عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 03:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري


تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون (100)}
قال ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، في قوله: {أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها} أو لم نبيًن، [وكذا قال مجاهدٌ والسّدّيّ، وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: أو لم نبيّن] لهم أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم.
وقال أبو جعفر بن جريرٍ في تفسيرها: يقول تعالى: أو لم نبيّن للّذين يستخلفون في الأرض من بعد إهلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها، فساروا سيرتهم، وعملوا أعمالهم، وعتوا على ربّهم: {أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم} يقول: أن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم، {ونطبع على قلوبهم} يقول: ونختم على قلوبهم {فهم لا يسمعون} موعظةً ولا تذكيرًا.
قلت: وهكذا قال تعالى: {أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إنّ في ذلك لآياتٍ لأولي النّهى} [طه: 128] وقال تعالى: {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إنّ في ذلك لآياتٍ أفلا يسمعون} [السّجدة: 29] وقال {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوالٍ. وسكنتم في مساكن الّذين ظلموا أنفسهم وتبيّن لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال} [إبراهيم: 44، 45] وقال تعالى: {وكم أهلكنا قبلهم من قرنٍ هل تحسّ منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزًا} [مريم: 98] أي: هل ترى لهم شخصًا أو تسمع لهم صوتًا؟ وقال تعالى: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم وأرسلنا السّماء عليهم مدرارًا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين} [الأنعام: 6] وقال تعالى بعد ذكره إهلاك عادٍ: {فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين. ولقد مكّنّاهم فيما إن مكّنّاكم فيه وجعلنا لهم سمعًا وأبصارًا وأفئدةً فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيءٍ إذ كانوا يجحدون بآيات اللّه وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرّفنا الآيات لعلّهم يرجعون} [الأحقاف: 25-27] وقال تعالى: {وكذّب الّذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذّبوا رسلي فكيف كان نكير} [سبأٍ: 45] وقال تعالى: {ولقد كذّب الّذين من قبلهم فكيف كان نكير} [الملك: 18] وقال تعالى: {فكأيّن من قريةٍ أهلكناها وهي ظالمةٌ فهي خاويةٌ على عروشها وبئرٍ معطّلةٍ وقصرٍ مشيدٍ. أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} [الحجّ: 45، 46] وقال تعالى: {ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فحاق بالّذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} [الأنعام: 10] إلى غير ذلك من الآيات الدّالّة على حلول نقمه بأعدائه، وحصول نعمه لأوليائه؛ ولهذا عقّب ذلك بقوله، وهو أصدق القائلين وربّ العالمين: {تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبيّنات فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين (101) وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين (102)} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 451-452]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبيّنات فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين (101) وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين (102)}
لمّا قصّ تعالى على نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- خبر قوم نوحٍ، وهودٍ، وصالحٍ، ولوطٍ، وشعيبٍ [عليهم الصّلاة والسّلام] وما كان من إهلاكه الكافرين وإنجائه المؤمنين، وأنّه تعالى أعذر إليهم بأن بيّن لهم الحقّ بالحجج على ألسنة الرّسل، صلوات اللّه عليهم أجمعين، قال تعالى: {تلك القرى نقصّ عليك} أي: يا محمّد {من أنبائها} أي: من أخبارها، {ولقد جاءتهم رسلهم بالبيّنات} أي: بالحجج على صدقهم فيما أخبروهم به، كما قال تعالى: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} [الإسراء: 15] وقال تعالى: {ذلك من أنباء القرى نقصّه عليك منها قائمٌ وحصيدٌ وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} [هودٍ: 101، 102]
وقوله تعالى: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل} الباء سببيّةٌ، أي: فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرّسل بسبب تكذيبهم بالحقّ أوّل ما ورد عليهم. حكاه ابن عطيّة، رحمه اللّه، وهو متّجهٌ حسنٌ، كقوله: {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم [في طغيانهم يعمهون]} [الأنعام: 110، 111]؛ ولهذا قال هنا: {كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 452-453]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد قيل في تفسير قوله تعالى: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل} ما روى أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ في قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل} قال: كان في علمه تعالى يوم أقرّوا له بالميثاق، أي: فما كانوا ليؤمنوا لعلم اللّه منهم ذلك، وكذا قال الرّبيع بن أنسٍ، واختاره ابن جريرٍ.
وقال السّدّيّ: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل} قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهًا.
وقال مجاهدٌ في قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل} هذا كقوله: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} [الأنعام:28] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 453]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما وجدنا لأكثرهم} أي: لأكثر الأمم الماضية {من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} أي: ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطّاعة والامتثال. والعهد الّذي أخذه [عليهم] هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه، وأخذ عليهم في الأصلاب أنّه ربّهم ومليكهم، وأنّه لا إله إلّا هو، فأقرّوا بذلك، وشهدوا على أنفسهم به، فخالفوه وتركوه وراء ظهورهم، وعبدوا مع اللّه غيره بلا دليلٍ ولا حجّةٍ، لا من عقلٍ ولا شرعٍ، وفي الفطر السّليمة خلاف ذلك، وجاءت الرّسل الكرام من أوّلهم إلى آخرهم بالنّهي عن ذلك، كما جاء في صحيح مسلمٍ يقول اللّه تعالى: "إنّي خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم". وفي الصّحيحين: "كلّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه" الحديث. وقال تعالى في كتابه العزيز: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء:25] وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون} [الزّخرف:45] وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} [النّحل:36] إلى غير ذلك من الآيات). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 453]


رد مع اقتباس