عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:44 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ (128) فإن تولّوا فقل حسبي اللّه لا إله إلا هو عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم (129)}
يقول تعالى ممتنًّا على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولًا من أنفسهم، أي: من جنسهم وعلى لغتهم، كما قال إبراهيم، عليه السّلام: {ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم} [البقرة: 129]، وقال تعالى: {لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم} [آل عمران: 164]، وقال تعالى: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم} أي: منكم وبلغتكم، كما قال جعفر بن أبي طالبٍ للنّجاشيّ، والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى: إنّ اللّه بعث فينا رسولًا منّا، نعرف نسبه وصفته، ومدخله ومخرجه، وصدقه وأمانته، وذكر الحديث.
وقال سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه في قوله تعالى: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم} قال: لم يصبه شيءٌ من ولادة الجاهليّة، وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: "خرجت من نكاحٍ، ولم أخرج من سفاح".
وقد وصل هذا من وجهٍ آخر، كما قال الحافظ أبو محمّدٍ الحسن بن عبد الرّحمن الرامهرمزي في كتابه "الفاصل بين الرّاوي والواعي": حدّثنا أبو أحمد يوسف بن هارون بن زيادٍ، حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا محمّد بن جعفر بن محمّدٍ قال: أشهد على أبي لحدّثني، عن أبيه، عن جدّه، عن عليٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "خرجت من نكاحٍ ولم أخرج من سفاحٍ، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمّي لم يمسّني من سفاح الجاهليّة شيءٌ".
وقوله: {عزيزٌ عليه ما عنتّم} أي: يعزّ عليه الشّيء الّذي يعنت أمّته ويشقّ عليها؛ ولهذا جاء في الحديث المرويّ من طرقٍ عنه أنّه قال: "بعثت بالحنيفيّة السّمحة" وفي الصّحيح: "إنّ هذا الدّين يسرٌ" وشريعته كلّها سهلةٌ سمحةٌ كاملةٌ، يسيرةٌ على من يسّرها اللّه تعالى عليه.
{حريصٌ عليكم} أي: على هدايتكم ووصول النّفع الدّنيويّ والأخرويّ إليكم.
قال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الحضرميّ، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن فطر، عن أبي الطّفيل، عن أبي ذرٍّ قال. تركنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وما طائرٌ يقلّب جناحيه في الهواء إلّا وهو يذكّرنا منه علمًا -قال: وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما بقي شيءٌ يقرب من الجنّة ويباعد من النّار إلّا وقد بيّن لكم".
وقال الإمام أحمد: حدثنا [أبو] فطن، حدثنا السعودي، عن الحسن بن سعدٍ، عن عبدة النّهدي، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اللّه لم يحرّم حرمة إلّا وقد علم أنّه سيطّلعها منكم مطّلع، ألا وإنّي آخذٌ بحجزكم أن تهافتوا في النّار، كتهافت الفراش، أو الذّباب".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبّاسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتاه ملكان، فيما يرى النّائم، فقعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه. فقال الّذي عند رجليه للّذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمّته. فقال: إنّ مثله ومثل أمّته كمثل قومٍ سفرٍ انتهوا إلى رأس مفازةٍ فلم يكن معهم من الزّاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجلٌ في حلّة حبرة فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضًا معشبةً، وحياضًا رواءً تتّبعوني؟ فقالوا: نعم. قال: فانطلق بهم، فأوردهم رياضًا معشبةً، وحياضًا رواءً، فأكلوا وشربوا وسمنوا، فقال لهم: ألم ألفكم على تلك الحال، فجعلتم لي إن وردت بكم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً أن تتّبعوني؟ فقالوا: بلى. قال: فإنّ بين أيديكم رياضًا هي أعشب من هذه، وحياضًا هي أروى من هذه، فاتّبعوني. فقالت طائفةٌ: صدق، واللّه لنتبعنّه وقالت طائفةٌ: قد رضينا بهذا نقيم عليه.
وقال البزّار: حدّثنا سلمة بن شبيبٍ وأحمد بن منصورٍ قالا حدّثنا إبراهيم بن الحكم بن أبانٍ حدّثنا أبي، عن عكرمة عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه؛ أنّ أعرابيًّا جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليستعينه في شيءٍ -قال عكرمة: أراه قال: "في دمٍ" -فأعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا، ثمّ قال: "أحسنت إليك؟ " قال الأعرابيّ: لا ولا أجملت. فغضب بعض المسلمين، وهمّوا أن يقوموا إليه، فأشار رسول اللّه إليهم: أن كفّوا. فلمّا قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبلغ إلى منزله، دعا الأعرابيّ إلى البيت، فقال له: "إنّك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، فقلت ما قلت" فزاده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا، وقال: "أحسنت إليك؟ " فقال الأعرابيّ: نعم، فجزاك اللّه من أهلٍ وعشيرةٍ خيرًا. قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّك جئتنا تسألنا فأعطيناك، فقلت ما قلت، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيءٌ، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يديّ، حتّى يذهب عن صدورهم". قال: نعم. فلمّا جاء الأعرابيّ. قال إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه، فقال ما قال، وإنّا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنّه قد رضي، [كذلك يا أعرابيّ؟] قال الأعرابيّ: نعم، فجزاك اللّه من أهلٍ وعشيرةٍ خيرًا. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ مثلي ومثل هذا الأعرابيّ كمثل رجلٍ كانت له ناقةٌ، فشردت عليه، فاتّبعها النّاس فلم يزيدوها إلّا نفورًا. فقال لهم صاحب النّاقة: خلّوا بيني وبين ناقتي، فأنا أرفق بها، وأعلم بها. فتوجّه إليها وأخذ لها من قتام الأرض، ودعاها حتّى جاءت واستجابت، وشدّ عليها رحلها وإنّه لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النّار". ثمّ قال البزّار: لا نعلمه يروى إلّا من هذا الوجه.
