحسن على وجوه إلا لصعوبة المعنى عليه فاختلفت ألفاظه فيها. وقرأ عيسى بن عمر: "حتى إذا افرنقع"، وهي قراءة ابن مسعود. ومعنى هذا كله: وقع فراغها من الفزع والخوف، ومن قرأ شيئا من هذا على بناء الفعل للمفعول فقوله تعالى: {عن قلوبهم} في موضع رفع، و"افرنقع" معناه: تفرق.
وقوله تعالى: "ماذا" يجوز أن تكون (ما) في موضع نصب بـ"قال"، ويصح أن تكون في موضع رفع بمعنى: أي شيء قال؟ والنصب في قولهم: "الحق" على نحوه في قوله تعالى: {ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا}؛ لأنهم حققوا أن ثم ما أنزل، وحققوا هنا أن ثم ما قيل، وباقي الآية تحميد وتمجيد). [المحرر الوجيز: 7/ 182-185]

رد مع اقتباس