عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: يا نوح...، الآية معناه: قد طال منك هذا الجدال، وهو المراجعة في الحجة والمخاصمة والمقابلة بالأقوال حتى تقع الغلبة، وهو مأخوذ من الجدل وهو شدة الفتل ومنه: حبل مجدول، أي ممرّ، ومنه قيل للصقر أجدل لشدة بنيته وفتل أعضائه و «الجدال» فعال، مصدر فاعل، وهو يقع من اثنين، ومصدر فاعل يجيء على فعال وفيعال ومفاعلة، فتركت الياء من فيعال ورفضت. ومن الجدال ما هو محمود، وذلك إذا كان مع كافر حربي في منعته ويطمع في الجدال أن يهتدي، ومن ذلك هذه الآية، ومنه قوله تعالى: وجادلهم بالّتي هي أحسن [النحل: 125] إلى غير ذلك من الأمثلة. ومن الجدال ما هو مكروه، وهو ما يقع بين المسلمين بعضهم في بعض في طلب علل الشرائع وتصور ما يخبر الشرع به من قدرة الله، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكرهه العلماء، والله المستعان.
وقرأ ابن عباس «قد جادلتنا فأكثرت جدلنا» بغير ألف، وبفتح الجيم، ذكره أبو حاتم.
والمراد بقولهم ما تعدنا العذاب والهلاك، والمفعول الثاني ل تعدنا مضمر تقديره بما تعدناه.
ولما كان الكلام يقتضي العذاب جاز أن يستعمل فيه الوعد). [المحرر الوجيز: 4/ 567]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قال إنّما يأتيكم به اللّه إن شاء وما أنتم بمعجزين (33) ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان اللّه يريد أن يغويكم هو ربّكم وإليه ترجعون (34) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعليّ إجرامي وأنا بريءٌ ممّا تجرمون (35)
المعنى: ليس ذلك بيدي ولا إلى توفيته، وإنما ذلك بيد الله وهو الآتي به إن شاء وإذا شاء، ولستم من المنعة بحال من يفلت أو يعتصم بمنج، وإنما في قبضة القدرة وتحت ذلة المتملك، وليس نصحي بنافع ولا إرادتي الخير لكم مغنية إذا كان الله تعالى قد أراد بكم الإغواء والإضلال والإهلاك. والشرط الثاني اعتراض بين الكلام، وفيه بلاغة في اقتران الإرادتين. وأن إرادة البشر غير مغنية، وتعلق هذا الشرط هو ب نصحي، وتعلق الآخر هو ب «لا ينفع». والنصح هو سد ثلم الرأي للمنصوح وترقيعه، وهو مأخوذ من نصح الثوب إذا خاطه، والمنصح الإبرة، والمخيط يقال له منصح ونصاح: وقالت فرقة معنى قوله يغويكم: يضلكم، من قولهم غوى الرجل يغوى، ومنه قول الشاعر [المرقش]: [الطويل]
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره = ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
وإذا كان هذا معنى اللفظة، ففي الآية حجة على المعتزلة القائلين إن الضلال إنما هو من العبد.
وقالت فرقة معنى قوله: يغويكم: يهلككم، والغوى المرض والهلاك وفي لغة طيّئ: أصبح فلان غاويا، أي مريضا، والغوى بشم الفصيل، قال يعقوب في الإصلاح. وقيل: فقده اللبن حتى يموت جوعا، قاله الفراء وحكاه الطبري. يقال غوى يغوى، وحكى الزهراوي أنه الذي قطع عنه اللبن حتى كاد يهلك ولما يهلك بعد، فإذا كان هذا معنى اللفظة زال موضع النظر بين أهل السنة والمعتزلة، وبقي الاحتجاج عليهم بما هو أبين من هذه الآية كقوله تعالى: فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام [الأنعام: 125] ونحوها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولكني أعتقد أن للمعتزلة تعلقا وحجة بالغة بهذا التأويل، فرد عليه وأفرط حتى أنكر أن يكون الغوى بمعنى الهلاك موجودا في لسان العرب.
وقوله: هو ربّكم، تنبيه على المعرفة بالخالق. وقوله: وإليه ترجعون إخبار في ضمنه وعيد وتخويف). [المحرر الوجيز: 4/ 568-569]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: أم يقولون افتراه = الآية، قال الطبري وغيره من المتأولين والمؤلفين في التفسير: إن هذه الآية اعترضت في قصة نوح وهي شأن محمد صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش، وذلك أنهم قالوا: افتري القرآن وافتري هذه القصة على نوح، فنزلت الآية في ذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا لو صح بسند وجب الوقوف عنده، وإلا فهو يحتمل أن يكون في شأن نوح عليه السلام، ويبقى اتساق الآية مطردا، ويكون الضمير في قوله افتراه عائدا إلى العذاب الذي توعدهم به أو على جميع أخباره، وأوقع الافتراء على العذاب من حيث يقع على الإخبار به. والمعنى: أم يقول هؤلاء الكفرة افترى نوح هذا التوعد بالعذاب وأراد الإرهاب علينا بذلك ثم يطرد باقي الآية على هذا.
وأم هي التي بمعنى بل يقولون، و «الإجرام» مصدر أجرم يجرم إذا جنى، يقال: جرم وأجرم بمعنى، ومن ذلك قول الشاعر:
طريد عشيرة ووهين ذنب = بما جرمت يدي وجنى لساني
). [المحرر الوجيز: 4/ 569-570]


رد مع اقتباس