قلت: وهو ضعيفٌ بحال إبراهيم بن الحكم بن أبانٍ، واللّه أعلم.
وقوله: {بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ} كما قال تعالى: {واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين. فإن عصوك فقل إنّي بريءٌ ممّا تعملون. وتوكّل على العزيز الرّحيم} [الشّعراء: 215-217].
وهكذا أمره تعالى.
وهذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {فإن تولّوا} أي: تولّوا عمّا جئتهم به من الشّريعة العظيمة المطهّرة الكاملة الشّاملة، {فقل حسبي اللّه} أي: اللّه كافيّ، لا إله إلّا هو عليه توكّلت، كما قال تعالى: {ربّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتّخذه وكيلا} [المزّمّل: 9].
{وهو ربّ العرش العظيم} أي: هو مالك كلّ شيءٍ وخالقه، لأنّه ربّ العرش العظيم، الّذي هو سقف المخلوقات وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقدرة اللّه تعالى، وعلمه محيطٌ بكلّ شيءٍ، وقدره نافذٌ في كلّ شيءٍ، وهو على كلّ شيءٍ وكيلٍ.
قال عبد اللّه بن الإمام أحمد: حدّثني محمّد بن أبي بكرٍ، حدّثنا بشر بن عمر، حدّثنا شعبة، عن عليّ بن زيدٍ، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، عن أبيّ بن كعبٍ قال: آخر آيةٍ نزلت من القرآن هذه الآية: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم} إلى آخر السّورة.
وقال عبد اللّه بن الإمام أحمد: حدّثنا روح بن عبد المؤمن، حدّثنا عمر بن شقيقٍ، حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ، رضي اللّه عنه؛ أنّهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكرٍ، رضي اللّه عنه، فكان رجالٌ يكتبون ويملي عليهم أبيّ بن كعبٍ، فلمّا انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءةٌ: {ثمّ انصرفوا صرف اللّه قلوبهم بأنّهم قومٌ لا يفقهون} [التّوبة: 127]، فظنّوا أنّ هذا آخر ما أنزل من القرآن. فقال لهم أبيّ بن كعبٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقرأني بعدها آيتين: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ} إلى: {وهو ربّ العرش العظيم} قال: "هذا آخر ما أنزل من القرآن" قال: فختم بما فتح به، باللّه الّذي لا إله إلّا هو، وهو قول اللّه تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25] غريبٌ أيضًا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن بحرٍ، حدّثنا محمّد بن سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن يحيى بن عبّاد، عن أبيه عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير، رضي اللّه عنه، قال: أتى الحارث بن خزمة بهاتين الآيتين من آخر براءةٌ: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم} إلى عمر بن الخطّاب، فقال: من معك على هذا؟ قال: لا أدري، واللّه إنّي لأشهد لسمعتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ووعيتها وحفظتها. فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -ثمّ قال: لو كانت ثلاث آياتٍ لجعلتها سورةً على حدةٍ، فانظروا سورةً من القرآن، فضعوها فيها. فوضعوها في آخر براءةٌ.
وقد تقدّم أنّ عمر بن الخطّاب هو الّذي أشار على أبي بكرٍ الصّديق، رضي اللّه عنهما، بجمع القرآن، فأمر زيد بن ثابتٍ فجمعه. وكان عمر يحضرهم وهم يكتبون ذلك. وفي الصّحيح أنّ زيدًا قال: فوجدت آخر سورة "براءةٌ" مع خزيمة بن ثابتٍ -أو: أبي خزيمة وقدّمنا أنّ جماعةً من الصّحابة تذكّروا ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كما قال خزيمة بن ثابتٍ حين ابتدأهم بها، واللّه أعلم.
وقد روى أبو داود، عن يزيد بن محمّدٍ، عن عبد الرّزّاق بن عمر -وقال: كان من ثقات المسلمين من المتعبّدين، عن مدرك بن سعدٍ -قال يزيد: شيخٌ ثقةٌ -عن يونس بن ميسرة، عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي اللّه لا إله إلّا هو، عليه توكّلت، وهو ربّ العرش العظيم، سبع مرّاتٍ، إلّا كفاه اللّه ما أهمّه.
وقد رواه ابن عساكر في ترجمة "عبد الرّزّاق بن عمر" هذا، من رواية أبى زرعة الدّمشقيّ، عنه، عن أبي سعدٍ مدرك بن أبي سعدٍ الفزاريّ، عن يونس بن ميسرة بن حليسٍ، عن أمّ الدّرداء، سمعت أبا الدّرداء يقول: ما من عبدٍ يقول: حسبي اللّه، لا إله إلّا هو، عليه توكّلت، وهو ربّ العرش العظيم، سبع مرّاتٍ، صادقًا كان بها أو كاذبًا، إلّا كفاه اللّه ما همّه.
وهذه زيادةٌ غريبةٌ. ثمّ رواه في ترجمة عبد الرّزّاق أبي محمّدٍ، عن أحمد بن عبد اللّه بن عبد الرّزّاق، عن جدّه عبد الرّزّاق بن عمر، بسنده فرفعه فذكر مثله بالزّيادة. وهذا منكرٌ، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 241-244]


رد مع اقتباس